عرض مشاركة واحدة
  #267  
قديم 27-10-2020, 10:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

جواز التعامل مع الكفار دون مودتهم ونصرتهم

نعود إلى الآية الكريمة نستنير بنورها، قال تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:28]. نعود إلى الوضع العام، هل يجوز لنا أن نتعامل مع بريطانيا أو فرنسا أو إيطاليا أو مع اليهود أو مع الأمريكان؟ أو مع الروس؟ لا. لا يجوز. لم؟ لأن الروس بلاشفة حمر، ملاحدة، يقولون: (لا إله). لا خير فيهم ألبتة، بخلاف أهل الكتاب والمشركين فهم يقرون بالله وبربوبيته.وهنا أذكر أن فضيلة للإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمة الله عليه لم يعترف بروسيا ولم يتبادل معها بسفارة في مملكته حتى تمزقت واحترقت. فلم ما فعل المسلمون هذا؟ جهال ما عرفوا. لم تعرف روسيا هذا البلد بسفارتها وقنصليتها حتى سقطت الآن واحترقت.أما أهل الكتاب كاليهود والنصارى فلا نتخذهم أولياء نحبهم وننصرهم دون المؤمنين لن يكون هذا، لكن نتبادل المنافع معهم، فهذا أمر مأذون فيه ومسموح به ولا جدال فيه ولا خصومة. إذاً: نتعامل معهم بالتجارة، بيعاً وشراء، نتعامل معهم بصناعة، كل هذا واسع وليس بمغلق أبداً، مع المحافظة على بغضهم لله، وعدم حبهم، ثم عدم نصرتهم على مؤمن أو مؤمنة. عندنا معاهدة بيننا وبين الإيطاليين نوفي لهم بمعاهدتنا، لكن لو حاربوا المؤمنين ننقض المعاهدة ونقاتل مع المؤمنين عدوهم الذي بيننا وبينه معاهدة. وانظروا إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم -وقد درسنا هذا في السيرة النبوية- كانت بينه وبين اليهود معاهدة، جليلة -سبق وأن قرأنا بنودها- في هذه المدينة، بنو النظير، بنو قريظة، بنو قينقاع، عاهدهم وصالحهم، لكن ما إن نقضت قبيلة العهد حتى ضربها الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان أول من نقض العهد هم بنو قينقاع.كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم معاهدة سلم وعدم حرب، وتعاون بالمال على أداء الديات وما إلى ذلك، فلا ظلم، ولا اعتداء، ولا ولا.. فلما انتصر النبي صلى الله عليه وسلم في بدر في السنة الثانية من هجرته طاشت سهامهم، وامتلأت قلوبهم من الغيظ والحقد، وقالوا: يا محمد! لا تفهم أننا مثل العرب الجهال، تحاربنا وتنتصر علينا. هددوا، سكت صلى الله عليه وسلم. وإذا بمؤمنة جلبت شيئاً إلى السوق فباعت ومرت بصائغ يهودي تريد أن تشتري مصاغ ذهب أو فضة وإذا باليهود يسخرون بها، ويأتي يهودي من ورائها فيرفع خمارها حتى بدأت عورتها فصاحت: يا للمسلمين! فجاء مسلم فقتل اليهودي، وكشف اليهود عن عدائهم وعن تمزيق المعاهدة، وما هي إلا ساعات وقد طوقتهم رجال الله، واستسلموا، ورماهم النبي صلى الله عليه وسلم خارج الجزيرة كلها، لأنهم نقضوا العهد، فلو بقوا على عهدهم إلى اليوم لا يضرهم شيء، ولكنهم نقضوا العهد.أيضاً: بنو النظير، بموجب المعاهدة الرسمية خرج الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب منهم مالاً حسب الاتفاقية أنهم يشتركون في الديات، وهم أيضاً لو أصيبوا بديات فالرسول يساهم فيها، وقد قتل مؤمن جهلاً وخطأ، فطلب أهله الدية، فخرج يطالبهم بشيء منها، فأجلسوه في ظل دار من دورهم على البنايات القديمة، وأخذوا يتآمرون عليه، كيف يقتلونه ويستريحون منه، وبالفعل جاءوا برحى مطحن، وصعدوا بها إلى السطح دورهم، وأرادوا أن يلقوها على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأعلم الله من طريق الوحي نبيه بذلك، فأخذ رداءه ومشى هو ورجاله ومن ثم نقضت بنو النظير عهدها ونقضوا عهدهم وأصبحوا حرباً، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن طوقهم، وبالتالي أذعنوا للجلاء عن المدينة، واقرءوا سورة الحشر ففيها هذا البيان: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ [الحشر:2]، فما إن خرجت خيل الله حتى استسلموا.