عرض مشاركة واحدة
  #171  
قديم 20-09-2020, 06:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

المثل الثاني: المثل المائي

قال تعالى: أَوْ مثل آخر مائي كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ مطر، لكن مصحوب بالرعد والبرق الخاطف والرعد القاصف كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ [البقرة:19]، أهله كيف يتحركون؟ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ [البقرة:19] خوف الموت. الآيات القرآنية تمثل هذا المنظر لما كانت تنزل، وكذلك لو أنها تتلى بحق، ويسمعها البشر وتبلغهم فإنهم يصابون بمثل ما أصيب به المنافقون، والله يخافون وترتعد فرائصهم، ويعودون إلى الحق فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ [البقرة:19] أينما كانوا، وحيثما وجدوا، وفي كل زمان ومكان الله محيط بهم، فإما أن يطهروا ويكملوا، وإما أن تنزل بهم نقم الله عز وجل، ولا تظن أن أمريكا وأوروبا واليابان والصين سوف يبقون هكذا، والله إن يوماً لا بد منه، ويريهم الله عجائب قدرته.أما من ينتسبون إلى الإسلام فقد يعجل الله لهم العقوبات؛ ليريهم آياته؛ لعلهم يرجعون كما قال تعالى من سورة السجدة: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [السجدة:21] فإذا أذاقهم العذاب وما رجعوا استحقوا حينئذ الإبادة الشاملة.أما الكفار فيبقيهم، ويملي لهم، ويزيد في أعمارهم، في أولادهم، .. إلى ساعة ما، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [الرعد:31] .قال تعالى: ... وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ [البقرة:19-20] هؤلاء يرجى لهم العودة، وعادوا بخلاف النوع الأول، فلهذا دخلوا في الإسلام، وقلَّ من مات من المنافقين على النفاق والكفر؛ لأن هذه الآيات تنزل أنواراً من السماء، وهم عرب يفهمون لغة القرآن، فدخلوا في رحمة الله نساء ورجالاً وأطفالاً، وإنما اليهود قلَّ من دخل منهم في رحمة الله؛ لعلة عرفناها وهي الشعور بأنهم أكمل الناس، وأنهم أبناء الأنبياء، وأن لهم شأناً ومنزلة عند الله، فغرر بهم رؤساؤهم فرفضوا الإسلام؛ خشية ألا يبقى لهم أمل في مملكة بني إسرائيل وإعادة مجدهم كما كانوا أيام الاستقامة على منهج الله على عهد داود وسليمان ومن بعدهم.وهنا قد يسأل السائل عن الرعد: جاء في التفاسير منهم من يقول: الرعد هذا صوت ملك، والبرق شرر يتطاير من فمه؟ والله ما ذكر هذا، ولا الرسول صلى الله عليه وسلم فسر بهذا التفسير، وهذا منقول ومأثور عن بني إسرائيل، فالرعد صوت إذا سمعناه ينبغي أن نقول: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، وبهذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.