
15-09-2020, 06:15 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,160
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
مواكب المنعم عليهم
وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة:130]، من هم الصالحون؟ اسمع حكم الله في هذه البشرية، يقول تعالى من سورة النساء من كتاب الله القرآن العظيم الذي نسخ به كل الكتب السابقة، يقول تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69]، من منكم يحفظ هذه الجملة؟ والله! لهي خير له من مليون ريال إذا حفظها وفهمها وارتفع مستواه فوق هذه البشرية الهابطة. وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69] من الرسول؟ هو هنا -والله- محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن (أل) هنا للتعريف وللعهد. وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ [النساء:69] أي: المطيعون؛ لأن (من) من ألفاظ العموم، أبيض، أسود عربي، عجمي، من أي جنس كان. وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ [النساء:69] أي: المطيعون مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء:69]، لم يخرج منهم أبداً، بل في زمرتهم، مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء:69]، هل أنعم عليهم بالذرية والأولاد، بالأموال، بالجاه العريض الطويل، أنعم عليهم بالشرف، أنعم عليهم بالبترول، بالصناعة، أنعم عليهم بماذا؟ أنعم عليهم بنعمة الإسلام، أسلموا قلوبهم ووجوههم لله، تلك هي النعمة، ونحن نقول في كل ركعة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:5-7]، هل هناك نعمة أعظم من نعمة الإسلام؟ البشرية تعبد الشياطين والأهواء والفروج والدنيا، وأنت تعبد الرحمن الذي لا إله إلا هو، أية نعمة أعظم من هذه؟ البشرية تعيش في الخبث والنجس، وأنت طاهر نقي صاف ظاهرك كباطنك، أية نعمة أكبر من هذه؟ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء:69] بالإسلام، وهو إيمان وإحسان، ثم بين لنا مواكب هؤلاء المنعم عليهم، فقال: مِنَ النَّبِيِّينَ [النساء:69] هذا موكب، وَالصِّدِّيقِينَ [النساء:69] موكب ثان، وَالشُّهَدَاءِ [النساء:69] موكب ثالث، وَالصَّالِحِينَ [النساء:69]، موكب رابع، سبحان الله! من حيث الظاهر أفضلهم النبيون، ويليهم الصديقون، وفي المرتبة الثالثة الشهداء، وفي الرابعة الصالحون، والله! ما كان نبي إلا كان صالحاً، ولا كان صديق إلا كان صالحاً، ولا كان شهيد إلا كان صالحاً، إذاً: فالبيت الجامع هو الصلاح، فمن منا يرغب أن يكون صالحاً؟ لك أن تكون صديقاً، لك أن تكون شهيداً، لك أن تكون صالحاً، إلا أن تكون نبياً فلا، لا تطمع ولا تسل الله، لو وجدنا شخصاً يقول: يا ربي! اجعلني نبياً، وطول الليل يبكي، فنقول: أنت تكلفت ما ليس لك، لو تدعو الله مليون سنة فوالله! ما نبأك، ختم النبوات وانتهت، والنبوة ما تأتي بالطلب، الله يصطفي، ينظر إلى من هو أهل ويؤهله حتى يصبح أهلاً فيتلقى المعارف الإلهية بقلبه.
سبيل الدخول في موكب الصديقين
إذاً: فمن منا يرغب أن يكون صديقاً؟ كلنا ذاك، إذاً: فإليكم تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم، من الليلة فقط اعزم وصمم، وتوكل على الله، ما يمضي عليك زمن إلا وأنت مسجل في ديوان الصديقين، ونشاهد ذلك فيك أيضاً، اسمع الرسول الكريم يقول صلى الله عليه وسلم يخاطب أمة الإسلام، الأمة الحية التي تسمع وتبصر، لا الكافرة الميتة المشركة. يقول: ( عليكم بالصدق ) أي: الزموه وحافظوا عليه، والصدق يكون في القول والعمل والاعتقاد، لا في القول فقط، وإن كان هو الظاهر، صدق فلان في قوله، وصدق في عمله.( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر )، يقود، يسوق إلى البر، والبر: الخير كله، كلمة جامعة، لا يوجد خير يخرج عن كلمة (بر)؛ لقول الله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92].هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا: ( عليكم بالصدق ) الزموه، حافظوا عليه، تحروه، ( فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة )، هل تفهمون معنى (يهدي)؟ حين أقول لك: أين بيت فلان؟ تقول: تعال أوصلك إليه، فهذا هداني أم لا؟ هذا معنى الهداية. ( ولا يزال المرء يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً )، لا شك أن فيكم من بدءوا منذ زمن، ومنا من بدأ أمس، أو سيبدأ غداً، فالموكب ماش لا يرد أحداً.( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال المرء -ذكراً أو أنثى- يصدق ويتحرى الصدق -يطلبه ويبحث عنه- حتى يكتب عند الله صديقاً )، أصبح في الموكب الثاني بعد النبيين.
