عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 15-10-2020, 02:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,033
الدولة : Egypt
افتراضي هل اشتقت للنبي صلى الله عليه وسلم؟

هل اشتقت للنبي صلى الله عليه وسلم؟


أحمد بن عبد الله الحزيمي








الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَمَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الصَّادِقُ الْمَأْمُونُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَا كَثِيرَا إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ...

أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللَّهِ وَرَاقِبُوهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.
خَرَجَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْه - وَمَوْلَاهُ وَدَلِيلُهُمَا، خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ وَمَرُّوا عَلَى خَيْمَةِ امْرَأَةٍ عَجُوزٍ تُسَمَّى (أَمَّ مَعْبَدٍ)، كَانَتْ تَجْلِسُ قُرْبَ الْخَيْمَةِ تَسْقِي وَتُطْعِمُ، فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا لِيَشْتَرُوا مِنْهَا، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهَا إِلاَّ شَاةً هَرِمَةً، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ: "مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟" فَقَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ وَالضَّعْفُ عَنِ الْغَنَمِ. قَالَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟". فَرَدَّتْ أُمُّ مَعْبَدٍ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبًا فَاحْلُبْهَا!. فَدَعَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ- الشَّاةَ، وَمَسَحَ بِيَدِهِ ضِرْعَهَا، وَسَمَّى اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، ثُمَّ دَعَا لِأُمِّ مَعْبَدٍ فِي شَاتِهَا حَتَّى فَتَحَتِ الشَّاةُ رِجْلَيْهَا وَدَرَّتْ. فَدَعَا بِإِنَاءٍ كَبِيرٍ، فَحَلَبَ فِيهِ حَتَّى امْتَلأَ، ثُمَّ سَقَى الْمَرْأَةَ حَتَّى رَوِيَتْ، وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوُوا (أَيْ شَبِعُوا)، ثُمَّ شَرِبَ آخِرَهُمْ، ثُمَّ حَلَبَ فِي الْإِنَاءِ مَرَّةً ثَانِيَةً حَتَّى مَلأَ الْإِنَاءَ، ثُمَّ تَرَكَهُ عِنْدَهَا وَارْتَحَلُوا عَنْهَا... وَبَعْدَ قَلِيلٍ أَتَى زَوْجُ الْمَرْأَةِ (أَبُو مَعْبَدٍ) يَسُوقُ أَعْنُزًا يَتَمَايَلْنَ مِنَ الضَّعْفِ، فَرَأَى اللَّبَنَ!!. فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا اللَّبَنُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ وَالشَّاةُ عَازِبٌ حَائِلٌ وَلَا حَلُوبَ فِي الْبَيْتِ؟!. فَأَجَابَتْهُ: لاَ وَاللَّهِ، إِلاَّ أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ لَهَا أَبُو مَعْبَدٍ: صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ!!. فَأَخَذَتْ أُمُّ مَعْبَدٍ تَصِفُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا قَالَتْ: "كَانَ أجْمَلَ النَّاسِ وَأَبْهَاهُمْ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَجْلاَهُمْ وَأَحْسَنَهُمْ مِنْ قَرِيبٍ" رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ.

عَبْدَ اللهِ... هَلِ اشْتَقْتَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَهَلْ تَمَنَّيْتَ رُؤْيَتَهُ؟ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَكُلُّنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ. بَلْ وَاللهِ لَوْ بَذَلَ الْوَاحِدُ مِنَّا فِي سَبِيلِ ذَلِكَ مَالَهُ وَأَهْلَهُ مُقَابِلَ هَذِهِ الرُّؤْيَةِ لَمَا كَانَ كَثِيرًا. وَهَذِهِ عَلاَمَةُ الْإِيمَانِ؛ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ: " مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَلِمَ لاَ تَشْتَاقُ القُلُوبُ لِرُؤْيَتِهِ، وَتَتَمَنَّى مُصَافَحَةَ وَجْهِهِ، وأَنْ تَمْلأَ عَيْنَيْهَا مِنْهُ وَهُوَ خَيْرُ مَنْ مَشَى عَلَى ظَهْرِ الْبَسِيطَةِ:
مُحَمَّدٌ أَشْرفُ العَرْبَاءِ والْعَجَمِ
مُحَمَّدٌ خَيْرُ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ

مُحَمَّدٌ بَاسِطُ الْمَعْرُوفِ جَامِعُهُ
مُحَمَّدٌ صَاحِبُ الإِحْسَانِ والْكَرَمِ

