عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-10-2020, 09:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي إياك وظلم هؤلاء

إياك وظلم هؤلاء


أحمد بن عبد الله الحزيمي






إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]...

أَمَّا بَعْدُ:
أَمَا وَاللهِ إِنَّ الظُلْمَ شُؤْمٌ
وَلَا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ

سَتَعْلَمُ يَا ظَلُومُ إِذَا الْتَقَيْنَا
غَدًا عِنْدَ الْمَلِيكِ مَنِ الْمَلُومُ

إِلَى الدَّيَّانِ يَوْمَ الدِّينِ نَمْضِي
وَعِنْدَ اللهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ


كُنَّا فِي الأُسْبُوعِ الْمَاضِي - أَيُّهَا السَّادَةُ - فِي حَديثٍ حَوْلَ خُطُورَةِ الظُّلْمِ وَعَظِيمِ شَنَاعَتِهِ، وَالْيَوْمَ نُشِيرُ وَبِاقْتِضَابٍ لِأَهَمِّ مَا يَقَعُ فِيهِ الظُّلْمُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ... الظُّلْمُ يَتَفَاوَتُ، فَلَيْسَتْ مَرَاتِبُهُ وَعَوَاقِبُهُ سَوَاءٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، وَالظُّلْمُ أَنْوَاعٌ وَلَهُ صُورٌ عَدِيدَةٌ، فَأَعْظَمُهَا وَأَكْبَرُهَا وَأَشَدُّهَا عَذَابًا وَنَكَالًا الشِّرْكُ بِاللهِ تَعَالَى، وَأَيُّ ظُلْمٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ الْإِنْسانُ لِرَبِّهِ نِدًّا يَعْبُدُهُ مِنْ دُونِ اللهِ! وَأَيُّ ذَنْبٍ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَتَّخِذَ الْإِنْسانُ مَخْلُوقًا إلَهًا مِنَ الصَّالِحِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ، يَدْعُوهُ مِنْ دُونِ اللهِ، أَوْ يَرْجُوهُ، أَوْ يَسْتَغِيثُ بِهِ، أَوْ يَخَافُهُ كَخَوْفِ اللهِ، أَوْ يَسْتَعِينُ بِهِ، أَوْ يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، أَوْ يَسْتَعِيذُ بِهِ، أَوْ يَذْبَحُ لَهُ الْقَرَابِينَ، أَوْ يَنْذِرُ لَهُ، أَوْ يُعِدُّهُ لِرَغْبَتِهِ وَرَهْبَتِهِ، أَوْ يَسْأَلُهُ الْمَدَدَ وَالْخَيْرَ، أَوْ يَسْأَلُهُ دَفْعَ الشَّرِّ وَالْمَكْرُوهِ.. فَأَيُّ ظُلْمٍ أَعْظَمُ مِنْ ظُلْمِ مَنْ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِغَيْرِ اللهِ، فَطَافَ بِقُبُورِ الْأَمْوَاتِ، وَذَبَحَ لَهُمْ النُّذُورَ، وَقَرَّبَ لَهُمُ الْقَرَابِينَ، وَهَتَفَ بِأَسْمَائِهِمْ فِي الشَّدَائِدِ، وَزَعَمَ أَنَّهُمْ يَنْفَعُونَ وَيَضُرُّونَ، وَأَنَّهُمْ يُقَرِّبُونَهُ إِلَى اللهِ زُلْفَى؟! وَأَيُّ ظُلْمٍ أَعْظَمُ مِمَّنْ عَبَدَ مَنْ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا؟! ﴿ أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ﴾ [الأعراف: 191، 192].

وَمِنْهَا ظُلْمُ الْإِنْسانِ لِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ بِارْتِكَابِ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايا، وَيَكُونُ بِانْتِهَاكِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْفَوَاحِشِ، وَيَكُونُ بَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَأْمُورَاتِ، فَإِنَّ كُلَّ هَذَا مِنْ ظُلْمِ الْإِنْسانِ لِنَفْسِهِ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْنَا ذَلِكَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36].

وَمِنَ الظُّلْمِ التَّعَدِّي عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مَعْصُومَةٍ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ سَجْنٍ أَوْ تَعْذِيبٍ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَنْ بَاشَرَ الاعْتِداءَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَمَرَ بِهِ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ بِهِ أَوْ فَرِحَ بِهِ أَوْ شَمَتَ أَوْ قَعَدَ عَنْ نُصْرَةِ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ؛ فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أُمِرَ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ أَنْ يُضْرَبَ فِي قَبْرِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ وَيَدْعُو حَتَّى صَارَتْ جَلْدَةً وَاحِدَةً، فَجُلِدَ جَلْدَةً وَاحِدَةً، فَامْتَلَأَ قَبْرُهُ عَلَيْهِ نَارًا، فَلَمَّا ارْتَفَعَ عَنْهُ قَالَ: عَلَامَ جَلَدْتُمُونِي؟ قَالُوا: إِنَّكَ صَلَّيْتَ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَمَرَرْتَ عَلَى مَظْلُومٍ فَلَمْ تَنْصُرْهُ". رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ.

