عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-09-2020, 04:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خطبة عن تحويل القبلة

العنصر الخامس: الدروس المستفادة منها:



1- الطاعة الدائمة للمؤمنين، والتَّكذيب الدائم من المشركين والمنافقين واليهود وغيرهم.







2- دلالة على نبوَّة النبي صلى الله عليه وسلم.



أخبر الله تعالى بما سيقوله اليهود عند تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؛ من إثارة الشكوك والتساؤلات قبل وقوع الأمر، ولهذا دلالتُه؛ فهو يدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو أمر غيبي، فأخبر به قبل وقوعه، ثم وقع، فدل ذلك على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول يخبره الوحي بما سبق، وهو يدل أيضًا على علاج المشكلات قبل وقوعها؛ حتى يستعد المسلمون ويُهيئوا أنفسهم لهذه المشاكل للتغلب عليها والرد عليها ودفْعها؛ فإن مفاجأة المكروه على النفس أشق وأشد، والجواب العتيد لشغب الخصم الألد.







3- مكانة النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلته عند ربه سبحانه وتعالى:



قال تعالى: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144].







فقد كان صلى الله عليه وسلم يقلِّب وجهه في السماء، يحبُّ أن يصرفه الله عز وجل إلى الكعبة، حتى صرَفه الله إليها.







4- تعريف الأمة بأعدائها:



قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 51، 52]، وقد أمرنا الله تعالى بعدم الأمن لهم وعدم الولاء لهم، فقال تعالى: ﴿ وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 73].







وقال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11].







وقال تعالى عنهم: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة: 204 - 206].







5- أن الأمة هي خير الأمم وأنها أمة وسط:



قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110].



وقال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143].







وعن أبي سعيد الخدري، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في قوله: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143]، قال: عدلاً"؛ صحيح.







والوسطية تعني الأفضلية والخيرية والرِّفعة؛ فالأمة وسط في كل شيء؛ في العقيدة والشريعة والأخلاق والمعاملات، وهذا واضح جدًّا لكل مَن درس تعاليم الدين الإسلامي بالتفصيل؛ فالله عز وجل اختارَ لهذه الأمة الخير في كل شيء، والأفضل في كلِّ حكم وأمْر، ومِن ذلك القِبلة، فاختار لهم قبلةَ إبراهيم عليه السلام.







وقد روى الإمام أحمد في مسنده (6 / 134 - 135) مِن حديث عائشة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في أهل الكتاب: ((إنهم لا يحسُدوننا على شيء كما يَحسدوننا على يوم الجمعة، التي هدانا الله لها وضلُّوا عنها، وعلى القِبلة التي هدانا الله لها وضلُّوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين))؛ صحيح.







6- تحديد وظيفة الأمة المحمَّدية وأنها خير الأمم:



قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110].



قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].







في الدنيا: عن أنس رضي الله عنه قال: مُرَّ بجنازة، فأُثني عليها خيرًا، فقال نبيُّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((وجبَتْ، وجَبتْ، وجَبتْ))، ومُرَّ بجنازة، فأُثْنِي عليها شرًّا، فقال نبيُّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((وجَبَت، وجَبَت، وجَبَت))، فقال عمر: فداك أبي وأمِّي، مُرَّ بجنازة، فأُثني عليها خيرًا، فقلتَ: ((وجبَتْ، وجَبتْ، وجَبتْ))، ومُرَّ بجنازة، فأُثنيَ عليها شرًّا، فقلتَ: ((وجَبَت، وجَبَت، وجَبَت))؟ فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن أثنيتُم عليه خيرًا وجَبَتْ له الجنة، ومَن أثنيتم عليه شرًّا وجَبَتْ له النار؛ أنتم شهداءُ الله في الأرْض))؛ رواه البخاري ومسلم واللفظ له.







في الآخرة: ((يَجيء النبيُّ يومَ القيامة ومعه الرجل، والنبيُّ ومعه الرجلان، والنبيُّ ومعه الثلاثة، وأكثر مِن ذلك، فيُقال له: هل بلَّغتَ قومك؟ فيقول: نعم، فيُدْعَى قومُه، فيقال لهم: هل بلَّغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيُقال له: مَن يشهد لك؟ فيقول: محمَّد وأمَّته، فيُدْعى محمَّد وأمَّته، فيقال لهم: هل بلَّغ هذا قومَه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما عِلمُكم بذلك؟ فيقولون: جاءنا نبيُّنا فأخبَرَنا أنَّ الرسل قد بلَّغوا فصدقْناه، فذلك قوله: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143]؛ صحيح الجامع.







﴿ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ كيف؟



عن عبدِالله بن مسعود قال: "قال لي رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو على المِنْبَر: ((اقرأ عليَّ))، قلتُ: أقرأُ عليك وعليك أنزل؟! قال: ((إنِّي أُحبُّ أن أسمعَه من غيري))، فقرأتُ سورةَ النِّساء، حتى أتيتُ إلى هذه الآية: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، قال: ((حسْبُك الآن))، فالتفتُّ إليه، فإذا عيناه تذرِفان".







