عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 04-11-2020, 05:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (17)
الحلقة (158)

تفسير سورة آل عمران (24)

إن إفراد الله عز وجل بالعبادة هو الغاية من كل رسالة، وهدف كل نبي من الأنبياء، وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم واليهود قد حرفوا دينهم، واتخذوا أحبارهم أرباباً من دون الله، ومثل ذلك فعل النصارى حيث عبدوا رهبانهم، وزادوا على ذلك أن كل فريق منهم ادعى نسبة إبراهيم عليه السلام إلى ديانته، وقد أخبرهم الله أن إبراهيم ما كان يهودياً ولا نصرانياً، وإنما كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين.
تفسير قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب ربنا عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وبالمشاهدة نشاهد السكينة، لا ضوضاء ولا فوضى ولا لغط ولا سخط ولا كلام، هذه السكينة، أما الرحمة فقد غشيتنا، فهل تشاهد بيننا الآن عذاباً؟ أبداً، رحمة كاملة، وأما كون الملائكة تحفنا فكما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أننا لا نشاهدهم؛ لأن أبصارنا ضعيفة لا تقوى على رؤية الملائكة النورانيين وهم يحفون بالحلقة.وأما ذكر الله تعالى لنا عنده في الملكوت الأعلى فهو كما أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، الحمد لله على هذا الإفضال والإنعام، الحمد لله على أن رزقنا الله إيماناً به وبلقائه، به وبكتابه ورسوله، ويسر لنا أن نصلي المغرب والعشاء في أقدس بيت من بيوت الله، ونتلو كتاب الله ونتدارسه، اللهم لك الحمد! اللهم لك الحمد! اللهم لك الحمد على ما أوليت وأنعمت وأفضلت.وقد انتهى بنا الدرس ونحن في سورة آل عمران عليهم السلام إلى هذه الآيات الخمس، فهيا أنا أتلو وأنتم استمعوا، ونصبح كلنا دارسين وتالين، قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ * هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:64-68].الحمد لله! الحمد لله! الحمد لله! عجب هذا القرآن العظيم. هيا بنا نتدارس هذه الآيات.

المراد بأهل الكتاب وحكمة مناداتهم بهذه الصفة
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [آل عمران:64] من الآمر بكلمة: (قل)؟ الله رب العالمين، منزل القرآن العظيم على خاتم أنبيائه وإمام رسله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [آل عمران:64] نادهم: يا أهل الكتاب! ومن هم أهل الكتاب؟ إنهم والله لليهود والنصارى؛ لأن اليهود بين أيديهم التوراة وإن حرفوها، وإن زادوا وإن نقصوا، وإن قدموا وإن أخروا، لكن أصلها موجود، التوراة النور الإلهي.والنصارى بين أيديهم الإنجيل، الإنجيل الذي أنزله الله على عبده ورسوله عيسى عليه السلام، إذاً: فهم حقاً أهل كتاب أم لا؟ ويكفي أن الله عز وجل يقول لرسوله: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [آل عمران:64]، ناداهم بهذه الصفة التي يفرحون بها، ولا ينكرونها، ولهذا يبتدئ النداء بهذا: (يا أهل الكتاب) يريد أن يقول لهم: تعالوا، ما قال: هلم، تعالوا؛ لأن مقام الرسول عال، كأنه يقول: ارتفعوا أيها الهابطون إلى المقام السامي العالي، وهو مقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ارتفعوا أيها الهابطون إلى مقام النبوة المحمدية لتتعلموا الهدى وتعرفوا الحق.

