عرض مشاركة واحدة
  #222  
قديم 08-10-2020, 07:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (117)
الحلقة (124)



تفسير سورة البقرة (82)


بعد أن ذكر الله في الآيات السابقة أحكام القصاص، ثنى هنا بذكر الوصايا لارتباطها بمن استحق حكم القصاص وأن عليه أن يوصي للوالدين والأقربين، ولكن هذه الآية نسخت بآية المواريث، ونسخ الحكم بالوجوب في الوصية إلى الاستحباب، فصارت الوصية مستحبة لغير الوالدين أو الأقربين الوارثين، إلا أن يجيز ذلك بقية الورثة.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله.
نسخ قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) بآية المائدة
وكنا مع قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178].وهذه الآية نسخت بآية سورة المائدة، في قوله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [المائدة:45].وقد قلنا: كان العرب -أي: حكماؤهم- يطلقون كلمة يعتزون بها؛ لأنها من حكمهم، فنزلت آية طمستها ولم يبقَ لها أثر، حيث كانوا يقولون: القتل أنفى للقتل. ونزلت الآية: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:179].

ذكر سبب نزول آية القصاص في القتلى وبيان وسطية الأمة فيه

وسبب نزول هذه الآية التي نسخت، وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ .. [البقرة:178]، نزلت في قبيلتين من العرب، كانت إحداهما تتفوق في الشرف والمكانة، فكان إذا قتل منهم امرأة يقتلون من القبيلة الثانية رجلاً، ما يقبلون امرأة، وإذا قتل منهم عبد قتلوا حراً، فأبطل الله هذا، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى [البقرة:178]، ونزلت آية المائدة: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [المائدة:45].وهل القصاص خاص بالنفس أو يتناول الأعضاء؟ يتناول الأعضاء، فالعين بالعين، والأنف بالأنف.. حتى الجراحة تقدر بمقاييس، وهذه نعمة فازت بهذه الأمة الإسلامية دون غيرها، فقد كان حال اليهود القتل في النفس فقط، إذا قتل اليهودي فلا بد أن يقتل، لا دية ولا عفو، بل القصاص تأديباً لهم، لأنهم قساة القلوب، وكان النصارى بعدهم: لا دية ولا قصاص، فمن صفعك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، لِم هذا؟ تربية وتأديب، فجاءت أسمى الأمم وأشرفها فأعطيت الثلاثة: إن شئتم قتلتم، إن شئتم أخذتم دية، إن شئتم عفوتم، الأمر واسع لكم، ونعم السعة هذه.وقوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178] أي أن الذي يريد الدية يتبعها ويطالب بها بالمعروف، لا بالعنف والشدة، والذي يؤدي الدية ينبغي أن يؤديها أيضاً بلا مماطلة ولا نقصان.

امتناع قتل المسلم بالكافر

وذكرنا في قوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ [البقرة:178] لطيفة في قوله تعالى: (من أخيه)، أي: في الإسلام، وبناءً على هذا فالكافر إذا قتل مسلماً فلا عفو ولا دية، الكافر إذا قتل مسلماً فالقصاص، لا عفو ولا دية، أنت تعفو عنه ليواصل كفره بالله وشركه! ما استفادت الدنيا، لكن المؤمن إذا عفوت عنه عبد الله سنين، والكافر ماذا يصنع؟ يزداد في الظلم والشر والخبث، إذاً: فالموت خير له، ولهذا قال تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ [البقرة:178]، لا ابن أبيه أو أمه، أي: في الإسلام.ولا يقتل مسلم بكافر، وفي الحديث الصحيح: ( لا يقتل مسلم بكافر )، قد يقول الجفاة: هذا تعصب، وهذه شدة، وهذه غلظة!والجواب: أن الكافر ميت، أتقتل حياً بميت؟ أتميت حياً بميت؟ وقد تقرر عندنا أن الكافر حكمه حكم الميت، فالكافر من حقه أن لا يحيا ولا يعيش؛ لأنه خلق لعبادة الله بذكره وشكره فعطلها، إذاً: لِم يأكل ويشرب ويتنفس الهواء إلا رجاء أن يؤمن ويعبد الله، فلهذا لا يستحق القتل أبداً إلا قصاصاً، رجاء أن يسلم غداً أو بعد غدٍ فيعبد الله، فلهذا فالمؤمن حي يسمع ويعي، ينطق ويفهم، ويأخذ ويعطي، ولهذا كلفناه بالغسل فاغتسل، وبالحج فحج، وبالصيام فصام، وكلف كافراً فهل سيصوم؟ هل سيصلي؟ سيغتسل من جنابة؟ كلا، لأنه ميت، فلا نكلفه، وأهل الذمة في ديار المسلمين لا يكلفون، لا بصلاة ولا صيام، ولا بحج ولا زكاة، ولا بجهاد، ولا برباط، شأنهم شأن الموتى، فإذا أسلموا حيوا، وحينئذ كلفهم ولا تخف.
تفسير قوله تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين ...)

