
01-11-2020, 06:06 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,181
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
معجزته عليه السلام في إبراء الأكمه والأبرص
قال تعالى: وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ [آل عمران:49].ثانياً: وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ [آل عمران:49]، الأكمه: الذي ولد أعمى لا عين له مطموس العين، لو كان مرض بعينيه وعالجه فممكن أن يشفى، لو كانت العينان فيهما بياض فهذا أسهل، لكن ولد لا يبصر، وبالفعل يدعو الله تعالى فيعود إليه بصره.والبرص: مرض معروف أعيا الأطباء إلى اليوم، منذ أن بدأ البرص إلى الآن ما عرف الطب ماذا يصنع، البرص: أن يتحول جلد الإنسان إلى لون أبيض، هو أسود ويصبح جلده أبيض كالثوب، هذا البرص، فيمسح عليه بيده فيذهب البرص، فأية آية أعظم من هذه؟ هل آمنوا به؟ قتلوه، تآمروا على قتله وصلبوا من تمثل به.
معجزته عليه السلام في إخبار بني إسرائيل بما يأكلون وما يدخرون
قال: وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ [آل عمران:49]، يقول: اسألوني، أكلتم كذا وكذا، وادخرتم للعشاء في القدر الفلاني في الزاوية الفلانية كذا وكذا. ما يستطيعون أن ينكروا، فعقولهم صغيرة وهابطة، لو أخبرهم عن ملكوت السماء وعن الغيب لم يفهموا، لكن قال لهم: أنا أخبركم عما تأكلون وما تدخرون، وأنا لست في بيوتكم، وأنا لا أخبر عن بيت فلان فقط، أنتم يا أهل الدار الفلانية طعامكم اليوم كذا، عشاؤكم كذا، ادخرتم لأولادكم كذا، كيف يعرف هذا؟ والمفروض أنهم يؤمنون كلهم نساؤهم ورجالهم؛ لأن هذه الآية بين أيديهم ما هي وهمية: وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ [آل عمران:49]، حتى لو كانت بيضة ادخرتها لابنها يقول: ادخرت البيضة الفلانية لولدك، ولكن من لم يشأ الله هدايته فوالله لا يهتدي، ما آمنوا، بل طردوا أتباعه الحواريين وأبعدوهم من البلاد فلجئوا إلى الجبال، هؤلاء من هم؟ ما زالوا على أشد ما يكونوا مكراً وخديعة، إلا أن لهم بعض الأساليب أحسن من أساليب العروبة الهابطة وأذكى.قال: وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ [آل عمران:49] إن كنتم مؤمنين بالله ولقائه، بالله ورسله، بالله وكتبه، بالله ووعده ووعيده، بالله وقدرته ورحمته وحكمته، لما لا تؤمنون بهذه؟ أية آية أوضح من هذه الآية؟ يخبر أهل القرية بما يأكلونه وما يدخرون، ما كان معهم ولا أكل معهم ولا يخطئ ولا يكذب أبداً، لو لم يكن رسول الله فكيف يخبر بهذا، الساحر والله ما يستطيع ولا يقدر على هذا، لكن ضعف إيمانهم هو الذي أدى بهم إلى التكذيب، فلهذا قال: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ، فوالله لو كانوا مؤمنين بحق لكانت تنشرح صدورهم وتطيب نفوسهم لهذه الآيات الإلهية، لكن المرض متأصل، ما هم بالمؤمنين الصادقين في إيمانهم.
تفسير قوله تعالى: (ومصدقاً لما بين يدي من التوراة ...)
