عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 30-08-2020, 04:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,994
الدولة : Egypt
افتراضي من مكارم الأخلاق في الرسالة المحمدية

من مكارم الأخلاق في الرسالة المحمدية
الشيخ سعد الشهاوي









‏الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى يعطى ويمنع، ويخفض ويرفع ويضر وينفع، لا مانع لما أعطى ولا معطى لما يمنع. يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل. يعلم الأسرار، ويقبل الأعذار، وكل شيء عنده بمقدار سبحانه كُلُّ شَيْءٍ خَاشِعٌ لَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ قَائِمٌ بِهِ: غِنى كُلِّ فَقِيرٍ، وَعِزُّ كُلِّ ذَلِيلٍ، وَقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ، وَمَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ، مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَهُ، وَمَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ، وَمَنْ عَاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَمَنْ مَاتَ فَإِلَيْهِ مُنْقَلَبُهُ.












وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.





يا أيها الماء المهين من الذي سواكا

ومن الذي في ظلمة الأحشاء قد والاكا



ومن الذي غذاك من نعمائه

ومن الكروب جميعها نجاكا



ومن الذي شق العيون فأبصرت

ومن الذي بالعقل قد حلاكا



ومن الذي تعصي ويغفر دائماً

ومن الذي تنسى ولا ينساكا











﴿ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [النمل: 63]... من للعباد غيره يدبر الأمر ومن يعدل المائل من يشفى المريض ومن يرعى الجنين في بطون الحوامل من يحمى العباد وهم نيام وهل لحمايته بدائل من يرزق العباد ولولا حلمه لأكلوا من المزابل من ينصر المظلوم ولولا عدله لسووا بين القتيل والقاتل ومن يظهر الحق ولولا لطفه لحكم القضاة للباطل من يجيب المضطر اذا دعاه وغيره استعصت على قدرته المسائل من يكشف الكرب والغم ومن يفصل بين المشغول والشاغل من يشرح الصدور ولولا هداه لنعدم الكوامل من كسانا. من أطعمنا وسقانا..من كفانا وهدانا من خلق لنا الأبناء والحلائل من سخر لنا جوارحنا ومن طوع لنا الأعضاء والمفاصل من لنا إذا انقضى الشباب وتقطعت بنا الأسباب والوسائل هو الله،،، هو الله...هو الله الإله الحق وكل ما خلا الله باطل.













وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا وسيدنا وقدوتنا وحبيبنا سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن أهل بدر والعقبة، وسائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.









يا أيها الراجون خير شفاعةٍ

من أحمدٍ صلُّوا عليه وسلِّموا



صلَّى وسلَّم ذو الجلال عليه ما

لبَّى مُلبٍّ أو تحلَّل مُحرِمُ














أما بعد:



إن الأقلام ليجف حبرها، وإن الكلمات ليعجز الإنسان عن سردها عندما يكون الحديث عن خير مخلوق عرفته الأرض؛ إنه محمد عليه الصلاة والسلام الذي حاز أعلى درجات الكمال البشري، وحاز على رضا ربه ومولاه، وتمكن حبه من كل قلوب أتباعه، فيجب علينا أن نسير على ما كان يسير عليه، وأن نقتفي أثره، ونتبع سنته.












العناصر:



أولاً: من فضائل حُسن الخلق.



ثانياً: جانب من خلق النبي صلى الله عليه وسلم.



ثالثاً: الآداب والأخلاق عنوان صلاح الأمم.



رابعاً: أسباب ووسائل اكتساب الأخلاق الحسنة.












أولاً: من فضائل حُسن الخلق.







