
23-09-2020, 04:56 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,126
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
معنى قوله تعالى: (قل أأنتم أعلم أم الله)
واسمع ماذا يقول تعالى: قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140]؟ فإن قالوا: نحن أعلم كفروا وكذبوا وانتهى أمرهم، وتمزقت رابطتهم. قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140]، قل لهم يا رسولنا: أخبروني: أنتم أعلم أم الله؟ فإن قالوا: نحن أعلم كفروا، ولا كلام معهم ولا جدال، وإن قالوا: الله أعلم انقطعوا، فالله نفى أن يكون الأنبياء والرسل يهوداً أو نصارى، وبهذا قطع ألسنتهم. فمن علم رسولنا هذه الحجة؟ الله جل جلاله وعظم سلطانه، قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140]، فإن قالوا: الله أعلم قلنا: الحمد لله، فالله نفى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67]، وإن قالوا: نحن أعلم فلا كلام معهم لأنهم كفروا، ادعوا العلم فوق الله والله عليم بكل شيء، والله معلم كل ذي علم، فقطع الله بهذه الجملة خصومتهم، أسكتهم تماماً، فماذا يقولون؟ إن قالوا: نحن أعلم كفروا وكذبوا ولا يقبل منهم جدال ولا صراع ولا كلام، وإن قالوا: الله أعلم فالله نفى أن يكون إبراهيم وأولاده وأحفاده يهوداً أو نصارى، وقرر وأثبت أنهم كانوا مسلمين.
معنى قوله تعالى: (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله)
ثم قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ [البقرة:140] هذه لنا جميعاً، اسمعوا هذه الكلمة الإلهية: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ [البقرة:140] الجواب: لا أظلم منه والله، لا يوجد ظلم أعظم من هذا أبداً، لا يوجد ظالم أعظم ممن يكتم شهادة عنده من الله ويخفيها ويسترها ويغطيها. ومعنى هذا -والله- أن اليهود والنصارى بأحبارهم ورهبانهم وقسسهم وأتباعهم ظلمة، الكل ظالم لا أظلم منهم، أي ظلم أفظع من أن ينسب إلى الله العلي الحكيم القوي القدير الولد؟ وهم يعرفون أم عيسى وأنها مريم ويقولون: عيسى ابن الله، أي ظلم أفظع وأعظم من هذا الظلم؟! ينسبون إلى الله ما هو منزه ومقدس عنه وهم يعلمون بأن هذا لن يكون أبداً ولا يعقل، ومع هذا يشيعونه في أتباعهم والمتبعين لهم في الشرق والغرب ويقولون: الإله مكون من ثلاثة أقانيم: الرب والابن وروح المقدس، ومرة يقولون: الابن والأب وروح القدس. إذاً: فالشهادة التي عندهم وكتموها ولم يخبروا بها هي ما عندهم من صفات النبي صلى الله عليه وسلم ونعوته التي تكاد تصرخ بأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو نبي آخر الزمان، وأن رسالته عامة للأبيض والأصفر، وأنه لا نبي بعده، وأنه هو الذي يدعو إلى الإسلام، فهذه موجودة فكيف يكتمونها؟ إذاً: هل يوجد من هو أظلم من اليهود والنصارى؟ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ [البقرة:140]؛ لأن الله أخذ عليهم العهد والميثاق أن يبينوا للناس صفات ونعوت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جاء من سورة آل عمران: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران:81] . أخذ الله على جميع الرسل والأنبياء -وأممهم تابعة لهم- إذا بعث الله نبياً وجب أن يؤمنوا به وأن يتابعوه، وخاصة خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم. إذاً: الآية تقول: إن اليهود والنصارى جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكتموها وهي شهادة في أعناقهم، أخذ عليهم العهد والميثاق ألا يكتموها وها هم أولاء قد كتموها، فمن أظلم منهم؟ لو سئلت عمن هو أظلم من اليهود والنصارى فتقول: لا أحد أظلم منهم، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:140].
