
23-09-2020, 05:02 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,138
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (98)
الحلقة (105)
تفسير سورة البقرة (65)
إن ذكر الله عز وجل من أفضل العبادات وأجل القربات، فهو سبحانه وتعالى قريب من عباده الذاكرين، إذا ذكروه في ملأ ذكرهم في ملأ خير منهم، وإذا ذكروه في أنفسهم ذكرهم سبحانه وتعالى في نفسه، ومن ذكر الله لعباده المؤمنين الذاكرين الإحسان إليهم، وإسباغ النعم عليهم، ورفع درجاتهم، وإعلاء مقامهم في الدنيا والآخرة، فهو سبحانه الذي يعطي الكثير على العمل القليل، ويجازي بالجليل على الفعل الجميل.
تفسير قوله تعالى: (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت -كعهدنا بها- سورة البقرة، وها نحن مع الآيات المباركات التي ما زلنا نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها، والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:152-153] إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم. معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152] أليس هذا أمر الله؟ قوله: (اذكروني) أليس هذا أمراً؟ وهل يليق بالمؤمن أن يعصي لله أمراً؟! لك أن تقول: كيف أذكره؟ وبم أذكره؟ ومتى أذكره؟ علمني يرحمك الله.وإليك -يا بني- البيان: الله تعالى يذكر بأسمائه وصفاته، فإن لله تعالى مائة اسم إلا اسماً واحداً، فهي -إذاً- تسعة وتسعون اسماً، فبها تذكره، وبها تبجله وتناديه: يا رباه .. يا رباه، يا الله .. يا الله، يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين، يا متولي الصالحين، يا ذا الجلال والإكرام. وواصل دعاءك وأنت ذاكر لربك، ويذكر تعالى بما أحب أن يذكر به.
فضل قول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)
وقد تولى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان ذكر الله، فقد قال: ( خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير )، هذا الذكر الفاضل وضع رسولنا صلى الله عليه وسلم ورده بين أيدينا، فحوض الذكر الطاهر النقي نرده لنذهب ظمأ نفوسنا وعطش أرواحنا، وإليكم ما صح عنه صلى الله عليه وسلم.قال: ( من قال حين يصبح ) بعدما يطلع الفجر صليت الصبح أو لم تصل، ( من قال حين يصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة ) مائة مرة تعدها بالمسبحة، بالنوى، بالحصى، بأصابعك، حتى بآلة، الآن توجد آلة للعد، مائة مرة وأنت واع، وأنت تعرف ما تقول، قال: ( كانت له عدل عشر رقاب من ولد إسماعيل )، تعرفون قيمة الرقبة؟ هي كفارة الظهار، كفارة الصيام، كفارة القتل الخطأ عتق رقبة، ثمنها غال ورفيع، تكون أنت في هذا الصباح كمن أعتق عشر رقاب! ولو يعي أحد هذا ويفهمه لما استطاع أن يتخلى عن هذا الورد يوماً من الأيام قط، ما دام ينطق ويتكلم، فكأنما كان له عدل عشر رقاب من ولد إسماعيل حررهم في سبيل الله.قال: ( وكتب له مائة حسنة )، ولا ندري مقدار هذه الحسنات، ( وحط عنه مائة خطيئة )، كتبت له مائة حسنة، وحطت عنه مائة خطيئة، ( وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذاك حتى يمسي ) حماية، ما يستطيع الشيطان إغواءه أو إضلاله أو إفساده، أو إغراقه في الذنوب والآثام.( ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه )، هذا الورد صاحبه لا يظمأ أبداً على شرط: أن يكون حال ذكره مع الله، يذكره بلسانه مع قلبه، ويكون فاهماً للكلمات التي يقولها، عارفاً بمعانيها، إذا استوفى هذا فالجزاء كما علمتم: ( كان له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، وحطت عنه مائة خطيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذاك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه ).فهل أنتم متهيئون لهذا الورد؟ حتى ولو كنت تقود سيارتك، أو تأخذ بخطام فرسك، أو لجام بعيرك، حتى ولو كنت تضرب الأرض بفأسك أو معولك، ما يمنعك العمل أن تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. هذا الورد العذب الصافي من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر لنا به قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي [البقرة:152].
