الموضوع: الشفاعة حق
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17-09-2020, 03:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشفاعة حق






الموت يذبح:



بعد أن يستقر أهل النعيم في الجنة، وأهل النّار في النّار، يريد الله سبحانه وتعالى أن يطمئن أهل الجنة ويزيدهم سرورا، ويطمئن خاطرهم من الفزع، ويشرح صدروهم بزيادة النعيم، ويقر عيونهم ويهدأ بالهم ويفرح قلوبهم، ويحسر أهل النّار، ويا لها من حسرة شديدة، يذبح الموت الشبح المخيف فيؤتى بالموت كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنّار فينادى: يا أهل الجنة فيطلعون خائفين، فيقال لهم هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون[35] فينظرون ويقولون: نعم هذا الموت وكلهم قد رآه ثم ينادى يا أهل النّار فيطلعون مستبشرين يرجون الشّفاعة فيقال لهم: هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون فينظرون فيقولون: نعم هذا الموت وكلهم قد رآه فيؤمر به فيذبح[36] وقد قيل أن الذي يتولى ذبحه يحيى بن زكريا أو جبريل عليه السلام [37] ثم يقوم مناد ينادى بصوت مرتفع فيقول: يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النّار لا موت كل خالد فيما هو فيه[38] فيفرح أهل الجنة فرحا لو كان أحد ميتا من فرحة لما توا، ويشهق أهل النّار شهقة لو كان أحد ميتا من شهقة لماتوا[39] حينئذ تزداد سعادة أهل الجنة، لما هم فيه من سعادة ونعيم مقيم، خالدين مخلدين، وتزداد تعاسة أهل النّار، وشقاؤهم لما هم فيه، من ذل وعذاب وشقاء أبدى.







الخلود الدائم:



أعظم ما في الجنة الخلود، فالذين يدخلونها يبقون فيها بقاءً سرمديا لا ينقطع ولا يحول أبدا، فهم فيها مخلدون، خلودا لا انقطاع له، فهل يمكن تصور هذا وتخيله؟ وهل يمكن تصور مدى النعيم والسعادة الذي يعيش فيه أهل الجنة؟ حيث هذا الملك العريض، لكل واحد منهم، وحيث الثمار التي لا تفنى، والثياب التي لا تبلى، والشباب الذي لا ينقضي، والمتعة الدائمة بالزوجات المطهرات، والشراب الذي لا ثمول فيه، والأصحاب الصالحون، والطعام الذي لا أثر له، ولباس الحرير مع غاية السرور، والرضى مع حضور كل ما يشتهون وتحقق كل ما يرغبون ويتمنون في التو والساعة دون عناء أو مشقة، بل في أقل من لمح البصر، يحضر ما يتمناه أحدهم بل ما يخطر على باله يكون أمامه في التو واللحظة، لا يكدّرهم فقد عزيز، ولا فراق أو رحيل، بل لا يسمعون كلمة واحدة تكدر خاطرهم أو تزعجهم ﴿ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً ﴾[40] ومع ذلك فهم يتمازحون ويضحكون على مجالس الشراب واللهو بلا لغو ولا تأثيم ولا سباب، ينتقلون من نعيم إلى نعيم ويتقلبون في المسرات، لا يخافون أن تتبدل أحوالهم ولا أن يقطع الله عنهم ما هم فيه من السعادة والسرور، فيا لها من فرحة شديدة لأهل الجنان فهنيئا لكم يا أهل الجنان أما أهل النّار فيبعث الله إليهم ملائكة بأطباق من نار ومسامير من نار وعمد من نار فيطبق عليهم بتلك الأطباق ويشد بتلك المسامير ويمد بتلك العمد قال تعالى ﴿ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ[41] ولا يبقى فيه خلل يدخل فيه روح ولا يخرج منه نفس، وينساهم الجبار على عرشه، ويتشاغل أهل الجنة بنعيمهم، ولا يستغيثون بعدها أبدا، وينقطع الكلام وتسلب الأسماع، فيكون كلامهم زفير وشهيق، فذلك قوله تعالى﴿ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ ﴾[42][43]ثم يسدل الستار عليهم، بإعلان مصيرهم الأخير، وهم متركون في جهنم لا يخرجون، ولا يطلب إليهم اعتذار ولا عتاب، قال تعالى ﴿ فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾[44] وكأننا نسمع مع إيقاع هذه الكلمات صرير الأبواب، وهى توصد إيصادها الأخير، وقد انتهى المشهد، فلم يعد فيه بعد ذلك تغيير ولا تحوير، فما أقسى النّار، ولكن الأقسى منها هو الخلود فيها، فالكرب كلما اشتد انتظر الإنسان الفرج، والليل إذا اشتد ظلامة قرب فجره، ولكن تنخلع القلوب لوعة، وتسيل الكبد مرارة، إذا فقد الإنسان الأمل، قال تعالى ﴿ يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النّار وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾.[45]







يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - " لو قيل لأهل النّار، إنكم ماكثون في النّار، عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا بها، ولو قيل لأهل الجنة، إنكم ماكثون عدد كل حصاة لحزنوا، ولكن جعل لهم الأبد.[46]







وروى أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه مر بكثيب من رمل، فبكى فقيل له ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ قال: ذكرت أهل النّار فلو كانوا مخلدين في النّار بعدد هذا الرمل كان لهم أمد يمدون إليه أعناقهم، ولكنه الخلود أبدا.[47]







يقول الإمام القرطبي: فمن زعم أنهم يخرجون منها، وأنها تبقى خالية أو أنها تفنى وتزول، فهو خارج عن مقتضى ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأجمع عليه أهل السنة.[48]







[1] رواه ابن منيع عن زيد بن أرقم وحسنه المناوي في فيض القدير (جـ4 ص 163).



[2] صحيح مسلم بشرح النووي (جـ2 ص 35).



[3] الآية 109 من سورة طه.



[4] تنبيه الغافلين (ص48).



[5] رواه ابن ماجة والخطيب البغدادي عن عثمان وضعفه المناوى في فيض القدير (جـ3 ص 91).



[6] حسن الترمذي (جـ4 ص 46).



[7] في رحاب التفسير (6353).



[8] مجموع الفتاوى (14 /414 – 415).



[9] رواه مسلم (384) وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.



[10] أي ليالي وقعة الحرة التي وقعت زمن يـزيد بن معاوية..



[11] الجلاء من المدينة أي الخروج منها مفارقا لها..



[12] الجهد بفتح الجيم هو المشقة..



[13] اللأواء هي الشدة وضيق المعيشة..



[14] رواه مسلم (1374) وأحمد (3/58) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه..



[15] رواه ابن ماجة عن أبي هريرة وصححه الألباني في صحيح الجامع (2905).



[16] رواه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك وصححه الألباني في صحيح الجامع (8061).



[17] الجامع لحكام القرآن (جـ16 ص 179).



[18] نوادر الأصول (جـ1 ص 565).



[19] مسند أحمد (جـ3 ص 326).



[20] حادي الرواح (ص 278).



[21] الآية 72 من سورة مريم.



[22] الآية 2 من سورة الحجر.



[23] الآية 27 من سورة الأنعام.



[24] الآية 28 من سورة الأنعام.



[25] في ظلال القرآن (3697).



[26] الآيات من 11 : 18 من سورة المعارج.



[27] الآية 36 من سورة المائدة.



[28] جامع البيان (جـ3 ص 397).



[29] ضعيف الترمذي (نوادر الأصول ص 139).



[30] رواه البخاري ومسلم وأحمد عن أبي سعيد وصححه الألباني في صحيح الجامع (7031).



[31] في رحاب التفسير (جـ7 ص 6364).



[32] الآية 46 من سورة الأعراف.



[33] البتول من النساء أي العذراء المنقطعة من الأزواج الدائمة العبادة.



[34] الآية 49 من سورة الأعراف.



[35] يشرئبون: يمدون أعناقهم لينظروا.



[36] رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد وابن ماجة عن أبي سعيد وصححه الألباني في صحيح الجــامع (522).



[37] فتح الباري شرح صحيح البخاري عن ابن عمر ( الترغيب والترهيب جـ11 ص 512).



[38] صحيح البخاري ومسلم عن ابن عمر (الترغيب والترهيب جـ4 ص 565).



[39] التخويف من النّار (ص 167).



[40] الآية 25 من سورة الواقعة.




[41] الآية 8، 9 من سورة الهمزة.



[42] الآية 150 من سورة الأنبياء.



[43] نوادر الأصول (جـ1 ص 566).



[44] الآية 35 من سورة الجاثية.



[45] الآية 37 من سورة المائدة.



[46] رواه الطبراني عن ابن مسعود وضعفه المناوى في فيض القدير (جـ5 ص 321).



[47] التخويف من النّار (ص 167).



[48] فتح الباري شرح صحيح البخاري (جـ11 ص 516).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.87 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.77%)]