أيها المؤمن! أيتها المؤمنة! إذا سمعت صوت الرعد فقل: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، الرعد يسبح، والنمل يسبح، وليس الرعد فقط! وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44] ليس التسبيح خاصاً بالرعد، وإنما لما نسمع هذا الصوت المدوي، المتكون من السحب المتراكمة هنا نقول: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة يسبحون من الخوف منه يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:50] فكيف إذاً بالبشرية، لم لا تسبح ربها؟ سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته!فهذا الصوت ليس صوت الملك، والملك ما هو ذات كذواتنا حتى يكون له صوت هو هذا الرعد، نعم لو نطق ملك من الملائكة، قد يكون له صوت إذا أراد الله أن يسمعنا أسمعنا، وجبريل كان ينزل في صورة إنسان ويسمعون كلامه، والرسول يفتيه ويجيبه، لكن ما دام على هيئته الملكية الخاصة لا يمكن أن نسمع له صوتاً. الآن الملائكة معنا ويكتبون هل نسمعهم؟ فلم نسمع صوت الرعد فقط ونقول: ملك؟! هذا الدوي نتيجة الاحتكاك بين السحب المتراكمة.وأما البرق قد عرف أخيراً بالسالب والموجب من الكهرباء، فالاحتكاك بين تلك الجزيئات يحدث هذا، الآن احتكاك بالسلكين، هذا سالب وموجب يوجد النور.نعم. يجب أن نؤمن إيماناً يقينياً أن الرعد والبرق من فعل الله عز وجل، كما كل الكون والمخلوقات من فعل الله وخلقه وتدبيره، وإذا سمعنا الرعد وصوته نخاف ونخشى أن تنزل بنا صاعقة.الآن أوجدوا للبلاد التي يكثر فيها الرعد والصواعق آلة يجعلونها في أعلى مكان تبعد الكهرباء وتسلبها، فما تنزل الصاعقة.وكل ما في الأمر أننا نقول: صوت الرعد ليس بصوت ملك، ونكذب على الله وعلى الملائكة لو قلنا ذلك؛ إذ لو كان صوت ملك ما سكت الرسول صلى الله عليه وسلم ولبينه ولقال لنا، وضرب المثل، فما دام النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكر هذا فما نلتفت إلى روايات يذكرها الناس أو فلان في التفاسير محكية عن بني إسرائيل كـابن منبه وغيره.إذاً: والبرق هذا فعل الله عز وجل، ونحن الآن نشعل النار في السعف أو لا، في الحطب؟ نحك الصخر على الصخر فتشتعل النار، وحجرين تحكهما على بعضهما البعض فتشتعل النار، فهذا الاحتكاك في تلك الأجرام يوجد هذا النور أو النار.والواجب الذي نحن أهله إذا سمعنا صوت الرعد أن نخاف، ولا بأس من الله عز وجل أن يعاقبنا بذنب من ذنوبنا، فتنزل صاعقة علينا، فنفزع إلى الله ماذا نقول؟ سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته .. سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، وتبقى قلوبنا معلقة بربنا، فهو الذي يدفع المكروه عنا، وهو الذي يقينا العذاب ويحفظنا مما يؤذينا؛ إذ هو مفزعنا وملاذنا بخلاف الكافرين، إلى من يفزعون؟ إلى من يلجئون؟ خسران كبير، فما عندهم مفزع، ولا ملجأ، ولا ملاذ، فانظر الفرق بيننا وبينهم، نحن أحياء وهم أموات.

