عرض مشاركة واحدة
  #286  
قديم 04-11-2020, 05:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,192
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (15)
الحلقة (156)

تفسير سورة آل عمران (22)

من الصفات التي لا تنفك عن اليهود تكذيبهم لرسل الله، وإعراضهم عما جاءوهم به مهما كانت المعجزات التي يأتونهم بها، بل ولا يتوقفون عند ذلك وإنما يؤذون أنبياء الله ويقتلون فريقاً منهم، وحالهم مع عيسى لم يختلف عن حالهم مع من سبقه، فلما أحس منهم الكفر نصره الله بالحواريين من قومه، فآمنوا به وآزروه، ومع ذلك فقد حاول الكفار المكر بعيسى وقتله إلا أن الله عز وجل نجاه منهم ورفعه إليه.

تفسير قوله تعالى: (فلما أحس عيسى منهم الكفر ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي- صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء إنك ولينا وولي المؤمنين.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات المباركات، سبع آيات:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ * إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ [آل عمران:52-58].معاشر المستمعين والمستمعات! أعيد إلى أذهانكم أن هذه الآيات نزلت في إبطال تأليه عيسى عليه السلام، وهي تحمل الرد المفحم لوفد نصارى نجران، إذ جاءوا يجادلون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحاجونه في شأن عيسى ووالدته، إذ يؤلهون عيسى وأمه، وهم مرتبكون في الأقانيم الثلاثة، هل هي الله وعيسى وروح القدس؟! أو هي مريم وعيسى وروح القدس؟! فكل طائفة تقول بما أملى عليها الشيطان، والحقيقة هي أن عيسى عبد الله ورسوله.ومن عظيم بيان الله عز وجل أنه قص عليهم قصة عيسى من عهد جدته، والسياق في تقرير هذه الحقيقة هي: أن عيسى لم يكن بإله أبداً، ولا بابن الله أبداً، وتعالى الله أن يكون له ولد ولم تكن له صاحبة -أي: زوجة-.

طلب عيسى من الحواريين النصرة لما أحس من قومه الكفر
قال الله عز وجل: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ [آل عمران:52]، الإحساس لا يكون إلا بالحواس الخمس: السمع والبصر واللسان والشم واليدان والرجلان. أَحَسَّ أي: علم بواسطة النظر أو السمع، عرف منهم الكفر. فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ وعرف أنهم يريدون أذاه وقتله، وشعر بالإحساس الكامل قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ [آل عمران:52] طلب النصرة من المؤمنين؛ لأن القوم يمكرون ويدبرون له الأذى والقتل.فأجابه الحواريون، والحواريون جمع حواري، وهو الأبيض القلب، الزكي النفس، ذو الأخلاق العالية.والحواريون كانوا اثني عشر رجلاً، آمنوا بعيسى وصدقوه وشاهدوا آياته ومعجزاته، وكان يبعثهم للدعوة نيابة عنه. قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ [آل عمران:52]، أي: استنجدهم عيسى عليه السلام لنصرته فما تأخروا عن نصرته بل رفعوا أصواتهم قائلين: نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ [آل عمران:52].قوله: مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ، وإلى هنا بمعنى مع، بمعنى من أنصاري مع الله؛ لأن حروف الجر تتناوب. من أنصاري مع الله، ويصح أن تبقى (إلى) على بابها، وهناك محذوف، من أنصاري في الطريق إلى الله؟ في دعوتي إلى الله؟قَالَ الْحَوَارِيُّونَ وهم اثنا عشر من الصالحين، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من نبي إلا وله حواريون، وأنا حواريي الزبير بن العوام )، وهو ابن عمته، فرضي الله عن الزبير كان من حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم.ماذا قالوا؟ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ [آل عمران:52] يا روح الله: بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52]، واشهد يا عيسى يا رسول الله بأنا مسلمون.

دين الله هو الإسلام منذ آدم إلى محمد عليه الصلاة والسلام
وهنا يرجع بنا الحديث إلى أن الديانات الإلهية من عهد آدم عليه السلام إلى عهد نبينا صلى الله عليه وسلم لم تخرج عن الإسلام، فاليهودية والنصرانية والديانات الأخرى والملل كلها مبتدعة، أصل الأديان هو الإسلام؛ لأن الإسلام: هو أن يسلم الإنسان قلبه ووجهه لله، فقلبه لا يتقلب إلا في طلب رضا الله، ووجهه لا يقبل به إلا على الله؛ يدعوه ويسأله ويتضرع إليه، ويطيعه فيما يأمره به وينهاه عنه، وقد تختلف الملل في الأمر والنهي؛ لأن الشارع حكيم، فقد يحل لأناس ما يحرم على آخرين، وقد يكلف أناساً ما لم يكلف به آخرين، بحسب استعدادهم وما تهيئوا له للكمال والسعادة، أما أصل الدين فواحد وهو الإسلام. فنوح قال: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:72]، وهكذا يوسف: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101].فاليهودية والنصرانية والبوذية.. هذه الملل كلها بدع ما أنزل الله بها من سلطان، فبعث الله الرسل وأنزل معهم الكتب التي تدعو إلى الإسلام، فهؤلاء الحواريون لما استنجدهم عيسى قالوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ [آل عمران:52] يا روح الله: بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52] أي: منقادون خاضعون ذليلون لربنا عز وجل، ننصر من ينصره، ونوالي من يواليه، ونعادي من يعاديه، فكان يجب على النصارى الدخول في الإسلام والتخلي عن هذه البدعة المنتنة، ولكن هذا حكم الله: لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة:13].

