الموضوع: انحلال الزواج
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 30-10-2020, 10:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي انحلال الزواج

انحلال الزواج


د. عبدالسلام الترمانيني



ينحلُّ الزَّواج بِالموت والفرقة:

أ - انحلال الزواج بِالموت:

إذا مات أحد الزوجَينِ انحلَّت عُقدة الزواج، فإذا كان المتوفَّى هو الزوج وجب على الزوجة أن تظهر الحزن عليه، وظاهرة الحزن تختلف باختلاف العادات في الزمان والمكان، فعند بعض الشعوب القديمة كانت الزوجة تُظهر حزنها بأن تُدفن حية مع زوجها، أو تدفن معه بعد قتلها، أو تُحرق معه عند الشعوب التِي اعتادت حرق جثة الميت، وعند شعوب أخرى كانت الزوجة تُظهر حزنها على زوجها بتشويه أعضائها، حتَّى يزهد فيها الرجال.



أمَّا الشعوب التي كانت فيها المرأة لا تلتزم بمثل هذه الظاهرة في الحزن على الزوج، فإن المرأة كانت تنعزل عن الناس مدة من الزمن تُدعَى بِمُدة الحداد، وتختلفُ هذه المُدَّة باختلاف الأعراف، فقد تكون أربع سنين، أو ثلاث سنين، أو سنة، أو أقل من ذلك، ولا يسمح لها بالزواج إلا بعد انقضاء هذه المدة فإذا تزوَّجت قبل انقضائها فإنَّ روح زوجها الميت تنتقم منها، وكانت تعمل على إرضائه، وتجنب نقمته بتقديم القرابين، وينبغي على الرجل الذي تزوجته أن يفعل مثل ذلك، ليتوقى غضب الميت، ومحو الخطيئة التي ارتكبها من الزواج بامرأته، قبل انقضاء مدة حزنها عليه.



وتسري قاعدة الحداد على الزَّوْجِ أيضًا، فلا يَحِلُّ له أن يتزوَّجَ إلا بَعْدَ انْقِضاءِ مُدَّة الحداد، وهِيَ أقلُّ عادة من مدة حداد المرأة على زوجها، وهي تتراوح بين ستة أشهر وشهر واحد، وعلى الزَّوْج إذا أراد أن يتزوج قبل انقضاء هذه المدة أن يسترضي روح زوجته بتقديم القرابين لها، ويسود الاعتقاد عند بعض الشعوب أنَّ روح الزوجة الميتة تظل غيرى، وتنتقم من الزوجة الثانية، ومن أجل أن يتفادَى الزَّوج انتقامَها يعلق في رقبة زوجته الثانية طوقًا يحمل صورة زوجته الميتة، أو يطلق اسمها عليها[1].



وعند عرب الجاهلية، كانتِ المرأة المتوفَّى زوجُها تحلق رأسها، وتخمش وجهها، وتغمس قطنة في دمها، وتضعها على رأسها، وتخرج طرف قطنتها من خرق في قناعها، ليعلم الناس أنها مصابة، ويسمى ذلك (السقاب)، من ذلك قول الخنساء في امرأة مات زوجها:



لَمَّا اسْتَبَانَتْ أَنَّ صَاحِبَهَا ثَوَى حَلَقَتْ وَعَلَّتْ رَأْسَهَا بِسِقَابِ[2]





وتعتزل المرأة في خفش (بيت صغير)، تقضي فيه مدة حدادها وهي سنة، تلبس فيها شر ثيابها ولا تَمَسُّ طيبًا ولا تقلِّم ظفرًا، ولا تنتِفُ مِن وَجْهِها شعرًا، ويحمل إليها الطعام، فإذا مضى الحول يؤتى لها بدابة أو شاة أو طير، فتفتض به؛ (أي تنهي عدتها) فقلما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج من الخفش فتعطى بعرة فترمي بِها، ومعنى رَمْيِها البعرة أنَّها أنْهت عِدَّتَها[3].



وقد أبطل الإسلام هذه العادات، وقضى أن تعتدَّ المرأة حدادًا على زوجها المتوفَّى بِمُدَّةٍ حدَّدَهَا بأربعة أشهر وعشرة أيام، فلا تتزيَّن خلالها ولا تظهر لغير المحرمين عليها من الرجال.

وإذا توفِّيت الزوجة، فليس للرجل في الجاهلية أن يحزن عليها، ويُعاب إذا زار قبرها، وقد استمرَّت هذه العادة في الإسلام، فهذا الفرزدقُ تَموت امرأته حدراء، ويأبَى أن يزور قبرها ويقول:



يَقُولُونَ زُرْ حَدْرَاءَ والتُّرْبُ دُونَهَا وَكَيْفَ بِشَيْءٍ وَصْلُهُ قَدْ تَقَطَّعَا
وَلَسْتُ وَإنْ عَزَّتْ عَلَيَّ بِزَائِرٍ تُرَابًا عَلَى مَرْمُوسَةٍ عَادَ بَلْقَعَا
وَأَهْوَنُ مَفْقُودٍ إِذَا المَوْتُ غَالَهُ عَلَى المَرْءِ مِنْ أَخْدَانِهِ مَنْ تَقَنَّعَا
وَأَيْسَرُ رُزْءٍ لامْرِئٍ غَيْرِ عَاجِزٍ رَزِيَّةُ مُرْتَجِّ الرَّوَادِفِ أفْرَعَا
تَهُزُّ السُّيُوفَ المَشْرفِيَّات دُونَهُ حِذَارًا عَلَيْهِ أَنْ يَذِلَّ وَيَفْزَعَا
وَلا يَشْهَدُ الهَيْجَا وَلا يَحْضُرُ النَّدَى وَلا يُصْبِحُ الشَّرْبَ المُدَامَ المُشَعْشَعَا