وَمِنْ صُوَرِ الظُّلْمِ الاعْتِدَاءُ عَلَى أَمْوَالِ الْمَعْصُومِينَ بِسَرِقَةٍ أَوْ إِتْلاَفٍ أَوْ بِالتَّحَايُلِ وَالْخِدَاعِ، وَسَواءٌ كَانَ الْمَسْرُوقُ عَيْنًا أَوْ نَقْدًا، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ كُلُّ مَنِ اسْتُؤْمِنَ عَلَى مَالٍ لِحِفْظِهِ أَوْ اسْتِثْمَارِهِ ثُمَّ خَانَ صَاحِبَ الْمَالِ أَوْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهِ وَتَنْمِيَتِهِ، وَيَشْتَدُّ الإِثْمُ إِذَا كَانَ الاعْتِدَاءُ أَوِ التَّفْرِيطُ فِي حِفْظِ الْمَالِ الْعَامِّ أَوْ الأَوْقَافِ وَأَمْوَالِ الْيَتَامَى.

وَمِثْلُ الْعُدْوَانِ عَلَى حُقوقِ النَّاسِ فِي الْأرْضِ: الْعُدْوَانُ عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ، الْمَالِ الْحُكُومِيِّ فِي الْأَرَاضِي وَغَيْرِهَا، بَلْ رُبَّمَا كَانَ الْعُدْوَانُ عَلَى هَذَا الْمَالِ أَشَدُّ حُرْمَةً وَأَبْشَعُ أثَرًا مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِيهِ يُصِيبُ الْأُمَّةَ بِمَجْمُوعِهَا، وَفِي صحيحِ الْبُخَارِيِّ: "مَنْ أَخَذَ مِنَ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ".

وَمِنَ الظُّلْمِ - عِبَادَ اللهِ- ظُلْمُ الزَّوْجَاتِ بِعَدَمِ إِيتَائِهِنَّ حَقَّهُنَّ، وَبِالْجَفَاءِ وَالْغِلْظَةِ وَسُوءِ الْأَخْلاقِ، وَمِنَ الرِّجَالِ مَنْ إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى تَرَكَ الْأُوْلَى وَعَلَّقَهَا وَلَمْ يَقْسِمْ لَهَا وَلَمْ يُحْسِنْ إِلَيْهَا، بَلْ وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا بِمَا يَكْفِيهَا، وَرُبَّمَا هَجَرَهَا وَلَمْ يَعْبَأْ بِأَبْنَائِهَا.

وَكَذَلِكَ تَفْضِيلُ بَعْضِ الْأَبْنَاءِ عَلَى بَعْضٍ، وَخُصُوصًا إِذَا اخْتَلَفَتْ أُمَّهَاتُهُمْ، أَوْ اسْتِعْمَالُ الْقَسْوَةِ وَالْغِلْظَةِ مَعَهُمْ، وَإهْمَالُ تَرْبِيَتِهِمْ، وَقِلَّةُ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ، وَتَرْكُهُمْ عَالَةً عَلَى غَيْرِهِ مَعَ غِنَاهُ، فَبَعْضُ الْآبَاءِ رُبَّمَا كَانَ سَبَبًا فِي وُقُوعِ أَبْنَائِهِ فِي أَنْوَاعِ السَّرِقَاتِ بِسَبَبِ بُخْلِهِ عَلَيْهِمْ، وَكَذَا التَّفْرِيطُ فِي مُتَابَعَتِهِمْ لاهْتِمَامِهِ بِمَزَارِعِهِ وَبِهَائِمِهِ اهْتِمَامًا يَفُوقُ اهْتِمَامَهُ بأَوْلاَدِهِ.

