
23-09-2020, 04:57 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,172
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
شهادة الأمة للأنبياء على أممهم يوم القيامة
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143] أي: خياراً عدولاً، لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143] وذلك يوم القيامة، هذه منزلة عالية ودرجة رفيعة ما نالتها أمة من الأمم أبداً إلا نحن، يوم القيامة يقف النبي بين يدي الله تعالى ويقول: بلغت رسالتي يا رب إلى من أرسلتني إليهم، فيقال له: من يشهد لك؟ فيشهد له أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيقال: كيف شهدتم وما عاصرتموهم وما عرفتم عنهم؟ فيقولون: ربنا! أنزلت إلينا كتابك وبعثت فينا رسولك، وقد أخبرنا كتابك ورسولك بأن رسلك قد بلغوا وأن أممهم قد رفضت ذلك البلاغ وحاربته ولم تقبله، فشهدنا بشهادة كتابك ورسولك، فتقبل شهادتهم على الأمم التي سبقت.
معنى قوله تعالى: (ويكون الرسول عليكم شهيداً)
لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143] أي: هيأكم لهذا الكمال الذي أنتم عليه أيها المؤمنون العدول وتلك الاستقامة على منهج الحق والعدل، ذلك الصفاء الروحي والطهارة النفسية أهلتكم لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة، والرسول يكون شهيداً عليكم، وكيف يشهد علينا؟ بلغنا أن أعمالنا تعرض عليه؛ إذ الأعمال تعرض على الله يوم الخميس، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الإثنين ويوم الخميس، فسئل: لم تصومهما؟ قال: أما يوم الاثنين فهو يوم ولدت فيه. وبعث فيه وهو يوم توفي صلى الله عليه وسلم فيه، وأما الخميس ففيه تعرض الأعمال على الله سبحانه وتعالى. إذاً: فالنبي صلى الله عليه وسلم يشهد علينا، يشهد على أنه بلغنا فقضى ثلاثاً وعشرين وسنة وهو يبلغ هذه الدعوة، وحملها رجاله وأصحابه ونشروها في الشرق والغرب، إذاً: فالرسول يشهد على هذه الأمة بأنه بلغها ما أمر بإبلاغه وأوصل ما أمر أن يصل به إليها، ولنذكر أن شهادة النبي صلى الله عليه وسلم فيها درجة عالية ومستوى راق، كون محمد صلى الله عليه وسلم يشهد على هذه الأمة، وهو الذي يقول الله عز وجل له: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى:5] وعد صادق، فيقول: كيف أرضى وواحد من أمتي في النار! فلهذا فإن أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله، أي: الموحدون لله عز وجل في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته لم يعرفوا له شريكاً في قلوبهم ولا في حياتهم؛ هؤلاء من ارتكب منهم كبيرة فزج به في عالم الشقاء في النار بشروه أنه لا يخلد فيها؛ لأنه تابع لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: كيف أرضى وواحد من أمتي في جهنم؟ فهذه الشفاعة التي يخرج بها الموحدون من النار. أما الذين ماتوا على الشرك -والعياذ بالله تعالى- والكفر فكونهم من أمة محمد نسباً لا قيمة لذلك، وقد عرفتم أن للرسول شفاعات، منها أنه يشفع لمن دخل النار من أهل التوحيد ويخرج منها.
