
15-09-2020, 04:08 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,707
الدولة :
|
|
العقد الفريد في بيان منزلة الشهيد وأحكامه
العقد الفريد في بيان منزلة الشهيد وأحكامه
السيد مراد سلامة
عناصر الخطبة
العنصر الأول: لماذا سمي الشهيد بذلك
العنصر الثاني: أنواع الشهداء
العنصر الثالث: ثمرات الشهادة في سبيل الله
العنصر الرابع: موت الشهيد حياة للأمة
العنصر الخامس: أحكام الشهيد
العنصر السادس: حقوق أسر الشهداء
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً صلى الله عليه وسلم، حامل لواء العز في بني لؤي، وصَاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيد بجبريل، المعلم الجليل، صلى الله وسلم عليه كلما تضوَّع مسك وفاح، وما غرد حمام وصاح، وكلما سجى بلبلٌ وناح، وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته مرة ثانية و ثالثة.
إن السلام وإن أهداه مرسله
وزاده رونقاً منه وتحسينا
لم يبلغ العشر من قول يبلغه
أذن الأحبة أفواه المحبينا
أمة الحبيب الأعظم محمد –
أيها الأحباب لقد علم الرعيل الأول من صفوة المسلمين أن في الجهاد فضلاً لا يضاهي وخيراً لا يتناهى، وأيقنوا أن الجنة تحت ظلال السيوف وأن الري الأعظم في شرب كؤوس الحتوف فشمروا للجهاد عن ساق الاجتهاد، ونفروا إلى ذوي الكفر والعناد من شتى أصناف العباد، وجهزوا الجيوش والسرايا وبذلوا في سبيل الله العطايا وأقرضوا الأموال ولمن يضعفها ويزكيها، ودفعوا سلع النفوس من غير مماطلة لمشتريها، وضربوا الكافرين فوق الأعناق واستعذبوا من المنية مر المذاق، وباعوا الحياة الفانية بالعيش الباق، ونشروا أعلام الإسلام في الأفاق .... "
فهيا لنشنف الأسماع بألحان الخلود الباقية التي عزف عليها هؤلاء الشهداء الأبرار الذين صدقوا الله فصدقهم الله تعالى
المجاهدون في سبيل الله وهم جند الله الذين يقيم بهم دينه ويدفع بهم بأس أعدائه ويحفظ بهم بيضة الإسلام، ويحمي بهم حوزة الدين، وهم الذين يقاتلون أعداء الله ليكون الدين كله لله، وتكون كلمة الله هي العليا قد بذلوا أنفسهم في محبة الله ونصر دينه وإعلاء كلمته ودفع أعدائه وهم شركاء لكل من يحمونه بسيوفهم في أعمالهم التي يعملونها، وإن باتوا في ديارهم، ولهم مثل أجور من عبد الله بسبب جهادهم وفتوحهم فإنهم كانوا هم السبب فيه، والشارع قد نزل المتسبب منزلة الفاعل التام في الأجر والوزر ولهذا كان الداعي إلى الهدى، والداعي إلى الضلال لكل منهما بتسببه مثل أجر من تبعه، وقد تظاهرت آيات الكتاب وتواترت نصوص السنة على الترغيب في الجهاد والحض عليه ومدح أهله والإخبار عما لهم عند الله ربهم من أنواع الكرامات والعطايا الجزيلات، ويكفي في ذلك قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الصف: 10].
فشوقت النفوس إلى هذه التجارة الرابحة التي دل عليها رب العالمين العليم الحكيم فقال ﴿ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ﴾ [الصف: 11] فكأن النفوس ضنت بحياتها وبقائها فقال ﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الصف: 11] يعني أن الجهاد خير لكم من قعودكم للحياة والسلامة فكأنها قالت: فما لنا في الجهاد من الحظ ؟ فقال ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [الصف: 12] مع المغفرة ﴿ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الصف: 12] فكأنها قالت هذا في الآخرة فما لنا في الدنيا ؟ فقال ﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصف: 13] فلله ما أحلى هذه الألفاظ وما ألصقها بالقلوب وما أعظمها جذباً لها وتسييراً إلى ربها وما ألطف موقعها من قلب كل محب، وما أعظم غنى القلب وأطيب عيشة حين تباشره معانيها فنسأل الله من فضله إنه جواد كريم "[1] أ.ه.
