عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 01-09-2020, 02:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحياة المثلى مع أسماء الله وصفاته الحسنى

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأغنى وأقنى، وجعلنا من خير أمة تأمر وتنهى، والصلاة والسلام على خير الورى، وما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى.

أما بعد، فيا أيها الإخوة!
إن أهمية الإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى كبيرة كثيرة نشير إلى بعضها في عجالة:
أولًا: إن العلم بالله، وأسمائه وصفاته أشرف العلوم، وأجلها على الإطلاق لأن شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم في هذا العلم هو الله - سبحانه وتعالى - بأسمائه، وصفاته وأفعاله، فالاشتغال بفهم هذا العلم اشتغال بأعلى المطالب، وحصوله للعبد من أشرف المواهب، فليست الأرواح قط بأحوج إلى شيء أعظم منها إلي معرفة ربها وباريها ولا سبيل إلي معرفة ذلك إلا من أسمائه وصفاته تعالي فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف وله أطلب وإليه أقرب والله تعالي ينزل العبد من نفسه حيث ينزله العبد من نفسه ومن تعلق بأسماء الله وصفاته كانت معرفة الله قوة قلبه وحياته ولسان حاله:
إذا مرضنا تداوينا بذكركمُ ونترك الذكر أحيانا فتنتكس

إن معرفة الله أصل الدين وركن التوحيد وأول الواجبات وهذه المعرفة لا طريق لنا للوصول إليها إلا من خلال أسماء الله وصفاته و إلا تاه العقل وشت الفكر.

ولذلك فإن الرسل عليهم الصلاة والسلام بعثوا لكي يعرف الناس ربهم ، فركن التوحيد الأساسي هو أن يعرف الإنسان ربه - عز وجل -: روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا - رضى الله عنه - عَلَى الْيَمَنِ قَالَ "إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهُمْ زَكَاةً { تُؤْخَذُ } مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ".[10]

فأول واجب على العبد هو أن يعرف ربه تعالى ويوحده وذلك بمعرفة ما له من الأسماء والصفات فمن لم يوحد الله لم يعرف الله ومن لم يفقه أسماء الله وصفاته يبقى جاهلا به سبحانه، وذلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . وكما قيل" ما عرف الله إلا بالله ".

ثانيا: إن لآيات الصفات فضلا خاصا يعرفه كل من تتبع ذلك من الآيات والأحاديث فأعظم آية في كتاب الله هي آية الكرسي وكلها أسماء وصفات قال تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السموات وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ * لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 255، 256].

بل إن حب السور والآيات المتضمنة لأسماء الله وصفاته تكون سبب لدخول الجنة روى البخاري عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ في مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ في الصَّلاَةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ في كُلِّ رَكْعَةٍ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ لاَ تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَإِمَّا أَنْ تَقْرَأَ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى. فَقَالَ مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ. وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ، فَلَمَّا أَتَاهُمُ النبي - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ "يَا فُلاَنُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ في كُلِّ رَكْعَةٍ". فَقَالَ إني أُحِبُّهَا. فَقَالَ "حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ". [11]

بل وحب السور والآيات المتضمنة لأسماء الله وصفاته سبب لحب الله روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ في صَلاَتِهِ فَيَخْتِمُ بِـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ للنبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ "سَلُوهُ لأَىِّ شيء يَصْنَعُ ذَلِكَ". فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا. فَقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم - "أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ".[12]

فالإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته، يثمر للعبد محبة الله وتعظيمه الموجبين للقيام بأمره واجتناب نهيه، والقيام بأمر الله تعالى واجتناب نهيه، يحصل بهما كمال السعادة في الدنيا والآخرة للفرد والمجتمع ونيل الثواب والمكرمات والحياة الطيبة هي انشراح الصدر وطمأنينة القلب، حتى ولو كان الإنسان في أشد بؤس، فإنه مطمئن القلب منشرح الصدر، نعم لو تعبد العبد لله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى لحصل له من زيادة الإيمان ورسوخ اليقين ولأحس بنعيم وحياة لا توصف ولتحصن بها العبد من فتن الشهوات والشبهات أسأل الله أن يفتح لي ولكم هذا الباب العظيم، فإذا حلَّ الهم، وخيم الغم، واشتد الكرب، وعظم الخطب، وضاقت السبل، وبارت الحيل فالحيلة أن نفزع إلى مفرج الهم، ومنفِّس الكرب القائل: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء:88]. ولقد امتن الكريم على العباد بأنه هو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، وأن ذلك دليل من دلائل الألوهية، وبرهان من براهين الوحدانية قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل:62].

