عرض مشاركة واحدة
  #281  
قديم 01-11-2020, 06:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,181
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تصديق القرآن بالكتب السماوية من قبله
يقول الله: مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ [آل عمران:3]. معنى: (مصدقاً)؟ أي: القرآن مصدق. (لما بين يديه) أي: لما أمامه من الكتب التي تقدم نزولها على رسل الله. وهذا التصديق له دلالته، فلو كان القرآن كلام إنسان كما قالوا: محمد عاش في صحراء حارة صهرت ذهنه وفاضت روحه بهذا الكلام، فلو كان ليس كتاب الله لأخذ يطعن في الكتب السابقة ولا يوافقها، ويعلن عن بطلانها، ولا يرضاها! فلو كان القرآن ليس بكلام الله ما كان ليشيد بالكتب السابقة ويثني عليها ويعترف بها. فهذا دليل عقلي منطقي، فما دام يصدق بالكتب السابقة ولا ينفيها ولا يبطلها فهذا كلام الله.

معنى قوله تعالى: (وأنزل التوراة والإنجيل)
يقول الله: وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ [آل عمران:3]، ما قال: (ونزل التوراة والإنجيل) بل قال: (وأنزل التوراة والإنجيل)، أي: الذي نزل عليك الكتاب بالحق أنزل أيضاً التوراة على موسى والإنجيل على عيسى عليهما السلام، فالتوراة نزلت جملة واحدة وكذلك الإنجيل، فالتوراة قيل عربيها: الشريعة، والإنجيل قيل معناه العربي: التعليم، ولا حرج، فهما كتابان منزلان من عند الله عز وجل، إلا أن اليهود كالنصارى أفسدوا كتاب الله بما أضافوا فيه من حواش وتفسيرات وتأويلات كما شاءوا، وغطوا الأصل موجود، وأخذوا يفسرون كلام الله بحسب أهوائهم وشهواتهم ومصالحهم، ويؤولون كلام الله الصحيح، وخاصة في صفات محمد صلى الله عليه وسلم ونعوته؛ حتى لا يؤمنوا به. اسمعوا عيسى مع بني إسرائيل: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي [المائدة:72]، (يا بني إسرائيل) يا أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم! اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]. هذه كلمة قالها عيسى بن مريم عبد الله ورسوله، قال في ملأ من بني إسرائيل وهو يدعوهم إلى الله: اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة:72] أنا عبد وأنتم عبيد، والرب واحد، إلهي وإلهكم واحد إِنَّهُ [المائدة:72] والله مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ [المائدة:72] غيره في عبادته فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ [المائدة:72]، فالجنة دار السلام ممنوعة عن المشركين ومحرمة عليهم؛ لأن المشرك بخس حق الله وأعطاه لمن لا يستحقه متحدياً ربه معرضاً عنه، يلعب بشرائعه وأحكامه؛ لأن الحياة كلها علتها وسر وجودها هي أن يعبد الله وحده، أراد الله أن يعبد فأوجد هذا الكون وهذه المخلوقات، فالله عز وجل خلق الجنة وخلق النار وراء هذا الكون وخلق هذه الأكوان وخلق الإنس والجان لشيء واحد وهو أن يذكر ويشكر، والعبادة كلها ذكر وشكر، ما خرجت عنهما، فكان صرف تلك العبادة التي خلق الله الخلق وخلق الحياة كلها من أجلها مسخ وشرك بالله العظيم.

أعظم الذنوب الشرك بالله
إن المتأمل المتفكر يعرف أن الشرك من أعظم الذنوب، وهذا لقمان الحكيم من بلاد النوبة، أسود أوتي الحكمة، وضع بين يديه طفله الصغير يربيه، يؤدبه، يعلمه، فقال: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان:17-18].وقبل هذا قال: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، لا يُقادر قدره أبداً! كيف يخلقك الجبار ويرزقك ويهبك بصرك وسمعك وعقلك ويوجد التراب حولك وكل الفواكه والخضر، ثم تقف أمام حجر وتصرف له العبادة من دون الله.مررت مرة بالهند برجل متحضر كأنه بريطاني، الكرافتة في عنقه، وهو ماثل أمام قرد ميت، فقلت: يا ليتنا نقف أمام الله هكذا بهذا الخشوع والخضوع! وتمر بالمحلات ودور السلع فتجد الإحليل وخصيتين من نحاس ويشتريها من رجل عاقل فيعبد هذا الفرج في بيته! الخضوع والخنوع والخشوع والانطراح يجب أن لا يكون بين يدي كائن من كان إلا الله عز وجل، ولكن لما جهل المسلمون القرآن صارت آلهتهم بالمئات، لكنهم لا يسمونهم آلهة؛ لأن هذا لا يقبل، ولكن يقولون: سيدي فلان، أما العبادة بالذات فتقدم له، خوفاً منه، ورغبة وطمعاً فيه، وتذبح له الذبائح التي تعرفونها، وإخواننا المصريون عندهم عجل البدوي ، فيذبح للسيد البدوي ، المواسم، المواليد أو الموالد، وأهل المغرب الإسلامي يسمونه: الموسم، موسم سيدي فلان، والمشارقة يسمونه: مولد، مولد سيدي فلان، ويذبحون الأبقار والأغنام والدجاج أيضاً إذا ما عنده دجاجة، ولا يفهمون أن هذا عبادة لغير الله أبداً، أبداً.