أيها الإخوة: إن موضوع الخلق من الموضوعات الإسلامية المهمة التي عليها يدور نجاح حياة المسلم، فكيف ينجح العالم في وظيفته إذا لم يكن على خلق؟ وكيف ينجح الزوج في حياته إذا لم يكن على خلق؟ وكيف ينجح الداعية في حياته إذا لم يكن على خلق؟ وكيف ينجح الأخ مع إخوانه إذا لم يكن على خلق؟ فالأخلاق عليها مدار نجاح الإنسان في هذه الحياة، حتى قال بعض العلماء: إن الدين كله هو الخلق، ونحن نعيش أزمة أخلاق في واقعنا، سواءً على مستوى العلاقات الزوجية، أو المصلين في المساجد، أو الطلاب والمدرسين، أو الموظف والمراجعين، أو الجار وجيرانه، بل بين طلبة العلم والعلماء والأقران، وهذا مما يؤكد أهمية طرق هذا الموضوع الخلق الحسن بركة على صاحبه وعلى مجتمعه، وخير ونماء ورفعة عند الله وسناء، ومحبة في قلوب الخلق وطمأنينة وانشراح في الصدور، وتيسير في الأمور، وذكر حسن في الدنيا، وحسن عاقبة في الأخرى، وسوء الخلق شؤم ومحق بركة في الأعمار، وبغض في الخلق وظلمة في القلوب، وشقاء عاجل وشر آجل.








أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّنَا أَهْلُ الْإِسْلَامِ أَوْلَى مَنِ اتَّصَفَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ، كَيْفَ لا؟ وَقَدْ حَثَّنَا دِينُنَا عَلَى التَحَلِّي بِذَلِكَ، وَرَغَّبَ فِيهِ، وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأُجُورَ الْعَظِيمَةَ، والمؤمن الحسنة أخلاقه: محبوب عند الناس، فمن أحبه الله وضع له القبول في الأرض، والناس مفطورون على حب من أحسن إليهم وحسن الخلق له عدة فضائل لا نستطيع أن نحصيها في لحظات ولكن نسدد ونقارب.








فحسن الخلق يساوى قيام الليل وصيام النهار وبذلك ترفع الدرجات وتكفر السيئات؛ فَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ قَائِمِ اللَّيْل وصائمِ النَّهَار" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبِانِيُّ).








وحسن الخلق من كمال الإيمان ودليل على حسن ايمان صاحبه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خلقًا؛ وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ." [صحيح سنن الترمذي للألباني]. قال المباركفوري: " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ": لأن كمال الإيمان يوجب حسن الخلق والإحسان إلى كافة الإنسان، " وخياركم خياركم لنسائهم ": لأنهن محل الرحمة لضعفهن.








وحسن الخلق أثقل شيء في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ "مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلَ فِي مِيزَانِ العبد المؤمن يوم القيامة مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ و الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ). ذلكم الميزان الذي يجد الناس فيه كل ما قدموه من اعتقاد وقول وفعل نسأل الله أن يثقل موازيننا.








والملائكة قريبة من المؤمنين ذوي الأخلاق الحسنة والشياطين بعيدة منهم، وفي قرب الملائكة منهم قرب من صالح الأعمال، وفي بُعد الشياطين عنهم بُعدٌ عن مساوئ الأعمال، يقول الله تعالى: ﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ [الشعراء: 221 - 223]؛ فالشياطين إنما تقترن بمن يشابهها ويشاكلها، وكثيراً ما تتسلط على ذوي الأخلاق السيئة، بل إنها من أعظم الأسباب في إصابتهم بمسها.








وحسن الخلق يكسب محبة الخلق ورضا الرب، وأن العباد لن يستطيعوا مد أيديهم بالمال لكل محتاج ولكنهم يستطيعون أن يكونوا نبلاء أصفياء معهم، يسعونهم بأخلاقهم وحسن سلوكهم، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى اللّه عليه وسلم -: "إِنَّكُم لن تسعوا النَّاس بأموالكم، وَلَكِن يسعهم مِنْكُم بسط الْوَجْه وَحسن الْخلق" [مسند أبي يعلى (6550) وقال الألباني في صحيح الترغيب (3/ 9): حسن لغيره].