وما زالت البراهين: وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ [آل عمران:50]، وهذا الكلام الذي تسمعونه قاله عيسى وهو في القماطة، تكلم في المهد بهذا الكلام وبغيره، وما أخبر به كله وقع بالحرف الواحد. وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ [آل عمران:50]، أي: من أحكامها في الحلال والحرام والشرائع والقوانين؛ لأنه كتاب إلهي، وإن دخله النقص والزيادة، لكن الأصل هو التوراة أنزلها الله تعالى على موسى، وبين موسى وعيسى أكثر من ثلاثة آلاف سنة. وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ [آل عمران:50]، ما السر في هذه؟ لو كان دجالاً أو ساحراً أو يريد دولة أو يريد منصبًا فلن يوافق ما في التوراة أبداً، يأتي بما يخالقها ويناقضها، لكن كون ما أدعو إليه وأقوم به وتلبست به كله كما في التوراة؛ إذاً أنا من أنبياء الله ورسله، أوما تفطنتم لقوله: وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ [آل عمران:50]؟ لو كان ما جاء به يتنافى معها لسهل أن يقال: كذاب ودجال، لو يأتي الآن واحد منا يدعي الولاية أو النبوة ويناقض ما في القرآن فهل هناك من يقبله؟ لا أحد، لكن لو دعا بدعوى وجدناها في القرآن نقبله، ولهذا قبلنا الدعاة الصالحين، لأنهم لا يناقضون ما في كتاب الله، بل يؤيدونه ويعبرون عنه ويدعون إليه، فلو تناقض داعي بدعوة ما مع القرآن فقوله مرفوض، أليس كذلك؟
معنى قوله تعالى: (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم)
قوله تعالى: وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [آل عمران:50]، ولأحل لكم بإذن الله عز وجل بعض الطعام، بعض الشراب، بعض اللباس، بعض المركوب الذي كان حلالاً وحرم عليهم، هذا الذي يحله لهم هو ذاك الذي حرم لأنهم ظلموا واعتدوا على عهد أنبياء الله، فحرمهم الله منه، فجاءت رحمة الله مع عيسى عليه السلام، فلو آمنوا لأحل لهم بعض الذي كان محرماً عليهم من أجل بغيهم وعدوانهم، أما الذي حرم عليهم لأجل ما فيه من الضرر فهو يبقى على أصله، القتل حرام دائماً، الزنا حرام، الربا حرام، الكذب حرام، لكن اللحوم التي حرمها أو بعض الشحوم أحلها لهم، هذه آية نبوته؛ أنه يحل لهم بعض الذي حرم الله عليهم عقوبة لهم: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [النساء:160]، فلما جاء عيسى جاء برحمة الله عز وجل، ولو آمنوا به لأحل لهم ما كان قد حرم عليهم.
معنى قوله تعالى: (وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون)
قوله تعالى: وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:50]، لم قال: (آية) وهي آيات؟ لأن لفظ آية اسم جنس كنعمة: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18]، نعمة واحدة كيف نعدها ولا نحصيها؟ الذي لا يحصى العدد أو الواحد؟إذاً: فنعمة معناها: نِعم، كذلك: وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ [آل عمران:50]، عشرات ومئات الآيات، فـ(آية) اسم جنس، كـ(نعمة) كما قلت لكم، هل نعمة الله واحدة؟ نعمة السمع، البصر، العلم.. نِعَم، قال: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18]، هل يفهم العربي أن الواحد لا يحصى؟ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [آل عمران:50]، أي: بناء على هذا ما بقي لكم إلا أن تتقوا الله عز وجل، ولا تخرجوا عن أمره، وأطيعوني فيما أدعوكم إليه؛ لأني رسول الله إليكم؛ أقودكم إلى شواطئ السلامة والسعادة، وطاعة الرسول واجبة أم لا؟ إذا لم يطع فكيف يعلم، كيف يهتدي الناس؟ إذاً: أمرهم بتقوى الله عز وجل، أي: خافوا ربكم أن ينتقم منكم، أن ينزل بكم بلاء أو شقاء، أو يعذبكم.إذاً: فآمنوا بأني رسول الله إليكم وأطيعوني لأني أقول لكم: افعلوا كذا فافعلوا، ولا تفعلوا كذا فلا تفعلوا، فإذا لم تطيعوني فلن ينفعكم إيمانكم وتقواكم: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [آل عمران:50].