الحلف بغير الله شرك
يحلفون: (وحق سيدي فلان، ورأس سيدي فلان)، ولا يفهمون أنهم عظموا غير الله، وعبدوا غير الله! هل تدرون أن رسولنا صلى الله عليه وسلم قال: ( من حلف بغير الله فقد أشرك )؟ والحديث صحيح في سنن الترمذي وجامعه، ونحن لو حللنا هذا، ولو ما صح الحديث عرفنا هذا، فالحلف بالشيء تعظيم له أو لا؟ أسألكم بالله! الإنسان عندما يحلف ببقرة، يحلف بامرأة، يحلف بشيء يعظمه أو لا؟إذاً: من هو الأكبر؟ الله أكبر! فإذا حلف بكائن عظمته وجعلته مثل الله، وأشركت هذا المخلوق في عظمة الله؛ حيث عظمت هذا المخلوق وحلفت به، وهو أمر واضح كالشمس، لولا أن الرسول نهانا وحرم علينا وقال على المنبر: ( ألا من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت )، فقد نرتاب أو نشك، وقال على المنبر: ( ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليسكت ).ومن باب التذكير أقول: لما هبطت الأمة إلى هذا الحضيض بعد أن كانت في علياء السماء، إذا اشتكى اثنان في المحكمة يقول سيادة القاضي: احلف بالله. فيقول الخصم: لا لا، سيحلف بالله خمسين مرة، حلفه بسيده فلان؛ فيأبى الحلف، فأصبح القاضي إذا حلف اثنين في خصومة يحلفهم بالسيد عبد القادر أو سيده موسى أو سيده عبد الرحمن أو مولاه إدريس أو السيد البدوي ، ولما بدأت دعوة الإصلاح تنتشر قالوا: لم هذا؟ قال: هذه حقوق الناس، أموال الناس. إذا قلنا: احلف بالله سيحلف سبعين مرة؛ ويأخذ حق أخيه الإنسان، لكن إذا قلنا: احلف بسيدي فلان؛ فإنه يخاف ويعترف بالبقرة!ووقعت حادثة عندنا، لا بأس أن أقصها عليكم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان أحياناً يرفه على أصحابه، وهي حكمة:تحاكم اثنان في المحكمة، فصدر الحكم بأن يحلفه بسيده فلان، ويعطيه شاته أو دراهمه، فأحدهما عفريت من بني آدم، جعل هراوة تحت برنوسه أو جناحه، وقال: امش تحلف، وكان الضريح مغلقاً، ولكن يوجد به نافذة يدخل منها رأسه ويحلف فالقبر في قبة، فلما وصلا أدخل الرجل رأسه يحلف؛ فانهال الآخر عليه بالهراوة، فتركه يتشحط في دمه وهرب. فجاء الناس ما هذا؟ فقال: سيدي فلان هو الذي ضربه؛ لأنه حلف به كذباً! سبحان الله! هذا شأن الذي يحلف بالباطل! فالحمد لله عدنا إلى معرفة لا إله إلا الله، فلا نركع ولا نسجد ولا ننحني ولا نخضع ولا نذل إلا لله عز وجل، فكيف أحلف باسم إنسان وأعظمه؟! الله أكبر، لا أكبر منه أبداً.

تفسير قوله تعالى: (من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان...)
قال الله: وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ [آل عمران:3-4]، أي: من قبل القرآن، الذي نزله عليك يا رسولنا وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ [آل عمران:3-4]. ‏

معنى قوله تعالى: (هدى للناس)
ما معنى: هُدًى لِلنَّاسِ [آل عمران:4]؟ أي: لهداية الإنس. الناس بنو آدم، بنو إسرائيل، اليونان.. تلك الأمم لولا أن الله أنزل كتابه كيف تهتدي؟ أنزل من قبل القرآن التوراة والإنجيل لهداية الناس إلى طريق سعادتهم وكمالهم، وليطهروا ويصفوا، وليعدلوا ويتراحموا، وليعزوا ويسودوا، وليدخلوا الجنة دار السلام بعد موتهم، ما أنزلها للباطل ولا للهو ولا للعب.

