
14-09-2020, 04:26 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة :
|
|
رد: سياحة في عقول الأدباء والشعراء
وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه، قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول:
يا دنيا، إليك عني، غُرِّي غيري! ألي تعرَّضْتِ؟ أم إليَّ تشوقتِ؟ هيهات! هيهات! لقد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها؛ فعمرك قصير، وخطرك حقير، وخطبك يسير. آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
فبكى معاوية حتى أخضلت دموعه لحيته، وقال: رحم الله أبا الحسن، فلقد كان كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال حزن من ذُبِحَ وحيدُها في حجرها.
* وصف صديق *
ولنقف في محطة أخرى مع عبد الله بن المقفع، وهو يصف صديقاً له، يقول:
كان لي أخ أعظم الناس في عيني، وكان رأسما عظَّمه في عيني صغر الدنيا في عينه.
وكان خارجاً من سلطان بطنه؛ فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد.
وكان لا يأشر عند نعمة، ولا يستكين عند مصيبة.
وكان خارجاً من سلطان لسانه؛ فلا يتكلم بما لا يعلم، ولا يماري فيما علم.
وكان خارجاً من سلطان الجهالة؛ فلا يتقدَّم -أبداً- إلا على ثقة بمنفعة.
وكان أكثر دهره صامتاً، فاذا قال بذَّ القائلين.
وكان ضعيفاً مستضعَفاً، فإذاجدّ الجدّ؛ فهو الليث عادياً.
وكان لا يدخل في دعوى، ولا يشارك في مِراء، ولا يدلي بحجة؛ حتى يرى قاضياً فَهِما وشهوداً عُدُولاً.
وكان لا يلوم أحداً فيما يكون العُذر في مثلِه؛ حتى يعلم ما عذرُه.
وكان لا يشكو وجعَه إلا عند من يرجو عنده البرء، ولا يستشير صاحبا إلا أن يرجو منه النصيحة.
وكان لا يتبرَّم، ولا يتسخَّط، ولا يتشَكَّى، ولا يتشهَّى، ولا ينتقم من العدو، ولا يغفُل عن الولي، ولا يخُصُّ نفسه بشيء دون إخوانه، من اهتمامه وحيلته وقوّته.
فعليك بهذه الأخلاق إن أطقتها، ولن تطيق. ولكنَّ أخذ القليل خيرٌ من ترك الجميع.
* فطنة كعب الأسدي *
ولنقف مع فطنة أحد الصحابة، وهو كعب الأسدي؛ فقد ذكر الزبير بن بكار، عن محمد بن معن الغفاري، قال:
أتت امرأة إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقالت:
يا أمير المؤمنين، إن زوجي يصوم النهار، ويقوم الليل، وأنا أكره أن أشكوه، وهو يعمل بطاعة الله، عز وجل!
فقال لها: (نعم الزوج زوجك!).
فجعلت تكرر عليه القول، وهو يكرر عليها الجواب..
فقال له كعب الأسدي: يا أمير المؤمنين، هذه المرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها عن فراشه!
فقال عمر: (كما فهمت كلامها فاقض بينهما).
فقال كعب: علي بزوجها..
فأُتي به، فقال له: إن امرأتك هذه تشكوك.
قال: أفي طعام أم شراب؟
قال لا!!
فقالت المرأة:
يا أيها القاضي الحكيم رشدهْ ألهى خليلي عن فراشي مسجدهْ
زهَّده في مضجعي تعبُّدهْ فاقض القضا كعبُ ولا ترددهْ
نهاره وليله ما يرقدهْ فلست في أمر النساء أحمدهْ!
فقال زوجها:
زهَّدني في فرشها وفي الحجلْ أني امرؤ أذهلَني ما قد نزلْ
في سورة النحل وفي السبع الطِّوَلْ وفي كتاب الله تخويفٌ جللْ
فقال كعب:
إن لها عليك حقاً يا رجل نصيبُها في أربع لمن عَقل
فأعطها ذاك ودعْ عنك العِلل!
ثم قال: إن الله -عز وجل- قد أحل لك من النساء مثنى وثلاث ورباع؛ فلك ثلاثة أيام ولياليهن، تعبَّدْ فيهن ربك.
فقال عمر: (والله، ما أدري من أي أمريك أعجب؟ أمن فهمك أمرهما؟ أم من حكمك بينهما؟ اذهب فقد وليتك قضاء البصرة).
