
11-10-2020, 05:20 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (119)
الحلقة (126)
تفسير سورة البقرة (84)
لما ذكر سبحانه وتعالى أنه كتب على الأمة الصيام وجعله أياماً معدودات، ذكر هنا أن هذه الأيام المعدودات هي أيام شهر رمضان المبارك، الذي أنزل فيه القرآن هادياً وموضحاً طرق الهداية، وفارقاً بين الحق والباطل، ثم بين سبحانه أن من كان حاضراً في البلد عند دخول الشهر فقد وجب عليه الصوم، ومن كان مريضاً أو مسافراً أفطر ثم قضى بعدة الأيام التي أفطرها بسبب ذلك تيسيراً على العباد، ورفعاً للمشقة عنهم.
تفسير قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآية المباركة، فلنتلها أولاً ثم نأخذ في بيان ما احتوت عليه من العلم والمعرفة.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].
معنى رمضان
أولاً: شهر رمضان هو الشهر التاسع من شهور الشمس القمرية، ورمضان مأخوذ مشتق من الرمضاء، وهي شدة الحر، ولهذا ورد: ( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال )، والفصال جميع فصيل: ابن الناقة الصغير، إذا اشتد الحر وارتفعت الشمس فالفصيل ما يقوى على الوقوف بخفيه، فيبرك على الأرض، فهذا وقت صلاة الأوابين، والمراد منها: صلاة الضحى حين ترتفع الشمس وتشتد الحرارة، والرمض: هو شدة الحر للعطشان، من به ظمأ وعطش ترمض نفسه، فمن هذا سمي شهر الصوم برمضان، ويجوز أن تقول: شهر رمضان أو تقول: رمضان، ولا حرج. وقوله تعالى: الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] أولاً: أنزل القرآن في بيان فضل الصيام، وأنزل القرآن في شهر رمضان، بل ورد أن كتب الله من صحف إبراهيم إلى الإنجيل إلى القرآن كلها نزلت في رمضان.
نزول القرآن في شهر رمضان
ثم إن نزول القرآن من اللوح المحفوظ، أما قال تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:21-22]؟ نزل في رمضان إلى السماء الدنيا في بيت العزة، ثم أخذ ينزل منجماً نجماً بعد نجم بحسب أحوال البشرية، فكلما تطلب الأمر نزول آية أو آيات تنزل والرسول يعلم ويبلغ، والكتبة يكتبون ويدونون، إذ كان للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون كاتباً يحسنون الكتابة، وكلما نزلت الآية أو السورة كتبوها.إذاً: وما هي الليلة التي نزل فيها القرآن؟ الظاهر أنها ليلة القدر، وذلك لقول الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان:3-5]، وقال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:1-5]. شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، والقرآن: هذا اللفظ علم على كتاب الله، وله علم آخر: الفرقان، القرآن مشتق من القرء الذي هو الجمع، جمعت حروفه وكلماته وآياته وسوره في كتاب واحد، فهو قرآن، وسمي بالفرقان؛ لأن الله فرق به بين الحق والباطل، بين المعروف والمنكر، بين الشر والخير، بين كل متلابسات الحياة.
معنى قوله تعالى: (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)
وقوله: هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى [البقرة:185] هذا هو القرآن، والله! لهدى للناس أبيضهم وأصفرهم، عربهم وعجمهم، لفظ الناس عام، فأيما إنسان ذكر أو أنثى يؤمن بهذا الكتاب ويقبل عليه يقرؤه ويتفهم مراد الله منه ويعمل به إلا اهتدى إلى طريق سعادته وكماله ونجا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، ولا يقولن قائل: قرأناه ولم نجد فيه الهداية! فهذا كلام باطل ولا ينطق به حتى إبليس. هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى [البقرة:185] ليس مجرد هدى، بل كان بينات، أنواع وفنون من أنواع الهدايات، فهو في العقل، في الآداب، في الأخلاق، في المال، في الحياة بكلها لا يوجد موضع في الحياة إلا والقرآن يهدي ويبين ما فيه.إذاً: والفرقان كذلك، فرق الله بالقرآن بين الكفر والإيمان، بين الشرك والتوحيد، بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الصالحين والمفسدين، بين الأبرار والفجار، القرآن هو الفرقان، وشأن الفرقان عظيم.