معنى (الفرقان)
قال: الله مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ [آل عمران:4]، لفظة (الْفُرْقَانَ) تطلق على القرآن، واقرءوا: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]. ما (الْفُرْقَانَ)؟ القرآن. لم تكرر هنا؟ هنا القرآن يراد به: ما يفرق الله به بين الحق والباطل من الحجج، والدلائل والبراهين والبينات، كلها أنزلها الله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم ببيانها وإظهارها للناس ليهتدوا بذلك إلى ربهم فيعبدوه ويسلموا من العذاب والشقاء.

التهديد بالعذاب الشديد لمن كفر بآيات الله
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ [آل عمران:4]، يا ويحكم يا وفد نجران! سجل الله كفركم؛ لأنكم أصررتم على تأليه عيسى فأنتم كافرون، أبيتم أن تؤمنوا بمحمد ورسالته وكتابه! إذاً: إن لكم العذاب الشديد، لكن ما قال: إن لوفد نجران الذين كفروا، قال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:4]؛ ليشمل كل من كفر، إلى أن تقوم الساعة. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:4]، بأي شيء؟ بِآيَاتِ اللَّهِ [آل عمران:4]، ما هي آيات الله؟ القرآنية، الإنجيلية، الزبورية، التوراتية، التي نزل بها كتابه، وآيات أيضاً أخرى معجزات يعطيها الله لرسله وأنبيائه، فهي علامات دالة على صدق ذلك الرسول، وعلى وجود الله الحي القيوم، وعلى أن دين الله هو الإسلام. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ [آل عمران:4]، لعل بعض السامعين يقول: كيف كفر بالآيات؟ ما اعترف بها، قال: لا نؤمن بها، هذا هو، جحد أن يكون هذا كلام الله، وأبى أن يأخذ بما فيه ويعمل بما فيه، الكفران: هو الجحود والإنكار وعدم الاعتراف، وهو لغة من لغة العرب، كفر وجحد بمعنى أنكر، بمعنى واحد. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ [آل عمران:4]، والتنكير في (عَذَابٌ) للتفخيم. ما بالكم بالرجل يوضع في تابوت من حديد ويغلق عليه ويرمى في أتون النار ملايين السنيين، والله لا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم ولا يسمع ولا يرى، وهو حي يتألم جوعاً وعطشاً في النار؟ أي عذاب هذا؟ يقف الرجل ويصب الحميم على رأسه فيصهر ما في بطنه.

