
23-09-2020, 04:57 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,126
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (95)
الحلقة (102)
تفسير سورة البقرة (62)
أول ما فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كانوا يصلون مستقبلين للكعبة، ولبثوا على هذه الحال ثلاث سنين، فلما هاجر النبي إلى المدينة صلى تجاه بيت المقدس وصلى معه المؤمنون قرابة سبعة عشر شهراً، وكان صلى الله عليه وسلم حينها يتطلع إلى أن يؤمر باستقبال الكعبة حتى جاءه الأمر بذلك وقت صلاة الظهر، حيث تحول من استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة أثناء الصلاة، فقام عندها المرجفون والمنافقون بإثارة الشبهات حول ذلك الأمر، فأنزل الله عز وجل مخبراً إياهم ومبيناً لمن عداهم أن الأرض كلها له سبحانه، مشارقها ومغاربها، وعباده المؤمنون يتجهون حيث أمرهم، مسلمين أمرهم له سبحانه طائعين منيبين.
فضائل الجلوس في المساجد للعلم ومدارسة القرآن
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت -كعهدنا بها- سورة البقرة، وها نحن مع الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها، والعمل بها؛ إنه قريب مجيب سميع الدعاء.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ [البقرة:142-144].معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهانكم الجائزة الكبرى التي تفوزون بها في هذا المجلس، اذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، هذه لكم. وأخرى: يقول الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ).وثالثة: هي أن المرء إذا صلى في المسجد وجلس ينتظر الصلاة الأخرى -كانتظارنا هذا لصلاة العشاء- فإن الملائكة تصلي عليه: اللهم اغفر له .. اللهم ارحمه، اللهم اغفر له .. اللهم ارحمه، ما لم يحدث، أي: ينتقض وضوؤه، إلى صلاة العشاء. لو أردت أن تستخدم ملكاً واحداً يصلي عليك ساعة ونصفاً فكم ستعطيه؟ ما تستطيع، وها أنت بفضل الله في ملائكة تحف بالحلقة وتصلي علينا وتدعو لنا، غفل عن هذا المؤمنون وجهلوه، فهجروا بيوت الله وملئوا بيوت الباطل وحرموا هذا الهدى، وويل للذين كانوا سبب هذه الفرقة وهذا البعد عن دين الله وبيوت الله.
تفسير قوله تعالى: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ...)
خلاصة الأحداث المتعلقة بالصلاة إلى زمن تحويل القبلة
والآن مع هاتين الآيتين الكريمتين، يقول الجبار جل جلاله وعظم سلطانه: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ [البقرة:142]، أعطيكم خلاصة لهذه الأحداث وبها تفهمون عن الله مراده من هاتين الآيتين: اعلموا أن القبلة حيث نستقبل مكاناً فيصبح قبلتنا أمامنا، لما فرض الله عز وجل على نبينا وعلينا معه الصلوات الخمس؛ هذا الفرض تم في الملكوت الأعلى، الصلوات الخمس فرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته في الملكوت الأعلى، أي: فوق دار السلام، إذ تمت له رحلة من الأرض إلى السماء، ووصل إلى مكان فتأخر جبريل وتقدم هو صلى الله عليه وسلم، فجبريل تأخر وهو الدليل، فقال: وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ [الصافات:164]، وتقدم الرسول صلى الله عليه وسلم وحده وناجاه ربه وكلمه وفرض عليه وعلى أمته الصلوات الخمس. متى هذا؟ كان في السنة العاشرة من البعثة، عرج بالرسول إلى السماء وفرضت عليه الصلوات الخمس فنزل وصلى به جبريل عليه السلام، علم جبريل الرسول كيف يصلي، وعلمه أوقات الصلوات الخمس حول الكعبة، جبريل يصلي والرسول وراءه، فعلمه الصلاة وأوقاتها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى الكعبة وهو -فيما يبدو- ما بين الركنين: الركن اليماني وركن الحجر الأسود، فصلى ثلاث سنوات، فلما هاجر إلى المدينة استقبل بيت المقدس، فصلى هو والمؤمنون والمؤمنات قرابة السبعة عشر شهراً وهم يستقبلون بيت المقدس. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتطلع إلى تحويل القبلة إلى الكعبة، كان يود ويرغب كما سيأتي بيان ذلك في قول الله تعالى: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144]، واليهود فرحوا لأن الرسول يستقبل قبلتهم، وكانوا بالمدينة يكونون ثلاثة أرباعها. إذاً: فلما تطلع إلى أن يستقبل الكعبة بيت الله أنزل الله تعالى هاتين الآيتين، وهو إخبار بما سيكون: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ [البقرة:142]، والسفهاء: جمع سفيه ضد الرشيد، والمراد من السفهاء هنا اليهود والمنافقون وضعفة الإيمان ممن لم يتمكن الإيمان من نفوسهم. سيقولون عندما تتحول القبلة كذا وكذا، أخبر تعالى بهذا قبل حدوثه حتى لا يحصل للرسول والمؤمنين اضطراب وتألم مما يسمعون من المنافقين واليهود والمشركين، سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا [البقرة:142]، القبلة التي كانوا عليها هي بيت المقدس، ثم نزلت الآية: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144]. قيل: هذه الآية -آية التحول- نزلت في مسجد بني سلمة الذي يعرف الآن بمسجد القبلتين، وهو جائز؛ إذ قد يكون دعي لطعام عند أحد المؤمنين هناك، فجاءت صلاة الظهر فخرج وصلى بهم ركعتين، ثم أعلم بتحويل القبلة فاستداروا كما هم عليه إلى الكعبة النساء والرجال، وهذا مروي وجائز. وبعض الروايات تقول: الآيات نزلت والرسول هنا على المنبر يخطب الناس؛ حتى إن بعض الصحابة لما قرأ الرسول هذا عرفوا أن القبلة ستتحول، فقالوا: هيا بنا نغتنم الفرصة فنصلي فنكون أول من صلى إلى القبلة، وتم لهم ذلك ففازوا بالأولية والأسبقية.
