
14-10-2020, 07:11 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,160
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
أركان التقوى وحقيقة المتقين
قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194] من هم المتقون؟ الذين عرفوا فيم يتقون الله من الفعل والترك، وفعلوا المأمور وتجنبوا المنهي، أولئك هم المتقون، أولئك الله معهم لن يخذلهم ولن يسلط عليهم عدوهم، ولن يكربهم ولن يحزنهم أبداً، لا في الدنيا ولا في الآخرة، للبيان السابق الذي أعلنه تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، اللهم اجعلنا منهم، فمن هم هؤلاء؟الجواب: المؤمنون المتقون هم أولياء الله، كأن سائلاً يقول: يا رب من هم أولياؤك؟ قال: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63].
تفسير قوله تعالى: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ...)
وقوله تعالى: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] الإنفاق في سبيل الله إنفاق الطاقات، المال، العقل، البدن.وسبيل الله الإسلام الموصل إلى جوار الله في الملكوت الأعلى، سبيل الله أن يُعبد الله وحده، وتعبد البشرية كلها ربها حتى تصل إلى جواره في الملكوت الأعلى. وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] التهلكة والهلكة والهلاك بمعنى واحد.
مناسبة نزول الآية الكريمة
هنا يروى أن أبا أيوب الأنصاري مضيف نبيكم صلى الله عليه وسلم أول ضيافة في المدينة قال: لما رأينا انتصار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قلنا: هيا بنا يا أهل المدينة نعود إلى حقولنا ومزارعنا ننميها ونصلح من حالها، فقد أوقفنا العمل فيها لسنوات أربع أو خمس والآن الإسلام ظهر وانتصر، هيا نعود إلى أعمالنا الدنيوية، ما إن فاهوا بها ونطقوا في مجتمع خاص حتى فوجئوا بهذه الآية: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] لأن إيقاف الجهاد وإيقاف الاستعداد يجعل العدو ينظر إلينا على أننا ضعفة لا قدرة لنا فيكر علينا ويحطمنا.فلهذا رحم الله الشيخ رشيد رضا في مناره، قال: هذا يسمى بالسلم المسلح، على الأمة أن تعد العدة ما أمكنها، وإن كانت لا تنوي القتال، وليس هناك من يخامره فكر أن يقاتلها، معاهدات وأمن كامل كما هي أحوالنا، في هذا الوقت بالذات يجب أن تكون عدتنا أعظم عدة، أنواع السلاح على اختلافه، وأنواع رجالها، وإن كان ما لنا أمل في أن نقاتل، إذا شاهد العدو تلك القوة لا يفكر في الإغارة علينا ولا في قتالنا، أما إذا ميز وقدر وعرف كميات سلاحنا وما عندنا إذاً يدفعه الشيطان إلى أن يغير علينا، ولهذا قال لنا تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ [الأنفال:60] يعني: في حدود قدرتكم.ومن القدرة أنه إذا قيل: اسمعوا أيها المواطنون: من الآن لا نأكل أكلة الصباح أبداً، نكتفي بالغداء والعشاء، ونفقة الصباح كلها في ميزان الجهاد، فلا تصبح دولة أخرى أقوى منا، يعلن الإمام: اسمعوا: نكتفي بأكلة واحدة في الأربع وعشرين ساعة، وثمن تلك الأكلة في ميزانية الجهاد وإعداد العدة، والله! لكما تسمعون، وإلا فكيف يقول الله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]؟ أي: ابذلوا ما تستطيعونه، وكوننا نحرم أكلة في اليوم مثلاً لأن نصبح أهل عتاد حربي ما هو بشيء أبداً في سبيل إبقائنا أحياء سعداء أطهاراً أتقياء، حتى لا يسلط علينا خبيث نجس كافر مشرك يذلنا ويهيننا ويفعل بنا العجب، وهل فعل أو لم يفعل؟ استعمرتنا بريطانيا، إيطاليا، أسبانيا، بلجيكا، هولندا.. العالم الإسلامي بكامله وضع تحت أقدام النصارى واليهود، واليهود حثالة البشر أذلونا، أهانونا، فعلوا بنا العجب، فلم؟ والله! إني لعلى علم، لقد أعرضنا عن الله فأعرض عنا ووكلنا إلى أنفسنا.وقد عرفنا قول أبي أيوب الأنصاري لما ظهر الإسلام وانتصر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قلنا لبعضنا: نحن الأنصار نعود إلى حدائقنا وأعمالنا وبساتيننا، فلم يرض الله تعالى ذلك لهم، فأنزل قوله تعالى: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195].