المراد بالكلمة السواء
قوله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] كلمة العدل والحق والإنصاف، (كلمة سواء) أي: كلمة عدل بيننا وبينكم، ما هذه الكلمة؟ هي أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64] هذه هي كلمة العدل، وهي ألا نعبد نحن وأنتم إلا الله، لا نعبد الله نحن وأنتم تعبدون الأصنام والأوثان، أو تعبدون الأولياء والرهبان، ألا نعبد نحن ولا أنتم إلا الله، هذا هو الإنصاف والعدل.ولا نشرك به تعالى شيئاً، لا عيسى ولا أمه ولا روح القدس جبريل ولا غير جبريل، لا موسى ولا العزير، فقط نعبد الله وحده، ولا نشرك به شيئاً من الشركاء قلوا أو كثروا، ولا شيئاً من الشرك ولو كلمة، ولو انحناء برءوسنا.ثانياً: ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً وآلهة من دون الله، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64] أي: آلهة يعبدون من دون الله عز وجل.إذاً: فاليهود كالنصارى، قدسوا علماءهم ورهبانهم، ورفعوهم إلى مستوى الألوهية والربوبية، فقد أحلوا لهم ما حرم الله فأطاعوهم، فأحلوا ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله وأباح وأذن، فحرموه على أنفسهم اتباعاً لعلمائهم، فكانوا بذلك قد اتخذوهم أرباباً؛ لأن الرب هو الذي يحل ويحرم، هو الذي يمنع ويجيز، لأن الرب هو المربي العليم الحكيم، فهو يحل ما فيه خير للعباد، ويحرم ما فيه ضرر على العباد وشر.فإذا جاء العالم يحرم ما أحل الله ويحل ما حرم الله أصبح هو الإله، واتصف بصفات الرب؛ لأن لفظ الرب فيه معنى التربية.وهنا جاء من سورة التوبة قول الله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:31]، هذه الآية لما سمعها ذاك الصاحب عدي بن حاتم الطائي ابن حاتم الطائي مضرب المثل في الكرم والجود، وولده تنصر وأصبح نصرانياً، فلما أسلم في أخريات من أسلم سمع الرسول يقرأ: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31] فأنكر ذلك وقال: لا يا رسول الله! ما اتخذناهم أرباباً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( أليسوا يحلون لكم الحرام فتحلونه؟ قال: بلى، أليسوا يحرمون عليكم الحلال فتحرمونه؟ قال: بلى. قال: فتلك عبادتهم ) ما هي العبادة إذاً؟ أليست العبادة طاعة في ذل وانكسار وتعظيم لذلك المطاع؟ بلى، إذاً: تلك هي العبادة.(اتخذوا أحبارهم) أي: علماءهم، (ورهبانهم): عُبَّادهم، اتخذوهم أرباباً، كيف جعلوهم أرباباً؟ أطاعوهم في معصية الله.إذاً: هذه هي الدعوة دعوة الإنصاف والعدل، يا أهل الكتاب من يهود ونصارى! تعالوا ارتفعوا إلى مقامنا السامي، ارتفعوا من هذا الهبوط الذي هبطتموه، وأصبحتم لاصقين بالأرض من أجل المادة والأهواء والشهوات والأطماع، ارتفعوا.

ذكر ما تضمنته كلمة السواء من جماع معاني التوحيد
قوله تعالى: تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ [آل عمران:64] أي: عدل بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64]. ما هذه الكلمة؟ هي أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ [آل عمران:64] لا العزير ولا عيسى ولا فلان وفلان وفلان. وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا [آل عمران:64]، فكوننا نعبده ونعبد معه غيره ما استفدنا، ما حققنا الهدف، ما زلنا ضلالاً، ولنذكر هذا دائماً ونقول: من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وجب عليه أن يعبد الله أولاً، كيف يشهد له بأنه لا إله إلا هو ولا يعبده؟ فهو إذاً يسخر ويستهزئ.ثانياً: ألا يعبد معه غيره، وإلا تناقض، كيف يقول: أنا أعلم علم يقين أنه لا يوجد إله يعبد بحق إلا الله، وها أنا قد عبدته، ثم يعبد معه غيره؟ أي تناقض أعظم من هذا؟ فضيحة! من أول مرة يقول: لا إله إلا الله وفلان! حتى يعبده مع الله، أما أن تنفي وجود إله مع الله وتعبد الله ثم تعبد معه غيره فهذه خيانة وسوء أدب.