سبيل الدخول في موكب الشهداء
من يريد منا أن يكون شهيداً في الشهداء؟ هذا المقام مقام سام، ولكن باب الله مفتوح.أولاً: انوِ في قلبك -وكن صادق النية- أنه إذا قام جهاد تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، تحت بيعة مؤمن رباني، يقود الأمة إلى صفاء الحياة وطهارتها، فإنك سترمي بنفسك، هذه النية أكدها، ما إن ينادى مناد أنه لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأن جاهدوا عباد الله لإنقاذ البشرية وتطهيرها وتصفيتها إلا وأنت معه.ثانياً: اسأل الله تعالى الشهادة في صدق، كلما دعوت الله قل: اللهم اجعلني شهيداً، اللهم اكتب لي الشهادة في سبيلك، اللهم اجعلني من الشهداء، اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك، ومن عجيب فعل عمر أنه كان يقول: ( اللهم إني أسألك موتةً في بلد رسولك وشهادة في سبيلك )، فتعجب بنيته حفصة بنت عمر : كيف يا أبتاه تسأل الله الشهادة وتموت في المدينة! المدينة الآن مدينة إسلام، فكيف تحصل على شهادة فيها؟ فيقول: يا بنيتي! فضل الله عظيم واسع. واستجاب الله لـعمر، وطعن وهو في محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالمؤمنين بين يدي الله، أية شهادة أعظم من هذه؟ من طعنه؟ مجوسي من عبدة النار، أبو لؤلؤة كان مملوكاً عبداً للمغيرة بن شعبة كسائر العبيد الذين يحصلون عليهم، ولكنه من الحزب الوطني الذي ما إن رأى الإسلام يغمر تلك الديار حتى تكون لينتقم من الإسلام الذي كسر عرش كسرى، وأطفأ نار المجوس، وظهرت أول طلقة وهي هذه، وما زال ذلك الحزب يعمل إلى الآن.إذاً: سبحان الله! عمر يقول: ربّ أسألك شهادة في سبيلك وموتة في بلد رسولك، كيف يتحقق هذا؟ هل تحقق أم لا؟ تحقق لـعمر رضي الله عنه وأرضاه.إذاً: فمن سأل الله في صدق الشهادة يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: ( بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ). فالنية أولاً، إذا نادى منادي إمام المسلمين أن: حي على الجهاد فارتم معهم، وإذا ما نادى مناد وما جاء جهاد حق كما هو واقع اليوم، فأنت ابقَ على نيتك، واسأل الله أن يكتبك في عداد الشهداء، ومع هذه النية وهذا العزم أنت من الشهداء ولو مت على فراشك. إذاً: هذه -إن شاء الله- نحصل عليها كالأولى.
سبيل الدخول في موكب الصالحين
الثالثة والأخيرة: نريد أن نكون من الصالحين الذين نسلم عليهم كلما نصلي: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين طول الحياة، وهذا اللفظ يشمل كل صالح في الأرض والسماء، ولا يشمل الفاسدين والمفسدين في الأرض أو في السماء، وهل في السماء مفسدون؟ إنهم الشياطين. فإن قلت: كيف نكون صالحين يا شيخ فهذه مسألة صعبة؟ فالجواب: كلا أبداً، هذه أسهل، وهي: أنك تؤدي حقوق الله وافية، ما تبخس الله ولا تنقصه حقاً من حقوقه، وأن تعبده وحده لا شريك له، هذا حق الله، أن يعبد الله وحده بما شرع من أنواع العبادات.ثانياً: حق عباد الله، فلا تبخس امرأتك حقها ولا ابنك ولا أباك ولا قريبك ولا البعيد، ولا أي إنسان أبيض أو أسود، كافر أو مؤمن، لا تنقصه حقه، تؤدي حقوق العباد وافية، لا تنقص منها شيئاً، بذلك تكون في ديوان الصالحين، أصبحت دون النبي ولكنك صديق وشهيد وصالح، مع أن الكل يعود إلى زمرة الصالحين.وهذا إبراهيم ماذا يقول تعالى عنه؟ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة:130].
