عرض مشاركة واحدة
  #220  
قديم 08-10-2020, 07:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (116)
الحلقة (123)



تفسير سورة البقرة (81)


كان بعض قبائل العرب يتعاملون مع قضايا القتل والثأر بنوع من التميز، ويتخذون لأنفسهم مقاماً أعلى من مقام الناس، ظناً منهم أن ذلك يجوز لهم، فإن قُتل لهم امرأة قتلوا بها رجلاً ممن سواهم، وإن قُتل لهم عبد قتلوا به حراً من غيرهم، فجاء الإسلام مبطلاً لذلك، ومبيناً لهم ضوابط الاقتصاص والأخذ بحق الدم، فلا يقتل بالعبد حر ولا عبدان، ولا بالرجل رجلان، ولا بالمرأة رجل ولا امرأتان، لكن من قتل إنساناً قتل به، إلا أن يتنازل أولياء الدم إلى الدية أو العفو فلهم ذلك.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله جل جلاله وعظم سلطانه.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات من سورة البقرة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:178-179].معاشر المستمعين والمستمعات! أذكركم بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، كما أذكركم بفضيلة أخرى هي لكم بإذن الله، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ).وهذه الآيات سبقت لنا دراستها في نداءات الرحمن؛ لأنها إحدى النداءات الإلهية، ولا بأس بتكرارها؛ إذ الشيء إذا تكرر تقرر، بهذا قال أهل العلم، فهيا إلى شرح هذه المفردات المباركة.

شرح الكلمات
قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ [البقرة:178]، من الذي كتب؟ الله جل جلاله، وهذا الكتب بمعنى الفرض، وكتب في أي كتاب؟ في القرآن وكتاب المقادير اللوح المحفوظ، إذ القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ، واذكروا قول الله تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:21-22]، ونزل في ليلة القدر، واستمر نزوله ثلاثاً وعشرين سنة.

وسطية الأمة في استيفاء الولي حق دم وليه

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ شرح الكلمات: كتب: فرض، والقصاص: إذا لم يرض ولي الدم بالدية ولم يعف ]، أما إذا رضي ولي الدم بالدية أو بالعفو فلا قصاص، وقد عرفتم فضيلة هذه الأمة؛ إذ كان القصاص فرضاً على بني إسرائيل ولا دية ولا عفو، لو قال ولي المقتول: آخذ دية، لم يقبل الحاكم بذلك، ولو قال: نعفو لوجه الله، لم يقبل الحاكم بذلك؛ وذلك لحكمة علمتموها: أن القوم قست قلوبهم وتمردوا على شرع الله وفسقوا عن أوامره، فلما عتوا أغلظ الله الحكم عليهم تأديباً وتربية.وأما النصارى من عهد عيسى عليه السلام فقد استقلوا أيضاً بديانتهم، فرض الله تعالى عليهم العفو، فلا قصاص ولا دية، من صفعك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر.وهذه الأمة أمة الوسط، وهي -في الحقيقة- البشرية اليوم كلها، وإنما من أجاب أصبح من أمة الإجابة، ومن أعرض أصبح من أمة الكفر والعياذ بالله، والكل نزل القرآن لهم، وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم ولهم.قال: [ في القتلى: الفاء سببية، أي: بسبب القتل ]، فقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178] أي: بسببه.[ والقتلى: جمع قتيل ]، قتيل وقتلى كمريض ومرضى. [ وهو الذي أزهقت روحه فمات بأي آلة ] كان القتل، بحصاة أو بعصا، بسيف أو برمح، الكل واحد.

قتل العبد بالعبد وبيان تشوف الإسلام إلى تحرير الرقيق

[ الحر ] في قوله تعالى: الْحُرُّ بِالْحُرِّ [البقرة:178] [ خلاف العبد ]، وهو كذلك، [ والعبد هو: الرقيق المملوك ].كلنا عبيد الله، ولكن فيما تعارفت عليه البشرية أن العبد من مُلِك وتُصرِف فيه، ولملكه عوامل وأسباب أظهرها: أن الحرب إذا أعلنت وانتصر فريق على آخر فسبيهم من الذراري والنساء والأطفال يسترقون، فإذا ما استرقوا ووزعوا على المجاهدين أو المقاتلين يصبح كل واحد مالكاً لعدد من أولئك العبيد، جاء الإسلام والحال هكذا في العالم بأسره، فلم يشأ الله أن يبطله رأساً وفوراً؛ لما في ذلك من تبعات ومسئوليات وقضايا قد لا يتمكن ولاة المسلمين من تنفيذها، لكنه عمل على تحرير الأرقاء.واذكروا قوله صلى الله عليه وسلم: ( من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة حين يصبح كان له عدل عشر رقاب )، ففيه الترغيب بتحرير العباد المسترقين.واذكر لذلك: أن من حلف بالله لا أعطيك، أو بالله لأعطينك وحنث فعليه كفارة، بم يكفِّر هذا الذنب الذي علق بنفسه؟ وسبب الذنب هو أنه نسي أو غفل عن أنه لا يملك أن يعطي ولا يأخذ، أنفاسه مملوكة لله، فمن أين لك القدرة على أن تفعل أو لا تفعل، أتملك ذلك أنت؟ المفروض أن تقول: إن شاء الله، أو: إلا أن يشاء الله، فإذا ما قلت هذا وتجاهلت وقلت: والله! لأفعلن، ثم عجزت تعلق بك إثم لا يمحى ولا يزول أثره إلا بما حدد الشارع وعين، إذاً: فمن حنث فليكفِّر أولاً بعتق رقبة، فإن لم يجد فبإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيام، هذه دعوة إلى تحرير العبيد أم لا؟ومن ظاهر من امرأته وقال: أنت عليَّ كأمي أو كأختي، فعليه كفارة، لم؟ لأنه كذب، لأنه حرم ما أحل الله، كيف تكون كأمك أو كأختك؟ فتعلق به إثم عظيم، بم يزول هذا الإثم؟ هل بالتوبة؟ لا تكفي التوبة هنا، شاء الله أن يكون المزيل لهذا الأثر هو أن تعتق رقبة وتحررها لتعبد الله عز وجل، فإن عجزت فصيام شهرين متتابعين، فإن عجزت فإطعام ستين مسكيناً، هذا من عوامل تحرير العبيد أم لا؟والشاهد عندنا في اصطفاء الله لهذه الأمة وتفضيله لها على غيرها من الأمم، ومن ذلك هذه التي نعالجها وهي القصاص، فالحر بخلاف العبد، والعبد هو الرقيق المملوك.