ثالثًا: إن معرفة الله - سبحانه وتعالى - بأسمائه الحسنى طريق لزيادة الإيمان فإن الإيمان بأسماء الله الحسنى، ومعرفتها يتضمن أنواع التوحيد الثلاثة، توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء، والصفات، وهذه الأنواع هي روح الإيمان وروحه، وأصله وغايته، فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانه، وقوي يقينه. فينبغي للمؤمن أن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، من غير تعطيل ولا تمثيل، ولا تحريف ولا تكييف. بل تكون المعرفة متلقاة من الكتاب والسنة وما روي عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فهذه هي المعرفة النافعة التي لا يزال صاحبها في زيادة في إيمانه، وقوة يقينه، وطمأنينة في أحواله، ومحبة لربه فمن عرف الله بأسمائه، وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة. ولهذا كانت المعطلة والفرعونية، والجهمية قطّاع الطريق على القلوب بينها وبين الوصول إلى محبة الله تعالى.

رابعًا: إن الفرق بين المسلمين وبين اليهود هو في الأسماء والصفات إذ نسبوا إليه الفقر والتعب وغل اليدين والعجز قال تعالى: ﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ﴾ [آل عمران: 181]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ﴾ [ق: 38] وذلك عندما زعم أهل الكتاب أن الله خلق السموات والأرض ثم استراح، ووصفوه جل جلاله بالبخل قال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ [المائدة: 64].

ونسبوا إليه سبحانه العجز وفي التوراة التي حرفت: "أنه بينما الرب يطوف في الأرض إذ أمسك به يعقوب من حقوه (من وسطه) فصارعه فصرعه ولم يتركه يصعد حتى أعطاه لقب إسرائيل (وهم يقولون إن إسر معناها: الذي صرع الرب، ئيل معناها: (الرب) وهذا باطل لأن يعقوب هو عبد غلب نفسه لله. بل والجهل نسبوا إلى الله الجهل كما في التوراة المحرفة: "أن آدم اختبأ منه بعد ما أكل من الشجرة فجعل الرب يبحث عنه فقال يا آدم أين أنت؟ فقال: أنا هنا، فقال له: لماذا أكلت من الشجرة... والعياذ بالله، ونسبو إليه أيضًا المرض ففي التوراة المحرفة" أنه سبحانه بعد ما أهلك الأرض بالطوفان حزن حزناً شديداً حتى مرض وعادته الملائكة..."، والعياذ بالله، فالفرق بين المسلمين وبين النصارى هو في الأسماء والصفات حيث نسبوا لله الصاحبة والولد قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾، سبحانه بل ويعتقدون في الله الموت حيث يعتقدون أن المسيح هو الله ويعتقدون موته على الصليب لمدة ثلاثة أيام ثم قام ثانية وهو عيد القيامة عندهم.

إن الظن الذي أهلك أهل الجاهلية هو ظنهم الباطل في أسماء الله وصفاته عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثَقَفِيَّانِ وقرشي، أَوْ قُرَشِيَّانِ وثقفي، كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ فَقَالَ أَحَدُهُمْ أَتَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ قَالَ الآخَرُ يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلاَ يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا وَقَالَ الآخَرُ إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ ﴾ الآيَةَ. ﴿ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾".[13]

أيها الإخوة هذه بعض أهمية الأسماء والصفات والإيمان بها، ولذلك كان الثناء على الله بأسمائه الحسنى من أفضل أنواع الذكر، ولذلك أمر بها الله تعالى كما قال سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180] فأصل التوحيد إثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله من الأسماء الحسنى، ومعرفة ما احتوت عليه من المعاني الجليلة، والمعارف العظيمة، والتعبد بها ودعاؤه بها. فكل مطلب يطلبه العبد من ربه من أمور دينه ودنياه، فليتوسل إليه باسم مناسب له من أسماء الله الحسنى، فمن دعاه لحصول الرزق فليسأله باسمه الرزاق، ومن دعاه لحصول رحمة ومغفرة فباسمه الرحيم الرحمن البر الكريم العفو الغفور التواب ونحو ذلك.