مُحَمَّدٌ خَيْرُ خَلْقِ اللهِ مِنْ مُضَرٍ
مُحَمَّدٌ خَيْرُ رُسْلِ اللهِ كُلِّهِمِ

وَفِيمَا يَلِي - أَيُّهَا السَّادَةُ - وَصْفٌ يَسِيرٌ لِهَذِهِ الشَّخْصِيَّةِ الْعَظِيمَةِ لِهَذَا الرَّجُلِ الْمُلْهَمِ لِخَيْرِ رَجُلٍ وَطِئَتْ قَدَمُهُ الثَّرَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَدْ كَانَ أَكْمَلَ النَّاسِ خِلْقَةً

كَانَ جَسَدُهُ مُتَكامِلاً مُتَنَاسِبًا حَسَنًا جَمِيلاً، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبْعَةً مِنَ الرِّجَالِ، أَيْ: مُتَوَسِّطَ الطُّولِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ، مُعْتَدِلاً وَكَانَ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبَ (وَالْجَمَالُ فِي الرَّبْعَةِ).

وَلَمْ يَكُنْ يُمَاشِي أَحَدًا مِنَ النَّاسِ إلاَّ طَالَهُ، وَلَا جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ إلاَّ وَكَانَ كَتِفُهُ أَعْلَى مِنَ الْجَالِسِينَ، وَكَانَ مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ، حَسَنَ الْجِسْمِ، مُتَمَاسِكَ الْبَدَنِ.

وَأَمَّا لَوْنُهُ: فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ مَشُوبًا بِحُمْرَةٍ عَلَى غَيْرِ عَادَةِ أَهْلِ مَكَّةَ، مَلِيحَ الْوَجْهِ، طَوِيلَ الْعُنُقِ وَأَبْيَضَهَا أَحْسَنَ النَّاسِ عُنُقًا. وَكَانَ حَاجِبَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوِيَّانِ مُقَوَّسَانِ مُتَّصِلَانِ اتِّصَالاً خَفِيفًا، لَا يُرَى اتِّصَالُهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا وَذَلِكَ بِسَبَبِ غُبَارِ السَّفَرِ, بَيْنَ حَاجِبَيْهِ عِرْقٌ لَا يَظْهَرُ إلَّا إِذَا غَضِبَ، فَإِذَا غَضِبَ انْتَفَخَ هَذَا الْعِرْقُ بِالدَّمِ.

وَكَانَتْ عَيْنَاهُ وَاسِعَتَيْنِ جَمِيلَتَيْنِ، شَدِيدَتَيْ سَوادَ الْحَدَقَةِ، ذَاتَ أهْدَابٍ طَوِيلَةٍ. دَقِيقَ الْأَنْفِ، مِنْ أَحْسَنِ عِبَادِ اللَّهِ شَفَتَيْنِ وَأَلْطَفِهِمْ، وَاسِعَ الْفَمِ وَكَانَ الْعَرَبُ يَمْتَدِحُونَ صَاحِبَ الْفَمِ الْوَاسِعِ لِأَنَّ لُغَتَهُ تَكُونَ فَصِيحَةً. وَكَانَ أَبْيَضَ الأَسْنَانِ مُفَلَّجاً - وَالْفَلَجُ هُوَ تَبَاعُدٌ بَيْنَ الأَسْنَانِ-، بَرَّاقَ الثَّنَايَا؛ إِذَا تَكَلَّمَ رُئِيَ كَالنُّورِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنَ ثَنَايَاهُ، غَيْرَ أَنَّهُ تَغَيَّرَتْ أسْنَانُهُ بَعْدَ غَزْوَةِ أُحُدٍ، فَقَدِ انْكَسَرَ فِيهَا بَعْضُ أَسْنَانِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

عِبَادَ اللهِ.. وأَمَّا عَنْ شَعْرِ جَسَدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَكَانَ شَعْرُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلاً يَتَدَلَّى عَلَى كَتِفِهِ، إِذَا مَشَّطَهُ بِيَدِهِ يَمْتَشِطُ، وَيَصِلُ شَعْرُهُ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، يُفَرِّقُهُ مِنْ وَسَطِهِ، شَدِيدُ سَوادِ الشَّعْرِ، وَكَانَتْ لِحْيَتُهُ كَذَلِكَ سَوْدَاءَ كَثِيفَةً، تَصِلُ إِلَى صَدْرِهِ خَفِيفَةَ الْجَانِبَيْنِ، دَقِيقَ الشَّارِبِ لَا يَلْتَحِمُ شَارِبُهُ مَعَ لِحْيَتِهِ. غَزِيرَ شَعْرِ الصَّدْرِ، يَنْزِلُ الشَّعْرُ فِي شَكْلِ خَطٍّ دَقِيقٍ حَتَّى يَصِلَ إِلَى السُّرَّةِ، أَشْعَرَ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِي الصَّدْرِ.. وَلَمْ يَذْكُرُوا شَيْئاً عَنْ شَعْرِ رِجْلَيْهِ.