مناسبة الآية الكريمة لما قبلها

ونحن الآن مع آيات أخرى، والمناسبة بينها وبين السابقة أنه لما ذكر تعالى القصاص، والقصاص موت، فهذا الذي أريد أن يقتص منه له وصايا، فينبغي أن يوصي، فمن هنا قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:180].فهيا نسمع الآيات مرتلة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:180-182]، هذه آيات الأحكام. كُتِبَ عَلَيْكُمْ [البقرة:180]، الخطاب لمن؟ للمؤمنين قطعاً، ومعنى (كتب): فرض، وكتب في اللوح المحفوظ وفي القرآن العظيم.

معنى قوله تعالى: (إذا حضر أحدكم الموت)

كُتِبَ عَلَيْكُمْ [البقرة:180] ماذا؟ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [البقرة:180]، بمعنى: إذا جاءه الموت وعرفنا مجيئه، لا أنه جاء في شخصية بارزة، وإذا جاء الموت فحينئذ ما بقيت وصية، فالمعنى: إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [البقرة:180] أي: حضرت أسبابه وعوامله، ومقتضياته، صدر الحكم على فلان بالقتل، قد يقتل بعد سنة، لكن يعتبر أنه حضر الموت، فليوصِ بما لديه وما عنده لغيره ولنفسه، ومن هذا قول الشاعر:أنا الموت الذي حدثت عنهفليس لهارب مني نجاءهذا جرير سمى نفسه الموت، باعتبار أنه سبب الموت، فقال وهو يهجو الفرزدق في مناورات عجيبة، قال له: أنا الموت الذي حدثت عنهفليس لهارب مني نجاءوالشاهد عندنا في ذكر الموت، والمراد أسبابه ومقتضياته وعوامله، وإن لم يحضر هو بعد عام أو أعوام.

معنى قوله تعالى: (إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين)

قال تعالى: إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ [البقرة:180] أيها المؤمنون الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا [البقرة:180] إن ترك الذي حضره الموت ولاحت أعلامه ودلائله وبراهنه، ككبر السن مثلاً، فماذا يفعل؟ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا [البقرة:180] ما الخير الذي يتركه الإنسان؟ المال، صامتاً كان أو ناطقاً، كالأراضي.. الدكاكين.. الإبل.. البقر.. الذهب.. الفضة، كل ما يتمول يسمى مالاً وخيراً. إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ [البقرة:180] أي: فالوصية، فالوصية هنا من حيث هي واجبة، لا يحل لمؤمن أن يبيت وله ديون أو عليه ديون ولم يكتب وصيته عند رأسه، بهذا جاءت السنة الصحيحة: ( ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده )، إن كانت له حقوق أو عليه حقوق، حتى لا تضيع بموته، فمن الناس من لهم حقوق عند آخرين، فالورثة يفقدونها إذا مات، ومن الناس من عليه حقوق للآخرين إذا مات وما كتبها فالورثة يجحدون، ينكرون، ويعذب هو، إذاً: الوصية.وهنا لطيفة لأهل النحو: لِم ما قال: إن ترك خيراً فالوصية؛ إذ إن (إن) الشرطية الجواب بعدها يكون مقروناً بالفاء: من حضرته الصلاة فليقم، من حضره الطعام فليأكل أو ليتقدم. والجواب: حذفت هذه الفاء من باب التخفيف: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ [البقرة:180]، بدلاً من: (فالوصية)، وهذا الكلام الإلهي الراقي السامي تتجلى فيه آيات الإعجاز في بلاغته وفصاحته في مثل هذه المواطن، وهذا معروف بالضرورة: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ [البقرة:180]؟ أي: وصية واجبة عليه أن يفعل كذا وكذا. ومن هذا قول الشاعر:من يفعل الحسنات الله يشكرهاوالشر بالشر عند الله مثلان.والشاهد: من يفعل الحسنات الله يشكرها، كان المفروض أن يقول: فالله يشكرها، ولكن ضرورة الشعر والهروب إلى التخفيف، ما قال: (فالله)، لو قال: فالله فإنه ينخرم الوزن.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.27%)]