إذاً: خرجوا وحملوا أموالهم وأولادهم ونساءهم حتى أخشاب المنزل كانوا يأخذونها، الأبواب أخذوها. المهم اذهبوا أيها المخذولون والتحقوا بالشمال من خيبر إلى الشام.أيضاً: بنو قريظة اتفاقيتهم ثابتة حتى جاءت الأحزاب، وفهموا أن الأحزاب سوف ينتصرون على الرسول والمؤمنين، وجاء من راودهم وطمعهم فما هي إلا ليلتان أو ثلاث ونقضوا العهد، وانتهت الحرب مع الأحزاب وأجلاهم الله وأبعدهم بتلك الآية العجيبة: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا [الأحزاب:9]، اقتلعت الخيام وأكفأت القدور، وما كان من المشركين إلا الهرب، فلما هربوا وعاد الرسول مع رجاله، ما زالوا يغتسلون من التراب والغبار والآلام خمسة وعشرين يوم وهم في البرد والجوع والآلام، وإذا بجبريل على فرس يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: ( أو ضعت السلاح يا محمد؟ نحن ما وضعنا السلاح فهيا إلى بني قريظة، وأذن مؤذن رسول الله: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة ) فلما طوقهم الرسول بجيشه وحاصرهم احترقت قلوبهم من الغيظ، واستسلموا ورضوا بحكم سعد بن معاذ ، قالوا: رضينا بحكمه، ولو رضوا بحكم الله عز وجل ما كانوا يقتلون، قالوا: لا رضينا حكم سعد فينا؛ للصلة التي كانت بينهم في الجاهلية، فحكم سعد رضي الله عنه بقتل رجالهم وسبي نسائهم وأطفالهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لقد حكمت بهم بحكم من في السبع )، فوق سبع سماوات. هنا وأظن في طرف المسجد حفر لهم حفرة كبيرة وكان يضرب الرأس ويلقى في الحفرة سبعمائة رجل، والنساء رحمة الله بهن والأولاد أصبحوا مسلمين.إذاً: المعاهدة، نحن أحق بالوفاء بها من اليهود والنصارى، والكافرين والمشركين؛ لأننا أحياء ربانيون، وهم أموات شياطين مخذولون، لن نكون مثلهم في الخيانة.أقول: المعاهدة إذا احتاج إليها إمام المسلمين بل حتى قائد معركة، إذا احتاج إلى مهادنة.. إلى مصالحة.. إلى مدة محدودة.. معاهدة، فقد أذن الله تعالى فيها وأذن فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن مع ذلكم الشرط العظيم، لا حب ولا نصرة أبداً، لا نحب يهودياً ولا نصرانياً ولا مشركاً ولو كان هاشمياً قرشياً أبداً؛ لأن قلوبنا لله فيها حب الله، فلا يجتمع مع حب الله حب أعدائه، فلا حب ولا نصرة على المؤمنين. بيننا وبين بريطانيا معاهدة سلم وعدم حرب وبيننا تجارات و.. و.. فلو أعلنت بريطانيا الحرب ضد شعب مسلم تنقطع تلك الصلة، ونقاتلها مع إخوننا المؤمنين.وهكذا يا أبناء الإسلام! اعلموا أنه لا يحل للمؤمنين أن يحبوا الكافرين ولا أن ينصروهم، هذا حرام، أما أن تتعامل مع يهودي أو نصراني فلا شيء في ذلك أبداً. تذكرون الولد اليهودي الذي يخدم نبيكم صلى الله عليه وسلم، فمرض فزاره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه الإسلام ( قل: أشهد أن لا إله إلا الله تنجو من النار. فخاف من والده، فقال له والده: أطع أبا القاسم )، لو كان حب الكافر يجوز لأحببت أنا هذا اليهودي، لبصيرته، أطع أبا القاسم، عرف أنه إذا شهد شهادة الحق دخل الجنة، ومع هذا هو مصر على الكفر فقال له: أطع أبا القاسم، فتشهد الغلام وفاضت روحه، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ( الحمد لله الذي أنقذه بي من النار ).إذاً: عرفتم المداهنة والمدارة، وعلمتم أن الجائزة هي المدارة، وأن الممنوعة هي المداهنة.الجائزة هي المداراة، والمدارة حقيقتها: أن تتنازل عن شيء من دنياك لتحفظ شيئاً من دينك. تخدم الكافر، تقدم له الطعام الشراب، تحمله على ظهرك لتصل به إلى المستشفى، من أجل أن تبقي دينك. أما المداهنة: أن تتنازل عن دينك ليحبك الكافر أو يكرمك أو لا يضر بك أو لا يهينك، وهي محرمة.هكذا نعيد تلاوة الآية الكريمة، ونواصل دراستها، قال تعالى وقوله الحق: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28] خاصة معينة مدارة للإبقاء على جسمك سليماً ودينك معافى.

