عرض مشاركة واحدة
  #168  
قديم 20-09-2020, 05:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (90)
الحلقة (97)




تفسير سورة البقرة (59)






لما جاء وفد نصارى نجران اجتمعوا مع اليهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذوا يتجادلون في مجلسه، وقام بعضهم بتسفيه بعض، وكفر بعضهم بعضاً، فقالت يهود للنصارى: كونوا على اليهودية لتهتدوا، وقالت النصارى لليهود: كونوا على النصرانية تهتدوا، فجاء خطاب الله عز وجل لهم بأن من أراد الهداية الحقة والاستقامة على الدين القويم فعليه أن يؤمن بالله، وبما أنزل على النبيين والمرسلين دون تفريق بينهم ولا انتقاص من قدرهم.

مكانة المدينة النبوية وخصوصيتها

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت -كعهدنا بها- سورة البقرة، وها نحن مع الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:135-136]. إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم.معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! اذكروا أن هذه السورة مدنية، ومرحباً بالمدنيات والمكيات، والمدنية: هي التي نزلت في المدينة النبوية، وأين توجد المدينة النبوية؟ والله! إنها هذه لهي، فالحمد لله، لو كنتم في كندا أو في الصين أو اليابان وذكرت لكم المدينة النبوية فكيف يكون شعوركم وانفعالكم؟ ستتمنون لو كنتم فيها، ها أنتم الآن فيها، فهل أحسنتم قيامكم فيها؟ هل عرفتم أنها حرم؟ ( المدينة حرام من عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل ). هل تعلمون أنكم مطالبون بآداب خاصة في هذه الديار؟ قد تقولون: نعم يا شيخ، ولكن غلبتنا الدنيا، غلبتنا الأهواء، غلبتنا الشهوات. فأقول: إذاً: انهزمتم، مشيتم وراء عدوكم، وقد حذركم الرحمن فقال: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6]، فاحذري يا أمة الله احذر يا عبد الله أن ترتكب معصية في هذه البلاد، إنها قدس وطهر، ومن لم يعرف ما هي المعصية فليسأل أهل العلم، فإن هذا السؤال واجب؛ لقول الله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].ومن هنا لم يبق بين المسلمين الجديرين بهذا الاسم جاهل من امرأة ولا رجل، ولا يحتاجون إلى قرطاس ولا قلم، وإنما قبل أن يقدم على الشيء يسأل أهل العلم، فإن قالوا: نعم هو مما أحب الله؛ فباسم الله يقدم عليه، وإن قالوا: هذا مما كره الله تركه، ولا نزال نسأل ونعمل حتى نصبح علماء رجالاً ونساء، لكن صرفونا، فماذا نصنع؟ هل من عودة؟ نحن عائدون إن شاء الله تعالى.

