الموضوع: من تخاف؟
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 27-08-2020, 01:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,180
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من تخاف؟

فهو الحميد فكل حمدٍ واقع

أو كان مفروضًا على الأزمان



هو أهله سبحانه وبحمده

كل المحامد وصف ذي الإحسان



فلك المحامد والمدائح كلها

بخواطري وجوارحي ولساني



ولك المحامد ربنا حمًدا كما

يرضيك لا يفنى على الأزمان



ملء السموات العلا والأرض

والموجود بعد ومنتهى الإمكان



مما تشاء وراء ذلك كله

حمدًا بغير نهاية بزمان



وعلى رسولك أفضل الصلوات

والتسليم منك وأكمل الرضوان



صلى الإله على النبي محمد

ما ناح قُمْرِيٌ على الأغصان



وعلى جميع بناته ونسائه

وعلى جميع الصَّحب والإخوان



وعلى صحابته جميعًا والأُلَى

تبعوهم من بعدُ بالإحسان





أما بعد، فيا أيها الإخوة!

إن القلب في سيره إلى الله - عز وجل - بمنزلة الطائر لابد له لصحة السير من ثلاث: رأس وجناحان فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر.



وقد تحدثنا في اللقاء السابق بحمد الله تعالى عن المحبة، واليوم بمشيئة الله تعالى نتحدث عن الخوف من الله، فأعيروني القلوب والأسماع -أيها الإخوة - أسأل الله أن يجعلنا ممن سار إليه على بصيرة فوصل إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يثبتنا على الإيمان.



أيها الإخوة.

ما هو الخوف؟ وما أقسامه؟

وكيف يأخذ الإنسان نفسه بالخوف؟

ومتى يكون ذلك أنفع لها؟ ومتى لا ينفعها؟

وأخيراً: إلى رياحين بستان الخائفين نستنشق بعض عبيرها.



فأعيروني القلوب والأسماع - أيها الإخوة - والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعلنا ممن أوتي بصيرة فصار له سراج يضيء له الظلمات، حتى نصل إلى الأمن والأمان في الدنيا والآخرة، محفوظين بعين الله التي لا تنام، مكلوئين بكلئه الذي لا يرام ولا يضام.



أحبتي ما هو الخوف؟

في الحقيقة أفاض أهل العلم في تعريف الخوف وتنوعت في التعبير عنه أقوالهم فكثرت وأجمع ما قيل في تعريفه: أنه وصف قائم بالقلب يؤدي إلى فعل الأوامر وترك النواهي، وقد تفنن العباد والزهاد والعلماء في تعريف الخوف على حسب ما ذاقه كل واحد منهم فمنهم من قال: الخوف هو توقع العقوبة على مجاري الأنفاس.



ومنهم من قال: الخوف هو سراج القلب، به يبصر ما فيه من الخير والشر وكل أحد إذا خفته هربت منه إلا الله - عز وجل - إنك إن خفته هربت إليه فالخائف من ربه هارب إليه ومن ثم قال الله تعالى: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ﴾ [الذاريات: 50].



إلى آخر هذه الأقوال التي تدل على نزول القوم بهذا المنزل في مسيرهم وحلول تلك الدرجة في سلوكهم جعلنا الله واياكم من السائرين السالكين على الصراط المستقيم إلى رب العالمين.



والخوف من الله - عز وجل - أيها الإخوة - منزلة من أجلّ منازل العبودية وأنفعها وهي فرض وواجب على كل أحد بنص قول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175] فقوله - عز وجل - ﴿ وَخَافُونِ ﴾ فيه الأمر بوجوب إخلاص الخوف لله تعالى قال الإمام الشوكاني - رحمه الله - في معنى الخوف من الله - سبحانه وتعالى -: "أي فافعلوا ما آمركم به واتركوا ما أنهاكم عنه، لأني الحقيق بالخوف مني والمراقبة لأمري ونهيي لكون الخير والشر بيدي".[1]



يقول العلماء: وقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ ﴾ نهي عن خشية غير الله وتمحيض الخوف منه وحده ففيها دلالة على وجوب تجريد الخوف لله - جل وعلا - وألا يخشى غير الله كخشيته - عز وجل - وكان الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون والعلماء يذكرون منزلة الخوف ويعظمونها ويرون وجوب تمحيضها لله تعالى ومن ثم عظم لهم من الله المدح والثناء وكذلك عظمت العاقبة والجزاء فمن المدح والثناء قوله سبحانه: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ * إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 17 - 19][2]



ومن بيان العاقبة والجزاء قوله تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن: 46].



قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "ولمن خاف مقام ربه بين يدي الله - عز وجل - يوم القيامة ونهى النفس عن الهوى ولم يطغ ولا آثر الحياة الدنيا وعلم أن الآخرة خير وأبقى فأدى فرائض الله واجتنب محارمه فله يوم القيامة عند ربه جنتان كما في الحديث الذي أخرجه الجماعة من حديث عبد الله بن منيس - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم - عز وجل - إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن. [3]



وما أجمل التعبير القرآني الرائق الراقي ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * ذَوَاتَا أَفْنَانٍ ﴾ [الرحمن: 46 - 48] فوصف الله - عز وجل - هاتين الجنتين بأنهما ذواتا أفنان أي ذواتا أغصان نضرة حسنة تحمل من كل ثمرة نضيجة فائقة وقال عطاء في معنى أفنان أغصان الشجرة يمس بعضها بعضاً وقيل أيضاً: ذواتا أفنان أي فيهما فنون من الملاذ والطيبات نعم ففي الجنة جميع أنواع الثمار مما يعلم الناس ومما لا يعلمون وخيراً مما يعلمون مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ويكفي أن نعلم أن الله لما قص علينا ما في الجنة ضرب لنا به المثل فقط فقال مثل الجنة وذلك لكي نتصور شيئاً عنها وإلا فهو مثل والحقيقة فوق ذلك ومن أجمل ما قال العلماء في ذلك ما قاله حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقد قال: ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء يعني بذلك أن بين ذلك بوناً عظيماً وفرقاً بيناً في التفاضل.



والسؤال الآن - أيها الإخوة -.. كل هذا لمن؟ والجواب هو لمن خاف الله تعالى وسكن خوف الله وحده في قلبه ولذلك عظم سلفنا الخوف من الله تعظيماً شديداً ورفعوا من مكانته.



قال إبراهيم بن سفيان: إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها وطرد الدنيا عنها.



وقال أبو سليمان الداراني: ما فارق الخوف قلباً إلا خرب.



وقال ذو النون: الناس على الطريق - أي طريق السلامة والاستقامة والوصول إلى الجنة دار الكرامة والمقامة - ما لم يزل عنهم الخوف فإذا زال الخوف ضلوا الطريق.



وليس الخوف كله ممدوحًا محمودًا فهناك خوف ذمه الشرع هناك أقسام للخوف فليس الخوف كله رتبة واحدة فهناك خوف محمود وخوف مذموم.



أما الخوف المحمود فهو الخوف الصادق وهو ما حال بينك وبين محارم الله تعالى وهذه هي الوسطية في الخوف فإنه إذا تجاوز ذلك خيف اليأس والقنوط وإن قل عن ذلك خيف الركون والتواكل.



والحق أن يلزم العبد الوسطية في الخوف وهو الخوف الذي يحجزه عن محارم الله ويمنعه عنها، قال أبو عثمان الحيري: صدق الخوف هو الورع عن الآثام ظاهرًا وباطناً.



وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الخوف المحمود ما حجزك عن محارم الله.



ومن أقسام هذا الخوف خوف واجب وخوف مستحب: فالخوف الواجب هو ما حمل على فعل الواجبات وترك المحرمات والخوف المستحب هو ما حمل على فعل المستحبات وترك المكروهات.



