عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 13-09-2020, 03:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,735
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( تزكية النفس بمكارم الأخلاق 1 )

من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( تزكية النفس بمكارم الأخلاق 2 )
محمد محمود صقر






[التجمُّل، السماحة في البيع والشراء والاقتضاء، الحنيفية السمحة، الغيرة في الريبة، الخيلاء في القتال والصدقة، التقى (أو البر) والغنى والخفاء، الحياءُ والسّتْرُ]








توقفنا في المقالة السابقة مع الرِّفق، الحلم والأناة، العفو، التماس الأعذار، التحدُّث بنعم الله تعالى، الجمال؛ ونستكمل اليوم بقية أسباب تزكية النفس بمكارم الأخلاق الموصلة لمحبة الله - عز وجل.







سابعًا: التجمُّل:



عن عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخلُ الجنَّةَ من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"، قال رجلٌ: إن الرجل يحب أن يكون ثوبُه حسنًا ونعلُه حسنة، قال: "إن الله جميلٌ يحب الجمال، الكِبْر بطَرُ الحق وغمْطُ الناس"[1]. وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مِثقال ذرّة من كبر، ولا يدخل النار يعني من كان في قلبه ذرة من إيمان"، فقال له رجل: إنه يعجبني أن يكون ثوبي حسنًا ونعلي حسنًا، قال: "إن الله يحب الجمال؛ ولكن الكبر من بَطر الحق وغمَص الناس"[2].







وروى مسلم عن عبد الله أيضًا قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل النارَ أحدٌ في قلبه مثقال حبَّة خردلٍ من إيمان، ولا يدخلُ الجنةَ أحد في قلبه مثقال حبّة خردل من كبرياء"[3]، وقوله - صلى الله عليه وسلم - "وغمط الناس" في مسلم والبخاري وأبي داود "غمط"[4] - بالطاء - وفي الترمذي وغيره "غمص" - بالصاد - وهما بمعنىً واحد، ومعناه احتقارُهم.. يقال في الفعل منه: غمَطه - بفتح الميم - يغمِطه -بكسرها- وغمِطه -بكسر الميم- يغمَطه -بفتحها-. أما "بطَر الحق" فهو دفعه وإنكاره ترفُّعًا وتجبُّرا.







وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل الجنة من فى قلبه مثقال ذرة من كِبر" فقد اختُلِف في تأويله؛ فذكر الخطَّابي فيه وجهين.. أحدهما: أن المراد التكبر عن الإيمان فصاحبُه لا يدخل الجنة أصلاً إذا مات عليه، والثاني: أنه لا يكون في قلبه كبرٌ حال دخولِه الجنة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ﴾ [الأعراف: 43]، وهذان التأويلان فيهما بُعد؛ فإن هذا الحديث ورد في سياق النهي عن الكبر المعروف، وهو الارتفاع على الناس واحتقارُهم ودفعُ الحقِّ، فلا ينبغي أن يُحمل على هذين التأويلين المخرِجَين له عن المطلوب؛ بل الظاهر ما اختاره القاضي عياض وغيره من المحقِّقين: أنه لا يدخل الجنة دون مجازاةٍ إن جازاه، وقيل هذا جزاؤه لو جازاه، وقد يتكرَّم بأنه لا يجازيه بل لابد أن يدخل كلُّ الموحِّدين الجنّة، إما أوّلاً وإما ثانيًا بعد تعذيب بعض أصحاب الكبائر الذين ماتوا مصرّين عليها، وقيل لا يدخلها مع المتقين أوَّل وهلة.







وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل النار من في قلبه مثقال حبّةٍ من خردل من إيمان"، فالمراد به دخول الكفار وهو دخول الخلود، وقوله - صلى الله عليه وسلم - "مثقال حبّة" هو على ما تقدم وتقرر من زيادة الإيمان ونقصه.