سبب هجرة اليهود من الشام إلى المدينة

هذه المدينة عند نزول هذه الآيات كان فيها وفد نجران، واليهود مقيمون يعيشون في المدينة، ووفد نجران نصارى صليبيون مسيحيون والعياذ بالله، كانوا يسكنون في جنوب الجزيرة، واليهود يسكنون بالمدينة، فمن أين جاءوا؟ هل تعرفون من أين جاء اليهود؟ جاءوا من الشام، من القدس، فلم جاءوا إلى هذه المدينة وما فيها إلا السبخة وحبات التمر والعنب؟الجواب: لأنهم لاقوا الأمَرَّين من النصارى، النصارى هم الذين أسقطوا دولة بني إسرائيل، وهم الذين شردوا بني إسرائيل، ولم سلطهم الله عليهم؟ لأنهم فسقوا عن أمر الله، وخرجوا عن طاعته، وهل لذلك صورة ينظر إليها؟الجواب: انظر إلى العالم الإسلامي اليوم ومنذ قرون وقد فسق عن أمر الله وخرج عن طاعته، فاستوجب النقمة، فسلط الله عليهم بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا وهولندا، وما زالوا تحت النظارة أيضاً، مزقوهم وشتتوهم، أين الدولة الإسلامية التي أصبحت ثلاثاً وأربعين دولة؟ أين المذهب الإسلامي؟ سبعون مذهباً، أين الأمة؟ انتهت، بسبب ماذا؟ بسبب الفسق، ما معنى الفسق هذا؟ إنه الخروج عن طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعة أولي الأمر حكاماً وعلماء هداة مبينين.فبنو إسرائيل كانوا أعز منا وأكرم، هم أبناء الأنبياء، فلما فسقوا عن أمر الله فشاع فيهم الزنا، وأصبحت المرأة تتبرج، تلبس الكعب الطويل هذا الذي يلبسه نساؤكم وبناتكم، هذا أخبرنا رسول الله به من بداية أمرهم، أكلوا الربا، هجروا كتاب الله، أعرضوا عن ذكر الله كحالنا، فاستوجبوا نقمة الله، فسلط عليهم الرومان، فشتتوهم ومزقوهم وعذبوهم، لم؟ لأنهم أعداؤهم قتلوا إلههم، من قتل عيسى في اعتقاد النصارى؟ اليهود هم الذين قتلوه، والذي يقتل إلهك تنظر إليه؟ أين إيمانك؟ الذي تعتقد أنه قتل ربك هل تحبه وترضى عنه؟ كانوا يقلونهم كالسمك في الزيت؛ لأنهم قتلوا إلههم، ووالله! ما قتلوه، أخبرنا العلام الحكيم بقوله من سورة النساء: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157].إلا أن الجريمة جزاؤها حاصل، لأنهم قتلوا من شبه وصلبوه وعلقوه، فكأنما قتلوا عيسى، أما عيسى روح الله فما قتلوه أبداً ولا صلبوه، إنه في الملكوت الأعلى، رفعه الله من روزنة البيت والبيت مطوق بالشرطة.إذاً: فهاجروا إلى هذه الديار لوجود الأمن فيها، فهنا أمة جاهلة أمية لا تعرف شيئاً وهم أهل كتاب وعلم يسودون بين الجهال، وإلى الآن العالم يسود بين الجاهلين أحبوا أم كرهوا، هذا من جهة.ومن جهة أخرى: أنهم يتطلعون إلى النبوة المحمدية، عندهم من الأدلة القطعية في التوراة والإنجيل أن نبي آخر الزمان قد أظل زمانه، إنه يخرج من بين جبال فاران، جبال مكة، فقالوا: هذا الذي نعز به ونسود، متى ظهر في تلك الديار احتضنا دعوته ومشينا وراءه وأعدنا من جديد مملكة إسرائيل، فنزلوا المدينة وقبلها ديار متصلة كتبوك وخيبر وتيماء.. وما إلى ذلك.وشاهد ذلك يا أهل القرآن من سورة البقرة التي ندرسها، إذ قال تعالى عنهم: وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة:89] ما معنى: يستفتحون عليهم؟ يقولون لهم: إن نبي آخر الزمن قد أظل زمانه وسوف نؤمن به ونمشي وراءه ونقاتلكم وننتصر عليكم، وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ [البقرة:89] أي: من قبل ظهور الرسالة المحمدية والأنوار المحمدية يستفتحون على المشركين، يقولون: سوف نفعل ونفعل ونفعل، فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89].وكان بالمدينة ثلاث قبائل كبرى: بنو قينقاع في الوسط، بنو قريظة في الجنوب، بنو النضير في الشمال، وكانوا مسيطرين، فلما هاجر الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ارتجت المدينة تحت أقدامهم، ما إن كانت وقعة بدر في السنة الثانية وشاهدوا انتصار رسول الله والمؤمنين حتى تغيرت قلوبهم ووجوههم وعرفوا، وأخذوا يجادلون ويخاصمون ويدعون العلم فوق ما نتصور، ولو تتبعنا القرآن لوقفنا على ذلك.

تفسير قوله تعالى: (وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا ...)