تفسير قوله تعالى: (إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم)
وجاء الختم الأخير: إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ [آل عمران:51]، عيسى مربوب له رب، إذاً: ما هو برب، كيف يجعلونه رباً وهو يعترف فيقول: إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ [آل عمران:51]؟
حقيقة العبادة
ما هي عبادة الله أيها المسلمون؟ هل نحن الآن نعبد الله؟العبادة: هي الطاعة، وعندنا: فلان عبد لفلان، أي: يخدمه ويطيعه، إذا قال: الزم الباب يلزم الباب، إذا قال: امش نم ينام، أطاع، فالطاعة: هي فعل الأمر واجتناب النهي، إذا أمرك سيدك بأن تقول قل، فإن قلت: لا أقول عصيته، وأصبحت تساويه، قال سيدك: افعل قلت: ما نفعل؛ ما أنت بعبد، ما عبدته ما أطعته، لكن ليس مجرد الطاعة يتحقق فيها معنى العبادة.هل تعرفون الطريق المعبد؟ هو طريق الصحراء ذو الأشواك والحفر والتراب والرمل يأتي المسئول يعبده بالآلاف ليذل ويسكن، إذاً: فالعبادة الطاعة التي صاحبها يذل غاية الذل لمعبوده ولمن أطاعه، ويعظمه غاية التعظيم له، انظر إلى المعنيين: ينكسر ويذل تماماً كالأرض المعبدة، ما يرفع جنبه ولا رأسه، ثم يعظم معبوده فوق كل تعظيم وإجلال وإكبار. وثالث أيضاً: أن يحبه أكثر من نفسه، هو الذي ذلل هذا العبد واستعبده فعبده، ويجب أن يحبه أكثر من نفسه.فالعبد الحق الذي يعبد الله إنسان يطيع الله عز وجل في أمره ونهيه، ولكن لا في عنترية وتعال وترفع، مع ذل وصغار وتطامن وقنوت وخضوع، أما أن تعبد وأنت تتعنتر فلا، بل وأنت تذل وتسكن، ثم تحبه أكثر من حبك لنفسك وأهلك ومالك، ثم تعظمه وتجله وتكبره حتى يكون أكبر من كل شيء عندك. هذا قول عيسى إذاً: إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ [آل عمران:51]، ثم قال لهم: هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [آل عمران:51]، هذا الذي بينت لكم صراط مستقيم، والله لا ينتهي بأهله إلا إلى الجنة، ألا وهو عبادة الله وتقواه، وطاعة رسوله، هذا هو الطريق الموصل أصحابه إلى الجنة، إلى الفوز في الدنيا والآخرة.
إجمال الخبر عما تكلم به عيسى عليه السلام في آيات سورة آل عمران
هذه كلمات عيسى وهو طفل مازال يرضع، تحققت -والله- كلها، وإليكموها مرة أخرى: وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [آل عمران:48]، هذا إخبار عنه قبل أن يوجد: إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ [آل عمران:45-48]، ويرسله رسولاً إلى بني إسرائيل، ويقول: أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ [آل عمران:49]، هذا فيه آية إن كنتم مؤمنين، وإذا كنتم كفارًا فلن تشاهدوا شيئاً، الشمس ينكرونها، قالوا: ما نعرفها. وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ [آل عمران:50]، وفي هذا ما علمتم، لو أن داعية يأتي بلادنا ويدعو بغير القرآن فقوله مرفوض، من يقبله؟ لكن إذا كان يقول: قال الله وقال رسوله نقبله، ما يتناقض. وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [آل عمران:50] بلطف الله وإحسانه، ببركة عيسى، لو آمنوا به لأحل لهم كثيرًا من المحرمات عليهم عقوبة. وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ [آل عمران:50-51]، ما قال: إن الله أبي وأبوكم؟ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ ، كيف يقولون: عيسى ابن الله؟! يا ليته يأتينا مسيحي ويقبل منا البيان، علقوا في أعناقهم الصلبان، حتى الساعة يتبركون بالصليب، كيف تعتقدون أن اليهود قتلوه وتبعدونه؟! لا بأس أن تغضبوا على اليهود، نعم نحن لا ننكر، غضبهم على اليهود حق، وما صلبوا عيسى، لكن الذي تمثل بعيسى، أما أنكم تعبدونه وقد قتله اليهود أعداؤكم فأين عقولكم، كيف يعقل هذا الكلام؟ إنه الجهل والتقليد والتضليل، أولاً: الجهل هذه ثماره. ثانياً: التقليد، جاهل ويقلد، ما يفكر فيما يقول فلان. ثالثاً: التضليل من الرؤساء والذين يريدون أن يسودوا على حساب غيرهم، يعرفون الحق وينكرونه، وقد جربنا هذا في المسلمين، هناك مشايخ من الطرق كانوا يفجرون بنسائنا.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
هداية الآيات