ويقول العزيز الحميد وهو يقرر فضل المجاهدين في سبيله وما أعد لهم في دار كرامته ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111].
العنصر الأول: لماذا سمي الشهيد بذلك
والشَّهِيدُ الْمَقْتُول فِي سَبِيل اللَّهِ، وَالْجَمْعُ شُهَدَاءُ. قَال ابْنُ الأنْبَارِيِّ سُمِّيَ الشَّهِيدُ شَهِيدًا لأنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ شَهِدُوا لَهُ بِالْجَنَّةِ.
وَقِيل: لأِنَّهُ يَكُونُ شَهِيدًا عَلَى النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمْ.
وَالشَّهِيدُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: مَنْ مَاتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قِتَال الْكُفَّارِ وَبِسَبَبِه.
وَيُلْحَقُ بِهِ فِي أُمُورِ الآْخِرَةِ أَنْوَاعٌ يَأْتِي بَيَانُهَا.
قال الإمام السهيلي- رحمه الله - «وأولى هذه الوجوه كلها بالصحة: أن يكون فعيلاً بمعنى مفعول، ويكون معناه: مشهودًا له بالجنة، أو يشهد عليه النبي عليه السلام، كما قال: «هؤلاء أنا شهيد عليهم»، أي: قّيم عليهم بالشهادة لهم، وإذا حشروا تحت لوائه، فهو وال عليهم، وإن كان شاهدًا لهم، فمن ههنا اتصل الفعل بعلى، فتقوى هذا الوجه من جهة الخبر، فدل على أن الشهيد مشهود له، ومشهود عليه، وهذا استقراء من اللغة صحيح، واستنباط من الحديث بديع، فقف عليه"[2]
العنصر الثاني: أنواع الشهادة
اعلموا عباد الله أنه اصطلح العلماءعلى تقسيم الشهداء إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: شهيد الدنيا والآخرة:
ومقصودهم بشهيد الدنيا: أنه يأخذ أحكامًا خاصة في الدنيا تميزه عن سائر الموتى، كعدم الغسل عند أكثر العلماء، والتكفين في ثيابه، وغير ذلك مما سيأتي تفصيله -إن شاء الله تعالى-.
ومقصودهم بشهيد الآخرة: أن له ثوابًا موعودًا خصه الله به سبحانه وتعالى، وقد تقدم ذكر بعضها في مبحث فضائل الشهادة.
القسم الثاني: شهيد الدنيا:
أي دون الآخرة، وهو من قتل في حرب الكفار، وقام به مانع من موانع الشهادة، كالرياء، والسمعة، والغلول من الغنيمة فهذا له حكم الشهداء في الدنيا دون الآخرة، وهذا تجري عليه الأحكام الخاصة بالشهيد، وما يترتب عليه، وهؤلاء ليس لهم الثواب الكامل الموعود به الشهيد في الآخرة وحيث أطلق الفقهاء مصطلح "الشهيد" انصرف لهذا القسم والذي قبله، وحكمهما واحد في أحكام الدنيا.
القسم الثالث: شهيد الآخرة:
وهم جميع من عدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -من الشهداء وورد تسميتهم بذلك كالمطعون، والغريق، والحريق، وغيرهم عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (" خَمْسٌ مَنْ قُبِضَ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ فَهُوَ شَهِيدٌ: الْقَتِيلُ فِي سَبِيلِ اللهِ شَهِيدٌ، وَالْغَرِيقُ فِي سَبِيلِ اللهِ شَهِيدٌ، وَالْمَطْعُونُ فِي سَبِيلِ اللهِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ فِي سَبِيلِ اللهِ شَهِيدٌ، وَالنُّفَسَاءُ فِي سَبِيلِ اللهِ شَهِيدٌ ")[3] أخرجه النسائي.
والمراد أنهم شهداء في ثواب الآخرة، وإلا فهم كغيرهم من الموتى، ليس لهم أحكام خاصة، فيغسلون ويصلى عليهم، فهم شهداء بشهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وإن لم يظهر لهم حكم شهادتهم في الدنيا.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|