الأمر بالإخلاص وتحريم كتمان الشهادة وقولها زوراً
معاشر المستمعين والمستمعات! هذا يتعلق بنا: الإخلاص والشهادة، فكما نحن مأمورون بالإخلاص أمر الأولون بالإخلاص، فلتكن أعمالنا ونياتنا وإراداتنا وتحركاتنا كلها مراداً بها وجه الله. أعيد القول: الإخلاص حلقة إذا انقطعت سقط العبد، فإذا تمت واستحكمت استمسك بحبل الله وثبت، فلتكن نياتنا وإراداتنا وخواطرنا وحركاتنا وسكناتنا، ليكن المراد من ذلك هو الله. ثانياً: ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله، مثلاً: استشهدك فلان وفلان في قضية من قضايا الحياة وكنت الشاهد، هل يصح منك أو يجوز لك أن تكتم هذه الشهادة وتخفيها وتجحدها؟ والله! ما جاز ولا صح. ولنعرف أن كتمان الشهادة -والعياذ بالله- كشهادة الزور من أعظم الذنوب عند الله، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه بطريق السؤال والجواب فيقول لهم: ( اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هي يا رسول الله؟ فقال: الشرك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، حتى تمنى أصحابه أن لو سكت ). ومع الأسف ما أعطينا للشهادة قيمتها أبداً، فترى الرجل يشهد مع الرجل لا لشيء إلا لمجرد أدنى علاقة مادية، ونحن مأمورون أن نشهد على أنفسنا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا [النساء:135] . إذاً: شهادة الزور من أكبر الكبائر عند الله، وها هو ذا تعالى يقول لليهود والنصارى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:140] وعما نعمل وعما يعمل كل عامل. فلتكن هذه من مقتضيات حياتنا التي لا تفارقنا، أن لا نقول إلا حقاً ولا نشهد إلا بحق، وأن نتجنب قول الزور وشهادته، ما ننطق بالكذب حتى ولو كان لا يترتب عليه شيء، ألسنتنا صادقة، وقلوبنا وألسنتنا متحدة، القلب طاهر واللسان يعرب عن تلك الطهارة، أما الكذب، أما المنطق السيء، أما الباطل سواء في طالب شهادة أو في غير شهادة فكل هذا ليس لنا؛ لأننا مسلمون ومخلصون، فكيف للمخلص أن يلتفت إلى غير الله يرهبه أو يخاف أو يطمع فيه؟ وكيف لمن أسلم قلبه لله ووجهه أن ينطق بالباطل ويشهد بالزور ليمنع حقاً من حقوق الناس أو ليرتب على آخر حقاً ليس هو له؟
معنى قوله تعالى: (وما الله بغافل عما تعملون)
وهكذا يقول تعالى لهؤلاء اليهود والنصارى: قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:140]، لا يغفل الله عن أعمالنا؛ إذ أعمالنا كلها هو خالقها، كتبها وقدرها قبل أن نكون ونحن بين يديه لا يعزب عنه من أمرنا شيء وإن كان مثقال ذرة، وقد عرفتم أن العوالم كلها في قبضته، فمن هو الذي يخفى عن الله أو يغيب عن الله؟ فأعمالنا كلها معلومة مقدرة، وهي لا تقع إلا على رؤية الله عز وجل وسمعه.
تفسير قوله تعالى: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ...)
وأخيراً قال تعالى: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ [البقرة:141]، الإشارة إلى من سبق من عهد إبراهيم إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، هم يجادلون في الماضي ويتمسكون بأمجاد أجدادهم وآبائهم وهذا لا ينفع، والله! لا ينفع، لو كنت ابن نبي فلن يجديك ذلك شيئاً.