وَمِنَ الصُّوَرِ الْمُشِينَةِ لِلظُّلْمِ -عِبَادَ اللَّهِ- ظُلْمُ الْعُمَّالِ، وَلَهُ صُورٌ عَدِيدَةٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُكَلِّفُ الْعَامِلَ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَلَا يَتَحَمَّلُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَهْتَمُّ بِحُقُوقِهِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالسَّكَنِ وَكَأَنَّهُ لَيْسَ بِبَشَرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَأَخَّرُ عَنْ إعْطَائِهِ رَاتِبِهِ الشَّهْرِيِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ، فَلْيَحْذَرْ مَنْ عَمِلَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَعَّدَهُ بِأَنَّهُ سَيَكُونُ خَصْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَال: "ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ.. وَذَكَرَ مِنْهُمْ: وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

إِخْوَةَ الإِسْلامِ... وَمِنْ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ أَيْضًا: السُّخْرِيَةُ بِالْمُسْلِمِينَ، وَاحْتِقَارُهُمْ وَازْدِرَاؤُهُمْ بالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، يَقُولُ اللهُ جَلَّ وَعَلا: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11]، فَسَمَّى السَّاخِرِينَ وَالْعَائِبِينَ والْمُنْتَقِصِينَ لإِخْوَانِهِمْ، سَمَّاهُمْ ظَلَمَةً؛ لِأَنَّ هَذَا ظُلْمٌ مِنْكَ لِأَخِيكَ، إِذِ الْوَاجِبُ إكْرَامُهُ وَالْكَفُّ عَنْ إلْحَاقِ الْأَذَى بِهِ.

وَمِنْ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ: الْحَلِفُ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ مِنْ أَجْلِ اقْتِطَاعِ أَرْضٍّ مُغْتَصَبَةٍ، أَوْ أَكْلِ حُقُوقٍ وَاجِبَةٍ، وتاللهِ وَبِاللهِ لَهُوَ ظُلْمٌ عَظِيمٌ، وَعِقَابُهُ أَلِيمٌ، ظُلْمٌ دُنْيَوِيٌّ، وَعَذَابٌ أُخْرَوِيٌّ، قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

وَمِنْ الظُّلْمِ: ظُلْمُ بَعْضِ الْمُدَرِّسِينَ لِطُلاَّبِهِمْ؛ بِعَدَمِ احْتِرَامِهِمْ أَوْ بِضَرْبِهِمْ أَوْ بِعَدَمِ إعْطَائِهِمْ مَا يَسْتَحِقُّونَ مِنَ الدَّرَجَاتِ، وأَمَّا عَنْ أَشْنَعِ ظُلْمٍ يُقَدِّمُهُ الْمُعَلِّمُ لِطُلاَّبِهِ فَهُوَ عَدَمُ إِيصَالِ الْمَادَّةِ الْعِلْمِيَّةِ بِشَكْلٍ جَيِّدٍ؛ إِمَّا تَهَاوُنًا مِنْهُ وَإِمَّا بِسَبَبِ ضَعْفِ حَصِيلَتِهِ الْعِلْمِيَّةِ.

وَصُورَةٌ أُخْرَى مِنْ صُوَرِ الظُّلْمِ: وَهِيَ ظُلْمُ بَعْضِ الْمَسْؤُولِينَ لِمَنْ تَحْتَ يَدِهِ مِنَ الْمُوَظَّفِينَ، فَتَرَى مُدِيرَ الدَّائِرَةِ يَتَكَبَّرُ عَلَى مُوَظَّفِيِهِ وَيُرْهِقُهُمْ فِي الْعَمَلِ، وَقَدْ يُقَدِّمُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْمُسْتَحَقَّاتِ بِحَسَبِ هَوَاهُ أَوْ لِقَرَابَتِهِ، أَوْ لِقُوَّةِ عَلاَقَتِهِ بِأَحَدِهِمْ، لا بِعَمَلِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِهِمْ.

وَكَذَلِكَ مِنَ الظُّلْمِ مَا يَحْصُلُ مِنْ بَعْضِ الْمُوَظَّفِينَ الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ بِتَأْخِيرِ مُعَامَلَاتِهِمْ وَعَدَمِ الاِهْتِمَامِ بِهِمْ، بَلْ وَبِإِسَاءَةِ الْأخْلاقِ إِلَى الْمُراجِعِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي حَاجَتِهِ.

عِبَادَ اللَّهِ... وَمِنَ الظُّلْمِ مَا نَرَاهُ مَوْجُودًا فِي هَذَا الْوَقْتِ مَعَ انْتِشَارِ التّقْنِيَةِ وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِالْجَرَائِمِ الإِلِكْتُرُونِيِّةِ كَاِخْتِرَاقِ الْمَوَاقِعِ، أَوِ اخْتِرَاقِ الْأَجْهِزَةِ الشَّخْصِيَّةِ، أَوِ الْحِسَابَاتِ الْبَنْكِيَّةِ للإِسْتِيلاءِ عَلَيْهَا أَوِ الإِضْرَارِ بِهَا.