قال المؤلف غفر الله لنا وله: [هداية الآيات] نأخذ هداية هذه الآيات، وتفطنوا من أين أخذنا هذه الثمار الطيبة[ من هداية الآيات:أولاً: شرف الكتابة وفضلها] الكتابة لها شرف وفضل، قال تعالى: وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [آل عمران:48]، إذاً: الكاتب عندنا خير من الذي لا يكتب، لا توظف إلا إذا كان عندك شهادة، وقد قال تعالى: وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ [البقرة:282] شكراً لله عز وجل. وإن قال مريض: النبي لا يعرف الكتابة! قلنا: ذلك آية أنه نبي الله ورسوله، لو كان يكتب لقال الكفرة: هذا الكتاب كتبه، رأيناه في الجبل الفلاني أربعين سنة يخطه، وقال: هذا كتاب الله، ولكن لتقوم الحجة على الإنس والجن أنه لا يكتب ولا يقرأ وكيف يأتي بهذه العلوم والمعارف؟ مستحيل لولا أنها وحي الله وتنزيله وكتابه، ائتوني ببدوي أو عربي أو أعجمي لا يقرأ ولا يكتب، ثم يأتي بعلوم ومعارف، مستحيل، فكونه أمياً آية نبوته ومصداق رسالته: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]. [ثانياً: فضل الحكمة، وهي الفقه في أسرار الشرع والإصابة في الأمور]، ما بينا هذا البيان الكافي، ها هي ذي جاءت بين أيديكم، أخبر تعالى أنه سيعلم عيسى الكتاب أولاً والحكمة، وبعد ذلك التوراة والإنجيل.ما الحكمة؟ قال: [هي الفقه في أسرار الشرع]، والله يقول: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269]، ويفهم أسرار الشرع، لم الوضوء؟ لم يغسل ثلاث مرات؟ لم صلاة الصبح في هذا الوقت، لم حرم الله كذا، وهكذا، الفقيه الحكيم الذي يفهم أسرار الشريعة، هذا أولاً.والثاني: الإصابة، الحكيم لا يخطئ، يضع كل شيء في موضعه، لما يجلس يعرف أين يجلس، والذي لا حكمة له يجلس في مجلس الشيخ. وأنا بهلول بعثتني أمي لأدرس، وطلبوا لي كتاب كذا ، ولما دخلت المسجد كان الطلاب جلوس والشيخ ما جاء، لكن مكانه فارغاً، والبدو مجتمعون من شتى الآفاق ما هم كأهل الحضر اليوم، فأنا جئت فجلست في مكان الشيخ، فصاحوا في وجهي: قم.. قم! لا إله إلا الله! ما هناك لطف ولا رحمة، ما قالوا: هذا صغير وما يفهم وكذا، فيجيء أحدهم إليك فيقول لك: من فضلك هذا المكان ما هو لك، هذا للشيخ. لكن أين الآداب؟والشاهد عندنا: الإصابة في الأمور كلها، حتى الملعقة يعرف من أين يمسكها، اللقمة يعرف كيف يتناولها، نعله كيف يمشي به.. وهكذا الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها قلما يخطئ. اللهم اجعلنا من أهل الحكمة.قال: [فضل الحكمة، وهي الفقه في أسرار الشرع] أولاً [والإصابة في الأمور]، يعني: قلما يخطئ الحكيم، لم؟ لأنه يستعين بالله عز وجل وبالنور الباطني، وهذه الطاقة أكبر من هذه الطاقة المادية، وهي نتيجة لمولد عجيب، وهو تقوى الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، الفرقان أعظم ما تفرق به بين الحق والباطل والخطأ والصواب والخير والشر والنافع والضار: إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ، فالذين يعيشون على تقوى الله ظاهراً وباطناً يوجد في قلوبهم نور يميزون به بين الحق والباطل والخير والشر والنافع والضار، كأنما هو نور بين أيديهم، هذا وعد الله. هل عرفتم من هو الذي فاز بهذه الشهادة أولاً؟ هل هو نابليون ؟ إنه ابن الخطاب عمر ، يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لو كان من أمتي محدثون -أي: تحدثهم الملائكة- لكان عمر ، ولكن لا نبي بعدي )، ولده عبد الله الذكي التلميذ لرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ما قال أبي في شيء أظنه كذا إلا كان كما ظن. هؤلاء هم الذين يجب أن يكونوا في المباحث، هذا النوع ينظر إلى الشخص فيقول: ارمها من جيبك، أنت سارق، فلهذا ندعو المسئولين في العالم الإسلامي أن يخرجوا ربانيين ويجعلوهم في الاستخبارات والمباحث، أما إذا كانوا جهالاً يتخبطون فوالله إنهم يؤذون الحكومة، لكن يقولون: وأين أنتم يا أصحاب الفرقان، نقول: نحن وإياكم سواء، هيا نعود إلى المدرسة المحمدية، ونتخرج كلنا بنسائنا وأطفالنا، وهي المسجد، في القرية أو الحي، لا يتخلف رجل ولا امرأة ولا ولد، كل ليلة من المغرب إلى العشاء، نتعلم الكتاب والحكمة، ونزكي أنفسنا ونهذب آدابنا وأرواحنا، ثم بعدها كلنا علماء ربانيون.وصلى الله على نبينا محمد..

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|