علامات المؤمن والمنافق والكافر والفاسق

معاشر المستمعين! انتهى الحديث عن الفرق الثلاث، وقد ذكرت لكم قاعدة حاولوا أن تحفظوها، وخاصة طلبة العلم، ما هي؟ ‏

علامات المؤمن

لو قلنا: ما هو الإيمان الصحيح لنكون من الفرقة الأولى؟ قالت العلماء: الإيمان الصحيح هو اعتقاد الحق في القلب، والعربنة عليه بالنطق: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، والبرهنة عليه والتدليل بالعمل. فهذا هو المؤمن المبشر بالجنة، والمبشر بالفوز والنجاة في الدنيا والآخرة.اعتقد الحق لا الباطل، وما أكثر المعتقدين للباطل، ويظنون أو يعتقدون أنه حق، فنحن نعتقد الحق الذي علمناه الله ورسوله، وهو أولاً: أنه لا إله إلا الله، لا عيسى ولا البتول، ولا جبريل، ولا عبد القادر ، ولا الملائكة، ولا كائن يستحق أن يؤله بالعبادة إلا الله، لم؟ لأنه هو الخالق، الرازق، المدبر، هل من خالق غير الله؟ والله لا يوجد، ودلونا على من خلق بعوضة .. ريشة في طير .. شعرة في آدمي أو حيوان؟ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، فما دام لا خالق، ولا رازق، ولا مدبر الحياة إلا هو، إذاً قل: لا إله إلا الله، واعتقد هذا الحق، هذا اعتقاد حق أو باطل؟! اعتقاد حق. أشهد أن محمداً رسول الله.. هذا الاعتقاد حق أو باطل؟ حق، كيف؟ هذا كتاب الله أين يُذهب بعقول البشر، ولولا أن الله تعالى أرسله ونبأه كيف يوحي إليه كتابه؟ وهذا الكتاب ليس رسالة أو صفحة، هذا الكتاب قل الآن للإنس والجن: يتلاءمون ويجتمعون على أن ياتوا بسورة من مثله، فما هو مجرد كتاب حوى علوم الكون كله، الدنيا والآخرة، ومن ارتاب أو شك فما زال التحدي قائماً: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:23-24] هل فعلوا بعد ألف وأربعمائة سنة وزيادة ما فعلوا، ولن يفعلوا، حتى لو أرادوا واستطاعوا يختم الله على قلوبهم، يختم الله على ألسنتهم، يفقدهم عقولهم ونطقهم ولن يأتوا، وَلَنْ تَفْعَلُوا.إذاً هذا الكتاب العظيم؛ القرآن الكريم حفظه النساء والرجال في صدورهم أربعة عشر قرناً، يحمل الهدى والخير والنور والإصلاح، ولم تعرف الدنيا قط كتاباً أسمى ولا أعز من هذا الكتاب، ومن أين جاء هذا الكتاب؟ أنبتته الشجرة، أو رمى به البحر، أو وجد في جبل! كيف هذا الكتاب؟!والبشرية جيلاً بعد جيل تشهد أن هذا القرآن نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف لا يكون رسول الله؟ أين يذهب بالعقل البشري؟ نعم عرفوا وأنكروا حتى لا يدخلوا في رحمة الله.إذاً: أشهد أن محمداً رسول الله، هذا هو اعتقاد الحق، وأنك تؤمن وتصدق بكل ما أمرك الله أن تؤمن به وتصدق بالكتب، والرسل، والملائكة، والقضاء والقدر، وكل ما أخبر الله تعالى به، صراط على ظهر جهنم تجتازه البشرية، آمنا، عالم الشقاء تحتنا، عالم السعادة فوقنا، أخبر الله، أخبر رسوله! آمنا، اعتقدنا الحق فقلنا: لا إله إلا الله محمد رسول الله.ثم برهنا البرهنة القوية أننا نعبد الله الذي شهدنا له بأنه لا إله إلا هو، ونتبع رسوله، ونقوم بسنته وشرعه؛ لأنه رسول الله فأقمنا الصلاة، وآتينا الزكاة، وصمنا رمضان، وحججنا البيت الحرام، وجاهدنا ساعة الجهاد، وأمرنا بمعروف ونهينا عن منكر، وحرمنا ما حرم الله من الكلمة والنظرة، وأحللنا ما أحل الله من ذلك، فهذا تدليل واضح على صدق اعتقادنا الحق، هذا هو المؤمن.

علامات المنافق

ثانياً: الذي لا يعتقد الحق الذي عرفتموه، لكنه يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويؤتي الزكاة ويفعل ما يفعل المؤمنين، وهو لا يعتقد الحق، فهذا هو المنافق الذي أبطن الكفر وأخفاه في نفسه فاعتقد الباطل قطعاً، وعربن بلسانه فينطق بالشهادتين ويصلي مع المسلمين، ويصوم معهم من أجل الحفاظ على حياته، وعلى ماله ووجوده، هذا إيمان المنافقين، هذا المنافق.

علامات الكافر

أما الذي يعتقد الحق ولا ينطق به كاليهود وبعض النصارى فعرفوا أنه لا إله إلا لله محمد رسول الله يقيناً، ولكن ما ينطقون؛ إذ لو نطقوا لدخلوا في الإسلام، فهذا الذي يعتقد الحق ولا يعربن عليه، ولا يعرب عنه، ولا يبينه .. هذا كافر؛ إذ الدخول في الإسلام يكون بكلمة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله على علم.إذاً الذي يعتقد الحق ويعرف الدار الآخرة، ويعرف الصراط، والميزان، والجنة، والنار، كاليهود والنصارى يعرف أن محمداً رسول الله، وأن الله الإله الحق ولا ينطق؛ لأنه إذا نطق فمعناه أنه خرج من دينه وملته وأهله؛ لأنهم سيبعدون عنه، فيؤثر الدنيا على الآخرة، هذا هو الكافر، فإن كان لا يعتقد الحق، ولا ينطق به، ولا يعمل فهذا أسوأ كافر.