تفسير قوله تعالى: (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين)
ثم قال تعالى: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ [البقرة:131] رب من؟ رب إبراهيم، هو الذي قال له أسلم، ولعلكم تذكرون تلك التربية الربانية، ففي سورة الأنعام يقول تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ [الأنعام:74]، اذكر يا رسولنا، اذكر أيها المؤمن هذه الحادثة الجليلة: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ [الأنعام:74]، والعجيب أنه يوجد من المفسرين من يقولون: عمه، ويستسيغونه نقلاً عن أهل الكتاب، يقولون: هو عمه. الله يقول: أبوه، وأنت تقول: عمه! أما يستحي العبد أن يقول هذا؟ حتى لو عرفت أنه عمه، ما دام أن الله تعالى قال: هو أبوه فلم تخالف قول الله؟! أعوذ بالله. وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً [الأنعام:74]، يعتب عليه، يوبخه، يؤدبه، ينكر عليه: أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً [الأنعام:74] تعبدها! إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الأنعام:74]، هذه كلمة إبراهيم بعد اصطفاء الله له: إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الأنعام:74].قال تعالى -وهو الشاهد-: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [الأنعام:75]، الله هو الذي رباه، هو الذي نماه، هو الذي رقاه من حال إلى حال، وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي [الأنعام:75-76]، قوله: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ [الأنعام:76] غطاه بظلامه، قال: رأى كوكباً، سواء الزهراء أو المريخ أو كوكب مشرق، قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ أي: غاب الكوكب قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام:76]، كيف يغيب ربي؟ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا [الأنعام:77] طلع القمر، قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:77-79]، هكذا رباه ربه ورقاه حتى انتهى إلى الحقيقة.
معنى الإسلام لله
وهنا يقول تعالى: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة:131] أسلم ماذا؟ شاة أم بعيراً، أم دراهم ودنانير؟ أسلم قلبه ووجهه لله، فكل أعماله لله، وهذا أيضاً نحن عليه، هل فينا من يتزوج لغير الله، أو يطلق لغير الله، أو يبني لغير الله، أو يهدم بناء لغير الله، أو يسافر لغير الله، أو يقيم لغير الله؟ والله! لا يوجد، إذ نحن المسلمون لا نأتي ولا نذر إلا لله؛ لأننا وقف على الله، مضى هذا فينا يوم نزل قول ربنا: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]. أنت لماذا أعفيت لحيتك؟ لله، وأنت لم حلقت؟ هل لله؟ لا والله، فهذه فضيحة، لا يقول: لله، أنت لماذا تشرب هذا الكأس من الماء؟ لله؛ لأحفظ حياتي، وأنت لم تشرب كأس الخمر؟ هل يقول: لله؟ إذاً: الحمد لله، فنحن من المسلمين، حياتنا وقف على الله عز وجل: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].هيا بنا إلى مزرعة لنجد فلاحاً في يده المسحاة وهو يضرب باسم الله في الأرض، لم يا عم؟ قال: لله، كيف يكون لله؟ هل الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، أنا أفلح هذه الأرض من أجل أن أحصل على قوتي وقوت أهل بيتي لنعبد الله؛ لأننا إذا ما اقتتنا متنا، فلا نعبد الله، فلا بد أن نعمل لله، وهكذا ذو الصناعة في صناعته، وكل مؤمن عرف، فإن حياته كلها وقف على الله عز وجل.
تجهيل المسلمين وإبعادهم عن إسلام الوجوه والقلوب لله تعالى