فضل الله على عباده بتيسير الذكر
وهناك ورد آخر، ولا تقولوا: أكثرتم علينا، إذ هذا الذكر لا يتنافى معك إلا إذا كنت تسمع لأصوات المغنين، أو هرج المبطلين، أما أن تبني، أما أن تغرس، أما أن تصنع، أما أن تمشي فما يمنعك؟! لا يمنعك من هذه الأوراد العذبة النبوية إلا أنك تتكلم بالباطل، أو تصغي وتسمع الباطل، وأعوذ بالله من قول الباطل وسماع الباطل، فأولياء الله قال تعالى فيهم: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3]، يعطونه عرضهم، لا يلتفتون إليه، ولا يقبلون عليه، وما هو اللغو؟ اللغو: هو كل قول أو عمل أو تفكير لا ينتج لك حسنة لمعادك يوم القيامة، ولا درهماً لمعاشك اليوم في هذه الدنيا.ومعنى هذا: أننا أغلقنا أبواب الكلام الباطل، ما أصبحت تسمع في مدينتنا، في قريتنا، في بيوتنا إلا الحق، وهذا المطلوب؛ لأننا أمة راقية، لأننا أولياء الله، لا تسمع في سوقنا ولا في بيوتنا ولا شوارعنا طول حياتك كلمة نابية، كلمة لا فائدة منها، أي: لا تحقق حسنة ليوم القيامة، ولا درهماً لمعاشنا اليوم.فالذين يجلسون أمام شاشة التلفاز أو الفيديو وينصتون ويقبلون على تلك الشاشة يسمعون من الباطل، ويسمعون من الكفر أحياناً، ويسمعون من الكذب ومن دعاوى الباطل، ويرون صور الخلاعة والدعارة، وينصتون، وتنطبع تلك الصورة في قلوبهم فتنعمي، ويذهب نور الله، ويصبحون كالبهائم قد ينزو بعضهم على بعض، هؤلاء هل عرفوا معنى قول الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3]؟ ما عرفوا، ما سمعوه، ما فهموه، ما عرفوه، يقضي الساعة والساعتين والثلاث لا يستنتج حسنة واحدة، ولا درهماً واحداً في ساعات الراحة، أو في ساعات مناجاة الرب بالليل، وهو منصت ومع بناته ونسائه، وقد يكون مع أبويه أيضاً! فهذا شر من اللغو، هذا يدمر القلب تدميراً، ويحوله إلى قلب حيوان، والحيوان أقدس وأطهر.هذا الورد هو المراد من قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي [البقرة:152] بم نذكرك يا رب؟! رسولنا يبين لكم بم تذكرون وكيف تذكرون، ها هو ذا صلى الله عليه وسلم قد أعلن عن هذه المسابقة العظيمة: ( من قال حين يصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير مائة مرة؛ كان له عدل عشر رقاب، وكتب الله له مائة حسنة، وحط عنه مائة خطيئة، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه )، أي أجر أعظم من هذا؟! عدل عشر رقاب، ويكتب له مائة حسنة، ويمحى عنه مائة سيئة، ولم يأت أحد بمثل ما أتى به حتى ولو كان يقاتل الكفار، إلا من قال مثلما قال وزاد، ومعنى (وزاد): أنه لا تكتفي بالمائة إن شئت، اذكر مائتين وثلاثمائة وألفاً، أو اشغل ساعاتك كلها بذكر الله.
فضل قول: (سبحان الله وبحمده)
وذكر آخر: يقول صلى الله عليه وسلم فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( من قال حين يمسي أو حين يصبح: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر ).( من قال حين يصبح أو حين يمسي ) أي: يدخل في الصباح أو يدخل في المساء، ماذا يقول؟ سبحان الله وبحمده، سبحان الله وبحمده، سبحان الله وبحمده مائة مرة، حطت عنه خطاياه ولو كانت في الكثرة مثل زبد البحر! أية جائزة هذه؟ بم تقدر؟ وقد حرمها المؤمنون والمؤمنات، ما سمعوا بها ولا عرفوها، ومن سمعها وهو غافل ومعرض لا يبالي لم ترتسخ في نفسه، ولم تثبت في قلبه.أي ورد هذا؟ إنه عظيم، ما هي الكلفة؟ سبحان الله وبحمده، سبحان الله وبحمده، سبحان الله وبحمده، بشرط: أن تكون ذاكراً لله بقلبك، أنت تقول: أنزه الله عز وجل عن كل النقائص، أنزهه عن الشريك والنظير والشبيه، وعن الولد والصاحبة، وعن كل نقص، فـ(سبحان): مصدر سبح يسبح، أنزه الله تنزيهاً عن كل النقائص.(وبحمده): أي: مع حمده. أنزهه وأحمده، أجمع بين نفي ما ينفى عنه وما يجب له تعالى، بهذا التركيب العجيب، هذا ما يعرفه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولن يستطيع ذو عقل أن ينتجه. تقول: سبحان الله وبحمده، تنزهه، كأنك تقول: الله ليس كمثله شيء، تعالى الله أن يكون له ولد، سبحان الله أن يكون له زوجة، تعالى الله أن يكون كذا، كل النقائص تنفيها، ثم تقول: الله العلي الكبير الغني الحميد الرب الذي لا إله إلا هو، فكل المحامد تطلقها عليه في هذه الجملة، ما أيسرها، ما أعذبها! جربها فقل: سبحان الله وبحمده، سبحان الله وبحمده، سبحان الله وبحمده، سبحان الله وبحمده، وأنت مع الله؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل: ( يقول الله تعالى: أنا مع عبدي إذا ذكرني، فإذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه )، فالملائكة خير من البشر قطعاً.وإياك أن تفهم أنك إذا ذكرت الله فأنت بعيد عن الله، أنت مع الله، ولكن انتبه أن تذكره بلسانك وقلبك مع ليلى وسلمى، أو مع القدر وما فيه! أو في السوق وما فيه من بضائع، اجمع القلب مع اللسان، كأنك بين يدي الله، وإلا فالغافلون لا يستفيدون، إلا أن من تدبير الله أن من أخذ يذكر الله بقلبه ينطلق لسانه، ما يشعر إلا ولسانه ينطق، ومن أخذ يذكر الله بلسانه وواصل فما يشعر إلا والقلب يذكر ويتفق مع اللسان.هذا الورد معاشر المستمعين والمستمعات لو كنا سمعناه وما عرفناه، وكنا مؤمنين صادقين، وقام قائم وقال: أيها الناس! هل لكم في ورد من الذكر تحط به جميع خطاياكم ولو كانت مثل زبد البحر؟! فقلنا: نعم، فقال: لا بد أن تدفعوا خمسة آلاف ريال لكل من يريده؛ فوالله العظيم! لو كنا عالمين عارفين موقنين لهانت الخمسة آلاف والعشرة آلاف، ووالله! ليست بشيء أمام هذا، وها أنتم أخذتموه مجاناً، فهل يراكم ربكم غداً مع الصباح ترددونه؟ قولوا: إن شاء الله.إذاً: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152] ما زلنا، فأين نذهب؟ الآن وردنا حوضين فقط، فاسمعوا ذكر الله، ولو لم يكن ذكر الله بهذه المثابة لما أمر الله به، ولما دعانا إليه، ولما رغبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|