الآن جاء وفد نجران من النصارى وتلاعنوا، فكفَّر اليهود النصارى وكفَّر النصارى اليهود أمام الرسول والمؤمنين: وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ [البقرة:113]، كفَّر بعضهم بعضاً في مجالس العلم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، والقرآن دون هذا وسجله: وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ عَلَى شَيْءٍ [البقرة:113] لا شيء من الدين الحق، وصدقوا في تكفير بعضهم بعضاً؛ إذ -والله- ما هم على شيء لا اليهود ولا النصارى، اليهود مشبهة، وقالوا: عزير ابن الله، وفسقوا عن أمر الله في كل مجالات الحياة، والنصارى ماذا فعلوا؟ قالوا: عيسى ابن الله وأمه مريم إله وروح القدس إله، وتاهوا، فهل هم على شيء؟ والله! لا شيء، سبحان الله! انتصر الإسلام وهم يشاهدون وكفر بعضهم بعضاً، وسجل الله هذا.وواصلوا الحجاج والجدال ومشينا معهم في هذه الآيات الكريمات، وانتهينا الآن إلى قوله تعالى: وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا [البقرة:135].قال اليهود للنصارى: كونوا يهوداً تهتدوا، وقالت النصارى لليهود: كونوا نصارى تهتدوا، قالوا للمسلمين: كونوا يهوداً أو نصارى تهتدوا، هكذا يعرضون بضاعتهم الفاسدة، بعضهم ماكر خادع، وبعضهم مقلد جاهل تابع. وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى [البقرة:135] أي: يهوداً أو نصارى؛ تهتدوا إلى سبيل الرشاد وطريق السلامة، إلى منهج الحق والعدل والخير والسعادة في الدنيا والآخرة.

معنى قوله تعالى: (قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين)

والله تعالى مع رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فماذا قال تعالى ليفصل هذا النزاع؟ قُلْ [البقرة:135] يا رسولنا، أيها المبلغ عنا، يا محمد صلى الله عليه وسلم، قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [البقرة:135]، بل نتبع ملة إبراهيم حنيفاً، وأنتم تزعمون أنكم إبراهيميون وأنكم على ملة إبراهيم، وتحبونه وتعتزون به، وتقولون: نحن على ملة إبراهيم، وقد عرفتم من إبراهيم. قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [البقرة:135]، ما معنى: حنيفاً؟ أي: كان موحداً، ما كان والله مشركاً، كان حنيفاً إذ أوجده الله في عالم ليس فيه من يوحد الله عز وجل، العالم يفيض بالشرك والكفر، فمال إبراهيم عن آلهتهم ودياناتهم ومعتقداتهم وأصبح وحده، فقالوا: هذا حنيف؛ لأنه مأخوذ من الحنف وهو التواء الرجلين وميلهما إلى بعضهما، نعم هو حنيف مائل عن ديانات الباطل واعتقادات الشر والفساد إلى الحنيفية ملته، وهي أن لا إله إلا الله.وقال بعضهم: حنيف من باب التفاؤل، لأن الجنف ضد الحنف، الجنف هو الميل، فمن باب التفاؤل قالوا: حنيف، ما قالوا: جنيف، ولسنا في حاجة إلى قول الناس في هذا الباب، حسبنا أن نعرف أنه كان موحداً ومن حوله من العالم كانوا مشركين، فالموحد منا هو الحنيف؛ لأنه على نهج إبراهيم وعلى طريقته وملته.فما كان إبراهيم -والله*- من المشركين أبداً، وها أنتم أيها اليهود والنصارى مشركون، فكيف تنتسبون إلى إبراهيم؟ إذاً: اتركوا الشرك وتخلوا عنه وابتعدوا من ساحته لتكونوا حنفاء على ملة إبراهيم، أما وأنتم مشركون بالله عز وجل تعبدون معه غيره وتقولون: نحن على نهج إبراهيم، نحن على ملة إبراهيم؛ فهذه الدعوى باطلة وكذب ولا تصح، ادعاها العرب المشركون وقالوا: نحن على ملة أبينا إبراهيم، فهل كان إبراهيم يعبد الأصنام والأحجار والأهواء والشهوات؟ كان موحداً، فوحدوا الله تكونوا مؤمنين وتكونوا إبراهيميين على ملة إبراهيم.فهذا كلام قليل، ولكن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجادلهم ويحاجهم فوق ما نتصور، لكن القرآن يذكر المسائل بإيجاز؛ لأنه كتاب يحفظ في الصدور.إذاً: لما قال اليهود للمسلمين: كونوا يهوداً، وقال النصارى: كونوا نصارى، وقال اليهود للنصارى: كونوا نصارى، قال تعالى: قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ [البقرة:135] هي التي نكون عليها، هي التي ندين لله بها، هي التي ننضم إليها، أما تلك البدع من اليهودية والنصرانية والشرك فلا حاجة لنا فيها، باطل هذا كله، بل نتبع ملة إبراهيم حال كونه حنيفاً مائلاً عن كل الأديان الباطلة إلى دين الحق، حتى قالوا فيه: حنيف أو جنيف.