لَمْ يَضْرِبِ الشَّيْبُ شَعْرَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ كَانَ قَلِيلَ الشَّيْبِ، لَمْ يُرَ فِي شَعْرِهِ بَيَاضٌ سِوَى شُعَيْرَاتٍ مَعْدُودَاتٍ فِي مُقَدَّمِ لِحْيَتِهِ، وَفِي الرَّأْسِ شَيْءٌ يَسِيرٌ، وَلِقِلَّةِ هَذِهِ الشَّعْرَاتِ عَدَّهَا الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ رِضْوانُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ؛ فَقَدْ سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "أَخَضَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمُ؟ قَال: إِنَّهُ لَمْ يَرَ مِنَ الشَّيْبِ إِلَّا نَحْوًا مِنْ سَبْعَ عَشْرَةَ، أَوْ عِشْرِينَ شَعْرَةً فِي مُقَدَّمِ لِحْيَتِهِ". رَوَاهُ أَحمدُ وابنُ مَاجَةَ.

إِخْوَةَ الإِسْلامِ.. وأَمَّا عَنْ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ فَقَدْ كَانَ خَلْفَ رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمُ عِنْدَ أَوَّلِ فَقْرَةٍ مِنْ فَقَرَاتِ ظَهْرِهِ. وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ وَحْمَةٍ فِي حَجْمِ الزَّيْتُونَةِ أَوِ الْعِنَبَةِ، سَوْدَاءُ يَخْرُجُ مِنْهَا ثَلاثُ شَعْرَاتٍ سَوْدَاوَاتٍ. وَكَانَ الْعَدِيدُ مِنَ النَّاسِ يَسْأَلُونَهُ: (اكْشِفْ لَنَا عَنْ ظَهْرِكَ) فَيَكْشِفُ لَهُمْ ظَهْرَهُ كَيْ يَرَوْا خَاتَمَ النُّبُوَّةِ.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمُ مُتَوَسِّطَ الْوَزْنِ رَشِيقًا مُتَنَاسِقَ الْجِسْمِ. غَيْرَ أَنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ ازْدَادَ وَزْنُهُ بَعْضَ الشَّيْءِ، كَمَا تَذْكُرُ بَعْضُ الرِّوَايَاتِ.

وَكَانَ عَرِيضَ الْيَدِ أَمْلَسَهُ، كَبِيرَ الْكَفِّ مُمْتَلِئَةً لَحْمًا، غَيْرَ أَنَّهَا مَعَ ضَخَامَتِهَا كَانَتْ لَيِّنَةً نَاعِمَةً؛ قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلاَ دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَكَانَ كَذَلِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الْأَعْضَاءِ كَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ وَالْمِنْكَبَيْنِ وَالْأَصَابِعِ. طَوِيلَ الذِّرَاعَيْنِ. فَانْظُرْ إِلَى اجْتِمَاعِ نُعُومَةِ الْبَدَنِ وَقُوَّتِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ دَلاَئِلِ قُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمُ أَبْيَضَ الْإِبْطَيْنِ، وَبَيَاضُ الْإِبْطَيْنِ مِنْ عَلاَمَةِ نُبُوَّتِهِ؛ إِذْ إِنَّ الْإِبْطَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ يَكُونُ عَادَةً مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ؛ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَالِكِ بنِ بُحَيْنَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ – أَيْ: بَاعَدَ- حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا عَنْ صِفَةِ سَاقَيْهِ: فَيَقُولُ أَبُو جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ"، وَفِي لَفْظٍ: "وَبِيصَ سَاقَيْهِ" يَعْنِي بَرِيقَهُمَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ أشْبَهَ النَّاسِ بِسَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَكَانَتْ قَدَمَاهُ الشَّرِيفَتَانِ تُشْبِهَانِ قَدَمَيْهِ كَمَا هِي آثَارُهَمَا فِي مَقَامِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ. وفِي حَديثِ الْإِسْراءِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَصْفِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: "وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُعَظِّمَ مَحَبَّةَ رَسُولِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُلُوبِنَا، وَأَنْ تَجْعَلَهَا أَعْظَمَ عِنْدَنَا مِنْ مَحبَّةِ أَنْفُسِنَا، وَاجْعَلْهَا طُمَأْنِينَةَ قُلُوبِنَا، وَانْشِراحَ صُدُورِنَا.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ...
***