وقد بين تعالى لنا هذه الحقيقة، وهي أننا نؤاخذ بكسبنا لا بكسب آبائنا وأجدادنا، ونعطى وننتصر ونفوز ونربح بكسبنا لا بكسب الآباء والأجداد أبداً، فهذه قضية معلومة بالضرورة، وهي أن الطمع الذي نعيش عليه -أن نسكن دار السلام، أن ننزل الجنة دار الأبرار- فهذا النزول وهذا السكن في ذلك العالم الأقدس الأطهر لن يتم بالنسب أبداً، لا ببنوة ولا بأبوة ولا بأجداد ولا بأحفاد، ما هو إلا أن تزكي نفسك يا عبد الله، فإن زكيتها طيبتها طهرتها أصبحت صالحة للملكوت الأعلى، فإن أنت لوثتها واخبثتها وأرجستها ونجستها فمستحيل أن ترقى إلى السماء أو تدخل دار الأبرار، وقد علمنا حكم الله في هذا: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]. إلا أننا مأمورون يا أبناء الإسلام بأن نعرف بم نزكي أنفسنا وبم تكون تزكيتها؛ لنعمل على التزكية ونبعد أنفسنا عن التدسية، فالقضية ليست قضية نسب، وها نحن مع قول الله عز وجل وقوله الحق: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ [التحريم:10]، هذه حليلته أم أبنائه وامرأته في عصمته، لما خالفت منهج الله فخبثت روحها ما نفعها نبي الله ورسوله، فامرأة نوح وامرأة لوط أين هما؟ في الجحيم. والرسول صلى الله عليه وسلم يعلنها مدوية واضحة صريحة: يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني فلان، بدأ ببني هاشم وانتهى إلى فاطمة الزهراء، فقال: ( يا فاطمة ! إني لا أغني عنك من الله شيئاً )، وبعد فاطمة من يطمع في أن يغني عنه رسول الله شيئاً وهو لا يؤمن ولا يعبد ولا يزكي نفسه ولا يطهرها؟ و آزر والد إبراهيم عرفنا ما حكم الله به عليه، آزر والد إبراهيم في الجحيم، وقد تضرع إبراهيم وتوسل إلى الله ليغفر لوالده ولم يقبل ذلك منه؛ لأنه كافر مشرك ضال أنى له أن تشفع فيه شفاعة! فقد كان يدعو الله ويقول: وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ * وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:86-89] . وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم -وهو العليم الخبير بهذا الشأن- أن إبراهيم عليه السلام في عرصات القيامة في ساحة فصل القضاء والحكم بين الخلق يرفع يديه ويقول: يا رب! لقد وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، وهذا أبي الأبعد في النار، فأي خزي أخزى من هذا؟ فيقول له الرب تبارك وتعالى: إبراهيم! انظر تحت قدميك. فينظر -لأنه كان رافعاً رأسه ضارعاً سائلاً- ينظر تحت قدميه وإذا بوالده آزر في صورة ضبع ملطخ بالدماء والقيوح بين يديه، وما إن يراه إبراهيم حتى تشمئز نفسه ويتألم ويرفع صوته: سحقاً سحقاً. فوالله! ليؤخذن من قوائمه الأربع ويرمى في عالم الشقاء في النار.
تحذير من فتنة الدشات وآلات الفيديو
يا معاشر المستمعين والمستمعات! اعلموا أن الفتنة دائرة، وتبلغنا أخبار وأنباء آلمتنا ومزقت قلوبنا من فتنة هذه المحنة الجديدة، أعني العرض الذي يعرض فيه آلات الفيديو والتلفاز وتلتقط تلك الصور المدمرة، وكنا نبكي ونقول: نخشى أن يموت صاحب هذا الصحن الهوائي أو الدش على سوء الخاتمة. يبيتون ساهرين طول الليل يشاهدون الخلاعة والدمار، يشاهدون فضائع ما يقولها العاقل ولا ينطق بها المؤمن، وهم مصرون يومياً على هذا، وكل يوم نشاهد على سطح المؤمن المسلم تلك الآلة التي يلتقط بها هذا الدمار والخراب، سوف تمضي عليهم أيام وقد فقدوا إيمانهم، ولكن قد يصيبوننا نحن بالبلاء إذا نزلت النقمة فنهلك نحن معهم، أما هم فهم هالكون من الآن. انتهى الحياء، والحياء أخو الإيمان، الحياء من الإيمان، الحياء كله خير، مسخوه من وجوههم ووجوه بناتهم ونسائهم وأولادهم، فيرتكبون فضائع الذنوب، فكيف نقول؟ أين هذه الأمة، أين ذهبت؟ أين القرآن وأين السنة وأين أصوات العلماء؟ لا سماع أبداً، لا إقبال أبداً، لا تراجع لا ندم ولا توبة ولا بكاء، هذا القرآن على من نزل؟ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ونحن لنا ما كسبنا أم لا؟