ثالثاً: ألا تعترف بعبادة غير الله، ولا تقرها أبداً، فإن أنت عبدت الله وعبدت وحده، ثم رضيت بأن يعبد غيره معه؛ إذاً تناقضت، فإذا كنت من أول مرة تستثني، فتقول: لا إله إلا الله والمسيح. لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلا ما كان من عبادتنا لـمريم مثلاً، فهذا تناقض.إذاً: كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] هي ألا نعبد أولاً إلا الله، ولا نشرك به شيئاً أبداً، لا من الشرك ولا من الشركاء، فقد يعبد الله عز وجل وحده ولكن يقول كلمة شرك، أو يعتقد عقيدة شرك تتنافى مع التوحيد، فهو كافر ومشرك، ولا يقبل منه ذلك التوحيد.ثالثاً: وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64] لا يتخذ جهالنا علماءنا آلهة يعبدونهم، وهل العلماء يعبدون؟ إذا أحلوا لنا ما حرم الله فاتبعناهم عبدناهم، إذا حرموا علينا ما أحل الله فحرمنا ما أحل الله عبدناهم، ضاددنا الله تعالى وناددناه بهم، وجعلناهم آلهة، إذ لا يشرع إلا الله، لا يقنن إلا الله، وقولوا: لم؟ الجواب: الذي يشرع ويقنن يجب أن يكون عليماً حكيماً قادراً: قدرة لا يعجزها شيء، علم أحاط بكل شيء، حكمة لا يخلو منها شيء، والإنسان الضعيف يستطيع؟ لا يعرف المستقبل ما فيه، لا يعرف مضار الناس ولا منافعهم، الذي يستحق أن يشرع ويقنن فيحلل ويحرم ويأمر وينهى ذاك الذي هو الله ذو القدرة التي لا يعجزها شيء، ذو العلم الذي أحاط بكل شيء، ذو الحكمة التي لا يفارقها شيء! إن الذي يشرع العبادات ليعبد البشر بها الله يجب أن يكون عالماً بكل شيء، والذي لا يعلم ما وراء هذه الجبال، أو لا يعلم ما بعد أسبوع أو عام أو خمسين سنة ولا يعلم ما بعد قرن وقرون؛ كيف يطاع فيما يشرع؟!هذه هي الحقيقة، ووضحها لنا آية سورة التوبة، إذ نزل فيها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ [التوبة:28].هذا إعلان أعلنه علي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق ومن أرسلهم الرسول في حجة سنة تسع من الهجرة، أعلنوا ألا يحج بعد هذا العام مشرك أبداً، في تلك السنة حج المشركون؛ لأنهم ما منعوا، ولم يبق إلا حجة واحدة في السنة العاشرة، حجة الوداع، فبعث الرسول أبا بكر رضي الله عنه نائباً عنه، فكان أول أمير في الحج، ثم زاد فبعث علياً وبعض الصحابة أن ينادوا في عرفات وفي مزدلفة وفي منى وفي مكة ألا يحج بعد العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان، هذا ما يحمله النداء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً [التوبة:28] وفقراً، وقلتم: الآن نجوع، الآن تتعطل التجارة، كان المشركون يأتون بالبضائع والسلع ويشترون ما شاء الله، والآن نصاب بالجوع والفقر، وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ [التوبة:28]، لم قال: إن شاء؟ لو لم يقل: (إن شاء) لتركوا العمل وكل شيء ولقالوا: أبشروا فقد وعدكم الله بالغنى، لا تحرثوا ولا تزرعوا! لا إله إلا الله الحكيم العليم! كلمة (إن شاء) هذه تعدل الدنيا وما فيها، والله لو ما قالها لترك الناسجون النسج، والحارثون الحرث، والمجاهدون قالوا: انتهينا، وعدنا الله بالغنى! لا إله إلا الله، أو ما انتبهتم لهذا القيد؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28] هنا تضطرب القلوب أم لا؟ أين البضائع والسلع والتجارات والذين يشترون؟ تعطلت الحياة! قال: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً [التوبة:28] وفقراً من منعكم المشركين من دخول الحرم من الحج بعد هذا العام فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ [التوبة:28] ثم ماذا قال بعد (إن شاء)؟ قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:28] عرفتم هاتين الصفتين؟ عليم بكل شيء، حكيم في تشريعه في كل شيء، فاستجيبوا، أطيعوا، امنعوا المشركين بعد هذا العام، لا تقبل مشركاً يحج بعد هذا العام.
