
31-08-2020, 05:13 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (64)
الحلقة (71)
تفسير سورة البقرة (34)
نص القرآن على ميثاق أخذه الله من بني إسرائيل، لم يكن ميثاقاً عادياً، لقد كان شاملاً كاملاً، تتقاسمه العبادة والمعاملة: توحيد الله، والإحسان إلى كل من الوالدين، وذي القربى، واليتامى، والمساكين، والإحسان في القول، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، لكن هؤلاء القوم نبذوا كل هذا وراء ظهورهم إلا قليلاً منهم، والمؤسف أن أمة القرآن قد أصابها هذا الداء.
تابع تفسير قوله تعالى: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة، ومع الآيات المباركات التي ما زلنا نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها، والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ ... [البقرة:83-85] إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم.
أخذ الميثاق بعبادة الله وحده وعدم الإشراك به
معاشر المستمعين! كنا قد عرفنا أن الميثاق هو العهد المؤكد باليمين؛ من التوثيق الذي هو الربط والحزم بشدة.والله عز وجل هو الذي يقول لليهود الذين يمثلون بني إسرائيل: اذكروا إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [البقرة:83].وهذا الميثاق له بنود، وقد تكلمنا عن بند واحد.فالبند الأول من البنود التي تضمنها الميثاق: ألا يعبدوا إلا الله: أولاً: يعبدون الله بما شرع أن يعبد به.ثانياً: ألا يشركوا في عبادته غيره، وهذا معنى لا إله إلا الله.فلو سئلت عن معنى لا إله إلا الله، فإنك تقول: لا يستحق العبادة إلا الله، وبحكم أنك شهدت أنه لا معبود بحق إلا الله فوجب عليك أن تعبده، وإلا فإن شهادتك باطلة!ثانيا: ألا تقر عبادة غيره، وإلا ما معنى أنك تشهد على علم أنه لا يعبد إلا الله، وفي نفس الوقت تقر بعبادة سواه؟!وهذه القضية المهمة يا ليت إخواننا يفهمونها، فأنت تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فعلى أي شيء أقمت شهادتك؟ قطعاً ستقول: على علم، فأنا لا أشهد أن إبراهيم بن فلان أو أن خالداً ضرب فلاناً إلا إذا رأيت هذا، فالإخبار شيء، والشهادة شيء آخر، فأنا أشهد على علم أنه لا يستحق العبادة إلا الله.إذاً: فما دمت تشهد على علم فينبغي أن تعبد الله، وإن لم تعبده فشهادتك باطلة. وأنت تكذب!ثانياً: أن تعبده وحده، ولا تعبد معه سواه، وإلا تناقضت من أول يوم تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وفلان! ثالثاً: لا نقر عبادة غير الله، ولو نُسأل عن عبادة اليهود .. النصارى .. المجوس .. عبدة عيسى .. عبدة الملائكة .. عبدة الجن .. عبدة الكواكب؛ نقول: هذه عبادة باطلة، ولا نقرها أبداً؛ لأنهم عبدوا ما لا يستحق العبادة، فالعبادة يستحقها الخالق للعبد .. الرازق للعبد .. الكالئ والحافظ له إلى نهاية أجله. أما الذي ما خلق، ولا رزق، ولا حفظ فكيف يعبد! وبأي منطق وبأي حق؟ إنها عبادة باطلة!إذاً: أول بند من بنود هذا الميثاق الذي أخذ على بني إسرائيل وهم في جبل الطور أو في غيره هو ألا يعبدوا إلا الله.