وأما قوله: "قال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا"، فهذا الرجل هو مالك بن مرارة الرهاوي قاله القاضي عياض وأشار إليه أبو عمر بن عبد البر - رحمهما الله تعالى - وقيل معاذ بن جبل ذكره ابن أبي الدنيا في "كتاب الخمول والتواضع"، وقيل مالك بن مرارة الرهاوي ذكره أبو عبيد في "غريب الحديث"، وقيل عبد الله بن عمرو بن العاص ذكره معمر في "جامعه"، وقيل خريم بن فاتك هذا ما ذكره ابن بشكوال[5].







وقال المباركفوري:



"إنه يعجبُنِي أن يكون ثوبي حسنًا ونعلي حسنا"؛ أي من غير أن أُراعِي نظرَ الخلق، وما يترتب عليه من الكبر والخيلاء والسُّمعة والرياء، ثم النعل ما وُقِيت به القدم، ولعل سبب ذلك السؤال ما ذكره الطيبي أنه لما رأى الرجلُ العادة في المتكبرين لبس الثياب الفاخرة ونحو ذلك سألَ ما سأل، قال مجيبًا له "إن الله يحبّ الجمال"، وفي رواية "إن الله جميلٌ يحبُّ الجمال"؛ أي حسن الأفعال كامل الأوصاف، وقيل أي مجمِّل، وقيل جليل، وقيل مالك النور والبهجة، وقيل جميل الأفعال بكم والنظر إليكم.. يكلّفكم اليسير ويعين عليه ويثيب عليه الجزيل ويشكر عليه. وقال المناوي: "إن الله جميل" أي له الجمال المطلق جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال[6]. "يحب الجمال" أي التجمل منكم في الهيئة أو في قلة إظهار الحاجة لغيره والعفاف عن سواه، انتهى. "ولكن الكبر"؛ أي ذا الكبر بحذف المضاف كقوله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ ﴾ [البقرة: 177]، "من بطرَ الحق"؛ أي دفعه ورده "وغمصَ الناس"؛ أي احتقرهم ولم يرهم شيئًا، من غمصْته غمصًا، وفي رواية "الكبر بطر الحق وغمط الناس".. قال -في "المجمع"-: الغمط الاستهانة والاستحقار، وهو كالغمص، وأصل البطر شدة الفرح والنشاط، والمراد هنا قيل سوء احتمال الغني، وقيل الطغيان عند النعمة والمعنيان متقاربان، وفي "النهاية": بطر الحق هو أن يجعل ما يجعله الله حقًّا من توحيده وعبادته باطلاً، وقيل هو أن يتجبّر عند الحق فلا يراه حقًّا، وقيل: هو أن يتكبر عن الحق فلا يقبله، وقال التوربشتي: وتفسيره على الباطل أشبه لما ورد في غير هذه الرواية "إنما ذلك من سفه الحق وغمص الناس"[7] أي رأى الحق سفَهًا[8].







وصف الله تعالى بـ"جميل"، ومذاهب العلماء فيه:



قال الإمام النوويّ: وقوله - صلى الله عليه وسلم - "إن الله جميلٌ يحب الجمال" اختلفوا في معناه؛ فقيل: إن معناه أن كلَّ أمره - سبحانه وتعالى - حسن جميل وله الأسماء الحسنى وصفات الجمال والكمال، وقيل: جميلٌ بمعنى مجمل ككريم وسميع بمعنى مكرم ومسمع، وقال الإمام أبو القاسم القشيرى - رحمه الله تعالى -: معناه جليل، وحكى الإمام أبو سليمان الخطّابي أنه بمعنى ذي النور والبهجة أي مالكهما، وقيل: معناه جميل الأفعال بكم باللطف والنظر إليكم يكلّفكم اليسير من العمل ويعين عليه ويثيب عليه الجزيل ويشكر عليه، واعلم أن هذا الاسم ورد في هذا الحديث الصحيح ولكنه من أخبار الآحاد، وورد أيضًا في حديث الأسماء الحسنى وفي إسناده مقال، والمختار جواز إطلاقه على الله تعالى، ومن العلماء من منعَه، وقال الإمام الجويني - رحمه الله تعالى -: ما ورد الشرع بإطلاقه في أسماء الله تعالى وصفاته أطلقناه، وما منع الشرع من إطلاقه منعناه، وما لم يرد فيه إذن ولا منع لم نقضِ فيه بتحليلٍ ولا تحريم؛ فإن الأحكام الشرعية تُتلقّى من موارد الشرع، ولو قضيْنا بتحليل أو تحريم لكنا مثبتين حكمًا بغير الشرع، قال: ثم لا يشترط فى جواز الإطلاق ورود ما يقطع به الشرع؛ ولكن ما يُقتضى للعمل وإن لم يوجب العلم فإنّه كافٍ؛ إلا أنّ الأقيسة الشرعية من مقتضيات العمل ولا يجوز التمسك بهن في تسمية الله تعالى ووصفِه، هذا كلام إمام الحرمين، ومحلّه من الإتقان والتحقق بالعلم مطلقًا وبهذا الفن خصوصًا معروفٌ بالغاية العليا، وأما قولُه لم نقض فيه بتحليل ولا تحريم لأن ذلك لا يكون إلا بالشرع فهذا مبنيٌّ على المذهب المختار في حكم الأشياء قبل ورود الشرع؛ فإن المذهب الصحيح عند المحقِّقين من أصحابِنا أنه لا حكم فيها لا بتحليل ولا تحريم ولا إباحة ولا غير ذلك؛ لأنّ الحكم عند أهل السنة لا يكون إلا بالشرع، وقال بعض أصحابنا: إنها على الإباحة، وقال بعضهم: على التحريم، وقال بعضهم: على الوقف لا يعلم ما يقال فيها، والمختار الأوّل، والله أعلم، وقد اختلف أهل السنة في تسمية الله تعالى ووصفه من أوصاف الكمال والجلال والمدح بما لم يرد به الشرع ولا منعه؛ فأجازه طائفة ومنعه آخرون إلا أن يرِد به شرع مقطوع به من نص كتاب الله أو سنة متواترة[9] أو إجماع على إطلاقه، فإن ورد خبرٌ واحد فقد اختلفوا فيه؛ فأجازه طائفة وقالوا الدعاء به والثناء من باب العمل، وذلك جائز بخبر الواحد، ومنعه آخرون لكونه راجعًا إلى اعتقاد ما يجوز أو يستحيل على الله تعالى، وطريق هذا القطع، قال القاضي: والصواب جوازُه لاشتماله على العمل، ولقوله الله تعالى: ﴿ وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 181]، والله أعلم[10].







ثامنًا: السماحة في البيع والشراء والاقتضاء:



عن أبي هريرة - رضى الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يحبّ سمحَ البيع سمحَ الشراء سمح القضاء"[11].







قال المباركفوري:



قوله "إن الله يحب سمح البيع" -بفتح السين وسكون الميم- أي سهلاً في البيع وجوَّادًا يتجاوز عن بعض حقّه إذا باع، قال الحافظ: السمح الجواد يقال سمح بكذا إذا جاد، والمراد هنا المساهلة، "سمح الشراء سمح القضاء"؛ أي التقاضي؛ لشرفِ نفسه وحسن خلُقه بما ظهر من قطع علاقة قلبه بالمال، قاله المناوي، وللنسائي من حديث عثمان رفعه "أدخل الله الجنةَ رجلاً كان سهلا مشتريًا وبايعًا وقاضيًا ومقتضيا"[12].







ومعنى "وإذا اقتضى"؛ أي إذا طلب دَينًا له على غريم يطلبه بالرفق واللطلف لا بالخرق والعنف[13].







وفي الصحيح عن جابر - رضى الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رحم الله رجلا سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى"[14].