معنى قوله تعالى: (ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير)

ثم قال تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ [آل عمران:28]، يا عباد الله! الموقف خطير ليس بهين، فالله بعد هذا البيان يحذرنا أن نعصيه ونتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين. وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ [آل عمران:28] إن سلمتم اليوم من بلاء أو شقاء فمرجعكم إلى الله وينزل بكم العذاب، فلا تعتزوا اليوم بقوتكم فإلى الله لا إلى غيره مصيركم ومرجعكم. الأمر عظيم! يحذركم الله نفسه أن تعصوه وتخرجوا عن طاعته وتوالوا الكافرين وتتركوا المؤمنين، فموالاتنا يجب أن تكون للمؤمنين، أولياء الله، نحبهم ونقاتل معهم وننصرهم، لا أن نحب الكافرين ونقاتل معهم ضد المؤمنين والمسلمين.

حكم إعانة الكافر المعاهد في قتاله مع عدو آخر كافر

تنبيه: لو كان بيننا وبين دولة اتفاق أن نقاتل من يقاتلها، وتقاتل من يقاتلنا، وأعلنت الحرب بينها وبين دولة أخرى، ننظر إذا كانت الدولة مؤمنة انتهت العقدة وانحل الرباط ولا نقاتل معها إخواننا، بل نقاتل معهم إياها، لكن لو قاتلت دولة كافرة اعتدت عليها بلجيكا اعتدت على هولندا، ونحن بيننا وبين بلجيكا عهد، فلا مانع أن ننفذ الاتفاقية ونعاونهم على عدوهم؛ لأنه كافر وليس بمسلم، لكن إذا كان بينهم وبين المؤمنين عرباً أو عجماً فلا موافقة ولا متابعة.

تفسير قوله تعالى: (قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله...)

قال تعالى: قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:29] .يزيد تعالى فيقول اسمعوا! قُلْ [آل عمران:29] لهم يا رسولنا قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ [آل عمران:29] من حب الكافرين والمشركين أو تظهروه يَعْلَمْهُ اللَّهُ [آل عمران:29]. أمر عجب! يا عبد الله! طهر قلبك من حب الكفار وإن كانوا من أقاربك، ولا تتظاهر بأنك تكرههم وأنت تحبهم فالله مطلع على قلبك. قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ [آل عمران:29] من حب وبغض أَوْ تُبْدُوهُ [آل عمران:29] وتظهروه، يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:29]، لا يعجز الله شيء. ما رأينا ممنوعاً تتابعت الآيات فيه كهذا؛ لأن حبك الكافر والله يحملك على أن تكفر، أقسم بالله إذا أحببتهم وداهنتهم لابد أن تصبح مثلهم يقيناً، فلهذا الحد الفاصل هو: لا حب ولا ولاء لهم أبداً.

تفسير قوله تعالى: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً...)

