عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 11-10-2020, 05:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (120)
الحلقة (127)



تفسير سورة البقرة (85)

لما جاء نفر من الصحابة إلى النبي يسألونه عن ربهم أهو قريب فيناجى أم بعيد فينادى، فجاء الجواب مباشرة من عند الله لهم ولمن بعدهم، أنه سبحانه قريب مجيب لدعوة الداعي، فمن التزم آداب الدعاء وأطاب مطعمه ومشربه كان أرجى أن تجاب دعوته، وما من مؤمن يدعو دعوة إلا أعطاه الله بها إحدى خصال ثلاث: إما أن يستجيب له بها، أو يرد عنه من الشر ما يقابلها، أو يدخرها له يوم القيامة، وما عند الله خير لعبده مما أراد لنفسه.

تفسير قوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآية القرآنية النورانية المباركة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].

سبب نزول الآية الكريمة

هذه الآية لها سبب نزلت به، وكثير من آي القرآن الكريم ينزل لأسباب اقتضت نزوله، ومعرفة السبب تساعد على معرفة المراد من الآيات التي نزلت لذلك السبب.سبب هذا: هو أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم قائلين: ( أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ ) لأن المناجاة تكون سرية خفية، وقد عرفتم المناجاة وحكم الله فيها: إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المجادلة:9]، وناجى الله تعالى موسى عليه السلام، قالوا: ( أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ )، والنداء بـ(يا ألله)، فنزلت هذه الآية: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي [البقرة:186] أي: أقريب أم بعيد؟ فأجبهم أني قريب أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186].إذاً: هذا السؤال معقول ومشروع، لا عنت فيه ولا تكلف، أرادوا أن يعرفوا إذا نادوا ربهم هل ينادونه بأعلى أصواتهم أو يدعونه بالألفاظ القريبة، فقالوا: ( أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ ) فأنزل الله تعالى قوله: وَإِذَا سَأَلَكَ [البقرة:186] يا رسولنا عِبَادِي عَنِّي [البقرة:186] أي: في كوني قريباً أم بعيداً، فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] إذا دعاني الداعي أجيب دعوته.

مثال توضيحي لقرب الله تعالى من عباده

وهنا -معاشر المستمعين والمستمعات- كثيراً ما أكرر تلك اللطيفة لتعرفوا القرب والبعد، فالله تعالى يقول: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67] يضع الجبار السموات والأرض في كفه ويقلبها ويقول: أنا الملك، أين الملوك؟ هذه أخبار النبي صلى الله عليه وسلم التي يتلقاها بالوحي الإلهي. إذاً: فأين البعد؟ فنحن بين يديه، لو وضعت نملة في كفك فأنت محيط بها من كل جوانبها، أنت فوقها، أنت تحتها، أنت عن يمينها، عن شمالها؛ لعظمتك وحقارتها، إذاً: فالله عز وجل والعوالم كلها كهذه النملة بين يديه، فكلنا بين يديه. وشيء آخر: أحوالنا الظاهرة والباطنة هو الذي يسيرها، لا تنطق حتى ينطقك، لا تبصر حتى يجعلك تبصر، لا ترفع يديك حتى يجعلك ترفعها، وكل شيء قد كتبه في كتاب المقادير قبل خلق السماوات والأرض فضلاً عن البشر، إذاً: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].إذاً: فالله معنا، قال تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4] لا تفهم أنك تبعد عن الله أو تغيب عن الله، هيهات هيهات! وهنا -معاشر الإخوان والأبناء- أذكر أن أحد المؤمنين رأى رؤيا، وفيها: أن على الشيخ هذا أن يعلم المستمعين والمستمعات الآداب مع الله عز وجل، وهي رؤيا صالحة، والله يعلم أننا ما تأدبنا معه، ودائماً نذكر هذا، أدبنا مع الله ليس بشيء، فباسم الله كل ليلة إن شاء الله أضع بين أيديكم مسألة فاذكروها وتأدبوا بها مع الله. الأولى: الشكر على النعم. لو أن أحد إخوانك في بيتك وبين يديك تطعمه وتسقيه، تكسوه وتلبسه، تسكنه وتركبه، تحميه وتدافع عنه، ولا يذكرك بخير، ولا يقول: جزاك الله خيراً، ولا يشكر لك نعمة بين الناس، كيف تنظر إلى هذا؟ أي أدب هذا عنده؟ هذا أسوأ الناس أدباً. ونحن نعيش في كنف الله وفي نعمه وفي رعايته وحمايته، وفي أرضه وتحت سمائه، وبه نأكل ونشرب، ونجيء ونذهب، حركاتنا من فضله وإحسانه، فمن الأدب أن ننسى هذه النعم وأن ننساه وهو المنعم المتفضل، فهيا نتأدب مع الله، فدائماً لساننا يذكر الله ويحمده، دائماً مع الله نشكر له إنعامه وإفضاله وإحسانه، لا يفارقنا لفظ: الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله، في المرض والصحة، في الجوع والشبع، في القيام والقعود، في السفر والإقامة، في كل حال: الحمد لله، نذكر النعم التي نتقلب فيها، ونذكر المنعم بها وهو الله، ونحمده بما علمنا، والحمد لله أن قبل منا كلمة: الحمد لله، هذه نعمة أخرى، أن قبل منا كلمة: الحمد لله وشرعها لنا وانتدبنا إليها، هذه نعمة أخرى. فإن شاء الله سنتأدب من الآن، فنعم الله لا ننساها، وحمد الله وشكره لا ننساه، هذه خطوة إن شاء الله، وسنواصل خطواتنا بإذن الله حتى نصبح من أهل الأدب مع الله، وإن كانت الرؤيا تعنيني أنا فقط فأنا مقصر في الأدب مع ربي، فاسألوا الله لي أن يجعلني من المتأدبين معه، اللهم آمين.

