عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 04-10-2020, 06:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (111)
الحلقة (118)




تفسير سورة البقرة (77)


إن الله عز وجل طيب لا يقبل إلا الطيب، ولا يرتضي لعباده المؤمنين إلا الطيب من المآكل والمشارب، لذلك فإنه سبحانه قد أحل لهم الطيبات من هذه المآكل والمشارب وحرم عليهم الخبيث منها، فلم يأذن لهم بأكل الميتة ولا الدم المسفوح ولا الخنزير؛ لأن هذه كلها تحمل نجاسة عينية، كما حرم عليهم أكل ما أهل به لغيره سبحانه لأنها تحمل نجاسة معنوية، أما من اضطر إلى أكل شيء من هذه المحرمات فإن له ذلك على قدر الحاجة والإبقاء على حياته ولا يزيد على ذلك.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله راجين أن ينالنا ذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا هذا يا ولي المؤمنين ويا متولي الصالحين. وقد انتهى بنا التفسير إلى هذه الآيات المباركات: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:172-173].شرعنا في دراسة هذه الآيات في الدرس السابق، وإليكم خلاصتها: ‏

نداء المؤمنين لشرفهم

أولاً: من المنادي بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:172]؟ إنه الله جل جلاله وعظم سلطانه، ومن المنادَى؟ نحن المؤمنين والمؤمنات، فلنذكر هذا ولا ننسه، وهو شرف وأي شرف أن ينادينا رب السماوات والأرض وما بينهما، رب العالمين. وقد علمتم -وزادكم الله علماً- أن سر هذا الشرف هو الإيمان، لو ما كنا مؤمنين لما كنا أهلاً لينادينا عز وجل، ولكن إيماننا هو السبب، وعلة ذلك أيضاً أن المؤمنين أحياء يسمعون نداء ربهم ويجيبونه، إن أمرهم فعلوا وإن نهاهم تركوا وإن علمهم علموا، وإن بشرهم استبشروا، وإن حذرهم حذروا؛ لكمال حياتهم.

أمر المؤمنين بالأكل من طيب الزرق وشكر الله الرزاق

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172] هذه منة أخرى امتن بها علينا؛ إذ أذن لنا بأن نأكل من طيبات ما رزقنا، والمشركون الوثنيون الجهال الفاسقون أكلوا ما حرم الله من الميتة والدم ولحم الخنزير وما وضعوه لآلهتهم الباطلة وأوثانهم الملعونة، وحرم عليهم مشايخهم ما أحل الله، فحرموا السوائب وما إلى ذلك مما كان المشركون يحرمونه على أنفسهم. أما نحن -المؤمنين- فقد آمنا بالله وبلقائه وبكتابه الذي أنزله على رسوله وهو هذا الكتاب، فنحن أذن لنا بأن نأكل من الطيبات، جمع طيب، وهو ما كان حلالاً غير مستقذر، الطيب: ما كان حلالاً، أي: أذن الله لنا في أكله أو شربه، وكان غير مستقذر، ما فيه قذر ولا وسخ، لا بد من الجمع بين الحلية وبين الطيب، وإن كان فيه أوساخ وقذر فما نأكله إلا في حالة الضرورة كما سيأتي. قال تعالى: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172] من الرازق؟ الله. وإياك أن يخطر ببالك أن هناك رازقاً سوى الله، فجميع المأكولات والمشروبات من خلقها؟ من أوجدها؟ من سخرنا لطلبها والحصول عليها؟ من أذن لنا في تناولها؟ إذاً: كل ذلك من رزق الله، فكلوا مأذوناً لكم من طيبات ما رزقناكم، وبعد هذا فاشكروا إذاً، أم أنك تأكل الغلة وتسب الملة كما تقول العجائز من العرب والمسلمين، أيجوز هذا؟ تأكل وتشرب ولا تقول: الحمد لله، أيصح هذا؟ أي جحود وأي كنود وأي إساءة أدب أعظم من هذ؟ تجلس على مائدة أخيك فتأكل وتشرب بإذنه وبعد ذلك لا تقول شيئاً! فهذا لن يصح عقلاً أبداً. إذاً: فبما أنه أذن لنا في الطيبات التي رزقناها أمرنا بشكره.