وأفضل من ذلك أن يدعوه بأسمائه وصفاته دعاء العبادة، وذلك باستحضار معاني الأسماء الحسنى وتحصيلها في القلوب حتى تتأثر القلوب بآثارها ومقتضياتها، وتمتلئ بأجل المعارف.

إن التعبد بالأسماء والصفات حقيقة التوحيد: وذلك بأن يمتلئ القلب بأجلِّ المعارف باستحضار معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى، ويتأثر القلب بآثارها ومقتضياتها ويدعو الله بها، فمثلاً:
أسماء (العظيم) و(الكبير) و(المتعال) و(المجيد) و(الجليل) تملأ القلب تعظيماً لله وإجلالاً له.

وأسماء (البر) و(الكريم) و(الجواد) و(المنان) و(الرحيم) و(الجميل) و(الودود) تملأ القلب حباً له وشوقاً إليه وحمداً له وشكراً.

وأسماء (العزيز) و(شديد العقاب) و(الجبار) و(القدير) تملأ القلب خضوعاً وانكساراً وذلاً وخوفاً ورهبةً منه سبحانه.

و أسماء (العليم) و(الخبير) و(السميع) و(البصير) و(الشهيد) و(الرقيب) و(الحسيب) تملأ القلب مراقبةً لله في الحركات والسكنات، وتؤدي بالعبد إلى أن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه.

وأسماء (الغني) و(الغفور) و(التواب) و(المجيب) و(اللطيف) تملأ القلب افتقاراً إلى فضله ورجاءً لرحمته ورغبةً في منته.

نسأل الله أن يفتح لنا وللمسلمين أبواب هذا الخير الذي لا يوصف والسعادة التي لا تقارن، فإن ذلك لا يُنال إلا بفضله ورحمته.

أيها الإخوة!
إن معرفة الله بأسمائه وصفاته ومحبته ودعاؤه بها، والتعبد له بمقتضاها، هي جنة الدنيا التي من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، لأن أعظم سعادة في الدنيا أن يعرف العبد ربه ويحبه ويتقرب منه، ومن لم يعرف الله كان من جملة الأموات، ولذلك لما ذكر الله نعيم أهل الجنة من السابقين إليها قال: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [الواقعة: 10 - 12]، فأول ما ذكر من نعيمهم قربهم منه سبحانه ذكر قربهم قبل أن يذكر الجنة وما أعد لهم فيها من الطعام والشراب والأزواج وباقي الملذات ، بل وختم نعيمهم أيضًا بنعيم معنوي حين قال: ﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ﴾ [الواقعة: 25، 26]، فأعظم نعيم أهل الجنة قربهم من ربهم وتمتعهم بالنظر إلى وجهه الكريم وسماع كلامه ومعرفته ومحبته.

روى مسلم من حديث صُهَيْبٍ عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ - قَالَ - يَقُولُ اللَّهُ - تبارك وتعالى - تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ - قَالَ - فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ - عز وجل -".[14] ومن انفتح له هذا الباب انفتح له باب التوحيد الخالص، والإيمان الكامل الذي لا يحصل إلا للكمل من الموحدين، وإثبات الأسماء والصفات هو الأصل لهذا المطلب الأعلى.[15]

فلا غرو ولا عجب أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ "إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ".[16]

أيها الأحباب:
ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المجابين في الدعاء عن الحسن قال: كان رجل من أصحاب النبي من الأنصار يكنى أبا معلق وكان تاجراً بمال له ولغيره يضرب به في الآفاق، وكان ناسكاً ورعاً فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح، فقال له: ضع ما معك فإني قاتلك. قال: فما تريد إلا دمي فشأنك والمال، قال: أما المال فلي ولست أريد إلا دمك، قال: أما إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات، قال: صلي ما بدا لك، فتوضأ ثم صلى أربع ركعات فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعال لما تريد أسألك بعزك الذي لا يرام وبملكك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني يا مغيث أغثني يا مغيث أغثني ثلاث مرات، فإذا هو بفارس أقبل بيده حربة قد وضعها بين أذني فرسه فلما بصر اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله، ثم أقبل إليه فقال: قم، فقال: من أنت بأبي أنت وأمي فقد أغاثني الله بك اليوم؟ فقال: أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي: دعاء مكروب فسألت الله أن يوليني قتله. قال الحسن: فمن توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب[17]