يقول تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30].انتقلوا عن هذه الدار الضيقة إلى الدار الواسعة، لا تفهموا أنكم مضطرون وأنكم وأنكم.. فتداهنون الكفار، وتنسون لقاء الله عز وجل، وتبطنون الحب وتظهرون البغض لهم، فالله مطلع على ما في القلوب ما ظهر وما بطن. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا [آل عمران:30] بين يديها، وقد عرفنا أن المرء إذا قتل ظلماً وعدواناً يرى نفسه أمامه وفي يده مسدسه أو رصاصة ليقتل به لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:6]، الآن شاشات الفيديو والتلفاز نهت هذه المشكلة العويصة لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:6]، فاعل الخير يرى نفسه هكذا يفعله، وفاعل الشر يرى نفسه وهو يباشر الشر ويفعله، فكيف ينكر والله يقول: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور:24]. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ [آل عمران:30] بيضاء أو سوداء، في الأولين أو الآخرين، مؤمنة أو كافرة مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا [آل عمران:30]،أي: مسافات لا تعد، كل نفس عملت سوء تود عندما تشاهد ذلك السوء أن لو كان بينها وبينه آماد لا حد لها.يقول تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30]، ما زال السياق متصلاً، يحذركم الله من نفسه، احذوا الله، خافوا عقابه وعذابه، وقد يكون في الدنيا وقد كان، وقد يكون في الآخرة وسيكون. وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30]، نعم هذا المختم الذي ختمت به الآيات، لو ما قال هذه، لكانت القلوب تطير من الخوف والفزع، لكن قوله: رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30]، رءوف بالعباد رحيم، ومن آثار رحمته ورأفته بهم: هذه التعاليم، فلو تركنا نوالي الكافرين ونودهم ونتعايش معهم فنصبح مثلهم، ويصبح مصيرنا مصيرهم، إلى جهنم، لكن رحمة الله ورأفته أنه يخاطبنا، يبين، يفسر، يؤكد، كل هذا من مظاهر رحمته، ولو أراد شقاءنا وعذابنا لا ينزل هذه الآيات ولا يبين فيها حكمه.

ملخص لما جاء في تفسير الآيات

الآن نعود إلى الآيات، قال تعالى لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمران:28] انقطعت صلته بالله عز وجل ويا ويله يومئذٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28]، وهي المداراة، وهذا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يدخل عليه المنافق، فيحاول أن يبتسم في وجهه فلما قالت له عائشة لم؟ قال: ( إنا لنكشر في وجوه قوم وقلوبنا تبغضهم ). إنا لنكشر في وجوه أناس وقلوبنا تبغضهم؛ لأنهم منافقون، يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، لكن لابد من هذا، ما أعلنوا عن كفرهم، يبتسم في وجوههم وهو لا يحبهم، وهذا شأن المؤمنين مع الفساق والفجار والظلمة والمعتدين، قد تضطر إلى أن تبتسم وتلين له القول له، ولكن قلبك ليس فيه حبهم ولا ولاؤهم، إذا لا تحب إلا ما يحب الله. قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ [آل عمران:29]، هذا عام في الخير والشر، إياك أن تفهم أنه بإمكانك أن تخفي حبك أو بغضك، انتبه! فإن قلبك يقلبه الله، وهنا فلنذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء )، ومن دعائه صلى الله عليه وسلم في السجود: ( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب اصرف قلبي إلى دينك )، فلا يحفى على الله شيء، تستطيع أن تخفي عن الناس ما تخفيه لكن بالنسبة إلى الله فمن المستحيل هذا، فهو خالق قلبك، بل عرف ما تريد أن تخفيه قبل أن يوجدك قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ [آل عمران:29]، وإذا علمه يجازي به وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:29]، إذا يوجد بعض المرضى يوالون بعض العائلات والأسر الكافرة ويضحكون معهم ويشربون، ويتركون الصلاة، مداهنة لهم، ويظنون أن المسلمين لا يعرفون عنهم، ولا يدرون، ولكن الله يدري والله مطلع؛ إذ يعلم ما في السماوات وما في الأرض.انتبهوا! قد توجد أسر بيننا من أهل الذمة فيأتيهم المؤمن ويضاحكهم ويسب معهم وكذا.. ويقول: من يعلمني؟ فالله عليم، فوق ذلك يقول يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ [آل عمران:30]، تدرون ما السوء هذا؟ كل ذنب هو سوء، كل ما يسيء إلى نفسك فيصبها بالظلمة أو بالعفن والنتن فتكون كأرواح الشياطين، فهو ذلكم السوء يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ [آل عمران:30] تحب لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا [آل عمران:30]، لا يراه ولا تراه.معاشر المؤمنين! الآن قد عرفنا المداراة والمداهنة فإياك يا عبد الله وإياك يا أمة الله أن تداهني، لكن لا بأس أن نداري؛ لأن المدارة أن نتنازل عن شيء من بدننا من مالنا؛ لنحفظ ديننا، أما أن نتنازل عن شيء من ديننا، أصلي بدون وضوء، أشرب الخمر مع اللاهين، أسب العلماء والصالحين مع السابين من أجل الإبقاء على وظيفتي أو على كرامتي بينهم؛ لا لا.. فالمداهنة هي الموت، والآية كما سمعتم وَدُّوا [القلم:9] منهم؟ المشركون لَوْ تُدْهِنُ [القلم:9] يا رسولنا، أي: تداهن فيداهنوك، فلا تداهنهم، ما كان أبو القاسم يداهن مشركاً أو كافراً، وما يتنازل عن شيء من دين الله من أجل إرضاء فلان أو فلان. إذاً: الحمد لله، عرفنا شيئاً كبيراً.
أحكام زكاة الفطر