علامات الفاسق

يبقى من يعتقد الحق ويعرب عنه بالشهادتين، ولا يدلل عليه بالأعمال الصالحة، وهذا نسميه الفاسق.إذاً: عندنا مؤمن، وكافر، وفاسق. فالكافر ميئوس من رحمته، والمؤمن مرجو سعادته وكماله، والفاسق بين بين، فلا نحكم عليه بخلود في النار ولا بدخول الجنة، نتركه إلى الله عز وجل، ولكن إذا مات على اعتقاد الحق والإعراب عنه -انتبهتم- نرجو أن ينجو من عذاب الله، على الأقل من الخلود في النار.

المبادرة بالتوبة

الاستمرار والمتابعة في الذنوب والآثام قد يصل بالعبد أن يموت على غير الإسلام.انتبهوا! السيئة تلد سيئة، والحية لا تلد إلا حية، فالذي يواصل الآثام والذنوب يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام، من الجائز أن يختم على قلبه، ويموت على سوء الخاتمة.فلهذا واجب كل مؤمن ومؤمنة ألا يبيت على ذنب، وإذا أحدث الذنب تاب على الفور، وهذه قاعدة عامة: التوبة تجب على الفور، ولا يحل أن تقول: إذا جاء الحج أو جاء عمي أتوب، أو إذا تزوجت أتوب، أو إذا توظفت أتوب، أو إذا تخرجت من الجامعة أتوب.. إياك من هذا، فإذا أذنبت ووقعت في الذنب على الفور: أستغفر الله وأتوب إليه، فإن هذا الإرجاء والتسويف والتأخير قد تكون عاقبته سيئة، والذنب على الذنب يصيب العبد بالظلمة فينكر حتى وجود الله والإسلام.ولنقرأ هذه القاعدة التي سبق أن عرفناها؛ إذ يقول تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ [النساء:17] لا من بعيد، لم هذا الحذر؟ لما علمتم، يوالي المعصية ويكررها حتى تصبح تلك المعصية هي مبتغاه ومطلبه.وعلى سبيل المثال الذين يدخنون، ونترك الآن التدخين فقد انتهينا منه، وما بقي من يدخن إلا نادراً أو لا؟ الحمد لله نجتمع في مجلس ضيافة فيه ستون رجلاً ما واحد يدخن، الحمد لله.لكن نضرب مثلاً بالذين يتعاطون المخدرات: الأفيون، الكوكاين، الحشيشة .. بلغنا أنه إذا أدمن عليها أياماً أو أشهراً أو عاماً فإنه لا يستطيع أن يتركها، ولا يقدر أبداً، وكذلك الذي يواصل اللواط أو الزنا أو السرقة، أو كذا من هذه الكبائر أيضاً يخشى عليه ألا يتوب إذا واصل فترة من الزمن. فالحذر الحذر، كلنا خطاء وخير الخطائين التوابون، ونحن ضعفة لسنا بمعصومين كالأنبياء والرسل، لكن واجبنا إذا فعلت سيئة على الفور امحها بكلمة: أستغفر الله، مع دموعك وعزمك ألا تعود إليها يمح أثرها، وهذه سنة الله عز وجل إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ [النساء:17] ما هو السوء؟ الذي يسيء إلى نفوسهم بالظلمة، والراحة الكريهة، والعفن وهو السيئة. ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:17] عليماً بخلقه، حكيماً في قضائه وشرعه، هذا أهل لأن يتوب الله عليه، بخلاف الذي واصل الذنب واصل .. واصل.. فأصبح طبعاً من طباعه، وخلقاً من أخلاقه.ثم يقول تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:18] لا توبة، إذا شاهدت ملك الموت يقرب منك وأعوانه انتهت التوبة، فلهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم من باب الإخبار بالواقع: ( إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ) ما لم تحشرج في الحلق، فإذا حشرجت في الصدر، وشاهد ملك الموت لم يبق له توبة تقبل منه ولا تصح، وليس معنى هذا أنك تملك أن تؤخر الذنب إلى ساعة الموت بيوم أو بساعة، من يملك هذا؟ لا أحد تحت السماء يقول: في استطاعتي أن أتوب قبل موتي بأسبوع أو بيوم، هو يعرف متى يموت؟! فهذا الباب مغلق، وما يبقى إلا باب الله فكلما أذنب أحدنا ذنباً على الفور وقع على الأرض يبكي بين يدي الله، وقام يصلي.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