معنى قوله تعالى: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)
وقوله تعالى: وَأَحْسِنُوا [البقرة:195] من هم المخاطبون؟ المؤمنون، أحسنوا لا تسيئوا، الإحسان بمعناه الحقيقي هو ثلث الإسلام، الدين الإسلامي السبيل الموصل إلى الله يتكون من ثلاث خطوات: الإيمان، الإسلام، الإحسان.والخطوة الأخيرة -الإحسان- أعظم من الإيمان والإسلام، لم؟ إذا لم يحسن إسلامه ما انتفع به، فالإحسان معناه العام: الإحسان إلى الفقراء المساكين المحاويج، إلى الأقارب، إلى إخوانك المؤمنين بالابتسامة والسلام عليهم، والنصرة.. وما إلى ذلك، كله إحسان، لكن الإحسان الخاص هو أن تعبد الله عبادة من شأنها أن تنتج لك القوة والكمال والطهارة والنظافة والسعادة في الدنيا والآخرة، بمعنى: أن تطبق شرع الله تطبيقاً تاماً فينتج هذه الكمالات.ولا يتم لك ذلك إلا إذا كنت تعيش مع الله، لا تفارق الله أبداً، أنت مع الله، إذا أردت أن تقول كلمة فاستئذنه هل تقولها أو لا، فإن كانت حلالاً نافعاً أذن لك، وإن كانت حراماً ضالة قال: لا تقل، لا تنظر نظرة إلا بإذنه، لا تأكل لقمة إلا بإذنه، لا تمش خطوة إلا بإذنه، لا تنم ساعة إلا بإذنه، أنت مع الله، فالذين يعيشون مع الله والله معهم هؤلاء لن يضرهم شيء ما داموا مع الله، ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ( أن تعبد الله كأنك تراه )، فإن ضعفت عن هذه المرتبة السامية ونزلت فاعبده وأنت تعلم أنه يراك، أما أن تعبده ولا أنت تراه ولا تعتقد أنه يراك فوالله لن تحسن العبادة، حتى ولو كان الوضوء فلن تتقنه.لا يمكنك أن تحسن العبادة حتى تنتج الطاقة الحقيقية من النور إلا إذا كنت تراقب الله في ذلك، مع مراقبة الله لا تستطيع أن تعبث أو تزيد أو تنقص أبداً، تؤديها كما هي، فإذا أديتها كما هي فإنها تولد النور الذي هو الحسنة. وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]، هل الذي أحبه الله يلقي به في أتون القاذورات والأوساخ؟ والله! ما كان، إذا أحبك الله أمنت يا عبد الله؛ لا لشيء إلا على طهر وصفاء وكمال، ومناعة من كل عدو وكل شيطان، والذين يرغبون في حب الله فمن الليلة يحسنون فقط والله سيحبهم، هل تريدون أن يحبنا الله حقاً؟ لنحسن أعمالنا فقط، صلينا ركعتين، صلينا ركعة، ذكرنا، قرأنا، مشينا، جلسنا.. نحسن أعمالنا، ولا يتم ذلك إلا بمراقبة الله كأننا بين يدي الله نستحي أن نزيد أو ننقص.هذا الإحسان يولد النور فتشرق النفس والقلب، ويشع ذلك النور على السمع والبصر والمنطق واللسان، فنصبح كأننا ملائكة أطهار، والله يحب المطهرين، الله لا يحب الخبث أبداً ولا يحب أهله، يحب الطهر، والطهور شطر الإيمان، فمن أراد أن يكون من أحباء الله فماذا يعمل؟ يحسن عمله، كيف يحسن عمله؟ يؤديه كما هو مطلوب، لا يزيد، ولا ينقص، لا يقدم، لا يؤخر، لا يضيع منه شرطاً من شروطه ولا ركناً من أركانه، هذا العمل يولد له الحسنات فتشرق نفسه وتطيب وتطهر، فيصبح بذلك أهلاً لأن يحبه الله؛ لأنه من المطهرين.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