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الصَّادِقُ الْأَمِينُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِينَ. أَمَّا بَعْدُ...

فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ... أَمَّا عَنْ عَرَقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللهِ: "إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْلُكْ طَرِيقًا فَيَتْبَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا عَرَفَ أَنَّهُ قَدْ سَلَكَهُ مِنْ طِيبِ عَرْفِهِ، أَوْ قَالَ: مِنْ رِيحِ عَرَقِهِ". رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْأُولَى، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي، قَالَ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا أَوْ رِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ". وَصَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُعْرَفُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيِبِ إِذَا أَقْبَلَ.

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: "دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عِنْدَنَا، فَعَرِقَ، وَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ، فَجَعَلَتْ تَسْلِتُ الْعَرَقَ فِيهَا، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ؟» قَالَتْ: هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا، وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

عِبَادَ اللهِ.. وَأَمَّا عَنْ صِفَةِ رِيقِهِ: فَقَدْ أَعْطَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَائِصَ كَثِيرَةً لِرِيقِهِ الشَّرِيفِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ رِيقَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ فِيهِ شِفَاءٌ لِلْعَلِيلِ، وَرِوَاءٌ لِلْغَلِيلِ، وَغِذَاءٌ لِلنُّفُوسِ، وَقُوَّةٌ لِلأَبْدَانِ، وَبَرَكَةٌ في الأَجْسَادِ؛ فَكَمْ دَاوَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِيقِهِ الشَّرِيفِ مِنْ مَرِيضٍ فَبَرِئ مِنْ سَاعَتِهِ بِإِذْنِ اللهِ. فَقَدْ جَاءَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ». فَقِيلَ: هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قَالَ: «فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ». فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ.

وَعَنْ يَزِيدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاقِ سَلَمَةَ، فَقُلْتُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ، مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ ضَرْبَةٌ أَصَابَتْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّاسُ: أُصِيبَ سَلَمَةُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَنَفَثَ فِيهِ ثَلاَثَ نَفَثَاتٍ، فَمَا اشْتَكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةِ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَمِمَّا يُرْوَى فِي عَجَائِبِ غَزْوَةِ بَدْرٍ: مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ السِّيَرِ أَنَّ قَتَادَةَ بنَ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَقْطَعُوهَا فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَا» فَدَعَا بِهِ فَغَمَزَ حَدَقَتَهُ بِرَاحَتِهِ، فَكَانَ لَا يَدْرِي أَيَّ عَيْنَيْهِ أُصِيبَتْ؟!! فَكَانَ وَلَدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْشِدُ وَيَقُولُ:
أَنَا ابْنُ الَّذِي سَالَتْ عَلَى الْخَدِّ عَيْنُهُ *** فَرُدَّتْ بِكَفِّ الْمُصْطَفَى أَيَّمَا رَدِّ

وَبَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ: وَاللهِ إِنَّ دَهَاقِنَةَ الْأَدَبِ وَفُحُولَ الشُّعرَاءِ وَبَلاَغَةَ الْخُطَبَاءِ لَيَقِفُونَ عَاجِزِينَ أَنْ يُحِيطُوا بِوَصْفِهِ وَبَيَانِ عُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهَا إشَارَاتٌ وَعَلَيْكَ التَّقَصِّي.
قَالَ حَسَّانٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
وَأَجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنٌ
وَأَكْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ

خُلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ
كَأَنَّكَ خُلِقْتَ كَمَا تَشَاءُ

وَقَالَ غَيْرُهُ:

بَلَغَ الْعُلَى بِكَمَالِهِ
كَشَفَ الدُّجَى بِجَمَالِهِ

حَسُنَتْ جَمِيعُ خِصَالِهِ
صَلُّوا عَلَيْهِ وآلِهِ

اللَّهُمُّ صِلِّ.....


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.87%)]