تاسعًا: الحنيفية السمحة:



فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: "الحنيفية السمحة"[15].







قال الحافظ: الحنيفية السمحة؛ أي السهلة، قوله: مكانًا سمحًا؛ أي سهلا، وكذا أسمح[16]. وقال المناوي: قال الحراليّ: "إنما بعث بالحنيفية السمحة" البيضاء النقيّة، واليسر الذي لا حرج فيه ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾ [الأنفال: 42] اه‍، واستنبط منه الشافعية قاعدة إن المشقة تجلب التيسير[17].







والخلاصة أن هذا الدينَ الإسلاميَّ يُسرٌ.. ليس دينَ التقعُّرِ والتشدُّدِ، ولا هو دين الرهبانيَّةِ والانقطاع، وكذلك ليس دينَ التسيُّب والانفلات؛ بل دين العدل والاعتدال والإحسان في كل شيء، والتوسط بين أمرَيْ الإفراط والتفريط.







عاشرًا: الغيرة في الريبة:



عن جابر بن عتيك وعقبة بن عامر الجهني -رضي الله عنهما- أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "من الغيرة ما يحبُّ اللهُ ومنها ما يبغَضُ اللهُ؛ فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة. وإن من الخيلاء ما يبغض الله ومنها ما يحب الله؛ فأما الخيلاء التي يحب الله فاختيال الرجل نفسه عند القتال، واختياله عند الصدقة، وأما التي يبغض الله فاختياله في البغي قال موسى والفخر"[18].







قال العظيم آبادي:



"فالغيرة في الريبة" نحو أن يغتار الرجل على محارمه إذا رأى منهم فعلا محرَّما؛ فإن الغيرة في ذلك ونحوه مما يحبه الله، وفي الحديث الصحيح "ما أحد أغير من الله؛ من أجل ذلك حرم الزنى"[19]. "فالغيرة في غير ريبة" نحو أن يغتار الرجل على أمِّه أن ينكحها زوجها، وكذلك سائر محارمه؛ فإن هذا مما يبغضه الله تعالى؛ لأن ما أحله الله تعالى فالواجب علينا الرضى به؛ فإن لم نرض به كان ذلك من إيثار حمية الجاهلية على ما شرعه الله لنا[20].







حاديَ عشَر: الخيلاء في القتال والصدقة:



عن جابر بن عتيك وعقبة بن عامر الجهني -رضي الله عنهما- أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "من الغيرة ما يحبُّ اللهُ ومنها ما يبغَضُ اللهُ؛ فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة. وإن من الخيلاء ما يبغض الله ومنها ما يحب الله؛ فأما الخيلاء التي يحب الله فاختيال الرجل نفسه عند القتال، واختياله عند الصدقة، وأما التي يبغض الله فاختياله في البغي قال موسى والفخر"[21].







قال العظيم آبادي:



"فاختيال الرجل نفسه عند القتال" لما في ذلك من الترهيب لأعداء الله والتنشيط لأوليائه، "واختياله عند الصدقة"؛ فإنه ربما كان من أسباب الاستكثار منها والرغوب فيها؛ فاختيال الرجل عند القتال هو الدخول في المعركة بنشاط وقوة وإظهار الجلادة والتبختر فيه والاستهانة والاستخفاف بالعدو لإدخال الروع في قلبه، "والاختيال في الصدقة" أن يعطيها بطيب نفسه وينبسط بها صورة ولا يستكثر ولا يبالي بما أعطى، "فاختياله في البغي" نحو أن يذكر الرجل أنه قتل فلانا وأخذ ماله ظلما، أو يصدر منه الاختيال حال البغي على مال الرجل أو نفسه... "والفخر" -بالجر- أي قال موسى في روايته: في البغي والفخر... واختيال الرجل في الفخر نحو أن يذكر ما له من الحسب والنسب وكثرة المال والجاه والشجاعة والكرم لمجرد الافتخار، ثم يحصل منه الاختيال عند ذلك؛ فإن هذا الاختيال مما يبغضه الله تعالى[22].