حكم قتل المسلم بالكافر

وقوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [البقرة:178]، هناك لطيفة في كلمة: (من أخيه)، هل هو أخوه ابن أبيه أو ابن أمه؟ هذه أخوة الإسلام، والسر فيها: أن الكافر لا يقتل بالمؤمن، ليس الكافر بأخينا حتى إذا قتلناه نُقتل بسببه، وهذا الذي عليه جماهير العلماء والأئمة من الصحابة والتابعين؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( المسلمون تتكافؤ دمائهم )، ثم قال: ( ولا يقتل مسلم بكافر )، لو قتل مسلم كافراً من أي جنس فهل يقتل هذا المسلم؟الجواب: لا؛ لأن دمه لا يتكافأ مع دم المؤمن، والسر وراء ذلك: هو أن هذا المسلم لما أبقي على حياته يبقى يذكر الله ويشكره، والذكر والشكر سر الحياة كلها ووجودها، فإذا قتلناه عطلنا هذا الخير، وحرمناه منه، وعطلنا الملائكة الذين كانوا يكتبون؛ فلهذا من الحكمة أن المسلم لا يقتل بكافر: ( لا يقتل المسلم بكافر )، ما السر في هذا؟الكافر لو قُتل أو ترك هل يعبد الله؟ هل يذكر الله ويشكره؟ لولا رحمة الله والرجاء أن يسلم لم يكن له حق أن يأكل ولا يشرب ولا يتنفس الهواء، لولا رجاء أن يسلم ويعبد الله لم يكن له حق في الحياة، إذ خلق الله كل شيء من أجلنا وخلقنا نحن من أجل أن نعبده، وكثيراً ما تترد هذه الجملة، لو سئلنا عن سر الحياة وعلة الوجود ما هي؟ فإنا نقول: ذكر الله وشكره، أراد الله أن يذكر ويشكر فأوجد هذا الكون وأوجد هذه البشرية، فمن عطل ذكر الله وشكر الله فكفر بالله ونسيه لا حق له في الحياة، فلم يأكل ويشرب؟ وهل هناك سر غير هذا؟ والله! لا وجود له فيما نعلم.فمن هنا هذه اللطيفة في الآية: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ [البقرة:178] أي: في الإسلام والإيمان، أما إذا كان ليس بأخ فلا قصاص.

الواجب على الولي والقاتل حال العدول عن القصاص

قال: [ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [البقرة:178] فمن تنازل له ولي الدم عن القود إلى الدية أو العفو ].ما معنى: ولي الدم؟ إذا قلت لأخيك: أنت ولي الدم، قتل عمك فأنت ولي الدم.قال: [ فمن تنازل له ولي الدم عن القود ] وقال: لا أقتادك إلى المجزرة حيث القصاص، تنازل عن القود إلى الدية أو العفو، عفونا عنك، اعبد الله والأجر لنا ولك، أو: قال: أعطونا المبلغ الذي أعطانا الله. [ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:178]: فالواجب أن تكون مطالبة الدية بالمعروف ]، أي: [ بالرفق واللين ].[ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178]: وأن يكون أداء الدية بإحسان خالياً من المماطلة والنقص ] وما إلى ذلك، فهذه تعاليم ربانية، هذا هو الأدب الإلهي، الله يؤدب عباده في هذا الكتاب وعلى لسان من أنزل عليه هذا الكتاب. فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ [البقرة:178] المؤمن شَيْءٌ [البقرة:178] تنازل عن القصاص عن القود ورضي بالدية، فيا من وجبت عليك الدية! تأدب عند أدائها لا تماطل ولا تنتقص منها لا تأتي بأشياء غير سليمة كالإبل يأتي ببعض الأبعرة المريضة أو لا تساوي شيئاً، وأنت أيها المطالب بالدية وقد عفوت ورضيت بالدية أيضاً اطلبها بالتي هي أحسن، لا تعنف وتؤذي هذا المؤمن وقد عفوت عنه، هذه الآداب أين توجد في غير القرآن العظيم؟ والمسلمون عنه معرضون. [ ذَلِكَ [البقرة:178] ] أي: ما سمعتم من الأحكام [ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:178] أي: ذلك الحكم العادل الرحيم وهو جواز أخذ الدية بدلاً من القصاص تخفيف عنكم من ربكم؛ إذ كان في شرع من قبلكم القصاص فقط أو الدية فقط، وأنتم مخبرون بين العفو والدية والقصاص ].أي توسيع أعظم من هذا؟ فقولوا: الحمد لله، الحمد لله.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.27%)]