الخبر عن قالة السفهاء حال تحويل القبلة
سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا [البقرة:142]، بعضهم يقول: هذا ما عنده ثبات ولا تطمئن النفوس إلى الإيمان به واتباعه ما دام يتقلب هكذا، أمس كان كذا واليوم كذا، فممكن غداً أن يتحول إلى جهة ثانية، هذا يحسنه المنافقون والمرضى ويجيدون الخبط في هذا الشأن، وقد عرفنا هذا من أعدائنا حين يتكلمون عن الإسلام فيشوهون ويقبحون ويقولون ما يقولون، هذا شأنهم إلى اليوم. إذاً: فهذه الأقاويل زلزلت أقدام المؤمنين واضطرب الناس، فهم يحسنون كيف يعيبون، يقولون: كيف يستقبل بالأمس بيت المقدس والآن يتحول؟ ما سبب هذا التحول غير عدم رأي وعدم بصيرة؟ هذا من الجائز أن يترك القبلة بالمرة والعياذ بالله، هذا الذي أخبر به تعالى قبل أن يكون وكان كما أخبر.
معنى قوله تعالى: (قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)
سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا [البقرة:142]، فالجواب من الله عز وجل يقول: يا رسولنا المبلغ عنا! قل لهؤلاء: لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [البقرة:142] المشرق لله والمغرب لله، إن شاء حولنا إلى شمال أو إلى جنوب، والمشرق والمغرب عبارة عن الكرة الأرضية، قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:142] . وبهذا قطع ألسنتهم وهدأ من روع واضطراب المؤمنين، ألسنا بالمؤمنين؟ بلى، أليس الله بالعليم الحكيم؟ بلى، يهدي من يشاء؟ نعم، إذاً: أراد أن نستقبل بيت المقدس فاستقبلناه، ثم أراد أن يحولنا إلى الكعبة فتحولنا، وهذه هي طاعة الله وطاعة رسوله، فلم يبق مجال لمن يعترض أو ينتقد أو يقول ويقول. قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:142]، والصراط المستقيم هو سبيل الله الموصل بالسالكين إلى دار السلام، الصراط: الطريق الذي لا اعوجاج فيه، سالكه ينجو ويفوز ويسعد، وقد علمنا من سورة الفاتحة أن الصراط المستقيم هو الإسلام، من أسلم ظاهراً وباطناً، أسلم قلبه ووجهه لله واستقام على طاعة الله وطاعة رسول الله فهو ناج فائز، ما إن يتوفاه الله حتى يكون في دار السلام.
تفسير قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ...)