وحُسْن الْخُلُقِ سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ لَكَ، فَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "أَحَبُّ عِبَادِ اللهِ إِلَى اللهِ أَحْسَنُهُمْ خلقَاً" (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).








وحُسْن الْخُلُقِ سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَ وَقُرْبِكَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَعَنْ جابرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "إنَّ مِنْ أحبِّكم إليَّ وأقرَبِكُم منِّي مجْلِساً يومَ القيامَةِ أحاسِنَكم أخْلاقاً، وإنَّ أبغَضَكُم إليَّ وأبْعَدَكُم منِّي مجْلِساً يومَ القِيامَةِ الثِّرثارونَ والمتَشَدِّقونَ والمتَفَيْهِقُونَ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا الـمُتَفَيْهِقونَ؟ قَالَ: "المتَكَبِّرُونَ" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ). قال الإمام الترمذي رحمه الله والثرثار كثير الكلام.








وحسن الخلق سبب في دخول الجنة والبعد عن النار فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ"[ رواه أبو داود بإسناد صحيح وهو في السلسلة الصحيحة - الألباني ].








وعند الترمذي بسند صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ:" تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ" وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟ فَقَالَ:" الْفَمُ وَالْفَرْجُ" [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وهو في السلسلة الصحيحة - الألباني ].








وأخبرنا - صلى الله عليه وسلم - بأن صاحب الخلق الحسن تحرم عليه النار، فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى اللّه عليه وسلم -، قَالَ: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ"؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ قَرِيبٍ سَهْلٍ" [صحيح ابن حبان (469) وصححه الألباني].








وقد يكون خلقاً واحداً من بين سائر الأخلاق سبباً في دخولك الجنة، فعَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: اجْتَمَعَ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مَسْعُودٍ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: رَجُلٌ لَقِيَ رَبَّهُ فَقَالَ مَا عَمِلْتَ؟ قَالَ: مَا عَمِلْتُ مِنْ الْخَيْرِ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ رَجُلًا ذَا مَالٍ فَكُنْتُ أُطَالِبُ بِهِ النَّاسَ فَكُنْتُ أَقْبَلُ الْمَيْسُورَ وَأَتَجَاوَزُ عَنْ الْمَعْسُورِ، فَقَالَ: تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي" (مسلم) فهذا الرجل لم يعمل خيراً قط سوى خلقٍ واحدٍ فكان طريقاً له إلى الجنة فما بالك لو تحليت بمكارم الأخلاق كلها؟!!








لذلك اهتم الصحابة بحسن الخلق وطلبه من الله، فعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: بَاتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ اللَّيْلَةَ يُصَلِّي فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي، حَتَّى أَصْبَحَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، مَا كَانَ دُعَاؤُكَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ إِلا فِي حُسْنِ الْخُلُقِ، قَالَ: يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَحْسُنُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ الْجَنَّةَ، وَيَسُوءُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ سُوءُ خُلُقِهِ النَّارَ" (شعب الإيمان للبيهقي).








ويقول أنس بن مالك - رضي الله عنه - خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن العبد ليبلغ بحسن خلقه أعلى درجة في الجنة وهو غير عابد، ويبلغ بسوء خلقه أسفل درك في جهنم وهو عابد"، ويقول بعض التابعين: "في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق".








ثانياً: جانب من خلق النبي صلى الله عليه وسلم.



أخلاق نبينا صلى الله عليه وسلم فاقت الوصف وَقَدْ وَصَفَ اللهُ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَمِيلِ الْأَخْلَاقِ واثنى الله على نبينا صلى الله عليه و سلم فَقَالَ: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، ﴿ وَكَفَى بِللَّهِ شَهِيداً ﴾ [الفتح:28]. إن في هذه الآية الكريمة الإشادة بخلق النبي - صلى الله عليه وسلم - تنويها وتمجيدا بالأخلاق في ميزان الله - عز وجل -.