* الجود والكرم *
ومن أعظم ما قيل من الشعر في الجود والكرم: قول أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن جُدعان، وكان من كرماء العرب:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك، إن شيمتك الحياءُ!
وعلمُك بالأمور وأنت قِرْمٌ لك الحَسَب المهذَّب والسَّناء
كريم لا يغيِّرُه صباح عن الخُلُق الجميل ولا مساء
تباري الريحَ مَكرُمةً ومجداً إذا ما الكلب أحجره الشتاء
اذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الثناء
* مآرب العصا *
ولقي الحجاج أعرابياً، فقال: من أين أتيت؟
قال من البادية.
قال ما بيدك؟
قال: عصا، أركِزُها لصلاتي، وأُعِدُّها لِعُداتي، وأسوقُ بها دابَّتي، وأَقوى بها على سَفَري، وأعتمد عليها في مشيتي؛ لِيتَّسِعَ بها خَطْوي، وأعبُرُ بها النهرَ فتؤمِّنُني، وأُلْقي عليها كِسائي؛ فيستُرُني من الحَرِّ، ويقيني من القَرِّ، وتُدني ما بَعُدَ مني، وهي مِحْمَلُ سُفْرَتي، وعَلاقة إدَاوَتي، ومِشجب ثيابي، أعتمد بها عند الضَّراب، وأقرع بها الأبواب، وأتقي بها عَقور الكلاب، تنوب عن الرُّمح في الطِّعان، وعن الحَرْبة عند منازلة الأقران، ورثتُها عن أبي، وأورِّثُها بعدي ابني، وأهشُّ بها على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى، كثيرة لا تحصى.
* منابع السعادة *
ولنقف مع السعادة، ومعانيها، عند العلماء والأدباء والشعراء؛ فالسعادة، كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي:
"شيء ينبع من داخل الإنسان، ولا يستورد من خارجه، وإذا كانت السعادة شجرة منبتُها النفس البشرية، والقلب الإنساني؛ فإن الإيمان بالله وبالدار الآخرة هو ماؤها.. وغذاؤها.. وهواؤها".
ويقول أديب مصر مصطفى لطفي المنفلوطي، رحمه الله:
"حسبك من السعادة في الدنيا: ضمير نقي.. ونفس هادئة.. وقلب شريف".
وتجاربنا في الحياة -كما يقول الدكتور أحمد أمين- تدلنا على أن الإيمان بالله موردٌ من أعذب موارد السعادة ومناهلها، وإن أكبر سبب لشقاء الأسر وجود أبناء وبنات فيها لا يرعون الله في تصرفاتهم، وإنما يرعون أهواءهم وملذاتِهم، وإذا فشا الدِّين في أسرة؛ فشت فيها السعادة.
ويقول الدكتور كامل يعقوب:
"والحقيقة التي لامستها في حياتي -كطبيب- أن أوفر الناس حظاً من هدوء النفس هم أكثر نصيباً من قوة الإيمان.. وأشدهم تعلُّقاً بأهداب الدين".
ويقول الدكتور مصطفى السباعي:
"زُرِ المحكمةَ مرة في العام؛ لتعرف فضل الله عليك في حسن الخلق..
وزر المستشفى مرة في الشهر؛ لتعرف فضل الله عليك في الصحة والمرض..
وزر الحديقة مرة في الأسبوع؛ لتعرف فضل الله عليك في جمال الطبيعة..
وزر المكتبة مرة في اليوم؛ لتعرف فضل الله عليك في العقل..
وزر القبر كل آن؛ لتعرف فضل الله عليك في نعم الحياة".
ويقول أيضاً:
"إذا همَّت نفسُك بالمعصية؛ فذكرها بالله.
فإذا لم ترجع؛ فذكرها بأخلاق الرجال.
فإذا لم ترتدع؛ فذكرها بالفضيحة إذا علم بها الناس!
فإذا لم ترجع؛ فاعلم أنك في تلك الساعة انقلبت إلى حيوان!!".
وفي هذا المعنى يقول نابغة بن شيبان:
إن من يركب الفواحش سِرّاً حين يخلو بسره غيرُخالي
كيف يخلو وعنده كاتباه شاهداه وربُّه ذو الجلال؟!
* زهد عمر بن عبد العزيز *
وكان عمر بن عبد العزيز -وهو أمير من أمراء الدولة الأموية- يغيّر الثوبَ من حريرٍ في اليوم أكثر من مرة، وعنده الذهب والفضة، الخدم والقصور، المطاعم والمشارب، وكل ما اشتهى وطلب وتمنى.