أثر كسب الجوارح على العباد
والكواسب -يا معاشر الأبناء- هي الجوارح السبعة، العين -والله- تكسب، أقسم بالله! ما رمى مؤمن أو فاسق أو ماجن بنظرة في وجه لا يحل له النظر إليه إلا انعكس دخان وظلمة في قلبه ويجد أثره بعد ساعة أو ساعات، فيقول الباطل أو ينغمس في الخبث، لا ينطق بكلمة فقط من غضب الله وسخط الله إلا كان كذلك، وقد أخبرنا الرسول بما ليس فيه لبس ولا خفاء أنه قد يقول المرء كلمة لا يلقي لها بالاً ولا يلتفت إليها وهي من سخط الله عز وجل، فيلقى بها في النار أربعين خريفاً. فهذه الجوارح الكواسب وهذه التي نكسب بها اللسان من أشدها، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله صاحبه عن عمل يدخله الجنة ويباعده من النار فيقول له: كف عليك هذا. وأخذ صلى الله عليه وسلم بلسانه، فقال الرجل: ( وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟ ). ولولا الكذب -والله- ما وجد باطل ولا شر، كل المعاصي تنتج عن هذه الجريمة، لو كففنا ألسنتنا ولم ننطق إلا بالحق والخير فوالله! ما كان للباطل وجود ولا للمنكر مظهر أبداً، لكن ألسنتنا هي التي تنتج هذا، كواسب أيدينا تكسب ويسجل علينا ما كسبت، ليست سرقة فقط أو أذية مؤمن بضربه أو قتله، فاليد تأخذ وتعطي، فاليد التي تأخذ الحرام كالتي تضرب وتقتل، هي جارحة كاسبة. أرجلنا نمشي بها إلى أين؟ ينبغي ألا نمشي خطوة واحدة في غضب الله، خطوة واحدة لا نمشيها في طريق لا يرضى الله به، ما نمشي أبداً إلا في رضا الله عز وجل. وأعظم من ذلك -والعياذ بالله- البطن والفرج، أكل الحرام وغشيان المحرمات، فهذا أعظم من ذاك كله. فقوله تعالى لها: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:134]، ونحن أيضاً لنا ما كسبنا، إن كان الكسب خيراً فزنا بالخير، وإن كان الكسب شراً هلكنا في الشر والعياذ بالله تعالى.
مسئولية المرء عن كسبه وانتفاعه بما كان سبباً فيه من الخير
أقول: القرآن كتاب هداية ورحمة للبشرية، وإن ذكر حجاجاً بيننا وبين أهل الكتاب فالمقصود تربيتنا وإنجاحنا وإكمالنا وعزنا وطهارتنا؛ لأنه كتابنا، فالله تعالى يقول: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [البقرة:141]، هم يتمسكون بأعمال الأولين، فأعلمهم الله تعالى أن أعمال الأولين لا تسألون عنها قطعاً. هل يسال اليهود والنصارى عن أعمال إبراهيم وإسحاق ويعقوب؟ وهل نحن نسأل عن أعمال اليهود والنصارى أو أعمال من سبقنا؟ كل يسأل عن عمله، اللهم إلا ما كان سبباً في وجوده؛ لما علمتم وعرفتم من أن المرء إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث، فمنها: ( علم ينتفع به )، فالذي يعلم مؤمناً أو مؤمنة مسألة في دين الله فيعمل بها ذاك المؤمن أو تلك المؤمنة؛ فإنه يثاب عليها ما دام يعمل بها. أيما علم حول حب الله ولقائه، حول العمل الصالح تورثه في أي عبد ويعمل به فإنه ما يزال يجرى لك الأجر حتى ينتهي ذلك العمل، وقد يعلمه آخر فتمتد الحلقات. ثانياً: ( أو ولد صالح يدعو له )، فالولد الصالح من أنجبه؟ أنت، أنت الذي بذلت وأنت الذي أنفقت وأنت الذي عملت حتى وجد هذا الولد، فما دام أنه يدعو فهو يدعو لك، ودعاؤه لا يرد في أبيه أو أمه، يستجاب. وهكذا الصدقة الجارية أيضاً، إذا بنى المرء مسجداً، أو حفر بئراً ذات ماء عذب للشاربين، أو عبد طريقاً، أو وضع جسراً من الجسور، أو أعد عدة لدولة تجاهد في سبيل الله، فهذا العمل متواصل، فقوله تعالى: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:134] هو حق، ومن كسبنا أنا نخلف وراءنا من يعمل.