ثانِيَ عشر: التقى (أو البر) والغنى والخفاء:



عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفر من المهاجرين والأنصار فخرج علينا، فقال: "ألا أخبركم بخياركم"؟ قالوا: بلى. قال: "خياركم الموفون المطيبون، إن الله يحب الخفي التقي". قال: ومر علي بن أبي طالب فقال: الحق مع ذا، الحق مع ذا[23]، وعن عامرِ بن سعدٍ قال: كان سعدُ بن أبي وقاص في إبلِه فجاءه ابنه عمرُ فلمّا رآه سعدٌ قال: أعوذ بالله من شرّ هذا الراكب، فنـزل فقال له: أنزَلْتَ في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم؟ فضرَب سعدٌ في صدرِه فقال: اسكت، سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله يحبُّ العبدَ التقيّ الغنيّ الخفي"[24]، وعن زيد بن أسلم عن أبيه: أن عمر خرج إلى المسجد يوما فوجد معاذ بن جبل عند قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبكي فقال: ما يبكيك يا معاذ؟ قال: يبكيني حديثٌ سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اليسير من الرياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز اللهَ بالمحاربة، إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء؛ الذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة"[25].







أ- التقى مع الغنى والخفاء: قال الإمام النوويّ: المرادُ بالغنى غنى النفس، هذا هو الغنى المحبوب؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولكن الغنى غنى النفس"، وأشار القاضي إلى أن المراد الغنى بالمال، وأما الخفيّ -بالخاء المعجمة، هذا هو الموجود في النسخ والمعروف في الروايات، وذكر القاضي أن بعض رواة مسلم رواه بالمهملة- فمعناه -بالمعجمة- الخامل المنقطع إلى العبادة، والاشتغال بأمور نفسِه، ومعناه بالمهملة الوَصُول للرحِم اللطيف بهم وبغيرهم من الضعفاء، والصحيح بالمعجمة. وفي هذا الحديث حجةٌ لمن يقول الاعتزال أفضلُ من الاختلاط، وفي المسألة خلافٌ، ومن قال بالتفضيل للاختلاط قد يتأوّل هذا على الاعتزال وقتَ الفتنة ونحوها[26].







ب- البر مع التقى مع الخفاء: أما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفقدوا وإذا حضروا لم يعرفوا قلوبهم مصابيح الدجى يخرجون من كل غبراء مظلمة"، فقد اختلف العلماء في سندِه تصحيحًا وتحسينًا وتضعيفًا، وقد نرى متنه لا يوافق البلاغة النبويّة، إلا أن معناه موافقٌ لنصوص ثابتةٍ كثيرة.







والتقي: هو من يترك المعاصي امتثالاً للمأمور به واجتنابًا للمنهي عنه.







والغني: غنيُّ النفس، وهو الغنيُّ المحبوب. قال ابن بطال: معنى الحديث ليس حقيقةَ الغِنى كثرة المال؛ لأن كثيرًا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي؛ فهو يجتهد في الازدياد، ولا يبالي أين يأتيه. وقال القرطبي: معنى الحديث أن الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غنى النفس، وبيانه أنه إذا استغنت نفسه كفت عن المطامع؛ فعزت وعظمت وحصل لها من الحظوة والنـزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى يناله من يكون فقير النفس لحرصه؛ فإنه يورطه في رذائل الأمور وخسائس الأفعال همتُه وبخله، ويكثر من يذمه الناس ويصغر قدره عندهم؛ فيكون أحقر من كل حقير، وأذل من كل ذليل.







والخفي: الخامل الذِكْر، المعتزل عن الناس؛ الذي يُخفي عليهم مكانه ليتفرغ للتعبد. قال ابن حجر: وذكر للتعميم إشارة إلى ترك الرياء.







يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.60%)]