7- تحديد مصدر التلقي للأمة المسلمة:



قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ [النمل: 6].







وقال تعالى: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 123 - 126]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحشر: 7]، وقال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].







وقد روى البخاريُّ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "أحسَنُ الحديث كتاب الله، وأحسن الهَدْي هدي محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، وشر الأمور مُحْدثاتها، وإنَّ ما توعدون لآتٍ وما أنتم بِمُعجزين".







وروى التِّرمذي عن المقدام بن معد يكرب، رفعَه: ((ألَا هل عسى رجل يَبْلُغه الحديث عنِّي وهو متَّكئٌ على أريكته، فيقول: بينَنا وبينكم كتاب الله؛ فما وجدنا فيه حلالًا استحلَلْناه، وما وجدنا فيه حرامًا حرَّمْناه، وإن ما حرَّم رسولُ الله كما حرَّم اللهُ)).







8- التَّسليم المطلق والانقياد الكامل لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم:



فالمسلم عبدٌ لله تعالى؛ يسلِّم بأحكامه، وينقاد لأوامره بكل حبٍّ ورضا، ويستجيب لذلك، ويسارع للامتثال بكل ما أوتي من قوة وجهد، فأصْلُ الإسلام التسليم، وخلاصة الإيمان الانقياد، وأساس المحبَّة الطاعة؛ لذا كان عنوان صدق المسلم وقوة إيمانه هو فعل ما أمر الله والاستجابة لحكمه، والامتثال لأمره في جميع الأحوال، لا يوقفه عن الامتثال والطاعة معرفةُ الحكمة واقتناعه بها؛ لأنه يعلم علم اليقين أنه ما أمره الله تعالى بأمر ولا نهاه عن شيء إلا كان في مصلحتِه، سواء عَلِمَ ذلك أو لم يعلمْه.







قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36]، هذه الطاعة وذلك التسليم هو الذي أقسم الله تعالى بنفسه على نفي الإيمان عمَّن لا يملكه في قوله تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].







والصحابة الكرام رضي الله عنهم في أمر تحويل القِبلة: أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوجه في صلاتهم ناحية المسجد الأقصى فتوجَّهوا وانقادوا، ولَبِثوا على ذلك مدةَ سنةٍ وبضعة شهور، فلما أُمِروا بالتوجُّه ناحية المسجد الحرام سارعوا وامتثلوا، بل إنَّ بعضهم لما علم بتحويل القبلة وهم في صلاتهم، تحولوا وتوجهوا إلى القِبلة الجديدة؛ فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: "بينا الناس يصلُّون الصبح في مسجد قباء، إذ جاء رجل فقال: قد أُنزِلَ على النبي صلى الله عليه وسلم قرآن، وقد أُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبِلوها، فتوجَّهوا إلى الكعبة"؛ البخاري ومسلم.







فكان تَحويل القِبلة اختبارًا وتربية للصحابة على السمع والطاعة، والتسليم لله ورسوله، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ [البقرة: 143]، فالله سبحانه لا يأمر العباد إلا بما فيه مصلحة لهم، ولا ينهاهم إلا عما فيه مضرَّة عليهم، وتَشريعاتُه سبحانه جميعها لحكمةٍ يعلمها سبحانه - وإن لم نعلمها - كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الممتحنة: 10]، وله أن يكلِّف عباده بما شاء، وينسخ ما يشاء، وله الحكمة التامَّة، والحُجَّة البالغة في جميع ذلك، وما على المؤمن إلا الاستجابة والانقياد لأوامرِ الله وأَوامِرِ رَسولِه صلى الله عليه وسلم.







9- امتحان المؤمن الصادق واختباره:



فالمؤمن الصادق يقبل حكم الله جل وعلا، بخلاف غيره، وقد نبَّه الله على ذلك بقوله: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾ [البقرة: 143]، لقد بيَّن سبحانه أن هذا التحويل كان بلاءً واختبارًا ليتميَّز عند الناس المؤمنون المخلصون من الشاكين المرتابين، والله تَعالى يبتلي من شاء من عباده بما يشاء من الأحوال، فأما من كان من أهل الإيمان، فسيقول: سمعنا وأطعنا، وأما أهل الزَّيغ، فسيقولون: سمعنا وعصينا.







فتحويل القبلة جلَّى وأظهر الإيمانَ في نفوس المؤمنين، والنِّفاقَ والشرك في نفوس أهله، فالمؤمنون قالوا: سمعْنا وأطعنا؛ كلٌّ من عند ربنا، أما اليهود، فقالوا: خالَفَ قِبلةَ الأنبياء، ولو كان نبيًّا لاستمرَّ على قِبلته، وأما المنافقون، فقالوا: ما يدري محمد أين يتَّجه في صلاته؛ إن كانت الأولى حقًّا فقد ترَكها، وإن كانت الثانية حقًّا فقد كان على الباطل! كبرتْ كلمةً تَخرُج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا.







