عرض مشاركة واحدة
  #629  
قديم 13-09-2020, 05:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,955
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (628)
تفسير السعدى
(سورة الطارق)
من (1)الى (17)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الطارق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)


يقول [الله] تعالى: { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ }. ثم فسر الطارق بقوله: { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } أي: المضيء، الذي يثقب نوره، فيخرق السماوات [فينفذ حتى يرى في الأرض]، والصحيح أنه اسم جنس يشمل سائر النجوم الثواقب. وقد قيل: إنه " زحل " الذي يخرق السماوات السبع وينفذ فيها فيرى منها. وسمي طارقاً، لأنه يطرق ليلاً، والمقسم عليه قوله: { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } يحفظ عليها أعمالها الصالحة والسيئة، وستجازى بعملها المحفوظ عليها، { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ } أي: فليتدبر خلقته ومبدأه، فإنه مخلوق { مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } وهو: المني الذي { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } يحتمل أنه من بين صلب الرجل وترائب المرأة، وهي ثدياها. ويحتمل أن المراد المني الدافق، وهو مني الرجل، وأن محله الذي يخرج منه ما بين صلبه وترائبه، ولعل هذا أولى، فإنه إنما وصف الله به الماء الدافق، والذي يحس [به] ويشاهد دفقه، هو مني الرجل، وكذلك لفظ الترائب فإنها تستعمل في الرجل، فإن الترائب للرجل، بمنزلة الثديين للأنثى، فلو أريدت الأنثى، لقال: " من بين الصلب والثديين " ، ونحو ذلك، والله أعلم. فالذي أوجد الإنسان من ماء دافق، يخرج من هذا الموضع الصعب، قادر على رجعه في الآخرة، وإعادته للبعث، والنشور [والجزاء]، وقد قيل: إن معناه، أن الله على رجع الماء المدفوق في الصلب لقادر، وهذا - وإن كان المعنى صحيحاً - فليس هو المراد من الآية، ولهذا قال بعده: { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } أي: تختبر سرائر الصدور، ويظهر ما كان في القلوب من خير وشر على صفحات الوجوه قال تعالى:{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران: 106] ففي الدنيا، تنكتم كثير من الأمور، ولا تظهر عياناً للناس، وأما في القيامة، فيظهر برُّ الأبرار، وفجور الفجار، وتصير الأمور علانية، { فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ } يدفع بها عن نفسه، { وَلاَ نَاصِرٍ } خارجي ينتصر به، فهذا القَسَمُ على حالة العاملين وقت عملهم وعند جزائهم. ثم أقسم قسماً ثانياً على صحة القرآن، فقال: { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ * وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } أي: ترجع السماء بالمطر كل عام، وتنصدع الأرض للنبات، فيعيش بذلك الآدميون والبهائم، وترجع السماء أيضاً بالأقدار والشؤون الإلهية كل وقت، وتنصدع الأرض عن الأموات، { إِنَّهُ } أي: القرآن { لَقَوْلٌ فَصْلٌ } أي: حق وصدق بَيّنٌ واضح. { وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ } أي: جد ليس بالهزل، وهو القول الذي يفصل بين الطوائف والمقالات، وتنفصل به الخصومات. { إِنَّهُمْ } أي: المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم، وللقرآن { يَكِيدُونَ كَيْداً } ليدفعوا بكيدهم الحق، ويؤيدوا الباطل، { وَأَكِيدُ كَيْداً } لإظهار الحق، ولو كره الكافرون، ولدفع ما جاؤوا به من الباطل، ويعلم بهذا من الغالب، فإن الآدمي أضعف وأحقر من أن يغالب القوي العليم في كيده، { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } أي: قليلاً، فسيعلمون عاقبة أمرهم، حين ينزل بهم العقاب.
سورة الأعلى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَ ا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)