عظم منة الله تعالى على العبد بالإيمان

إذاً: وجههم رسول الله باسم الله، فمن أمر الرسول أن يقول هذا؟ الله عز وجل، قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [البقرة:135]، هذا الذي نلتزم به، هذا الذي نتبعه، هذا الذي نعيش عليه، فلا يهودية ولا نصرانية ولا مجوسية ولا شرك ولا باطل، هذا هو الحق، من هداهم لهذا؟ الله جل جلاله، هيا نحمد الله لنا ولهم، الحمد لله .. الحمد لله، لولا الله ما كنا في هذا المجلس، ولا نعرف لله كلاماً، ولا نعرف لله ديناً ولا ملة، فالحمد لله.أتظنون أن هذا رخيص وتفضلون عليه شيكاً فيه مليار دولار؟ أقسم لكم بالله جل جلاله على أن مؤمناً كهذا الشاب بيننا لو وضع في كفة ميزان ووضع العالم كله من أهل الشرك والباطل والكفر في كفة لرجح بهم، أما تعطون قيمة للإسلام والمسلمين؟إليكم هذا العرض السريع لنتأكد من صحة القضية: كان أبو القاسم صلى الله عليه وسلم جالساً مع بعض أصحابه في ظل جدار، فمر رجل من الفقراء المؤمنين دميم الخلقة، والله يخلق ما يشاء، فمر وسلم ومضى، فلما غاب عنهم قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: ما تقولون في هذا الرجل؟ فقالوا: هذا حري -جدير- بأن إذا خطب لا يزوج، وإذا قال لم يسمع له، وإذا أمر لا يطاع، لم؟ لضعفه وعدم حاجة الناس إليه، فسكت أبو القاسم، وأخذ في تعليمهم وتزكية نفوسهم، حتى مر منافق من أعيان المنافقين في الأبهة والمنظر واللباس والصحة البدنية، فلما غاب عنهم قال: وما تقولون في هذا؟ وهذا من باب التعليم بواسطة السؤال والجواب، فقالوا: هذا حري إذا خطب أن يزوج، وإذا أمر أن يطاع، وإذا قال أن يسمع له.فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: والله! إن ملء الأرض من مثل هذا لا يعدل ذاك الذي قلتم فيه كذا وكذا. ملء الأرض من هذا المنافق لا يزن أبداً ذاك المؤمن الضعيف القصير الدميم الخلقة، فمن هنا عرفنا أن مؤمناً يزن ما على الأرض من الكفار من اليهود والنصارى والبوذيين والمجوس والمشركين.أزيدكم برهاناً: لم إذا قتل المؤمن كافراً لا يقتص منه بالقتل؟ وإن قال أبو حنيفة غير ذلك فدعنا من قوله؛ فقول المذاهب الصحيحة وجمهور الصحابة والتابعين والأئمة: أن المؤمن لا يقتل بكافر، وهو حق، لا يقتل بكافر، لم؟ من يفسر هذه الظاهرة؟ هل لأن المؤمن أبيض، جميل، غني؟ لا، قد يكون أرمش أعمش أسود مثلي، وما يقتل بكافر، أتدرون ما هو السر؟ لأن هذا الكافر كيف يقتل بمؤمن وهو ما يساوي ظفره أبداً؟ مادام أن ملء الأرض من الكافرين لا يزنون مؤمناً واحداً فكيف يقتل كافر بمؤمن، كيف يصح هذا؟ وسر ذلك أن هذا المؤمن يذكر الله ويعيش على ذكره وشكره، وهذا لا يذكر الله ولا يشكره، هذا لا حق له في الحياة؛ لأنه خلق وأطعم وسقي وحفظ من أجل أن يعبد الله، فلما رفض فلا حق له في الحياة: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فمن كفر بالله وترك عبادته لا حق له في الحياة، فلهذا ندعوه إلى الله، فإما أن يجيب وإما أن يقتل.وعمر رضي الله عنه على عهد ولايته تآمر سبعة أنفار على مؤمن فقتلوه، حادثة نادرة وقعت، فاختلفوا كيف نقتص: هل نقتل السبعة أو نقتل واحداً مقابل المقتول؟ فقال: اقتلوهم سبعتهم، والله! لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم. لأن هذا كان يعبد الله ويذكره، فهل عرفتم سر الحياة أو لا؟

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.75 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.77%)]