معنى قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)
بعد هذا قال تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، وتقدم لنا في الدرس الماضي أن الله أخبرنا أنه كتب علينا الصيام، وأنه أيام معدودات لا أعوام ولا أشهر، وكما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين تسعة وعشرين يوماً إلى ثلاثين، وأن هذا ليس مما كلفنا به دون غيرنا، بل الأمم التي عرفت الله كلها فرض عليها الصيام.إذاً: متى نصوم؟ بين تعالى الشهر الذي كتب أيامه، فقال: شَهْرُ رَمَضَانَ [البقرة:185] كأن سائلاً يقول: ما هو الشهر الذي نصوم فيه؟ ما هي الأيام التي نصومها؟ فأخبر تعالى أنها أيام شهر رمضان. فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ [البقرة:185] كيف يشهد الشهر؟ يشهده: يحضر في القرية أو في الحي، يشهد من يقول: انظروا إلى الهلال، أو يقول: أنا رأيت الهلال أو رؤي الهلال، شهده وكان حاضراً غير مسافر.ثم هنا مسألة فقهية لا بد من معرفتها: وهي أن ثبوت رؤية الهلال للصيام تثبت برؤية المؤمن العدل، ولا يتطلب الأمر شاهدين أو استفاضة الشهادة، أ يما مؤمن عاقل يشهد بأنه رأى مساء الليلة الهلال فقد وجب على المؤمنين الصيام، هذا الذي عليه أكثر أئمة الإسلام.أما الإفطار -وهو الإعلان عن شهادة رؤية هلال شوال- فثَمَّ لا تقبل شهادة الواحد وإن كان عدلاً، وإنما لا بد من شهادة اثنين من المسلمين العدول.والسر واضح؛ لأن الذي يشهد بأنه رأى هلال رمضان ليصوم ويصوم المؤمنون؛ فالفطرة تتنافى مع تحمل الأتعاب والظمأ والعطش وترك الأكل والشرب، فكيف إذاً يقول: رأيته وما رآه؟ أما الرؤية من أجل أن يفطر فقد يكذب حتى يفطر، هذا ليس واجباً أنه يقع، لكن هذه وضعية البشر، هذه فطرة الناس، فمن هنا تقبل في رؤية هلال رمضان شهادة مؤمن واحد ولا نطلب شهادة اثنين أو ثلاثة.أما العيد برؤية هلال شوال فلا بد من اثنين من العدول، فلو قال واحد: أنا رأيت فلا نأخذ برؤيته، له أن يفطر هو في بيته، فإذا تأكد من الرؤية ورآها فله الحق أن يفطر، لكن لا يحمل الأمة أن تفطر برؤيته، ولا يقبل منه هذا أبداً، إلا إذا شهد اثنان فأكثر على أنهم رأوا الهلال. فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ [البقرة:185] أيها المؤمنون، ولو قامت كتلة من اليهود وقالوا: رأينا الهلال فلا نقبل قولهم، لو قالت أوروبا الصليبية كلها: لقد رأينا الهلال الليلة، فصوموا، فلا نقبل؛ لأنهم غير عدول، وأي انحراف وهبوط أكثر ممن يكفر بالله ويجحده؟ إذاً: قوله تعالى: مِنْكُمُ [البقرة:185] أيها المؤمنون.ثم هنا أمر آخر: مِنْكُمُ [البقرة:185] أيها المكلفون، فغير المكلف لا يدخل في هذا، والمكلف هو المؤمن العاقل البالغ، فغير المؤمن ما هو بمكلف، لو رأى الهلال فلا التفات إليه، وطفل صغير لم يبلغ لا تقبل شهادته، ومجنون مختل العقل لا تقبل شهادته.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|