وربنا جل في علاه قال لنبينا صلى الله عليه و على اله و سلم ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ [آل عمران: 159] ثم قال جلا و علا ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159] ثم وجهه ربنا سبحانه و تعالى لحسن الخلق و كيفية التعامل مع الناس فقال جلا في علاه ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ [آل عمران: 159] فبين الله جلا و علا انه مع مرتبة النبوة العظيمة و مع كونه عليه الصلاة و السلام هو سيد الأولياء و هو خاتم الأنبياء و هو المقدم يوم القيامة و سيد ولد آدم إلا أن ذلك لا يغنيه ابداً أن يحسن خلقه مع الناس..








وفي آية أخرى يخاطب الله - عز وجل - رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف: 199 - 200]. وفي ذلك حث للنبي - صلى الله عليه وسلم - وفي الوقت ذاته أمر لأمته بالتحلي بالأخلاق الحسنة فقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199] هو أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.








وحتى قبل البعثة لم يجدوا عليه سَقطة ولا عيبًا يُذمّ به - مع كثرة أعدائه، وتوافر دواعيهم وحرصهم - ولما رأى جبريل أول مرة ونزل عليه بالوحي قال لخديجة - رضي الله عنها -: وقد جاءها يرجف، ولم يكن يعهد ذلك من قبل يقول: "دثروني" "لقد خشَيتُ على نفسي" فقالت زوجه الأولى خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها -: ""كلا والله، لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتقري الضيف، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق". لذلك لما بعث تحير القرشيون ماذا يقولون فيه، لأنهم لا يجدون أي ثغرة يمكن أن يتسللوا من خلالها، فيطعنوا في الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الناس كلهم الذين يعرفونه يشهدون بصدقه، وعدالته، وكرمه، وجوده وحسن خلقه، عليه الصلاة والسلام، ولقد ضرب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أروع الأمثلة، حتى الأخلاق الفاضلة تمسكًا وتوجيهًا قبل البعثة، كان - صلى الله عليه وسلم - ذا خلق نبيل، وأدب رفيع، حتى ما عرف بمكة أروع ولا أحسن خلقًا منه بأبي هو وأمي، صلوات الله وسلامه عليه، فلقبه قومه في الجاهلية بالصادق الأمين لما رأوا من جلالة خلقه وسمو أدبه وكريم صفاته ونبيل عاداته، فهذا بعض خلقه الكريم قبل البعثة، فأتم الله عليه النعمة والخلق العظيم بعد البعثة.












وجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِسَالَتَهُ أَنَّهَا جَاءَتْ لِتُتَمِّمَ مَعَالي الْأَخْلَاقِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ).








و لما سئلت عائشة رضي الله تعالى عنها سألها عروة ابن الزبير ابن اختها عن اخلاق النبي صلى الله عليه و سلم فقالت له: ((الست تقرأ القرءان، قال: بلى، قالت: كان خلقه القرءان)) بمعنى ان النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ ء في القرءان قول الله جلا و علا... و ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].. فيحسن إلى الكبير و الصغير يحسن إلى الغني و الفقير يحسن إلى المسلم و الكافر يحسن إلى القوي و الرقيق...﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]....يقرأ في القرءان قول الله جلا و علا... ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83]. فيتكلم بأحسن الكلام.. كان خلقه القرآن يحرم ما حرم، ويحل ما أحل، ويأتمر بأمره، وينتهي عن نهيه، ويؤمن به، ويدعو إليه صلى الله عليه وسلم، فليس بغريب أن تحدث منه هذه الأعمال العظام التي هي أخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهذا هو سرٌ من أسرار اختياره.












قال ابن كثير - رحمه الله -: "صار امتثال القرآن أمرًا ونهيًا سجية له، وخُلقًا تطبّعه، وترك طبعه الجِبلّي، فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه، هذا مع ما جَبَله الله عليه من الخلق العظيم من الحياء والكرم، والشجاعة والصفح والحلم، وكل خلق جميل" انتهى.