أخذ الميثاق بالإحسان إلى الوالدين
ثانياً: قال تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البقرة:83] أي: وأن يحسنوا بالوالدين إحساناً عاماً بالآباء والأمهات، وقد عرفتم أن من الإحسان بالوالدين أن يصل بالخير إليهما.وهنا لطيفة: لم قال: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وما قال: وإلى الوالدين إحساناً؟(إلى) حرف جر تصل به إلى الغاية، فقال: (وبالوالدين)، ومعنى هذا: إذا احتاج الوالد، بل ولو لم يحتج، فلا تضع أمامه الكأس وتقول: اشرب! بل خذ الكأس بيدك وضعه في يده. ولا ترم السجادة وتقول له: افترش، لا! افرشها أنت وقل له: اجلس! ولا تركب في السيارة وتقول له: اركب، بل أنت تفتح الباب وانتظر حتى يركب. وهذا دل عليه حرف باء الإلصاق، فما قال: وأحسنوا إلى الوالدين، إنما قال: أحسنوا بالوالدين. فالباء باء الإلصاق، فليكن الخير الذي تقدمه لهم كأنك تلصقه بهم. ومن ذلك لا تقل: يا أبت! المشلح في المشجب البس واخرج، فهذا لا يجوز، بل ائت به أنت وألبسه إياه، حتى تكون قد أحسنت به.فهل فهم الأبناء هذه: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البقرة:83]؟
صور الإحسان إلى الوالدين
قد عرفتم أن الإحسان بالوالدين يدور حول أربع مسائل:الأولى: أن تصل بالخير إليهما من الطعام .. الشراب .. الكساء .. المركوب .. السكن .. الدواء، تصل به إليهما، ما داموا محتاجين إليك وأنت في غنى عنهم.ثانياً: أن تكف الأذى عنهما، حتى ولو كانت كلمة نابعة أو صوتاً مرتفعاً، والله عز وجل يقول: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23] فهذه الكلمة محرمة، ولا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يواجه بها أحد أبويه، فإنها من كبائر الذنوب، فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا [الإسراء:23] أما أن ترفع صوتك لا، فليكن صوتك منخفضاً دون صوتهما، ومن كان غير مربَّى ولا مهيأ فليتربَّ من الآن، ويخفض صوته عند أبويه، وليكن صوته دون صوتهما وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء:24] وقد مثلت لكم: افرض أنك طويل وأبوك دونك في الطول، فحاول إذا مشيت معه أن تتقاصر؛ حتى لا تفوقه في الطول، وإذا مشيت معه فلا تمش أمامه بل امش وراءه أو إلى جنبه وأنت متطامن، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وكن ليناً هشاً جداً، لا قسوة ولا شدة ولا غلاظة، وإنما لين وتطامن.ثالثاً: طاعتهما في المعروف، فإذا أمرك أبوك أن تقول أو تفعل أو تعتقد؛ فانظر إذا كان أمره من أمر الله ورسوله فيجب أن تطيعه ولا تتردد، وإن كان أمره مناقضاً لأمر الله ورسوله فأمر الله أولاً! فأنت فُرِض عليك طاعة الوالدين نظراً إلى المعروف الذي قدماه لك، والإحسان الذي بذلاه لك، فأمك حملتك تسعة أشهر، وأنت من صلب أبيك؛ من مائه فكيف إذاً لا تشكر هذا النعيم؟! ولكن شكر الله أولى؛ لأنه خالقك، وخالق أبويك، وخالق الكون لك.وقوله: ( إنما الطاعة في المعروف ) هذا الحكم يتناول أيضاً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتناول إمام المسلمين، فالكل لا طاعة إلا في المعروف، ومن قال: وكيف تقول والرسول صلى الله عليه وسلم؟! فليسمع، أقرأ عليه مادة في هذا الكتاب الكريم إذ يقول تعالى للنساء في آية البيعة: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ... [الممتحنة:12] فانظر كيف قيد العصيان بالمعروف، وهذا معناه فرضاًً: لو أمر الرسول بغير طاعة الله فلا يطاع! وهذا من باب الفرض فقط لتعليم الخلق، وإلا حاشى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأمر بغير ما في رضا الله: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4]. فكل أقضيته وأحكامه وسننه كلها من الله عز وجل، وهذا من باب: وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [الممتحنة:12] أما إن أمرك بغير المعروف فلا حق لك في الطاعة، فكيف إذاً في غير رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!فإذا أمرك أبوك بألا تصلي فهل تطيعه؟! إذا أمرك ألا تشهد صلاة الجماعة فهل تطيعه؟! إذا أمرك الحاكم أن تشرب خمراً فهل تطيعه؟! إذا أمرك أن تقتل عمراً فهل تطيعه؟! إذا أمرك أن تسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل تطيعه؟! الجواب: لا، ( إنما الطاعة في المعروف ).رابعاً: صلة الرحم التي تربطك بهما كجدك وابن أخيك وبقية الأقارب سواء كانوا من الأدنين أو من الأباعد، فما دامت الرحم جمعت الكل فلا بد من هذه الصلة.