وبعض المفسرين يقولون في قول الله تعالى: وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا
[البقرة:143] أي: لكم. ولا حاجة إلى هذا، ما دام أنه أخبر تعالى بقوله: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143]، فأن نقول: ويكون الرسول لنا شهيداً فكأننا نرد على الله عز وجل، وهذا اللفظ موجود في التفاسير، لكن الحقيقة ما أخبر الله تعالى به، يشهد رسول الله على أمته أنه بلغها. وأمم ما آمنت به صلى الله عليه وسلم، هذه الأمم المعاصرة لنا؛ إذ الرسالات ختمت برسالته والنبوات ختمت بنبوته، فما بعده من رسول ولا نبي، إذاً: فالبشرية كلها الرسول شاهد عليها، فلهذا لا نحتاج إلى أن نقول (عليكم) بمعنى (لكم)، فهذه الأمم من اليهود والنصارى والصابئة والبوذيين والمشركين من عهده صلى الله عليه وسلم من هو نبيهم؟ من هو رسولهم؟ هو محمد صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، فهو يشهد على أنه بلغ اليهود والنصارى والمجوس والصابئة والمشركين، لا يشهد لهم بل عليهم، أما العدول الخيار فهم يشهدون لغيرهم وعلى غيرهم. هذه كمالات هذه الأمة، ومع الأسف خانوها وغشوها وخدعوها وأبعدوها عن كل سبيل لنجاتها وسعادتها، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
معنى قوله تعالى: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه)
ثم يقول تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا [البقرة:143]، ما هي القبلة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هي بيت المقدس، مكث سبعة عشر شهراً -سنة ونصف سنة- وهو يستقبل بيت المقدس، من الذي جعلها له قبلة؟ الله عز وجل، ما استقبل بيت المقدس عن هوى وإنما بوحي أوحاه الله إليه أو إلهام ألهمه الله إياه، فألهمه استقبال بيت المقدس، ومن الجائز أن يكون هذا فيه معنى الترغيب لليهود في الإسلام، فيقولون: ما دام قد استقبل قبلة قبلتنا فما هو الفرق بيننا وبينه؟ فلندخل في هذا الدين. قد يكون هذا من باب هداية الله لو قبلوا واهتدوا. وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ [البقرة:143] أي: قضية اختبار وامتحان، وقد مر قوله تعالى: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:1-2] هذا الحسبان باطل، لا بد من الافتتان، لا بد من امتحان لا بد من الاختبار حتى يصفو النبع وتطيب النفس. فانظر ماذا حدث في تحويل هذه القبلة، والله هو الذي حولها، فهو الآمر والمشرع للامتحان والاختبار، إذ قال تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ [البقرة:143]، وبالفعل أصيب المنافقون بمرض فصاحوا وضجوا، وضعاف الإيمان كذلك انتكسوا؛ فقالوا ما قالوا، وتعرفون البشر في مجالس في بيوتهم، يقولون: انظروا ماذا حدث! كيف تحولت القبلة؟ بالأمس كان هنا واليوم هنا وغداً يكون في جهة ثالثة! فاضطرب الناس وثبت أهل الإيمان واليقين وزادهم الله ثباتاً ويقيناً، والضعاف المهزولون انتكسوا ومنهم من ارتد والعياذ بالله.
معنى قوله تعالى: (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله)
ثم قال تعالى: وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً [البقرة:143] هذه هي الفتن التي إذا لم يثبت العبد فيها يتمزق ويسقط، فهي كبيرة، ونحن الآن ما نشعر بكبرها وعظمتها، لكن حين كان القرآن ينزل والناس يتطلعون يومياً إلى التشريع، ثم يشاهدون الرسول قد تحول فجأة من قبلة إلى قبلة يقولون: كيف نفعل؟ لأن جيرانهم ومن معهم في الشوارع وفي البيوت يقولون: انظروا: بالأمس كنتم كذا واليوم كذا وغداً ستصبح لكم قبلة أخرى! أين الثبات وأين الصدق وأين وأين؟ فتضطرب نفوس الناس. وهذه التي تعرف الآن بالطابور الخامس، ويستعملها الغرب وخاصة اليهود بأبشع صورة، وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً [البقرة:143] تلك التحويلة من جهة إلى جهة إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ [البقرة:143]، الذين هداهم الله لحبه وطاعته والإيمان بلقائه والاستقامة على منهجه هؤلاء ما تزعزعوا ولا تحركوا ولا تألموا أبداً، فهم يقولون: إن شاء حولنا يومياً إلى جهة، أليس ربنا ونحن مأمورون بطاعته؟ يمتحننا كل شهر فيحولنا إلى جهة فنتحول، أطعناه في كل شيء، لا في قضية القبلة فقط. يقول تعالى: وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ [البقرة:143] عز وجل، وهم أبو بكر وعمر وأصحاب الرسول والعشرة المبشرون بالجنة وأمثالهم في المدينة، وقد صاروا أكثر من ثلاثين ألفاً.
معنى قوله تعالى: (وما كان الله ليضيع إيمانكم)
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143] هنا لما تحولت القبلة تأسف بعض المؤمنين، قالوا: فلان مات قبل أن تتحول القبلة، فلان توفي قبل أن تتحول القبلة، كيف حالهم؟ كيف صلاتهم؟ هل صلاتنا التي صليناها الآن لسنة وزيادة تقبل أو لا تقبل؟ فنفوسهم اضطربت وتحركت، فأخبرهم الله تعالى بأنه لا يضيع تلك الصلاة.إذاً: فهذه الصلاة هي الإيمان بهذه الآية الكريمة، فهل يقف عبد بين يدي الله يبكي، يركع ويسجد ويعفر وجهه في التراب ولا يكون مؤمناً؟ اللهم إلا إذا كان ينافق، فقلبه كافر، أما عبد يقيم الصلاة ويسجد بين يدي الله وفي اليوم خمس مرات فكيف لا يكون مؤمناً؟ فلهذا أطلق على الصلاة بهيكلها لفظ الإيمان، بهذه الآية الكريمة: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143].إذاً: فالذين ماتوا وهم يستقبلون بيت المقدس قبل تحويل القبلة صلاتهم مقبولة صحيحة سليمة لا تشكوا فيها، وصلاتكم أنتم أيضاً يا من ما زلتم وتحولتم إلى الكعبة؛ صلاتكم في العام الماضي والأشهر الماضية مقبولة، ويكفي أن يقول الله تعالى لهم: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143].أعيد فأقول: الصلاة إيمان، الله سماها إيماناً، فتارك الصلاة لا إيمان له، تارك الصلاة كافر.