10- كان العرب يعظِّمون البيت الحرام في جاهليتهم:



ولما كان الإسلام يريد استخلاص القلوب لله وتجريدها من التعلُّق بغيره، وتخليصها من كل نعرةٍ، وكل عصبيةٍ لغير منهج الله تعالى، فقد انتزعهم من الاتجاه إلى البيت الحرام، وشاء لهم الاتجاه إلى المسجد الأقصى لفترةٍ ليست بالقصيرة؛ وما ذاك إلا ليخلِّص نفوسهم من رواسب الجاهلية.







ثم لمَّا خلصت النفوس، وجَّهها الله تعالى إلى قبلةٍ خاصةٍ تُخالف قبلة أهل الديانات السماوية الأُخرى.







وقد وصَف الله تعالى هذه القدرة على تخليص النفوس بأنها "كبيرة"؛ ﴿ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾ [البقرة: 143].







أي: وإن كان هذا الأمر عظيمًا في النفوس، إلا على الذين هدى الله قلوبهم، وأيقنوا بتصديق الرسول، وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه، وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فمع الهدى لا مشقة ولا عسر في أن تخلع النفس عنها أي رداءٍ سوى الإسلام، وأن تنفض عنها رواسب الجاهلية، وأن تتجرد لله تعالى تسمع منه وتطيع، وحيثما وجَّهها الله تعالى تتجه.







11- أهمية الوَحدة في الإسلام:



المسلمون في الشرق والغرب يتجهون في الصلوات الخمس اليومية وفي فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، رغم اختلاف الألسنة والجنسيات والألوان، يَجمعهم الدينُ الإسلامي الحنيف، وهذا ليعلم المسلم أنه لبنة في بناء كبير واحد مرصوص، وفي الحديث: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا))؛ متفق عليه.







فالمسلمون يتعلمون من وحدة القِبلة وحدةَ الأمة في الهدف والغاية، وأن الوحدة والاتحاد ضرورة في كل شؤون حياتهم الدينية والدنيوية.







12- وفيها دليل على جواز القطع بخبر الواحد:



وذلك أن استقبال بيت المقدس كان مقطوعًا به من الشريعة عندهم، ثم إنَّ أهل قباء لما أتاهم الآتي وأخبرهم أن القبلة قد حوِّلت إلى المسجد الحرام، قَبِلُوا قوله واستداروا نحو الكعبة، وقبول خبر الواحد مجمَع عليه من السلف، معلوم بالتواتر مِن عادة النبي صلى الله عليه وسلم في توجيهه ولاته ورسله آحادًا للآفاق، ليُعلِّموا الناس دينهم فيبلغوهم سنة رسولهم صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي.







13- دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به:



وإن تقدَّم نزوله وإبلاغه؛ لأنهم لم يُؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء.







14- أنَّ الله سبحانه وتعالى لا ينسخ حكمًا إلا إلى ما هو أفضل منه أو مثله؛ كما قال تبارك وتعالى: ﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 106].







15- كما أن ارتباط مناسك الحج بالبيت الحرام وبالكعبة المشرَّفة، فناسَبَه أن يكون التوجه بالصلاة إلى البيت الذي تكون فيه وحوله المناسك.







16- أظهَرَ تحويلُ القبلة حرصَ المؤمن على أخيه وحب الخير له؛ وذلك من خلال تساؤل المؤمنين عن مصير عبادة إخوانهم الذين ماتوا وقد صلَّوا نحو بيت المقدس، فأخبر الله عز وجل أن صلاتهم مقبولة؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما وجِّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، قالوا: يا رسول الله، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يُصلُّون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ [البقرة: 143]؛ يعني: صلاتكم".







17- مخالفة أهل الكتاب:



فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يتوجه في صلاته إلى الكعبة، وكان حريصًا على أن يكون متميزًا عن أهل الديانات السابقة، الذين حرَّفوا وبدَّلوا وغيَّروا؛ ولهذا كان ينهى عن تقليدهم والتشبه بهم، بل يأمر بمخالفتهم، ويحذر من الوقوع فيما وقعوا فيه من الزلل والانحراف، ومن ثم كان من مقتضى هذا الحرص أن يُخالفهم في قبلتهم، ويتوجه في صلاته بشكل دائم إلى قبلة أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو أول بيت وضع للناس، وهذا كان ما يتمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء تحويل القبلة يؤسِّس لمبدأ "التمايز"؛ أي: تمايز الأمَّة المسلِمة عن غيرها في كلِّ شيء؛ في الرِّسالة والتشريع والمنهج والأخلاق والسلوك، وقبلَ كلِّ ذلك التمايز في الاعتقاد.








18- مكانة النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلته عند ربه سبحانه وتعالى:



قال تعالى: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144]، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في السماء، يحب أن يصرفه الله عز وجل إلى الكعبة، حتى صرفه الله إليه.







وصلِّ اللهمَّ وسلِّم وبارِكْ على سيدنا محمد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.35%)]