يأمر تعالى بتسبيحه المتضمن لذكره وعبادته، والخضوع لجلاله، والاستكانة لعظمته، وأن يكون تسبيحاً، يليق بعظمة الله تعالى، بأن تذكر أسماؤه الحسنى العالية على كل اسم بمعناها الحسن العظيم، وتذكر أفعاله التي منها أنه خلق المخلوقات فسواها، أي: أتقنها وأحسن خلقها، { وَٱلَّذِي قَدَّرَ } تقديراً، تتبعه جميع المقدرات { فَهَدَىٰ } إلى ذلك جميع المخلوقات. وهذه الهداية العامة، التي مضمونها أنه هدى كل مخلوق لمصلحته، وتذكر فيها نعمه الدنيوية، ولهذا قال فيها: { وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ } أي: أنزل من السماء ماءً فأنبت به أنواع النبات والعشب الكثير، فرتع فيها الناس والبهائم وكل حيوان، ثم بعد أن استكمل ما قدر له من الشباب، ألوى نباته، وصَوَّح عشبه، { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ } أي: أسود أي: جعله هشيماً رميماً، ويذكر فيها نعمه الدينية، ولهذا امتن الله بأصلها ومنشئها، وهو القرآن، فقال: { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } أي: سنحفظ ما أوحينا إليك من الكتاب، ونوعيه قلبك، فلا تنسى منه شيئاً، وهذه بشارة كبيرة من الله لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أن الله سيعلمه علماً لا ينساه، { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } مما اقتضت حكمته أن ينسيكه لمصلحة بالغة، { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ } ومن ذلك أنه يعلم ما يصلح عباده أي: فلذلك يُشرع ما أراد، ويحكم بما يريد، { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ } وهذه أيضاً بشارة كبيرة، أن الله ييسر رسوله صلى الله عليه وسلم لليسرى في جميع أموره، ويجعل شرعه ودينه يسراً. { فَذَكِّرْ } بشرع الله وآياته { إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ } أي: ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة، سواء حصل من الذكرى جميع المقصود أو بعضه. ومفهوم الآية أنه إن لم تنفع الذكرى، بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير، لم تكن الذكرى مأموراً بها، بل منهياً عنها، فالذكرى ينقسم الناس فيها قسمين: منتفعون وغير منتفعين. فأما المنتفعون، فقد ذكرهم بقوله: { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ } الله تعالى، فإن خشية الله تعالى، وعلمه بأن سيجازيه على أعماله، توجب للعبد الانكفاف عن المعاصي والسعي في الخيرات. وأما غير المنتفعين، فذكرهم بقوله: { وَيَتَجَنَّبُهَ ا ٱلأَشْقَى * ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ } وهي النار الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، { ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا } أي: يعذب عذاباً أليماً، من غير راحة ولا استراحة، حتى إنهم يتمنون الموت فلا يحصل لهم، كما قال تعالى:{ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا } [فاطر: 36]. { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } أي: قد فاز وربح من طهر نفسه ونقَّاها من الشرك والظلم ومساوئ الأخلاق، { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } أي: اتصف بذكر الله، وانصبغ به قلبه، فأوجب له ذلك العمل بما يرضي الله، خصوصاً الصلاة، التي هي ميزان الإيمان، فهذا معنى الآية الكريمة، وأما من فسر قوله { تَزَكَّىٰ } بمعني أخرج زكاة الفطر، وذكر اسم ربه فصلى، أنه صلاة العيد، فإنه وإن كان داخلاً في اللفظ وبعض جزئياته، فليس هو المعنى وحده.

{ بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } أي: تقدمونها على الآخرة، وتختارون نعيمها المنغص المكدر الزائل على الآخرة، [ { وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } ] وللآخرة خير من الدنيا في كل وصف مطلوب، وأبقى لكونها دار خلد وبقاء وصفاء، والدنيا دار فناء، فالمؤمن العاقل لا يختار الأردأ على الأجود، ولا يبيع لذة ساعة، بترحة الأبد، فحب الدنيا وإيثارها على الآخرة رأس كل خطيئة، { إِنَّ هَـٰذَا } المذكور لكم في هذه السورة المباركة، من الأوامر الحسنة، والأخبار المستحسنة { لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } اللذين هما أشرف المرسلين، سوى النبي محمد صلى الله وسلم عليه وسلم. فهذه أوامر في كل شريعة، لكونها عائدة إلى مصالح الدارين، وهي مصالح في كل زمان ومكان.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.78 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.82%)]