ضلال اليهود والنصارى باعتقادهم في عيسى وعزير واتخاذهم الأحبار والرهبان أرباباً
ثم قال: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29] أذلاء، هنا بين لنا شركهم وكفرهم، لا تقل: اليهود والنصارى ما هم بكفار ولا مشركين! اسمع الله يقرر شركهم وكفرهم: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ [التوبة:30] أما الواقع فوالله ما المسيح ابن الله ولا العزير ابن الله. ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ [التوبة:30] قالوا كما قال المشركون من العرب وغيرهم. يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة:30] اسمع علة هذا اللعن:قال: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31] اليهود اتخذوا العلماء أرباباً، والنصارى اتخذوا العباد والرهبان أرباباً من دون الله، من أخبر بهذا الواقع؟ الله عز وجل، هل يقول الله غير الصدق والواقع؟ حاشاه تعالى أن يقوله.قال: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31]، هنا لما سمع عدي بن حاتم الطائي النصراني العربي حيث كان في الشام وكان متنصراً؛ قال: يا رسول الله! ما اتخذناهم أرباباً من دون الله. كيف تقول هذا؟ لو كان متزناً ثابت العقل لما قال هذا والله هو الذي قال، هذا ما هو بقول الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا قول الله، يا حاتم ! أأنت أعلم أم الله؟! لكن لما كان يواجه الرسول قال: يا رسول الله! ما اتخذناهم أرباباً من دون الله! فأجابه أستاذ الحكمة صلى الله عليه وسلم ومعلمها بما شفى صدره، وهدأ من قلقه وروعه، قال: ( أليسوا يحلون لكم الحرام فتحلونه؟ قال: بلى. أليسوا يحرمون عليكم الحلال فتحرمونه؟ قال: بلى. قال: فتلك عبادتهم ) تلك هي العبادة إذاً. أليست هي الطاعة مع الإذعان والذل والاحترام والتعظيم؟ إذاً: عبدتموهم، واتخذتموهم أرباباً.وهذه الآية نزلت في وفد نجران فاسمعوها: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] لا ظلم ولا جور، نحن وأنتم سواء، ما هذه الكلمة؟ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا [آل عمران:64] من الشرك أو الشركاء، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64].

منع النبي الصحابة من القيام له صورة من صور حمايته لجناب التوحيد
من هنا كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد الناس في المسجد أن يقوموا يقول: لا تقوموا، ما سمح لأحد أن يقوم له، يدخل على أصحابه في الروضة من بيته، فهموا أن يقوموا فقال: لا تقوموا، حتى لا يقال: الرسول يحب أن يعظم ويعبد. فهذا من عمل اليهود والنصارى، يقومون لأحبارهم ورهبانهم؛ لأن القيام عبادة سببها الطاعة والتعظيم والحب والذل والانكسار، والانحناء الذي هو امتداد الظهر أو ما نسميه بالركوع أليس هذا من باب التعظيم والإجلال لمن عبدناه أم لا؟ والسجود من باب أولى، ولهذا قال: ( من سره أن يمتثل له الناس قيامًا ) بحب صادق ( فليتبوأ - والعياذ بالله- مقعده من النار ).فلهذا ما من حق المؤمن صادق الإيمان أن يرغب في أن يقوم الناس له، وإن قاموا له وبدون حب منه ولا رغبة؛ فلا بأس، أما أن يحب لنفسه أن يقوم الناس له تعظيماً وإجلالاً وإكباراً فقد تبوأ مقعده في النار.فعبادنا وزهادنا وعلماؤنا نحبهم نبجلهم نعظمهم نقدرهم، لكن ليس إكباراً وإجلالاً كالعبادة، وهم أنفسهم عليهم الرضوان لا يرغبون أن يذلوا الناس ويهينوهم؛ حتى يركعوا لهم أو يقوموا لهم، وليس ذلك في نفوسهم، فإن فعله من فعله من إخوانهم فهو من باب احترام أو تعظيم العالم أو الحاكم، ليس عبادة له وذلاً وصغاراً أو إعظاماً وإجلالاً؛ لأننا كلنا عبيد الله، ولكن فضل الله بعضنا على بعض، فمن هنا الذين يركعون وينحنون خوفاً وتبجيلاً وتعظيماً عبدوا غير الله عز وجل. وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64] الأرباب: جمع رب، ما الرب؟ الرب يطلق ويراد به: المعبود، لم عبد؟ لأنه يربي، يطعم ويسقي ويحيي ويميت، ويعز ويذل؛ فتذل له النفوس تعظيماً له وخوفاً منه ورغبة فيما عنده.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.84 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.82%)]