معنى قوله تعالى: (أجيب دعوة الداع إذا دعان)

إذاً: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي [البقرة:186] فأعلمهم أني قَرِيبٌ [البقرة:186] أي: منهم. أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ [البقرة:186] وحذفت الياء للتخفيف؛ لأن القرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار، يتلوه العربي والعجمي والصغير والكبير والفصيح والألكن، فهو قائم على الخفة، بدل الداعي: الداع، فالياء محذوفة. أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] ما معنى: دعاني؟ قال: يا رب! اغفر لي وارحمني، يا رب! أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، يا رب! فرج ما بي، يا رب! فرج كربي، يا رب! اقض حاجتي، يا رب! أسكني المدينة، هذا مؤمن قال لي: ادع الله لي أن يجعلني من سكان المدينة، فاللهم اجعله من سكان المدينة يا رب العالمين، اللهم ائت به إلى المدينة.إذاً: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] والذي لا يدعو الله كافر، الذي يستغني عن الله تربب وتأله وادعى الربوبية، وإلا فكيف يستغني عمن أنفاسه بيده؟ والدعاء هو العبادة، اذكروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الدعاء هو العبادة )، و( الدعاء مخ العبادة ) في حديث ضعيف؛ لأن المخ في الحيوان هو مقر الحياة، إذا أخذ المخ سقطت البنية، لكن الحديث الصحيح: ( الدعاء هو العبادة ) .وقد عرفتم كيف كان الدعاء هو العبادة، وسأعلمكم بهذه للناسي والغافل أريكم كيف كان الدعاء هو العبادة:فأنا إذا رفعت يدي إلى السماء فقد أعلنت عن فقري، الذي يرفع كفيه أعلن عن فقره أم لا؟ المتسول يقول هكذا فتضع ريالاً في يده، إذاً: هذه صورة معناها: أن هذا الشيخ فقير محتاج إلى الله.ولو كان غير الله يقضي حاجته ويسد خلته لقال هكذا أو هكذا يميناً وشمالاً، لكن يرفع يديه إلى من فوق عرشه وفوق سماواته، إذاً: أنا مؤمن بعلو ربي عز وجل، وأنه فوق ليس تحت ولا عن يمين وشمال، وأنا فقير ومحتاج. ثم حين أقول: يا رب يا رب فأنا مؤمن بأنه يسمع سري ونجواي، ولهذا أقول: يا رب يا رب يا رب! فمعناه: أنني مؤمن بأن الله يسمعني، وأن الله قادر على قضاء حاجتي وإعطائي سؤلي وإلا فما رفعت كفي إليه.ثم لو كان في الكائنات من يقضي حاجتي أو يفرج كربي أو يعطيني سؤلي لسألته، إذاً: عميت عن كل المخلوقات ولم أر إلا الله، فأعطيته قلبي ويدي ولساني وكلي وأملي، وهذا هو التوحيد، العبادات كلها تعود إلى هذا، فصلوا على أبي القاسم صلى الله عليه وسلم القائل: ( الدعاء هو العبادة ).فلذا أيما إنسان يتجه إلى غير الله ويسأله حاجته فقد مسخ ومسح اسمه من ديوان المؤمنين وإن صام وصلى، فالذي يقول: يا سيدي عبد القادر ، يا مولاي، يا فاطمة، ينادي ميتاً وغائباً أعطاه صفات الله من الجلال والكمال وسأله فقد مسخ وما بقي مسلماً، فلولا يقيننا بأن الله يسمعنا ويرانا ويقدر على إعطائنا الحاجة هل سنسأله؟ فالذين يدعون غير الله عز وجل ويرفعون أصواتهم بأسمائهم منادين صارخين هؤلاء لولا أنهم جهلة ما علمهم العلماء لقلنا لهم قولاً غير هذا، ولكن نكل أمرهم إلى الله. وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] إذا لم تدع واستغنيت عن الله وتكبرت فإنه لا يجيبك، ما هو في حاجة إليك، وفي هذا ترغيب في الدعاء وحث عليه وحظ عليه، لو تظل طول ليلك ونهارك: يا رب يا رب؛ فأنت في أحسن حال، فأكثروا من الدعاء.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.50 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.40%)]