الموضوع: واعمراه!
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-11-2020, 01:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي واعمراه!

واعمراه!

( قصة قصيرة )


هارون محمد غزي




(الباشكاتب) ضخم، ذو مكتب فخم، ملمٌّ بعمله، مكتبه لوحة فنية زاهية الألوان، فبجواره حوض لسمك الزينة، يسر الناظر، أسماك مزوقة تعوم برشاقة في محيطها الزجاجي.



بالأركان توزعت أُصص الزهور ونباتات الزينة، التي يتسلل عبيرها المنعش للنفوس، ويشيع وشْيُها في المكتب زخرفًا.

على مكتبه نقشٌ جميل يُبرز اسمَه، وبالجانب المواجه لعينيه: ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 55].


يُسهب في تَعداد ثروته من منطلق ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11] كما يقول.


"أمتلك أرضًا زراعية في البلد، وأكثر من مسكن بالمدينة أؤجِّرها شتاءً للطلبة، وصيفًا للمُصيِّفين، وعندي سيَّارة أجرة، وسيارة نقْل تجريان لحسابي حال يقظتي أو نومي، ولي رصيد في المصرف، وأولادي بالتعليم العالي".
فأقول له:
"ربنا يُبارك لك".


يكسِب ثقة كل مدير جديد، يلفت نظرَك فوق هامته على الحائط عدةُ إطارات مزخرفة تحتضن شهادات اختياره الموظف المثالي لعدة أعوام متتالية، لعله لم تلد مثله ولاَّدة!


حضرت لمقر عمله؛ للتفتيش المفاجئ على الأعمال المالية والإدارية؛ فأصرَّ على أن أجلس على مكتبه، وذهب بنفسه يطلب لي مشروبًا.


قبل أن يرجع لمحت على المقعد المجاور لمكتبه استمارات صرف مَبالغ، وباسترخاء مددت يدي؛ لأعرف أسماء المحظوظين الذين سعت النقود إلى جيوبهم، فإذا هم مُعارون خارج البلاد من شهور! فدقَّقْتُ في تاريخ الصرْف فوجدته بعد سفرهم! كيف؟!
وتم تشكيل لجنة.


أسفر الفحص عن اختلاساته العديدة، على مدى سنواته المثالية.

يجلس حاليًّا بجوار المسؤول عن نظافة مبنى الديوان العام، لا عمل له إلا التدخين بشراهة، وقراءة الجرائد، واستلام مرتبه كل شهر.
لم يُسجَن؛ لأنه سدَّد المبالغ! فهي مجرَّد جزء من ثروته الثرَّة.


لم ينسَ أن يدعوني للسفر على حسابه؛ لحضور مناقشة ابنه لرسالة الدكتوراه، أتبعها بوليمة للهيئة وللعشرات في فندق مشهور.


كما دعاني فيما بعد لحضور افتتاح صيدلية ابنته التي تحمل اسم العائلة.


كلما رأيته تذكَّرت سيدنا عمر بن الخطَّاب، وهو يصادر نصف مال واليه في مثل هذا الحال.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.90 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.39%)]