أركان الشكر

وقد عرفتم الشكر زادكم الله معرفة، الشكر يتكون من ثلاثة: أولاً: شكر القلب، اعترف بقلبك بأن هذا الطعام أو الشراب أو الكساء أو المركوب أو المسكن هو من الله. ثانياً: ترجم عن ذلك الذي وقع في قلبك بكلمة: الحمد لله، عندما تنظر إلى النعمة وتعرف أنها من الله المنعم بها لا تجد بداً من أن تقول: الحمد لله .. الحمد لله، أما الغافل الذي لا يعترف بالمنعم فكيف يحمده؟ إلا إذا قلد المؤمنين وكان يقول إذا فرغ من الطعام: الحمد لله، فنحن لا نقلد، نحن أولاً ننظر إلى النعمة ومن أنعم بها علينا، فنجد أنفسنا مضطرين إلى حمده وشكره والثناء عليه، فلا نلبث أن نقول: الحمد لله. وهكذا من أكل من شرب من لبس من ركب، كل من حصلت له نعمة فليعترف بها في قلبه أولاً ثم يعلن عنها بلسانه بكلمة: الحمد لله. ثالثاً: أن يصرف تلك النعمة فيما من أجله أنعم الله تعالى بها عليه، وهنا وقفنا وقفات، والخلاصة: أن نعمة المال شكر الله تعالى عليها أن لا تنفق درهماً واحداً في معصية الله، أيعطيك أخوك السلاح لتقاتله؟ فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن ينفق درهماً واحداً وهبه الله وأعطاه إياه في معصية الله، لا في خمر ولا زناً ولا لباس ولا سفر، أنعم الله عليك بهذه النعمة فأنفقها حيث أذن لك في إنفاقها، أما أن تتحداه وتنفقها ضده وهو ساخط غير راض فإنك تحارب الله، ولولا حلمه لسلبها فور إعطائك، فأحلم به تعالى!فهل فهم السامعون والسامعات؟ هل يجوز لمؤمن أو مؤمنة أن يشتري ما حرم الله ليلبس أو يركب أو يأكل، والله! لا يجوز. ثانياً: نعمة البدن، عرفنا أن صحتك نعمة جلى، فلا تبدد طاقة من طاقاتك في معصية الله ولو أن تمشي خطوات إلى معصية، وسمعك بصرك نطقك لسانك يداك رجلاك كل هذا نعمة الله عليك، فإياك أن تنفقها في سخطه وعدم رضاه، ومعنى هذا: لا تمش إلى باطل ولا إلى منكر ولا تسافر إليه، ولا تنظر إلى محرم ولا تسمعه ولا تتكلم به ولا تتناوله بيدك ولا تمش إليه برجلك. قد يقال: قيدتنا يا شيخ! فأقول: أي نعم، نحن -كما تعرفون- وقف على الله، وأنتم تعرفون الوقف، كعمارة هي وقف على طلبة العلم، هل يجوز أن تنفق في غيرهم؟ وقف على المهاجرين، هل يعطى مالها لغيرهم؟ وقف على مسجد، هل يعطى لغير المسجد، ونحن وقف أم لا؟ وآية الوقف هي قوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، هذا الأمر للرسول وأتباعه وراءه أم لا؟فصحتنا وقف على الله، فالذي يبيت ساهراً أمام فيديو أو تلفاز ينقل الباطل ويعرض الشر والسوء هل يجوز أن ينظر إليه بعينين وهبه الله إياهما، هل يجوز أن يصغي ويسمع الباطل والمنكر وقد وهبه الله سمعه، هل يجوز أن يضيع الساعة والساعتين في غير خدمة الله وطاعته؟ والله! ما يجوز. إذاً: ماذا تريد منا يا شيخ؟ أريد أن نكون أولياء الله، وهل هناك مرتبة أسمى أو أعلى منها؟ نريد أن نكون أولياء الله، لا نأكل ولا نشرب ولا نسمع ولا ننظر ولا نأخذ ولا نعطي ولا ننام ولا نستيقظ ولا نأكل إلا من أجله ووفق مراده، ومن زلت قدمه منا فغلط استغفر وتاب وعاد إلى ربه، إلى متى؟ حتى تدق الساعة وننتقل إلى الملكوت الأعلى. إذاً: ونعمة العلم بم يكون شكرها؟ بعد الاعتراف بها وحمد الله عليها يكون بالعمل بهذا العلم الذي علمك الله، ثم بتعليمه سواك من عباد الله، اشكر هذه النعمة ولا تكفرها، أما عالم يعرف كل شيء ولم يعمل فأي علم هذا؟ هو أجهل الخلق، يعمل ولا يعلم غيره ويجحد هذا العلم ويكتمه، هذا كفر هذه النعمة وما بينها وما شكر الله عليها، وبهذا ينتشر العلم بين المؤمنين المؤمنات، فمن علم شيئاً علمه غيره.

