عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-10-2020, 06:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اللغة العربية بين الوهم وسوء الفهم (عرض)

أمَّا النظام النحوي (أو علم التَّراكيب)، فكان حَظُّه من المنافسة والجدل ووجوب النَّظر فيه حظًّا موفورًا انصرفَ إليه الكثيرون، وحاولوا على فتراتِ الزمن المختلفة أنْ يضيفوا شيئًا فيه؛ بغية الوصول إلى نوع من بناء نحوي جديد.

أمَّا الفصل الثاني من الباب الثاني، فجاء تحت عنوان: "مشكلات حديثة"، ويقع في أربعة مباحث.
الأول:النظرة الاجتماعية والنَّزعة إلى التغريب:
لقد انصرفت الجماهير العربيَّة عن لُغتهم، وقنعوا بما ألفوه من عاميَّات ذات لهجات ورطانات مُختلفة، ولم يُفكِّروا في مُشكلات هذه اللغة، إمَّا لأنَّهم انشغلوا بأمور حياتهم المتشابكة، ولم يجدوا قدوة أو أصواتًا مُخلصة تأخذ بيدِهم نحو الطريق السَّوي، وإمَّا توهُّمًا بأن العربية أصبحت عصيَّة المنال، بعيدة عن التطويع ومقابلة حاجتهم الآنيَّة؛ لذلك عزلوها، وأقاموا جدارًا من الجفاء بينها وبينهم، وقد مال بعضُهم إلى التغريب اللُّغوي والثقافي، وظهر هذا التغريب - حشو الكلام بعبارات أجنبية - في الشارع ودور التعليم والفنادق والمؤسسات العامَّة والخاصة.

ويتناول المبحثُ الثاني سيطرةَ العاميات على السُّوق اللغوية العربية؛ مما يُهدد الفصحى بالخطر، ولمعالجة هذا الأمر المغلوط ظهرت أربعة اتِّجاهات:
الاتجاه الأول: يرى أصحابه أن من طبيعة اللغة التنوُّع، والتوزيع إلى عاميات، والتي تقوم بدورها في التواصل والتوصيل.

الاتجاه الثاني: نادى به جماعة من المخلصين رأوا أن لا مناصَ لنا إلاَّ التمسُّك بالفصحى، كما ورثناها عن الأجداد، والعمل على نشرها، والأخذ بها دائمًا وأبدًا.

أمَّا الاتجاه الثَّالث: فقد نادى أصحابُه بما سَمَّوه اللغة الثالثة التي تنتظم عناصر من الفصيح، وأخرى من العاميات، ولكن هذه الدَّعوة لم تنجح، ولم يكتب لها البقاء، وقد تفرع عن هذا الاتجاه رأيٌ يرى أنَّه يُمكن اعتماد لغة المثقفين لغة عامَّة، ونسوا أن هذه اللُّغة ما زالت تمثل ضربًا من الخلط بين المستويات اللغوية.


أما الاتجاه الرابع: فهو أخطرها وأبعدها أثرًا على العربية، فقد ظهرت دعوة قديمة حديثة تدعو إلى الأخذ بالعاميَّات ونبذ الفصحى نهائيًّا؛ لأنَّها لم تَعُدْ ذات غناء في التوصيل والتواصل لجماهير الشَّعب العربي.

وهكذا اتَّضح لنا الخلط في الرُّؤية والتجاوز في الاتجاه نحو علاج المشكلة اللغوية، فكل ما اقتُرح من مستويات لغوية نادى أصحابها بصلاحيَّتِها وضرورة الأخذ بها - لا تؤهل نفسَها بواقعها الحاضر لأَنْ تكونَ نقطةَ الانطلاق إلى الإصلاح اللُّغوي، فالأخذ بالعامِّيَّات عَوْدٌ إلى (الشعوبيَّة) التي قاسيناها في فتراتٍ معينة من الزَّمن، وانزاحت من الساحة العربية إلى غير رجعة، والقول بعمومية (الفَصَاحَات) وشُمُولها قول مُضلل، فكلُّ مستوًى فصيحٍ في حدود ضيقة مقصورة على فئة من الناس دون أخرى، ولكنَّ الفصاحة العربيَّة واحدة، وليست مَثْنى أو ثلاث أو رُباع... إلخ.