ومن أقسام هذا الخوف خوف التألة أو السر: فخوف التأله والتعبد والتقرب هو الذي يزجر صاحبه عن معصية الله الذي يخافه خشية من أن يصيبه بما شاء من فقر أو قتل أو غضب أو سلب نعمة ونحو ذلك بقدرته ومشيئته كما قال الإمام المبارك عبد الله بن المبارك:



إذا كنت في نعمة فارعها

فإن المعاصي تزيل النعم



وصنها بطاعة رب العباد

فرب العباد سريع النقم






وهذا النوع من الخوف من أهم أنواع العبادة القلبية التي يجب إخلاصها لله - سبحانه وتعالى - وهذا النوع لا يجوز صرفه لغير الله - عز وجل - وصرفه له سبحانه يعد من أجلّ العبادات ومن أعظم القربات وهو ركن من أركان العبادة ومن خشى الله - عز وجل - على هذا الوجه فهو مخلص موحد له عند الله أعظم الجزاء.



ولذلك - أيها الإخوة - تعهد الله لصاحب هذا النوع من الخوف أن لا تمسه النار أبداً فقد قال صلى الله عليه وسلم: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله[4] وصاحبها ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" كما روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إني أَخَافُ اللَّهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ".[5]



وتكفل الله لصاحب هذا الخوف أن يغفر له ما بعده بفضل هذه الخشية وهذا الخوف كما في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ " أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ إِذَا أَنَا مُتُّ فأحرقوني ثُمَّ اسحقوني ثُمَّ اذْرُونِي في الرِّيحِ في الْبَحْرِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَىَّ رَبِّى ليعذبني عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدًا. قَالَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ فَقَالَ لِلأَرْضِ أَدِّى مَا أَخَذْتِ. فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ لَهُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ فَقَالَ خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ - أَوْ قَالَ - مَخَافَتُكَ. فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ".[6]



كتب عمرو بن العاص وكان أميرًا على مصر إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن نهر النيل يفيض على الناس فيهدم البيوت، فكتب عمر رسالة من عمر بن الخطاب إلى نهر النيل في مصر.. أما بعد، فإن كنت تجري بأمرك فاجر كما شئت، وإن كنت تجري بأمر الله فتوقف!! ثم أمر عمرو بن العاص أن يلقيها في النيل، فلما ألقاها توقف في الحال عن الفيضان، هؤلاء أناس حكموا بأمر الله فطوع الله لهم كل شيء فيا له من مرتقى ارتقى إليه أهل هذه العبادة ولم لا؟ وقد عملوا بخوفهم من الله - عز وجل - الذي منه فعل ما أمرهم به وترك ما نهاهم عنه، لمعرفتهم أنه سبحانه هو وحده الحقيق بالخوف منه -تبارك وتعالى- والمراقبة لأمره ونهيه، لكون الخير والشر بيده سبحانه فهذا حال من حفظ هذا النوع من الخوف ولم يضيعه، وأما من ضيعه فصرفه لغير الله فقد أشرك شركاً أكبر، إذ جعل لله ندّاً في الخوف وذلك كحال المشركين الذين يعتقدون في آلهتهم ذلك الاعتقاد ولهذا يخوفون بها أولياء الرحمن كما قال قوم هود لهود عليه السلام الذين ذكر الله - عز وجل - عنهم أنهم خوفوا هوداً بآلهتهم فقالوا: ﴿ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ﴾ [هود: 54] إلا أن أهل التوحيد الكامل وإخلاص الخوف وتمحيضه لله - عز وجل - وحده أعلنوها صريحة مدوية بأنهم لا يخافون إلا الله ولا يخشون إلا الله تعالى وإمامهم إبراهيم عليه السلام قدوة المحققين وسيد الموحدين يقول كما حكى الله - عز وجل - عنه: ﴿ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 80 - 82].



فالخائفون من الله في الدنيا هم أهل الأمن في الدنيا والآخرة وهم أهل الهداية والاهتداء في الدنيا والآخرة كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أبو نعيم في الحلية وغيره من حديث شداد بن أوس وسند حسن كما في الصحيحة وصحيح الجامع أنه صلى الله عليه وسلم قال: وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع عبادي ولمن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع عبادي".[7] فهذا أحبتي هو خوف التأله خوف التعبد خوف التقرب خوف السر الذي به يرضى الله عن عباده ويدخل تحت هذا أيضاً الخوف من وعيد الله الذي توعد به العصاة وهذا الخوف من أعلى مراتب الإيمان.