شرح الكلمات
لنستمع إلى شرح الآية في التفسير:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات: الشهر الحرام: الشهر المحرم القتال فيه، والأشهر الحرم أربعة: ثلاثة سرد وواحد فرد، فالثلاثة هي: القعدة، والحجة، ومحرم، والرابع الفرد: رجب.الحرمات: جمع حرمة؛ كالشهر الحرام، والبلد الحرام، والإحرام ] هذه حرمات.[ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194]: المتقون: هم المؤمنون الذين يتقون معاصي الله تعالى ومخالفة سننه في الحياة، وكونه تعالى معهم يسددهم ويعينهم وينصرهم.التهلكة: الهلكة، والهلاك مثلها.الإحسان: اتقان الطاعة وتخليصها من شوائب الشرك، وفعل الخير أيضاً ] كله إحسان.
معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآيتين: الآية الأولى في سياق ما قبلها تشجع المؤمنين المعتدى عليهم على قتال أعدائهم، وتعلمهم أن من قاتلهم في الشهر الحرام فليقاتلوه في الشهر الحرام، ومن قاتلهم في الحرم فليقاتلوه في الحرم، ومن قاتلهم وهم محرمون فليقاتلوه وهو محرم، وهكذا الحرمات قصاص بينهم ومساواة، ومن اعتدى عليهم فليعتدوا عليه بمثل اعتدائه عليهم، وأمرهم بتقواه عز وجل وأعلمهم أنه معهم ما اتقوه بالتسديد والعون والنصر ]، فهو معهم ما اتقوه، أي: مدة ما هم متقون، بماذا؟ بالتسديد والعون والنصر.[ وأما الآية الثانية فقد أمرهم بإنفاق المال للجهاد لإعداد العدة وتسيير السرايا والمقاتلين، ونهاهم أن يتركوا الإنفاق في سبيل الله الذي هو الجهاد، فإنهم متى تركوا الإنفاق والجهاد كانوا كمن ألقى بيده في الهلاك، وذلك أن العدو المتربص بهم إذا رآهم قعدوا عن الجهاد غزاهم وقاتلهم وانتصر عليهم فهلكوا قطعاً، كما أمرهم بالإحسان في أعمالهم كافة ]، حتى في الطبخ، فالذي ما يحسن طبخ قدر هل يؤكل طعامه؟ الشاي إذا لم تحسن طبخه لا يشرب، فكيف بمعراج السماء الصلاة، إذا لم تحسنها ما تنتج الطاقة ولا تولدها أبداً.[ وإحسان الأعمال: إتقانها وتجويدها، وتنقيتها من الخلل والفساد، وواعدهم إن هم أحسنوا أعمالهم بتأييدهم ونصرهم، فقال تعالى : وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195] ومن أحبه الله أكرمه ونصره وما أهانه ولا خذله ]؛ لأن الله لا يهين أحباءه ولا يخذلهم، فما ذلك من شأنه عز وجل.