تفسير قوله تعالى: (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول ...)
وقالوا: رَبَّنَا [آل عمران:53]، أي: يا ربنا. آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ [آل عمران:53] من الآيات البينات من التوراة والإنجيل والزبور وما أنزل من الآيات القرآنية أو الآيات المعجزات. وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ [آل عمران:53]، الرسول هنا بالألف واللام، (أل) للعهد، فمن هو الرسول؟ عيسى عليه السلام، فهو رسول الله أي: مرسوله الذي أرسله إلى بني إسرائيل. وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ ما قالوا: آمنا بما أنزلت واتبعنا عيسى، بل قالوا: (اتبعنا الرسول) ففيه تقرير رسالة عيسى عليه السلام، وأنه عبد الله ورسوله، الرسول الكريم العظيم المبجل الصادق.إذاً: توسلنا إليك يا ربنا بالإيمان بك.. توسلنا إليك يا ربنا بالإيمان برسولك فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:53]، توسلوا إلى الله بقولهم: رَبَّنَا أي: يا ربنا: آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ أي: صدقنا بالذي أنزلته علينا من بركات السماء؛ من الرسالات والمعجزات والخيرات والبركات. وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ أي: مشينا وراءه، فلم نتقدمه ولم نمش عن يمينه ولا عن يساره، ولكن وراءه، فالإتباع أن تكون وراء المتبوع، وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ إذاً: فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ؛ توسلوا إلى الله بإيمانهم وعملهم الصالح، إذ قالوا: آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ أعطنا شيئاً، وهو اكتبنا مع الشاهدين، والشاهدون غير الشهداء، هم ما ماتوا في سبيل الله، فلم يقول واكتبنا مع الشهداء، قال: مَعَ الشَّاهِدِينَ فهل نحن منهم؟! كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فهو من الشاهدين، فالحمد لله أننا من الشاهدين؛ اللهم اكتبنا مع الشاهدين في ديوانهم.أرأيتم إخوانكم الحواريين كيف يتوسلون إلى الله عز وجل؟! أهل بصيرة، ونحن -والحمد لله- لا نتوسل إلا إلى بالله وبما يحب أن نتوسل به إليه، وإخواننا في الشرق والغرب إلى الآن يتوسلون بجاه فلان وحق فلان! ويجادلون أيضاً.قالوا: رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ قال: فعلت.

تفسير قوله تعالى: (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين)
قال تعالى: وَمَكَرُوا [آل عمران:54]، عاد السياق إلى الذين تخوفهم عيسى عليه السلام، قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ [آل عمران:52]، من هؤلاء الذين قال الله فيهم: وَمَكَرُوا [آل عمران:54]؟ هم اليهود. والمعنى: ونفذ اليهود مكرهم في محاصرتهم منزل عيسى عليه السلام، نفذوا ما بيتوه ودبروه، وجاءوا بشرطتهم ورجال حكومتهم وطوقوا منزل عيسى في ذاك الوقت؛ ليقتلوه أو يسجنوه، ودام الحصار ساعات ولم يخرج، وبعد ذلك دخل رئيس الشرطة ولكن الله سبحانه وتعالى رفع عيسى عليه السلام إليه من فتحة روزنة، من كوة في السطح كانت موجودة في الزمن القديم، وكان كل بيت لابد فيه من روزنة، وألقى الشبه على هذا الرئيس الشرطي، فلما تأخر دخلوا فوجدوا الشرطي وظنوا أنه عيسى، فألقوا الحبال والسلاسل على يديه وسحبوه، ونسوا رئيس الشرطة، ووضعوه على الأعواد وصلبوه وشنقوه، وأما عيسى عليه السلام فهو عند الله عز وجل.قال: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [آل عمران:54]. انتبه يا عبد الله! ويا أمة الله! بأن أفعال الله لا تشابه أفعال المخلوقين؛ وذات الله لا تشبه ذات المخلوقين، فإذا نسب تعالى إليه المكر فلا تفهم أنه كمكر الآدميين؛ لضعفهم وعجزهم وقلة قدرتهم، وإن كان المكر التبييت في الخفاء، فهم دبروا والله عز وجل دبر، ولكن تدبير الله فوق تدبيرهم، هو العليم الحكيم، القوي القدير، وهم الجهلة الضعفة العجزة المساكين، ومكروا كما علمتم ومكر الله عز وجل إذ رفع عيسى وتركهم يتيهون.قال: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [آل عمران:54]، فمكر الإنسان بأخيه الإنسان بالأذى والضرر به، ومكر الله لأوليائه لإنقاذهم ورفعهم وإعزازهم وإكرامهم، وكان الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: ( اللهم امكر لي ولا تمكر علي )، فمن أراده أهل الشر بسوء ومكروا به وبيتوا كيف يضرونه فإن الله يمكر بهم ويضيع جهودهم وخيب آمالهم وينزل بهم نقمه وعذابه، وهذا بيان مكر الله عز وجل.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.99 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.12%)]