أيها الإخوة!
إن السعادة والحياة الطيبة نصيب من تعرف على أسماء الله وصفاته فمن عايش الأسماء الحسنى والصفات العلى فهو في جنة الحياة الطيبة في الدنيا، ونعيم الجنة في الآخرة قال تعالى: "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" "فوا أسفاه وواحسرتاه كيف ينقضي الزمان وينفذ العمر والقلب محجوب ما شم لهذا رائحة وخرج من الدنيا كما دخل إليها وما ذاق أطيب ما فيها بل عاش فيها عيش البهائم وانتقل منها انتقال المفاليس فكانت حياته عجزا وموته كمدا ومعاده حسرة وأسفا اللهم فلك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك"[18]

أفرأيتم - أيها الإخوة - إلى جميع هذه الخيرات والثمرات إنه لا يحصلها إلا من آمن بأسماء الله وصفاته أما من جحدها وأنكرها أو تأولها فهذا يحرم خيرها بل ربما هلك بسبب جحوده لها وذلك إذا جحدها على سبيل الإنكار كما فعل المشركون الذين قال الله - عز وجل - عنهم: ﴿ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ ﴾ فمن أنكر أسماء الله وصفاته كإنكار المشركين والكافرين كفر وأما الجزع والإنكار لها على سبيل التنزيه زعموا تجد الواحد من هؤلاء إذا قرأ آية: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾، أو قرأ آية: ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [الفجر: 22] قال: الله ليست له يدان، الله لا يجيء، ما أكذبك أأنت أعلم بالله من الله ومن رسوله الذي قرأها فأمرها وأقرها كما هي؟! وتلك - أيها الإخوة - طريق المنافقين والهالكين وأما أهل السنة فطريقتهم أن يثبتوا لله ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله أعلم الخلق كلهم به جل جلاله قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [آل عمران: 7 - 9].

روى عبد الرزاق عن ابن عباس: أنه رأى رجلاً انتفض لما سمع حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصفات - استنكاراً لذلك - فقال: ما فرق هؤلاء؟ يجدون رقة عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه.[19]

نسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ارزقنا فرحة لا حزن بعدها، وارزقنا سعادة لا شقاء بعدها، اللهم أفض علينا رزقًا ليس بعده حاجة، واجعل يومنا العظيم هذا فاتحة لتحقيق أمانينا، وجلاء متاعبنا، واجعل اللهم القرآن والهدى والعلم في صميم قلوبنا.

اللهم أمرتنا فأطعناك ودعوتنا فأجبناك فاغفر لنا جدنا وهزلنا وما أنت أعلم به منا وارزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال، وحسن الفهم عنك وعن رسولك صلى الله عليه وسلم.

الدعاء


[1] أخرجه البخاري (6410)، ومسلم (2677).

[2] أخرجه أحمد في مسنده (3784)، وابن ماجه (3861)، وصححه الألباني في الصحيحة (198).

[3] بدائع الفوائد (1 / 177)، مكتبة نزار مصطفى الباز - مكة المكرمة.

[4] أخرجه أبو داود (1496) والترمذي (3478) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (1343)، تخريج المشكاة (2991 / التحقيق الثاني).

[5] أخرجه أبو داود (985)، والترمذي (3475)، والنسائي (1301)، وابن ماجه (3857)، وأحمد (23091)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1341).

[6] أخرجه البخاري (554)، ومسلم (633).

[7] أخرجه البخاري 1145، ومسلم 1808.

[8] تفسير الطبري - (18 / 270).

[9] تفسير ابن كثير - (5 / 273).

[10] أخرجه البخاري 1458، ومسلم 132.

[11] أخرجه البخاري 774.

[12] أخرجه البخاري 7375.

[13] أخرجه البخاري 7521.

[14] أخرجه مسلم 467.

[15] انظر: المنة شرح اعتقاد أهل السنة (ص 15- 22)، ثم (ص 68- 82)، يمتلئ قلبك إيمانًا.

[16] أخرجه البخاري 2736.

[17] الجواب الكافي ص 7.

[18] طريق الهجرتين 327.

[19] مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 734).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.65%)]