فهي عنده أدنى مِن أن تُزار، لأنَّها لا تحارب، ولا تحضُر مجالس النِّدْمان، وهذا جرير أيضًا يصرِّح بأن الحياء يمنعه من البُكاء على زوجته ومن زيارة قبرها، على شدة حبه لها، ويقول:



لَوْلا الحَيَاءُ لَهَاجَنِي اسْتِعْبَارُ وَلَزُرْتُ قَبْرَكِ وَالحَبِيبُ يُزَارُ





ونرى الشاعر البحتريَّ يلوم صديقه أبا نَهشل بن حميد؛ لبُكائِه على ابنتِه التي ماتت، ويقول:



أَتُبَكِّي مَنْ لا يُنَازِلُ بِالرُّمْ حِ مُشِيحًا وَلا يَهُزُّ اللِّوَاءَ
قَدْ وَلَدْنَ الأعْداءَ قِدْمًا وَوَرَّثْ نَ التِّلادَ الأَقَاصِيَ البُعَدَاءَ
وَلَعَمْرِي مَا العَجْزُ عِنْدِيَ إِلاَّ أنْ تَبِيتَ الرِّجَالُ تَبْكِي النِّسَاءَ





ب – انحلال الزواج بالفرقة:

ينحل الزواج ويفترق الزوجان بالطلاق والخُلْع، وبحكم القاضي في حالة الإضرار، وعدم الإنفاق على الزوجة، والعيب، وفي حالة غِياب الزَّوج.

1 – الطلاق:

أ – الطلاق في القوانين والأعراف القديمة:

لما كانت الغاية من الزواج هي استمرار الحياة في الإخلاف، لذلك أجازت القوانين والأعراف القديمة طلاق المرأة العاقر، ولاختبار قدرة المرأة على الإنجاب، فإنَّ بعض الشعوب البدائيَّة تعمد إلى زواج التجربة، فإذا حَملتِ المرأة عقد الرَّجُل نِكاحه عليها، وإذا لم تَحْمِل بعد سنة فإمَّا أن يطلقها أو يتزوج من أخرى، ومثل ذلك ما لو كانت لا تلد سوى البنات[4].



وقد قضى قانون مانو بعدم جواز تطليق المرأة بسبب عقرها، أو كانت لا تلد سوى البنات ولكنه أجاز للرجل أن يتزوج من امرأة أخرى[5]، ونصَّ القانون البابلي على مثل ذلك، ولكن العرف جرى على أنْ تزوج المرأة العاقر زوجها من جاريتها، لتبقى هي السيدة الأولى في البيت الزوجي، وتبقى لها الهيمنة على جاريتها؛ ولذلك كانتِ الجارية تقوم في كل مساء بغسل أقدام سيدتها، تعبيرًا عن خضوعها لسيطرتها.



ب – الطلاق في شريعة اليهود:

يَملك الزوج في هذه الشريعة حق تطليق زوجته، غَيْرَ أنَّه يَمتَنِعُ عليه طلاقها في حالتين:

الأولى: إذا اتَّهم الرجل زوجته بأنَّها غير عذراء، وثبت كذبه وافتراؤه عليها، والثانية: إذا اغتصب الرجل فتاة، فإنه يلتزم بزواجها ودفع غرامة لأبيها ففي هاتين الحالتين يسقط حق الزوج في تطليق زوجته[6]، وحرمان الرجل من حق تطليق امرأته إنما هو عقوبة فرضتها الشريعة اليهودية؛ جزاء لعمل ذميم قارفه الرجل، وفيما عدا ذلك يحق للرجل أن يطلق زوجته إذا لم تسره أو وجد فيها عيبًا، ويكون الطلاق بكتاب يسلمه إليها ويخرجها من بيته[7].

غير أن حرية الزوج في تطليق زوجته قد تقيَّدت بقرار أصدره المجمع اليهودي المنعقد في مدينة (مايانس Mayence ) بألمانيا في أواخر القرن الحادي عشر، فلم يعد من حق الرجل أن يطلق زوجته إلا إذا كانت عاقرًا أو ثبت زناها، أو شاع ذلك عنها، أو ارتدَّت عن دينها، أو امتنعت عن وصاله مدة سنة، أو رفضت الانتقال معه إلى مسكن آخر، أو شتمت أباه، أو أصيبت بمرض خطير يمنع من معاشرتها[8]، وقد نص قانون الأحوال الشخصية للطائفة اليهودية في لبنان على بعض هذه الحالات، وأجاز فيها الطلاق (المواد 231، 258، 270، 279، 315)[9].

وللموضوع تتمة



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.89 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.67%)]