معنى قوله تعالى: (والله عزيز ذو انتقام)
قال الله: وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [آل عمران:4]، صفتان جليلتان لله، الله رب العالمين الإله الحق عزيز، فما معنى: (عَزِيزٌ)؟ ليس بذليل سبحانه، لا يمانع في شيء أراده، فالعزيز بحق الذي إذا أراد شيئاً لا يمكن أن يحال بينه وبين ما يريد، هذه هي العزة، الغلبة والقهر، عزيز. (ذو انتقام). ينتقم من أعدائه لأوليائه، والله العظيم.سيقول البعض: أرنا الانتقامات يا هذا في الدنيا! فأقول: أتعرفون عن قوم عاد أم لا؟ أين كانت عاد هذه؟ جنوبنا، أمامنا، كانت مدناً حضارية، ناطحات السحاب عندهم قبل أن تعرفها أوروبا؛ لأنهم كانوا طوال الأجسام، منهم من طوله عشرون ذراعاً ثلاثون إلى ستين كآدم عليه السلام، ويكفيك قولهم: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت:15]، فرد الله عليهم بقوله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [فصلت:15]، تحدى القوة بالقوة. وقال: أَلَمْ تَرَ [الفجر:6] يا رسولنا كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:6-8]، ما هي إلا جولة فقط، سبع ليالي وثمانية أيام، عواصف لم تر الدنيا نظيرها سبع ليالي وثمانية أيام، بدأت باليوم وانتهت بالليل، ثمانية أيام وسبع ليال، فتحولت ديارهم إلى دمار كامل، واقرءوا قول الله: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة:6-8]. والفلاحون يعرفون هذه الأيام بالضبط، في آخر الشتاء، وتسمى عندهم بقرة العجوز، والقر هو البرد ضد الحر! في آخر يوم دخلت عجوز في عمق جبل في غار، وظنت أنها تنجوا وتسلم، وإذا بالريح في آخر اليوم تتلولب فوصلت إليها وجرتها! فلا إله إلا الله!ومن أراد أن يرى أطلال ثمود يمشي إلى مدائن صالح، وينظر بعينه كيف صنعوا من الجبال منازلاً وقصوراً، وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا [الشعراء:149]، الآن أمريكا لا تستطيع أن تفعل هذا، ولكن تلك الأمة ماذا أصابها؟ قال الله: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ [هود:65]، فلما كان اليوم الأول أصيبوا باصفرار في وجوههم، وفي اليوم الثاني اسودت وجوههم، واليوم الثالث بركوا على ركبهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يتزوجون ولا يعملون، أمة كاملة جاثمة على ركبها، فودعها صالح وقال: فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ [الأعراف:93]، صباح السبت أخذتهم الصيحة فإذا أرواحهم كلها في عالم الشقاء، صيحة واحدة ثلاثة أيام!أين فرعون وملئه؟ أمسوا في قعر البحر وعمقه، إلا ما كان من فرعون رمته أمواج النيل أو البحر ليكون آية من آيات الله فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ [يونس:92]. قالت العلماء: لما تربع بني إسرائيل في ساحة الخوف والهلع والفزع، لو أنهم لم يروا فرعون حقاً ميتاً ما كانوا يصدقون أبداً، فمن تدبير الله ورحمته أن قذفته أمواج البحر.أعطيكم مثالاً حياً: كان عندنا حاكم جبار طالت مدة حكمه وهو في الحقيقة عامل للحكومة لفرنسية والياً في منطقة، فلما مات لم يصدق الناس أبداً، من طول ما حكم وأدب وضرب ما خطر ببالهم أنه سيموت. إذاً: من تدبير الله عز وجل أن ألقى بجثة فرعون ليشاهدها الشعب الحقير الضعيف الخائف؛ حتى يطمئن إلى أن فرعون قد مات.إذاً: كل هذا دل عليه قوله تعالى: وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [آل عمران:4]. لما أعرض المسلمون عنه وعبدوا الأولياء والقبور والصالحين ومزقوا دعوة الإسلام وشتتوها فأصبحوا مذاهب وطرقاً قدداً هنا وهناك انتقم منهم فسلط عليهم أذل الخلق من اليهود، حفنة من اليهود لا يتجاوزون خمسة ملايين عبثوا بألف مليون مسلم، أذلهم الله على أيدي أذل الخلق. ووالله إن لم يرجع المسلمون إلى الطريق من جديد لنزل بهم بلاء ما عرفوه من قبل؛ لأن الله عزيز ذو انتقام، والله لهم بالمرصاد فيمهل ولا يهمل! إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14]، ما المرصاد؟ المرصاد يعرفه الصياد الذي يصطاد النعام وبقر الوحش والغزلان، ينزل في مكان معين ويراقب، فالله عز وجل ينظر إلينا. يقول صلى الله عليه وسلم وهو واقف يخطب الناس على منبره: ( إن الله ليملي للظالم ). ما معنى: (يملي) يزيد الليالي والأيام ( ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وقرأ قول الله تعالى من سورة هود: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102] ). وقد رأينا.

تفسير قوله تعالى: (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء)
يقول الله: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5]. فلا تقل: ممكن ليس بمطلع علينا، فدعنا نفرفش ونغني فهو ما يدري، إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5]، ولو كان هناك إله مع الله لأبانه الله وكشف عنه النقاب وأعلنه للناس، فكيف يكون عيسى إلهاً مع الله؟! ويأتي الإعلان الرباني: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18].فلا يخفى على الله شيء، مطلق شيء، لا في الأرض ولا في السماء، فكيف إذاً توجدون آلهة معه وتقولون: هذا إله مع الله؟! أبطل النظرية الصليبية ومزقها فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5]. وهذه من أدلة وبراهين علمه وحكمته وقدرته.

تفسير قوله تعالى: (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء)
قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ [آل عمران:6]. هُوَ [آل عمران:6] لا غيره سبحانه الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ [آل عمران:6]. والرحم مستودع الجنين، ثم يصور الله الإنسان، هذا أحمر، وهذا أبيض، هذا طويل، وهذا قصير، هذا جميل، وهذا دميم، هذا شقي وهذا سعيد في الأرحام. فكيف يصورنا في الأرحام ويدعي بعض الخلق أن عيسى إله، والله هو الذي صوره في رحم مريم ؟! وكيف إذاً يصوره هو ولا يدري أنه إله معه؟ والله إنها لخرافة النصارى! ويا ليتهم يحضرون عندنا، والله تمنيت طيلة ما كنت أتردد على أوروبا عشرين سنة أن يجادلني نصراني فما وجدت، خرافات عمياء! كَيْفَ يَشَاءُ [آل عمران:6] كيف يشاء سبحانه، فلا أحد يفرض على الله أن يكون ولده ككذا أو كذا كما يريد! قولوا: آمنا بالله، آمنا بالله، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، لا إله إلا الله العزيز الحكيم.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.25 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.91%)]