هداية الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيتين:من هداية الآيتين:أولاً: احترام الشهر الحرام وسائر الحرمات ]، فهيا نحترم الشهر الحرام، إذا دخل القعدة تركنا التدخين، دخل الحج فتركنا لعب الكيرم، دخل المحرم فتركنا السهرات، هذه أشهر حرم نحترمها، دخل رجب فما بقي فينا من يعصي الله، هذا شهر الله.[ ثانياً: جواز المقاصة والمجازاة لمن اعتدى بحيث يعامل بما عامل به سواء بسواء ].هذا في حق الحكومات لا في حق الأفراد، فـ( المرء مقتول بما قتل )، والقصاص لا يسقط إلا في شيئين: فجر فاجر بامرأة فماتت، فلا يقتل بالفجور به، وكيف يمكن ذلك؟ أو لاط لائط فقتل، فهل يقتل بطريق اللواط؟ كلا، أما إذا ضرب بعصا فإنه يضرب بعصا، أو سقى السم فإنه يسقى السم، أو قطع الرأس فإنه يقطع رأسه، المرء مقتول بما قتل، فالقصاص: المساواة.ففي الحديث: ( المرء مقتول بما قتل )، فالجارية التي قتلها اليهودي بحجر على رأسها أما قتله الرسول صلى الله عليه وسلم بالحجر أيضاً؟ هذا الحكم الشرعي، قتل برصاص يقتل برصاص، ذبح بسكين يذبح بسكين عندما يقام الحد عليه، إلا من قتل بزنا أو لواط فإنه لا يقتل بذلك، استثنى أهل العلم هذا الذي لا يمكن فيه المقاصة، فيقتل وكفى، فإن زنا حتى ماتت من زنا بها فإنه يقتل بها، أو لاط حتى مات من فعل به فإنه يقتل به، وفي باقي الأشياء المقاصة، كما لو أخذ منك نعجة فإنه تؤخذ منه نعجة، أخذ ألف ريال فيؤخذ منه ألف ريال، قطع يداً فتقطع يده، والذي يقوم بهذا هو الحاكم، أما أفراد الشعب والأمة فلا، ومن عفا وسمح وصفح فذلك أفضل له، وإن طالب بحقه فالقصاص، وقد سبق ما حكيناه عن الشافعي رحمه الله تعالى. [ ثالثاً: رد الاعتداء والنيل من المعتدي الظالم البادئ بالظلم والاعتداء ].هذا للدولة، يفعله إمام المسلمين إذا اعتدت دولة مجاورة، مع أن هذا منسوخ -كما قدمنا- بآية الجهاد، فالآن اعتدوا أو لم يعتدوا فنحن نعسكر أمامهم وندعوهم إلى الله ليدخلوا في رحمة الله، فهذه الآيات نزلت قبل آيات سورة التوبة.[ رابعاً: معية الله تعالى لأهل الإيمان والتقوى والإحسان ].معية الله: كون الله معهم يؤيدهم وينصرهم ويفتح عليهم ويحبهم، من هم؟ أهل التقوى والإيمان والإحسان، أما المعية العامة فالله عليم بكل خلقه، إذا كانت السموات يطويها بيمينه فأين البعد بيننا وبينه؟ نحن بين يديه حيثما كنا، فقط جاء المدفوعون إلى تحطيم الإسلام والقضاء عليه فجعلوا الحلول مبدأ وقالوا: الله حل في كل شيء، والله منزه أن يحل في هذه الأجسام الغارقة الباطلة الهاوية، هذا الكون يحمله بيديه فكيف يحل فيه؟ وهذا المذهب مذهب شر، وأخزاهم الله وما بقي منهم أحد، فحين نقول: الله معنا بنصره وتأييده فنعم، والله مع الكل أينما كانوا؛ لأنهم بين يديه كالنملة بين يدي إنسان، لا يخفى من أمرنا على الله شيء ولا يبعد عن الله منا شيء.[ فضيلة الإحسان لحب الله تعالى للمحسنين ].الإحسان ذو فضل كبير؛ لأنه يرزقك حب الله، وأي شيء يقربنا من حب الله هو أحب الأشياء إلينا، فالإحسان يقرب من حب الله؛ فالإحسان فضيلة لا تساويها فضيلة، اللهم اجعلنا من المحسنين.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|