مسئولية المرء عمن تلزمه تربيتهم
وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [البقرة:141] هذا ختام هذا الحجاج، وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [البقرة:141]، فهل أحدنا يسأل عن أبيه إذا مات لا يصلي؟ الجواب: يسأل ولا يسأل، إن كان قد بلغه ونصحه ودعاه وجلب عليه الصالحين فدعوه فأبى أن يهتدي ومات -والعياذ بالله- تاركاً صلاته فهو من أهل النار، ولا يسأل عنه الولد يوم القيامة، لكن إذا قصر وما نصح وما علم وما دعاه إلى الهدى فإنه يسأل. أبناؤك تسأل عنهم إذا أنت قصرت في تربيتهم في توجيههم لهدايتهم، إذا أهملتهم وتركتهم في الشوارع والغابات يعبثون ويلعبون، وتأتي إلى البيت فتجدهم غائبين فلا تسأل، تجدهم نائمين فلا تسال، أنت مسئول عنهم، هم يعملون الباطل وأنت تأثم به، وهكذا. فالآية ليست على عمومها أنه لنا ما كسبنا ولهم ما كسبوا، نعم ولكن من كسبنا ما نكون السبب في إيجاده وحصوله.
تحذير من مشاهدة صور العاهرات والماجنين في البيوت
معاشر المستمعين والمستمعات! هذا كتاب الله أكرمنا الله عز وجل واجتمعنا عليه فلله الحمد والمنة، فلنذكر ما سمعنا ولنبذل ما استطعنا في إصلاح أنفسنا وتزكية أرواحنا، والطريق الوحيد يا معاشر الأبناء هو أن لا نخلو أبداً من مجالس الذكر، ما هذا الذكر؟ مجالس الذكر في بيوت الله نتعلم كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قدر منكم -وكلكم قادر- على أن يطرد الشياطين من بيوته فليفعل. يا معاشر المستمعين! أقسم لكم بالله! إن البيت الذي تظهر فيه صور العواهر والمغنيات وصور الكفار والماجنين من اليهود والنصارى وغيرهم؛ هذا البيت ما تبقى فيه الملائكة، وسوف تنزل بهم الشياطين، ولا يندم إلا من تورط ولا ينفع الندم، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل حجرة عائشة ، هذه الحجرة الطاهرة التي فيها رسول الله وصاحباه، فإذا فيها خرقة من كتان فيها صورة لا ملامح لها ولا تجاعيد، فوالله! لقد غضب صلى الله عليه وسلم وعرفت عائشة الغضب في وجهه حتى صاحت: أتوب إلى الله ورسوله، ماذا فعلت يا رسول الله؟ فيقول لها: ( أزيلي عني قرامك يا عائشة )، أزيلي هذه الخرقة التي فيها الصورة، ( فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة ). وجبريل عند الباب ما استطاع أن يدخل، أيسمع هذا المسلمون؟ أيسمحون بهذه الصور والخلاعة في بيوتهم والأغاني والرقص، فتتحول كأنها مواخير في بيت يجب أن لا يسمع فيه إلا ذكر الله، وأن لا يرى فيه صورة، فتطرد الملائكة وتخرج وتحل الشياطين محلهم. والعاقبة ما هي؟ أن ينزل بنا دمار وخراب، فنبكي ساعة ولا ينفع البكاء، فالله بالمرصاد، سلط علينا بريطانيا وفرنسا وإيطاليا فأذاقونا مر العذاب وسامونا، والآن هل نحن أصلح من آبائنا وأجدادنا؟ نحن هابطون هبوطاً لا حد له، والله! ما كان هذا الفحش والباطل في ديار المسلمين، كانت كرامة وإباء وشرف. أما اليوم فمن هيأنا لهذه الفتنة؟ اليهود والنصارى، والله! إنهم لينتظرون متى نحترق ومتى نسقط، وهم يعملون ليلاً ونهاراً ونحن غافلون، ما قرأنا القرآن، فهذا المجلس الذي كنا فيه فيه حجاج بين الرسول واليهود والنصارى: قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140] ، قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ [البقرة:139]، هل هؤلاء الأعداء نتخذهم أولياء ينصحون لنا ويهدوننا لما فيه الخير؟ والله! إنهم ليعملون على تدميرنا. فيا عباد الله! انتبهوا، غيروا هذا النظام في الحياة، بيوتكم طهروها، ألسنتكم طهروها، قلوبكم طهروها لله لا تلتفوا إلى غير الله، فتكونوا قد عرفتم الطريق إلى الله. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|