الفصاحة العربية تعني - علميًّا وقوميًّا - مستوًى واحدًا من الكلام يَجمع العرب جميعًا على كلمة سواء.


ويأتي المبحث الثالث تحت عنوان: "العربية في دُور التعليم"، ويفيد أنَّ العربية في دُور التعليم في وضع يدعو إلى القلق، بل الانزعاج، فالجوُّ اللغوي العام هناك ما يزال مشحونًا بأخلاط الكلام ونَوافِرِه من عاميَّات ورطانات في الأفنية والفصول والمدرَّجات أحيانًا، مع توظيف قليل للعربية الفصيحة، وهو توظيف مغلوط في أحيانٍ غير قليلة، فالأساتذة في الكليات والجامعات يتكلَّمون عن اللغة ومشكلاتها وفلسفة قواعدها... إلخ، ولا ينصرفون إلى مهارات اكتساب اللغة إلاَّ بطريق المصادفة في أوقات محدودة.

وهكذا يخرج معلم العربية من الكليات أو الأقسام المتخصصة خالِيَ الوِفَاض من بضاعته الأصليَّة، فنشكو من ضَعْفه ومن صُعُوبة العربية، فنشكو المعلم، ونندب حاله، الذي يحتاج إلى النظر والعلاج.

تفتَّقت أذهان بعضهم عن بدعة إنشاء "كليات التربية"، وهي كلية تجمع بين شقين من المواد: "مواد التخصص، ومواد الإعداد الفني"، ولاحظنا أنَّ اهتمام الطالب ووقتَه ينصرفان إلى مواد التربية وما لَفَّ لفَّها، وكانت النتيجةُ ضعفًا ملحوظًا في مواد التخصُّص وهي العربية، ورأينا أنَّ الحل هو الفصل بين الجانبين، فالتخصص في الكليات المتخصصة، والإعداد الفني في كليات أو معاهد التربية.

ويختتم هذا الباب بالمبحث الرابع، وهو بعنوان: "اللغة العربية لغير العرب".

في السنوات الأخيرة كان هناك إقبالٌ شديدٌ في الداخل والخارج على تعلُّم العربية، لكن الراغبين في التعلُّم صُدِموا؛ لأنَّ العربية أصبحت ذات مستويات مختلفة.

وهناك جهود قدمت لمحاولة الوفاء برغبات هؤلاء في الأغلب، والمفروض أنْ يُحاول العرب القيام بإعداد خطة لتعليم العربية تفي بحاجات الرَّاغبين في تعلُّمها، آخذين الفصحى أساسًا للعمل، مع مراعاة حاجات الطوائف المختلفة، مع كلِّ الحالات ينبغي عند وضع الخطة أنْ تُراعى أمورٌ مُهمَّة، منها: تحديد مستوى المادة التي تقدَّم، مراعاة اختلاف الدَّارسين ثقافيًّا وجغرافيًّا، ومراعاة التدرُّج في تقديم المادة من القديم إلى الحديث، ونوصي أيضًا بمراعاة اختلاف الدارسين في أعمارهم.

وعند تقديم المادة لهؤلاء الدَّارسين ينبغي أن يقومَ بها معلمون أكْفَاء ذوو دِرَاية بتعليم اللغة لغير أهلها، آخذين في الحسبان المهارات الأربع في تعلُّم أيَّة لغة، وهي: الاستماع، والقراءة، والكتابة، والحديث، فهذه مهارات مُتَّصل بعضها ببعض، ولا ينبغي الفصل بينها.