ولما تولى الخلافة، وصار مُلك الأمة الإسلامية تحت يديه؛ انسلخ من ذلك كله، وزهد فيما تحت يديه!!
وقف على المنبر يوم الجمعة فبكى، وقد بايعتْه الأمة، وحَولَه الأمراءُ، والوزراء، والعلماء، والشعراء، وقواد الجيش، فقال: خذوا بيعتكم!!
قالوا: ما نريد إلا أنت!
فتولاها، فما مرّ عليه أسبوع، إلا وقد هزل وضعف وتغيّر لونه، ما عنده إلا ثوب واحد!!
قالوا لزوجته: مالِ عمرَ تغيَّرَ؟!
قالت: والله، ما ينام الليل، والله، إنه يأوي إلى فراشه، فيتقلّب كأنه ينام على الجمر، يقول: آه آه، توليت أمر أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- يسألني يوم القيامة عن الفقير، والمسكين، والطفل، والأرملة.
وقال له أحد العلماء، وهو ابن زياد: يا أمير المؤمنين، رأيناك وأنت ولي مكة، قبل أن تتولى الملك، في نعمة، وفي صحة، وفي عافية، فمالك تغيَّرتَ؟!
فبكى، حتى كادت أضلاعه تختلف، ثم قال:
كيف بك يا ابن زياد، لو رأيتَني في القبر بعد ثلاثة أيام، يومَ أُجَرَّدُ عن الثياب، وأتوسَّد التراب، وأفارق الأحباب، وأترك الأصحاب؟ كيف لو رأيتني بعد ثلاث! والله، لرأيت منظراً يسوؤك!
ورحم الله القائل:
والله لو عاش الفتى في عمرِهِ ألْفاً من الأعوام مالكَ أمرِهِ
متنعماً فيها بكل لذيذةٍ متلذذاً فيها بسكنى قصرِهِ
لا يعتريه الهمُّ طولَ حياتِهِ كلا، ولا تَرِدُ الهمومُ بصدرِهِ
ما كان ذلك كلُّه في أن يفي فيها بأول ليلةٍ في قبرِهِ
وخطب عمر بن عبد العزيز يوماً، فقال:
أيها الناس، إن لكل سفر زاداً لا محالة، فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة بالتقوى، وكونوا كمن عاين ما أعدَّ اللهُ من ثوابه وعقابه، فترغبوا وترهبوا، ولا يطولَنَّ عليكم الأمد؛ فتقسوا قلوبكم، وتنقادوا لعدوكم.
وكان-رضي الله عنه- يتمثل دائماً بهذه الأبيات:
نهارك يا مغرور سهوٌ وغفلةٌ وليلُك نومٌ والأسى لك لازمُ
تُسَرُّ بما يفنى وتَفرَح بالمُنَى كما سُرَّ باللَّذَّاتِ في النوم حالمُ
وسعيُكَ فيما سوف تَكرَه غِبَّهُ كذلك في الدنيا تعيش البهائمُ!
* أبو العتاهية وموعظة بليغة *
وأتى أبو العتاهية لسلطان من السلاطين ببغداد، غرَّته قصورُه العظيمة ، فدخل عليه يهنئه على تلك القصور، فقال له:
عِشْ ما بَدَا لكَ سالماً في ظِلّ شاهقَةِ القُصورِ
يجري عليكَ بِمَا أردتَ معَ الغُدُوِّ معَ البُكُورِ
فإذا النّفوسُ تَغَرْغَرَتْ بزفيرِ حَشرجَةِ الصّدورِ
فَهُناكَ تَعلَم مُوقِناً مَا كُنْتَ إلاَّ فِي غُرُورِ
فبكى السلطان حتى أغمي عليه.
المراجـع:
1. عين الأدب والسياسة وزين الحسب والرياسة، أبو الحسن، علي بن عبد الرحمن بن هذيل، مكتبة مصطفى الحلبي، مصر، 1969م.
2. معراج البيان، علام سلامة، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1929م.
3. الإيمان ينبوع السعادة، الدكتور حسان شمسي باشا، موقع الدكتور حسان شمسي باشا على الإنترنت.
4. شنين الدموع، د.عبد العزيز الخويطر، كتيب المجلة العربية، العدد 123، ربيع الأول 1428هـ/ أبريل 2007م.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|