وَمِنْ صُوَرِ الظُّلْمِ فِي مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ: بَثُّ مَقَاطِعَ أَوْ تَغْرِيدَاتٍ لِشَقِّ الْوِحْدَةِ الْوَطَنِيَّةِ والأُخُوَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ، أَوْ بَثُّ أَفْكَارٍ مَغْلُوطَةٍ أَوْ مُتَطَرِّفَةٍ، وَكَذَا التَّشْهِيرُ بِشَخْصٍ مَا أَوْ قَذَفُهُ بِجَرِيمَةٍ أَخْلاقِيَّةٍ أَوْ بِاِنْتِمَائِهِ أَوْ دَعْمِهِ لِجَمَاعَاتٍ إِرْهَابِيَّةٍ لِلنَّيْلِ مِنْ سُمْعَتِهِ وَالْحَطِّ مِنْ شَأْنِهِ... كُلُّ هَذَا -يا عِبَادَ اللهِ- مُخَالَفَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَجَرِيمَةٌ نِظَامِيَّةٌ.

أَخِي الْكَرِيم.. إِيَّاكَ أَنْ تُسْتَدْرَجَ إِلَى أُوْلَى خُطُوَاتِ الظُّلْمِ ثُمَّ لَا تَلْبَثُ أَنْ تَقَعَ فِيهِ، وَتَكَوُنُ بَعْدَئِذٍ ظَالِمًا مِنَ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهُ مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ. رُبَّمَا كَانَ هَذَا الْاِسْتِدْرَاجُ جَاءَ مِنْ صَدِيقٍ أَوْ قَرِيبٍ أَوْ رُبَّمَا كَانَ بِسَبَبِ كُرْهِهِ وَبُغْضِهِ لِشَخْصٍ مَا، أَوْ بِاسْتِغْلاَلِ مَكَانَتِهِ الاجْتِمَاعِيَّةِ وَعَلاقَاتِهِ الشَّخْصِيَّةِ أَوْ مَنْصِبِهِ الْوَظِيفِيِّ للإِضْرَارِ بِالآخَرِينَ عَبْرَ كِتَابَةِ تَقَارِيرَ كَيْدِيَّةٍ لِجِهَةِ مُعَيَّنَةٍ.
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَعْصِمَنَا مِنْ مَظَالِمِ الْعِبَادِ، وَيُخَلِّصَنَا مِنْهَا بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءِ قَدِيرٍ. بَارَكَ اللهُ لِي ولكمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي حَرَّمَ عَلَى عِبَادِهِ الظُّلْمَ وَالطُّغْيَانَ، وَأَوْعَدَ الظَّالِمِينَ بِالْعُقُوبَةِ وَالْخُسْرَانِ.. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفى مِنْ بَنِي عَدْنَانَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا... أَمَّا بَعْدُ:
أَخِي الْحَبيبُ.. مَظَالِمُ الْعِبَادِ لَا بُدَّ مِنَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا وَالتَّخَلُّصِ مِنْ عَوَاقِبِهَا، خَلِّصْ نَفْسَكَ مِنْهَا، رُدَّ الْحُقُوقَ إِلَى أهْلِهَا، اُنْجُ بِنَفْسِكَ مِنَ التَّبِعَاتِ مَا دُمْتَ قَادِرًا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ الْمَوْتُ، فَأَنْتَ الْمُحَاسَبُ، أَنْتَ الْمُعَذَّبُ، أَنْتَ الْمُعَاقَبُ، إِنَّ مَا أَكَلْتَ مِنْ مَظَالِمِ الْعِبَادِ رُبَّمَا يَنْسَاهَا النَّاسُ، وَلَكِنَّهَا مَحْفُوظَةٌ عِنْدَ اللهِ، ﴿ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ﴾ [المجادلة: 6].


وَاعْلَمْ أَنَّ الظُّلْمَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَنْ يَضِيعَ، وَسَوْفَ يَكُونُ الْحِسَابُ عَسِيرًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَرَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا، أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الجَنَّةِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

فَاتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَبَادِرُوا بِالتَّوْبَةِ وَإِنْصَافِ النَّاسِ، وَإعْطَائِهِمْ حُقُوقِهِمْ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ، فَإِنَّ الْمُتَّقِينَ يَسْعَى نُورُهُمْ عَلَى الصِّرَاطِ لِيُضِيءَ لَهُمْ، وَالظَّالِمُ لَا نُوَرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ، فَرُبَّمَا مَشَى فَزَلَّتْ قَدَمُهُ فَسَقَطُ فِي النَّارِ لِظُلْمِهِ، وَالْعِيَاذُ بِاللهِ...
أَلا وَصَلُّوا.....



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.22 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.10%)]