وَقَدْ طَبَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ الْعَمَلِيَّةِ، فلم يكن - صلى الله عليه وسلم - فاحشًا ولا متفحشًا ولا لعانًا ولا سبابًا، وكان أبغض الخلق إليه الكذب، وكان أحسن الناس وجهًا وأطيبهم خلقًا، وما نيل من حقه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله سبحانه، وكانت الأخلاق الحسنة تعرف من وجهه وانظر إلى قصة عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وهو أحد كبار علماء اليهود في المدينة، ولكنه كان رجلاً منصفاً باحثاً عن الحق، فلما سمع بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: [ذهبت إليه فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب] - والحديث رواه الترمذي وغيره، وهو حديث صحيح، أي: أنه قرأ على محيا النبي صلى الله عليه وسلم آيات الصدق والبر والوفاء فسمعته يقول: يا أيها الناس، أطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وأفشوا السلام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام] والشاهد قوله: عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب.












انظر الحادثة الأخرى المعبرة التي رواها النسائي وغيره أن الرسول صلى الله عليه وسلم، حين فتح مكة أهدر دم مجموعة من القرشيين الذين كانوا يعلنون العداء للإسلام وللرسول عليه الصلاة والسلام، ويسبونه صلى الله عليه وسلم ويغدرون به، وكان منهم عبد الله بن أبي السّرح، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من وجد هؤلاء القوم أن يقتلهم ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة، وكان عبد الله هذا أخاً لـعثمان بن عفان رضي الله عنه لأمه، فجاء به عثمان خلف ظهره، وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يستأمنه، فوقف بين يديه وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم الأمان لهذا الرجل، فسكت الرسول صلى الله عليه وسلم فطلب منه الأمان ثانية، وثالثة، فأمنه الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: [ألا رجل فيكم قام حين رآني سكت فقتله فقالوا: يا رسول الله هلاّ أومأت إلينا - أي: لو أشرت مجرد إشارة ولو بعينك لابتدره أي واحدٍ منا فأجهز عليه، فورد أن النبي صلى الله عليه قال: ما ينبغي لنبيٍ أن يكون له خائنةُ الأعين] يعني: حتى الإشارة بالعين يتجنبها النبي صلى الله عليه وسلم، إذاً فظاهره وباطنه سواء، فلا يستعمل أساليب اللف والدوران، وطرق الساسة في الاحتيال والتأويل، وما وقع المسلمون - في هذا العصر ومنذ عصور - من كثرة التأويل في الاعتقاد، والأقوال، والأعمال، والمواقف، بل هو واضح كل الوضوح صلى الله عليه وسلم في مواقفه بحيث لا يجد أعداؤه عليه مطعنة.












وَقَدْ طَبَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ الْعَمَلِيَّةِ مع أصحابه فكان - صلى الله عليه وسلم - المثل الأعلى في باب الأخلاق، والقدوة العظمى في باب الآداب، يتخول أصحابه بالكلمات الطيبة، ويشملهم بالابتسامات المعبرة عما يكنه لهم في صدره من محبة ووفاء.








قال عبد الله بن الحارث - رضي الله عنه -: "ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".وقال جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -: "ما حجبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك". متفق عليه.












وَقَدْ طَبَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ الْعَمَلِيَّةِ مع خدمه وعبيده قال عنه أنس بن مالك - رضي الله عنه -: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَذْهَبُ، وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَبَضَ بِقَفَائِي مِنْ وَرَائِي، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: "يَا أُنَيْسُ: ذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟!"، قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا ذَاهِبٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قال أنس: والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته: لم فعلت كذا وكذا؟! أو لشيء تركته: هلا فعلت كذا وكذا. رواه مسلم.






يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 53.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.55 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.18%)]