وجوب زكاة الفطر

عندنا سؤال: ما حكم صدقة الفطر؟الجواب: الوجوب، للحديث الصحيح في الموطأ، يقول ابن عمر : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ). هل عرفنا فائدة في القرآن تتعلق بزكاة الفطر وصلاة العيد؟ الجواب: نعم، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15]، فهذا اللفظ القرآني يشمل والله زكاة الفطر وصلاة العيد، والتكبير من المنزل إلى المصلى، فلا تفوتنا هذه، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15].

مقدار زكاة الفطر

هل عرفتم مقدار زكاة الفطر؟الجواب: صاع. ما هو الصاع هذا؟ الجواب: ما يعادل كيلوين وربع، وأصل الصاع أربع حفنات بحفنة الرجل الفحل، ما هو القزم القصير مثلي.إذاً: الصاع أربع حفنات بحفنة الرجل الفحل أو على الأقل المتوسط، أربع حفنات مملوءة، زنها في الميزان تجدها كيلوين وربع، وقد يختلف الوزن، لأن هناك أشياء خفيفة وأشياء ثقيلة فالتمر ثقيل والشعير خفيف. من أي طعام تخرج زكاة الفطر؟أبو القاسم بين أنها من التمر.. الشعير.. الأقط -وهي الزبدة اليابسة، أو اللبن الجاف وهو من المطعومات- ولم يذكر القمح لأنه ليس عندنا قمح فقال: ( من تمر، أو شعير، أو أقط ) أو أرز القمح في بلاد الشام، لكن لو وجد القمح فهو أولى، لكن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والرز من باب أولى، الآن موجود وسهل وهين، أغلب القوت الرز. والفقهاء يقولون : تخرج من غالب قوت أهل البلد، تخرج زكاة الفطر من غالب قوت أهل البلد، والرز عندنا هو الغالب.إذاً: عرفتم من أي شيء تخرج الزكاة، من التمر، القمح، الشعير، الأرز، الأقط.

حكم إخراج زكاة الفطر من النقد

وهنا سؤال: الدراهم والدنانير دراهم الفضة، ودنانير الذهب، هل تخرج منها ؟ الجواب: يوم أن أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحكم ونشره بين رجاله يوجد عندهم دينار درهم يوجد قطعاً، والله موجود، لكن -أولاً- ما كان يومئذ بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم مطاعم أبداً، ولا مخابز، فإن أنت أعطيته ربع درهم أو ربع دينار ماذا يصنع بها؟ سيظل جوعان لا مطعم ولا خبز ولا ولا.. كيف يصنع؟ إذاً: أعطه التمرات يتغدى ويتعشى بها، أعطه الخبز والدقيق، الشعير يطحنه، فمن ثم عدل أبو القاسم ورجاله عن الدينار والدرهم إلى التمر والشعير.فمن هنا أفتى العلماء وهو ما نقرره: إذا كان المسلم في بلد لا يقبل فيها رز ولا تمر ولا بر ولا شعير ولا أقط، يتعين عليه أن يخرجها بالدينار والدرهم، ولا يقول: مع الأسف، ما وجب علينا شيء؛ لأن الذي فرض الرسول صلى الله عليه وسلم ما عندنا، سقطت عنا زكاة الفطر. الجواب: ما سقطت، بل وجبت، أخرج قيمتها ديناراً أو درهمين. أما في البلد التي يوجد فيها الطعام فلا نستبدل بها الدينار والدرهم عملاً بتوجيه رسول الله وهدايته. ومن جهة أخرى: زكاة الفطر مطهرة للنفس، وورد أن الصيام معلق قبوله بها، فمن هنا فهي عبادة لا تزكي النفس إلا إذا كانت كما بينها الشارع ووضعها، فهذا هو الذي ينبغي أن نقوله ونعمل به.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.48 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.84%)]