معنى قوله تعالى: (إن الله بالناس لرءوف رحيم)
إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [البقرة:143]، الرأفة أعظم من الرحمة، ومولانا وسيدنا وربنا تعالى رءوف رحيم، ليس بالمؤمنين فقط، بل بالناس: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [البقرة:143]، ومن أراد أن يشاهد الرأفة والرحمة الإلهية في الخلق فلينظر إليهم وهم يكفرون به ويحاربون دينه وأولياءه ومع هذا يمطر أرضهم ويسقيهم ويرزقهم ويأكلون ويشربون، لو كان غير الله فمن عصاه وتمرد عليه وكفر به يهلكه، يمنع عنه الطعام والشراب حتى يهلك، فسبحان الله! أعظم برحمة الله تعالى ورأفته! إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ [البقرة:143] كل الناس لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [البقرة:143]، إلا أن أولياءه هم أولى برحمته ورأفته، بخلاف أعدائه، إلا أن رحمة الله واسعة، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله خلق مائة رحمة كل رحمة ملء ما بين السماء والأرض، قسم منها رحمة بين الخلائق بها تعطف الوالدة على ولدها وبها يشرب الوحش والطير الماء وبها تتراحم الخلائق، فإذا كان يوم القيامة قصرها على المتقين وزادهم تسعًا وتسعين )، جزأ تعالى الرحمة إلى مائة جزء، وادخر لأوليائه تسعة وتسعين في الجنة، ورحمة واحدة تتراحم بها الخليقة كلها، حتى إن الفرس لترفع حافرها مخافة أن تطأ مهرها أو فلوها، هذه الظواهر تشاهدونها في الحيوان. والأم من بني آدم يكون الحمل في بطنها، ما إن تأتي ساعة الطلق والوضع والولادة حتى يتحول دمها الأحمر إلى لبن أبيض خالص ناصع حتى يرضع هذا الطفل من هذا اللبن، اللبن هذا كان دماً خالصاً، فانظر إلى تلك الرحمة الإلهية التي أودعت في الأمهات كيف تتحول إلى لبن! انظر إلى العصفور كيف يزق أفراخه! انظر إلى الدجاجة كيف تزق أفراخها وكيف تطعمهم! انظر إلى العنز كيف تصنع مع وليدها، تميل له وتنزل حتى تكاد تقع على الأرض وتناغيه بصوت خاص.معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! إن الله قسم الرحمة إلى مائة قسمة، ادخر لنا -أيها المؤمنون والمؤمنات- تسعة وتسعين جزءاً، وجزء واحد تتراحم الخليقة كلها به، إذاً: حقاً إن الله رءوف رحيم، إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [البقرة:143].
حكم الصلاة إلى غير القبلة
وهنا نبين حكم من يصلي إلى غير القبلة؟ فنقول: لا تصح الصلاة إلى غير القبلة التي شرعها الله، فمن عزف عنها أو تكبر أو ارتفع أو أبى أن يستقبل بيت الله فصلاته باطلة بالإجماع، إذ من شروط صحة الصلاة: الطهارة واستقبال القبلة، لكن إذا عجز العبد عن استقبال القبلة، كمريض على سريره لا يستطيع أن يتحول، فهذا يكون رخصة له فيصلي حيث أمكنه، أو مسجون، أو مكبل بالأغلال، أو مكتوف في يديه ورجليه ما يستطيع أن يستقبل القبلة فيصلي حيث أمكنه. وأما جاهل بالقبلة ما عرفها، وجد نفسه في صحراء أو في طائرة أو في باخرة؛ فإنه يجتهد فحيث ترجح عنده أن الكعبة هنا اتجه، ولو صلى وجاء من قال: إنك صليت إلى غير القبلة فليس عليه أن يعيد صلاته، تكفيه صلاته الأولى، فإن صلى ركعتين أو ثلاثاً إلى غير القبلة ظناً أن القبلة هنا وجاء من قال: يا فلان! استدر يميناً أو شمالاً، فإنه يستقبلها وصلاته صحيحة، والذين كانوا في مسجد قباء كانوا في صلاة الصبح، فجاءهم رجل صلى العشاء مع رسول الله هنا، فأعلمهم بأن القبلة قد تحولت إلى الكعبة، فاستداروا كذلك بعدما صلوا ركعة من صلاة الصبح، وأتموها إلى الكعبة.أما الذي يتعمد عدم استقبال القبلة فبالإجماع صلاته باطلة، أما الذي صلى ولم يجتهد فصلى كما يرى؛ فهذا إن صلى إلى غير القبلة فصلاته باطلة، فلا بد للمؤمن أو المؤمنة عند القيام لله في الصلاة أن يتحرى القبلة ما استطاع، فإن وفق وصلى إليها صحت صلاته، وإن لم يوفق وصلى إلى غيرها صحت صلاته، ولا يعيدها، وهذا من رحمة الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [البقرة:143].