والذي أبعد المؤمنين والمؤمنات عن هذا الطريق أنهم ما عرفوا، والله! ما عرفوا، أما من عرف أخذ بطريق الهداية، فما أحوجنا إلى العلم، فعدنا من حيث بدأنا، وهذه دعوة إبراهيم: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [البقرة:129]، يفعل معهم ماذا؟ هل يأتي لهم بالخبز واللحم والمرق؟ وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [البقرة:129] ماذا يصنع؟ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة:129]. سلوا الدنيا تخبركم عن أصحاب رسول الله وأبنائهم وأحفادهم طيلة ثلاثمائة سنة أو ثلاثة قرون، والله! ما اكتحلت عين الوجود بأمة أطهر ولا أصفى ولا أعدل ولا أرحم ولا أتقى من تلك الأمة، كيف وصلت إلى هذا؟ ما هي الجامعات التي درسوا فيها والكليات والمعارف؟ أين هي؟ إنها هنا، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم فقط، فتفوقوا ونجحوا، ومن يوم أن أبعدوا المسلمين عن كتاب ربهم وحولوه إلى المقابر وإلى دور الموتى، وصارت السنة مهجورة؛ من ذلك اليوم ونحن نهبط حتى فقدنا كل شيء.أما فقدنا الأندلس؟ أما فقدنا الجمهوريات الإسلامية في شرق أوروبا؟ أما استعمرتنا إيطاليا وفرنسا وأسبانيا وبريطانيا؟ سبحان الله! المسلم يحكم من قبل الكافر؟ نعم هذا حاصل؛ لأنه ما هو بمسلم، ما أعطى لله شيئاً، هو مسلم بالاسم، لو أعطاه قلبه ونفسه وماله ما استطاع الكافر أن يسوده ويحكمه، فما هي العلة؟الجهل، جهلونا فسادونا، والآن نحن نصرخ: العلم .. العلم، فما استجابوا. وقد تقول: اسكت يا شيخ، فما هناك بلد إسلامي إلا فيه وزارات المعارف والمدارس والكليات والمعاهد، فما لك يا هذا؟فنقول: أين آثار ذلك؟ ما هو السر في ذلك؟ السر أنهم ما طلبوا العلم لله، أي: ما طلبوه من أجل أن يعرفوا الله ويعرفوا محابه ومساخطه، وكيف يجاهدون أنفسهم لتستقيم على منهج العلم والحق، فطلبنا العلم للدنيا، حتى بناتنا، يبعث بابنته تدرس، هل من أجل أن تعبد الله؟ لا، لو أرادت أن تعبد الله فستعبده في البيت، تتعلم من جدتها.. من أمها.. من زوجها، تقول: كيف أذكر الله؟ كيف أصلي؟ تتعلم وتعبد الله، ولكن من أجل الوظيفة، وقد بوب البخاري في الصحيح بـ(باب: العلم قبل القول والعمل).
طريق العودة إلى الله تعالى
وقد يقول قائل: الآن يا شيخ كم صحت هذا الصياح، فماذا ينفع؟ دلنا على الطريق.فأقول: الطريق -والحمد لله- واضح سهل لا عقبات ولا أحجار ولا حيات ولا بوليس ولا شرط، فقط أهل القرية المسلمة يتعاهدون لله فيما بينهم أنهم يفزعون إلى ربهم كل ليلة من صلاة المغرب إلى العشاء في بيت الرب، هذه أول خطوة، وهذا لا يوقف حياتهم أبداً ولا يعطلها، الفلاح يشتغل، التاجر يشتغل، الصانع يشتغل، الكل عندما تميل الشمس للغروب يتوضئون ويلبسون ملابسهم ويأتون بنسائهم وأطفالهم إلى بيت الرب تعالى، من يلومهم؟ من يسخر منهم؟ من يضحك؟ يجتمعون في بيت الرب وسيهيئ الله لهم من يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، والله! ليهيئن لهم من يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام، كيف يصبح أهل تلك القرية؟ أنا أعرف كيف سيصبحون، كالملائكة، لا خيانة، لا غش، لا حسد، لا كبر، لا إسراف، لا بذخ، لا حب دنيا، لا تكالب على الشهوات، أم أنك تقول: هذا لا يمكن، محال! فأقول: أنسيت سنن الله؟ الطعام يشبع والماء يروي والنار تحرق والحديد يقطع، سنن لا تتبدل، إذاً: فتعلم الكتاب والحكمة لا بد أن ينتج الطهارة والصفاء، والأمثلة قائمة والحياة شاهدة وما هو بأمر خفي.كم حياً في المدينة؟ قالوا: سبعة عشر حياً، وفي بعض المدن عشرون، أهل كل حي يتعاهدون لله أنهم إذا مالت الشمس للغروب يفرغون من أعمالهم، الحلاق يرمي الموسى ويغلق الدكان، التاجر يغلق الباب، الصانع كذا، ويأتون إلى الجامع الذي في حيهم، لا يوجد حي ليس فيه جامع أبداً في العالم الإسلامي من عرب وعجم، يجتمعون في بيت ربهم يستمطرون رحمته، يبكون بين يديه، يذكرون اسمه، ويهيأ لهم أيضاً مرب حليم، يجلس لهم جلوسنا هذا ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم العام بعد العام، أسألكم بالله: هل يبقى في الحي لص مجرم، أو مسرف؟ والله! ما يبقى، فماذا يصنعون بالمال؟ هل يبقى بينهم جائع؟ والله! ما يبقى، هل يبقى بينهم عار؟ والله! ما يبقى أبداً، هل يبقى بينهم جاهل؟ كيف يبقى الجاهل؟ كيف يوجد الجاهل؟ويتم لهم من الكمال ما تم لأصحاب رسول الله وأبنائهم وأحفادهم في العصور الذهبية، لا سيما في وقت كهذا.فما المانع أن يفعل المسلمون هذا؟ إلى الآن ما عرفنا. هل سحرنا اليهود؟ لا ندري. ما هي الموانع؟ ما عرفنا. فهل عرفتم سر هذا البكاء كم نبكي؟وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|