قال: [شرح الكلمات:مثلهم: صفتهم وحالهم.استوقد: أوقد ناراً.صمٌ بكم عميٌ: لا يسمعون ولا ينطقون ولا يبصرون.الصيّب: المطر.الظلمات: ظلمة الليل، وظلمة السحاب، وظلمة المطر.الرعد: الصوت القاصف يسمع حال تراكم السحاب ونزول المطر.البرق: ما يلمع من نور حال تراكم السحاب ونزول المطر.الصواعق: جمع صاعقة: نار هائلة تنزل أثناء قصف الرعد ولمعان البرق يصيب الله تعالى بها من يشاء.حذر الموت: أي: توقياً للموت]، لما يجعل أصابعه في أذنيه خوف.قال: [محيط: المحيط المكتنف للشيء من جميع جهاته.يكاد: يقرب.يخطف: يأخذ بسرعة. أبصارهم: جمع بصر وهو العين المبصرة].

معنى الآيات

قال: [معنى الآيات: مثل هؤلاء المنافقين فما يظهرون من الإيمان مع ما هم مبطنون من الكفر مثلهم كمثل من أوقد ناراً للاستضاءة بها، فلما أضاءت لهم ما حولهم وانتفعوا بها أدنى انتفاع ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون؛ لأنهم بإيمانهم الظاهر صانوا دماءهم وأموالهم ونساءهم وذراريهم من القتل والسبي، وبما يضمرون من الكفر إذا ماتوا عليه يدخلون النار فيخسرون كل شيء حتى أنفسهم، هذا المثل تمضنته الآية الأولى (17).وأما الآية الثانية (18) فهي إخبار عن أولئك المنافقين بأنهم قد فقدوا كل استعداد للاهتداء فلا آذانهم تسمع صوت الحق ولا ألسنتهم تنطق به ولا أعينهم تبصر آثاره؛ وذلك لتوغلهم في الفساد، فلذا هم لا يرجعون عن الكفر إلى الإيمان بحال من الأحوال.وأما الآية الثالثة والرابعة (19) (20) فهما تتضمنان مثلاً آخر لهؤلاء المنافقين، وصورة المثل العجيبة والمنطبقة على حالهم هي مطر غزير في ظلمات مصحوب برعد قاصف وبرق خاطف، وهم في وسطه مذعورون خائفون يسدون آذانهم بأنامل أصابعهم حتى لا يسمعوا صوت الصواعق حذراً أن تنخلع قلوبهم فيموتوا، ولم يجدوا مفراً ولا مهرباً؛ لأن الله تعالى محيط بهم هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن البرق لشدته وسرعته يكاد يخطف أبصارهم فيعمون، فإذا أضاء لهم البرق الطريق مشوا في ضوئه، وإذا انقطع ضوء البرق وقفوا حيارى خائفين، ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم؛ لأنه تعالى على كل شيء قدير. هذه حال أولئك المنافقين، والقرآن ينزل بذكر الكفر وهو ظلمات، وبذكر الوعيد وهو كالصواعق والرعد، وبالحجج والبينات وهي كالبرق في قوة الإضاءة، وهم خائفون أن ينزل القرآن بكشفهم وإزاحة الستار عنهم فيؤخذوا، فإذا نزل بآية لا تشير إليهم ولا تتعرض بهم مشوا في إيمانهم الظاهر، وإذا نزل بآيات فيها التنديد بباطلهم وما هم عليه، وقفوا حائرين لا يتقدمون ولا يتأخرون، ولو شاء الله أخذ أسماعهم وأبصارهم لفعل؛ لأنهم لذلك أهل، وهو على كل شيء قدير].

هداية الآيات

قال: [ من هداية هذه الآيات ما يلي:أولاً: استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأذهان]. فيستحسن أن يمثل الإنسان لأخيه حتى يفهم، فيضرب له مثلاً.قال: [ثانياً: خيبة سعي أهل الباطل وسوء عاقبة أمرهم.ثالثاً: القرآن تحيا به القلوب كما تحيا الأرض بماء المطر.رابعاً: شر الكفار المنافقون]. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.97 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]