وأخيراً: بر صديقهما. فإذا كان لأبيك صديق أو لأمك صديقة فينبغي أن تبر هذا الصديق وهذه الصديقة لبر أبويك! وفي الحديث: ( إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه )، وقد ذكرت لكم حادثة عبد الله بن عمر في طريقه من المدينة إلى مكة عندما نزل منزلاً، وإذا بأعرابي يقف ويطلب من ابن عمر مساعدة، فيعطيه عمامته وحماره، والعمامة كان يستعملها في الليل يشد بها رأسه لينام، والحمار يروح به على نفسه، لما يملّ من ركوب الجمل يركب الحمار، والمسافة عشرة أيام في الطريق. فلما أعطى الرجل الحمار والعمامة سأله مولاه نافع : كيف يا مولاي تعطيه مع أن حفنة التمر تكفيه، وليس أن تعطيه هذه العمامة التي تستعملها في ليلك، وهذا الحمار الذي تروح به على نفسك؟! فقال ابن عمر له: إن أباه كان صديقاً لـعمر ! وهذا بعد موت عمر .وبهكذا يوثق الإسلام الروابط بين الأسر .. بين الأصدقاء .. بين الجيران .. بين .. بين .. لتصبح أمة الإسلام أمة واحدة، وقوة واحدة، وحق لها؛ لأنها تحمل راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، والتي يبغضها الأبيض والأسود والعجم. فإذا لم تتماسك وإذا لم تقوَ لا تستطيع حملها أبداً؛ ولهذا اسمع كيف أمرنا الله بصلة الأرحام: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36].أريد أن يفهم المستمعون أن هذه الأمة غالية عزيزة؛ لأنها أسعد أهل الأرض وأطهرهم .. لأنها مهيأة للسماء والنزول في الملكوت الأعلى .. لأنها عدو لكل كافر وكافرة، ومشرك ومشركة. وهي القائدة الرائدة السائدة فلا بد وأن تكون جسماً واحداً، وإلا فلا تقوى أبداً على أن تخوض هذه المعارك مع الإنس والجن.ولهذا كل ما يدعو إلى الفرقة حرام، ولو تتبعت المعاملات المحرمة من أولها إلى آخرها في البيع .. في الإيجار .. في الشراء .. في كل المعاملات؛ تجدها تدور على شيء واحد، وهو ألا يحصل أو يحدث خلل في قلوب المؤمنين! فهذه المعاملات التي بين الناس كل معاملة محرمة، وعلة تحريمها أنها توجد الضغينة في قلوب المؤمنين، وتوجد العداء والبغضاء بينهم، وكل ما يسبب العداء والفرقة حرام!وما أخذ على بني إسرائيل أخذ علينا نحن.
أخذ الميثاق بالإحسان إلى الأقارب
قال تعالى: وَذِي الْقُرْبَى [البقرة:83] قرابة الإنسان معروفون، وهي جمع قريب، واليتامى جمع يتيم، فاليتيم يجب أن يحسن إليه، وهذا قد أخذ الله به عهداً على بني إسرائيل، ونحن أيضاً أخذ علينا ذلك، كما في آية النساء السابقة وهي لنا وليست لبني إسرائيل: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36] عشرة حقوق! فهذا الميثاق فيه عشر مواد، وتسمى هذه الآية بآية الحقوق العشرة، حتى الجار ثلاثة جيران: جار قريب، وجار بعيد، وجار قريب من جهة وقرابة من جهة أخرى. فالجار اليهودي أو النصراني يجب أن نحسن إليه ولا نسيء إليه!
أخذ الميثاق بالإحسان إلى اليتامى
قال تعالى: وَالْيَتَامَى [البقرة:83] اليتامى: جمع يتيم.من هو اليتيم يا عباد الله؟!هو من فقد أباه لا من فقد أمه، فالذي مات والده إذ هو العائل والمنفق والقيم؛ فأصبح هذه الغلام يتيماً لموت والده، ويستمر يتمه حتى يبلغ سن التكليف، وهذا اليتيم يجب أن يجد بين المواطنين مأمناً حيث لا يخاف أبداً، ويجد بينهم رزقاً حيث لا يجوع ولا يعرى، ويجد بينهم مدرسة تربيه؛ حتى يتخرج ربانياً صالحاً، فلا يهمل ويطرح في الشوارع ليعيش على الجهل.وحسبنا أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ) أرأيتم كيف يرغب أم لا؟ ( أنا وكافل اليتيم كهاتين ) مقترنان السبابة والوسطى.فاليتيم يجب وقد فقد أباه ألا يفقد شيئاً مما كان يغدقه عليه أبوه ويعطيه إياه؛ من تربيته .. من الحفاظ عليه .. من إطعامه .. من كسوته .. من من .. فهذا شأن اليتامى.والحمد لله هذه البلاد وفق الله أهلها إلى إنشاء -وما عرفنا هذا في أي بلد- دور اليتامى، والمفروض أن يكون كل بلد فيها دار لليتامى الذين فقدوا الآباء، فدار اليتامى في المدينة تخرج منها مسئولون، حيث يؤخذ الغلام إلى الدار فيجد من يربيه ويعلمه ويطعمه ويعينه، حتى يبلغ سن الرشد، وبعد ذلك يخرج فيذهب حيث شاء، فإن عجزنا عن بناء دور اليتامى فعلى الأقل كل مؤمن يرعى هذا الحق مع من يراه يتيماً في جواره أو في قريته أو في حيه.أما إضاعتهم .. أما أخذ حقوقهم .. فلا تجوز، ولكن وللأسف الشديد إنهم يأخذون حقوقهم، ويأكلون أموالهم، ويلهونهم، ويعبثون بهم؛ فقط لأنه فاقد والديه أو فاقد أبيه.والشاهد عندنا في هذا البند أيضاً: وَالْيَتَامَى .
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|