استلزام عبادة الله تعالى شكر نعمه

إذاً: وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172] لا لغيره إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172] . وقوله تعالى: إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172] هذا تذكير، إذا كنتم تعبدون الله إذاً فاشكروه على ما أولاكم ووهبكم وأعطاكم، ولأن النعم كلها تدور على الذكر والشكر، ما من عبادة -سواء كانت من أعمال القلوب أو أعمال الألسن أو الجوارح- إلا وهي مظهر من مظاهر ذكر الله وشكره. فبما أنكم تعبدونه إذاً فشكره عبادة، فكلوا من طيبات ما رزقكم واشكروا له هذه النعم بذكره وصرف النعمة في مرضاته.
تابع تفسير قوله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ...)

معنى قوله تعالى: (وما أهل به لغير الله)

ثم قال تعالى: وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ [البقرة:173]، وهو الذي ذبح باسم غير اسم الله، والإهلال: رفع الصوت، كما يقال في هلال رمضان: انظر فقد طلع الهلال. فالذي يذبح الشاة أو الطير أو العصفور ويقول: باسم فلان، هذا لا يؤكل ما دام بغير اسم الله ولو كان سميناً نظيفاً صالحاً والتذكية جيدة وراقية، ما دام أنه ذكر اسم غير اسم الله فلا يحل أكله، لم؟ تقدم أن قلنا: حين نشرب نقول: باسم الله أم لا؟ حين نأكل نقول: بسم الله أم لا؟ لولا إذنه لنا فهل سنفعل؟ وقلنا: لا يحل لرجل يشعل سيجارة ويقول: باسم الله، فهو كاذب، أو يتناول الخمر ويقول: باسم الله، أو يتناول المحرم من الطعام ويقول: باسم الله، هذا كذب على الله، فما دام أنه تعالى قد حرم ما أهل لغير الله فكيف يأكله والله ما أذن به، هذا سمي عليه آخر، فإن كنت عبد هذا الذي سميت له فنعم، ولكن ما أنت بعبده، أنت عبد الله وهذه نعمة الله. وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ [البقرة:173] إذ كانوا لا يقولون: باسم الله، ولكن بالعزى أو مناة أو كذا، ولما بعدنا عن القرآن ودراسته وما فيه وأصبحنا نقرؤه على الموتى فقط عم الجهل العالم الإسلامي، أصبح المؤمنون والمؤمنات -والعياذ بالله تعالى- يذبحون لغير الله، فشاة لسيدي عبد القادر ، وعجل لسيدي البدوي ، هذا شائع في العالم الإسلامي، هو عند الذبح يقول: باسم الله، ولكن لمن هذه؟ هذه لسيدي فلان، حتى بلغ بنا الجهل والهبوط أن المرأة في القرية أيام كنا نستولد الدجاج من بيضه ونتركه لأمهاته، كانت المرأة تضع تحت الدجاجة عشر بيضات ثم تحلق على واحدة بالفحم معلمة وتقول: هذه بيضة سيدي عبد القادر، هذه بيضة سيدي مبروك أو سيدي البدوي، لم يا أماه؟ حتى يحفظ الله هذه البيضات وتفقس عن فراخ ولا تفسد ولا تصاب بالمرض. إلى هذا الحد! ويغرس الرجل غرساً فيجعل منطقة كلها زيتوناً ويجعل فيها شجرة لسيدي فلان، والله! إنهم ليغرسون النخيل ويقولن: هذه نخلة سيدي فلان، فهم يمشون وراء أهل الجاهلية خطوة بخطوة ولا غرابة ولا عجب، فمن علمهم؟ ما عرفوا، الشياطين تحسن وتزين وتعلم والناس معرضون وغافلون وجهلاء. فلهذا إذا قيل: هذه شاة سيدي البدوي فلا يحل لمؤمن أن يأكل منها قطعة لحم قط، هذا العجل لمن؟ لفلان، فلا يحل أبداً أن يأكل شيئاً منه، لقول الله تعالى: وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ [البقرة:173]، وقوله من سورة المائدة: وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة:3]، والنصب: جمع نصب، وهو ما ينصب، كما بلغنا أيام أصبح عندنا زعماء في البلاد العربية أنهم نصبوا لهم تذكارات، ومن السنة إلى السنة يذبحون عندها، فهذا لا يحل أكله أبداً بنص كتاب الله.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.10 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.11%)]