نخلص مما تقدم:
نحن أمَّة واحدة، إذًا بهذا المفهوم الذي نزعم اتِّفاقَ النَّاس عليه، ومُطابقته للواقع في الماضي والحاضر، والمعروف أنَّ كلَّ أمَّة تسعى جاهدةً إلى أن يكونَ لها لسانٌ واحد، أو مستوى لغوي موحَّد أو شبه موحد، من شأنه أن يَجمع النَّوافر من الأفكار والمتنابذات من الاتِّجاهات والأنماط السلوكية الثقافية والاجتماعيَّة، ويُشكل من هذه الأمة بيئةً قومية متماسكة الأطراف، تماسكَ هذه اللغة الموحدة التي يَجهد أصحابُها في تثبيت أركانها ودعم قواعدها؛ لذلك لا بُدَّ من الكشف عن الأسباب التي تؤدِّي إلى مشكلات اللغة العربية، وتستخلص في الآتي:
اللغة العربية (لغة العرب) في وضع يسودُه الاضطراب والخلط بين فصيح صحيح، وعاميَّات ورطانات ذات أشكال وألوان.

ينظر الناس إلى هذا الوضع نظرًا متباينًا، فمنهم من انحاز للعربية دون تحديد دقيق للمفهوم.

وهم القائلون بالعاميات أو بالخلط بين المستويات، فاتَّهموا العربيَّة بالجمود والتخلُّف.

لكن هذا وهم ناتج عن سوء فهم، فاللغة لا تجمد ولا تتخلف بنفسها، وإنَّما يرجع ذلك إلى ذويها.

والسبب منهج التقعيد في القديم، ولأَنصاف المثقفين دَوْرٌ بارز في ذلك؛ لبُعدهم عن استيعاب قواعد اللغة وتوظيفها توظيفًا حيًّا فاعلاً.

أما في الحديث، فاللغة العربية غَرِقَت في بحر من المُشكلات التي كادت تذهب بها، وتُحيلها أثرًا بعد عَيْن، ومن أهم هذه المشكلات: النَّظرة الاجتماعية إلى اللغة، التي لا تعدل قَدْرَها وأهميتها وعَزْلها عن مواقعها الطبيعيَّة.

وقد وضع الدكتور الباحث/ كمال بشر حلولاً لهذه المشكلات، من أهمها:
ينبغي العودة إلى هذه اللغة نفسها لمراجعة مشكلاتها الموروثة والطارئة عليها.

والجدير بالذِّكر أنَّ لدينا أرضًا وبنية قوية صالحة لأَنْ تكون أساسًا للوحدة اللغوية، أو تجميع الشتات من أنْماط الكلام، وصقله ولملمة أطرافه؛ حتى يظهر الكلُّ في قالب واحد، مندرسين إلى صيغة لغوية بناؤها ثابت، طلاؤها مُتجدد، فعربيَّتنا الفصحى وامتدادها الفصيح ينبغي أن تكونَ نقطةَ الانطلاق نحو علاج مشكلتنا اللغوية، فالفصحى هي أساس العمل وبداية المسيرة.

فلا بد إذًا من القيام بتخطيط لغوي واضح المعالم والحدود؛ بغرض الوصول إلى وحدة لغوية.

نقول ذلك استنادًا إلى عاملين أو مَيْزَتَيْن تَمتاز بهما الفصحى من غيرها من اللُّسُن واللهجات والرطانات:
أولها: أن الفصحى لسان موحد، وهي السبيل لتوحيد البنيتين: الفكرية والثقافية.

والميزة الثانية: أنَّ الفصحى هي لغة القرآن الكريم والحديث الشريف، والموروث العربي الإسلامي، وهي الرابطة الحقيقيَّة التي تربط الحاضر بالماضي.

وتشكل تاريخًا متكاملاً ذا أساس متين، هذا إضافةً إلى أن الفصحى غنية بثَرْوتِها اللفظيَّة وتنوع أساليبها التعبيرية، الأمرُ الذي سهل على كل المتعاملين بها توظيفها في كل مجالات الحياة بلا فرق.

إن المناداةَ بالفصحى لغة تواصل عام كَتْبًا ونُطقًا في العالم العربي مبدأٌ راشد، نؤيده منطلقًا لإصلاح لغويٍّ يتبعه حتمًا إصلاحٌ ثقافي اجتماعي علمي.

والجدير بالذكر أنَّنا كعرب في أشد الحاجة الآن إلى هذا التآلُف وذاك التماسُك في الفكر والسلوك، ولا يكونُ ذلك إلا بالإجماع على كلمةٍ سواء، وقيمة الكلمة السوية تتمثل في اللغة الموحدة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.64 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.70%)]