تفسير قوله تعالى: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ...)
ثم قال تعالى: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا [البقرة:144]، الآن بدأ تحويل القبلة، فذاك الذي تقدم من أجل ألا يحصل ارتباك واضطراب بين المؤمنين، ومع هذا حصل ما حصل. قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ [البقرة:144] كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرغب في أن يستقبل الكعبة ويود ذلك، فكان ينتظر الوحي متى ينزل، والوحي ينزل من السماء، فكان يرفع رأسه انتظاراً لجبريل متى ينزل والله عز وجل به عليم، فأخبره بما كان عليه: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا [البقرة:144] هذا وعد الله: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا [البقرة:144]، إذاً: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ [البقرة:144] أيها المؤمنون فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144].
حالات لزوم استقبال جهة الكعبة وعينها
إذا كان أحدنا في المسجد الحرام لا تصح صلاته إلا إلى القبلة، سواء كان مكانه شمالاً أو غرباً أو جنوباً، وإن كان خارج المسجد فلا تصح صلاته إلا إذا اتجه نحو القبلة لقربها، فمن بعد في الآفاق فيكفيه أن يتجه إلى النحو الذي يرى أنه القبلة؛ لأن عين القبلة غير ظاهر، ما يراه أحد في الآفاق البعيدة، فيكفي الاتجاه، أهل المغرب يصلون إلى المشرق، فمكة شرقهم، وأهل الشمال إلى ما فوق سيبيريا يتجهون جنوباً لأن القبلة تعتبر جنوباً، وأهل المشرق كالرياض قبلتهم المغرب، وأهل اليمن يتجهون شمالاً، وهكذا. فالذي نريد أن يفهمه المستمعون والمستمعات أن الذي يصلي في المسجد الحرام والكعبة أمامه لا يصح أن يصلي منحرفاً عنها، لا بد أن يستقبل الكعبة وإلا فصلاته باطلة. ومن كان خارج المسجد من أهل مكة وهم قريبون من الكعبة قد يشاهدونها وهم على سطوحهم، فهذا أيضاً يجب أن يتجه شطرها، والذين في الآفاق يكفيهم الجهة التي فيها الكعبة.ثم هذه الكعبة كانت قبلة الأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم، كانت قبلة إبراهيم وموسى والأنبياء، فلم -إذاً- حول الله عز وجل رسوله والمؤمنين إلى بيت المقدس؟ للامتحان، للاختبار، فلهذا كان ذلك التحول من أجل امتحان المؤمنين واختبارهم ليبقى المؤمن الصادق وينهزم الكاذب كالمنافقين واليهود. قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144] إن كنا في اليابان أو الصين أو كنا في كندا وأمريكا، حيثما كنا نولي وجوهنا شطر المسجد الحرام.
وقفة مع هجران القرآن في حياة المسلمين
الرسول يوم القيامة يقول: رب! إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً، فالمشركون الذين جاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاومهم ودعاهم وحاربهم كانوا هاجرين للقرآن غير مقبلين عليه ولا ملتفتين إليه، ما آمنوا به ولا عملوا بما فيه، وكل البشرية يشكو الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها الذي هو اتخاذ القرآن هجراً مهجوراً، فأيما إنسان لم يقبل على هذا الكتاب فيؤمن به ويقرؤه ويعمل بما فيه من هدى فإنه يشكوه الرسول إلى الله عز وجل، ويهلك قطعاً بلا جدال ولا شك. وها نحن نشاهد أيضاً العالم الإسلامي قد هجر القرآن إلا من رحم الله عز وجل، فالبلاد التي لا تطبق شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ولا تطبق شرع الله الذي حواه كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أما هجرت القرآن؟ بلى هجرته، والجزاء معلوم عند الله، فلهذا نسأل الله أن يتوب علينا وعلى المؤمنين والمؤمنات.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|