وسطية الأمة الإسلامية بين اليهود والنصارى
ثم يقول تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143] كما حولنا القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]، أي: خياراً عدولاً، والوسط في كل شيء ممدوح ومحمود، والغلو والتفريط مذمومان، الإفراط والتفريط، والغلو والإهمال والضياع، لكن السبيل المحمود هو الوسطية. وهناك أمثلة: اليهود عليهم لعائن الله ماذا قالوا في عيسى ابن مريم؟ قالوا: ساحر، وقالوا: ابن زنا، وقالوا ما فيه من الأباطيل ما قالوا، هذا طرف فرط، والنصارى ماذا قالوا في عيسى ابن مريم؟ قالوا: ابن الله وهو الله وثالث ثلاثة مع الله، هؤلاء غلوا، وماذا قال المؤمنون المسلمون؟ قالوا في عيسى: عبد الله ورسوله، يكفيه أن يكون عبداً لله ورسولاً له، فانظر إلى الوسطية. اليهود قالوا: عيسى ابن زنا وساحر ودجال وكذاب، وصرفوا الناس عن رسالته ودعوته، والنصارى الذين اتبعوه ما هي إلا فترة سبعين سنة وأفسدوا عليهم دينهم وقلبوا أوضاعهم وحولوهم إلى وثنيين يقولون في عيسى: هو ابن الله، ومنهم من يقول: هو الله وثالث ثلاثة مع الله، فأمة الإسلام أمة محمد صلى الله عليه وسلم قالوا في عيسى ما قال الله فيه: عبد الله ورسوله، فهذا مثال للوسط. مثال آخر: فيما فرض الله على بني إسرائيل أن من قتل يقتل، لا دية ولا عفو، إن قتل فلا بد أن يقتل، وأما المسيحيون النصارى فعندهم أن من قتل لا تؤخذ دية منه ولا يقتل، يجب أن يعفى عنه! فانظر إلى الطرفين: اليهود أمروا بألا يقبلوا دية ولا يعفوا، لا بد أن يقتل، وهذا شرع الله فيهم، والنصارى أمروا بالعفو، فرض عليهم العفو، فمن قتل يعفى عنه، لا دية ولا قصاص، وأمة الإسلام أمة محمد صلى الله عليه وسلم مخيرة في الثلاثة: القتل والدية والعفو، إذا طالب أولياء القتيل بالقتل قدم لهم القاتل وقتل قصاصاً، وإن طالبوا بالدية وأعطيت لهم أخذوها، وإن شاءوا قالوا: عفونا لا نأخذ دية ولا نقتص ممن قتل أخانا أو أبانا، فانظر إلى الوسطية: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143] أي: خياراً عدولاً. فمن هنا -معاشر المستمعين والمستمعات- تتجلى كرامة هذه الأمة لو استقامت على منهج الله؛ لأن العدل بيننا وعندنا هو ذاك الذي يجتنب كبائر الذنوب والآثام، العدل بيننا من لا يغشى كبائر الذنوب ولم يأت الآثام، وليس معنى هذا أنه معصوم، هو محفوظ بحفظ الله، فإن زلت قدمه في يوم من الأيام وارتكب كبيرة وتاب توبة نصوحاً عاد إليه نوره وكماله الأول وما زال عدلاً.
اعتبار شهادة الجماعة على الميت بالخير والشر
وهنا نذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه القضية: صح عنه صلى الله عليه وسلم ( أن جنازة مر بها حاملوها فتكلم من تكلم وأثنى على هذه الجنازة خيراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت وجبت. ثم مر بجنازة وذكرها الناس فقالوا فيها شراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت وجبت. فقال عمر : فدى لك أبي وأمي! مر بجنازة فأثني عليها خيرٌ فقلت: وجبت وجبت وجبت. ومر بجنازة فأثني عليها شر فقلت: وجبت وجبت وجبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض ). فالذي شهدتم له بالخير فهو على خير وهو في الجنة، والذي شهدتم عليه بعدم الخير بالشر وجبت له النار؛ لأنكم شهداء الله في الأرض، وهذه بينت قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143] . وهذا نظيره ما علمتم من ( أن الله تعالى إذا أحب المؤمن أو المؤمنة ينادي جبريل عليه السلام: يا جبريل! إني أحب فلان ابن فلان فأحبه. فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماوات: إن الله يحب فلان ابن فلان فأحبوه. فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض )، لا يراه عبد صالح إلا أحبه.إذاً: بيننا من هم محبوبون ومن الناس من لا يحبهم بل لا يشهد لهم بخير، فهل غير العادل تقبل شهادته؟ ما تقبل، الآن في المحاكم إذا استدعى الأمر شاهدين فلا بد أن يكونا عدلين، وإلا فما يعطي القاضي حكماً بمجرد شهادة، لا بد من شهادة عدل، فمن هنا نقول: إذا شهد المؤمنون الصالحون لعبد مؤمن فقولوا: وجبت وجبت له الجنة، وإذا شهد أولئك الصالحون المؤمنون الأتقياء على شخص بالشر فقولوا: وجبت له النار. أما الذين ليسوا بعدول فشهادتهم لا تقبل ولا يعول عليها، ففي المحاكم يرفضونها ولا يقبلون شهادة معروف بالفجور معروف بالظلم والشر والفساد وبالخبث والشرك، ما تقبل شهادته. وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا حقاً عدولاً، ما رأت الدنيا أعدل ولا أرحم من أولئك الأصحاب في الأمم السابقة واللاحقة، أما بعد مرور هذه القرون المتتالية ففي هذه الأمة عدول وما أكثرهم وفيها سفهاء وما أكثرهم، فأحببت أن تعرفوا أن العدل هو الذي تقبل شهادته، ذاك المؤمن المستقيم على منهج الله الذي لا يعرف الكذب ولا قول الزور ولا شهادة الزور ولم يغش كبائر الذنوب، فهذا إذا أعطى شهادته لا يعطيها إلا لمن عرفه وعرف ظاهره وباطنه، وقال: فلان عبد صالح فاشهدوا له بالصلاح.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|