وهناك خوف على الضد من هذا تماماً فإن كان هذا الخوف الذي تحدثنا عنه تعبدي يتقرب به العباد إلى الله وتكون لأصحابه المنزلة العالية والمكانة السامية عند ربهم -تبارك وتعالى- فإن هذا النوع من الخوف الذي ابتدئ لحضراتكم الحديث فيه خوف يبعد عن الله خوف يورث غضبه وعقابه، خوف يضيع لا أقول منزلة العبد عند ربه، بل يضيع العبد نفسه ويورثه الهلاك ويورده النار وبئس القرار، وهذا الخوف - أيها الإخوة - هو ما يسميه العلماء الخوف الشركي وهل هناك شرك في الخوف؟ نعم ألم أقل لحضراتكم إن الخوف من الله الجليل ركن من أركان العبادة وهو منزلة رفيعة من أجل منازلها؟ فهناك من العباد من لا يمحض الخوف لله تعالى وحده بل يشرك فيه مع الله غيره فربما خاف العبيد أكثر مما يخاف العزيز الحميد، من الناس من يخاف من غير الله أن يصيبه ذلك الغير بمكروه وسوء وهو لا يدري أو يدري ولكنه لا يوقن أن الضرر والنفع والشر والخير إنما هو بيد الملك - سبحانه وتعالى - وحده إن شاء أن ينفعه نفعه ولو منع ذلك عنه أهل الأرض جميعًا، وإن شاء أن يضره ضره ولو منع ذلك عنه أهل الأرض جميعًا فما شاءه الله كان وما لم يشأه لم يكن، كما قال نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم: "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بشيء لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بشيء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بشيء لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بشيء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ".[8]



فإذا كان هذا الخوف في قلب عبد من غير الله يخاف أن يقطع رزقه أو ينقصه عمره أو يحرمه نفعاً فقد أشرك هذا العبد مع الله تعالى، لأن هذا كله من خصائصه سبحانه نعم.. فكل من سواه وكافة من عداه لا يملكون لأحد نفعاً ولا ضرّاً، لنوقن بهذا أحبتي ولننعم بذلك عيناً سواء كان هذا الواحد من الإنس أو الجن وسواء كان ملكاً أو نبيّاً وسواء كان حيّاً أو ميتاً، فهناك من المسملين ولا حول ولا قوة إلا بالله من أشرك في باب الخوف وجعل لله ندّاً في هذه العبادة العظيمة.



نعم.. انتشر هذا الأمر في كثير من المسلمين فمنهم الذين يعتقدون في الأولياء أو الجن أو الطواغيت الضرر والنفع من دون الله جل جلاله فصاروا يخافون منهم ويصرفون لهم كثيراً من العبادات بناء على ذلك الخوف.



"ومن هؤلاء الذين أشركوا مع الله - عز وجل - في جانب الخوف غلاة المتصوفة الذين غالوا في المشايخ والأولياء حتى اعتقدوا أن لهم التصرف في الكون والحياة، واعتقدوا فيهم القدرة المطلقة والعلم المحيط والعصمة من الزلل، وبالتالي خافوهم كما يخافون الله أو أكثر، ونسجوا في كتبهم كثيرًا من القصص والروايات والأساطير المكذوبة حول قدرتهم على نفع أو ضر غيرهم متى شاءوا، وروَّجوا لذلك بغرض حمل الناس على الخضوع لهم وتمكينهم من أموالهم وما يشاءون دون اعتراض، وإلا فالهلاك لمن يشك في ذلك[9].



وممن وقع في هذا النوع من الشرك طائفة العلمانيين والمستغربين من الحكام والمثقفين.. وغيرهم ممن عظم في قلوبهم الخوف من الغرب أو النظام العالمي الجديد أو أمريكا أو غيرها من دول الكفر إلى درجة أنهم أشركوا فيها هؤلاء من دون الله - عز وجل -، وظنوا أن أمريكا والغرب لا رادَّ لقدرتهم ولا يقدر أحد على مقاومتهم، وأنهم أصبحوا الموجهين للعالم، فلابد من طاعتهم وخوفوا الناس منهم، كما قال سبحانه عن أسلافهم من المنافقين: ﴿ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر:36]، وقال: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾[آل عمران:175].



ونتيجة هذا الخوف فقد أطاعوهم في كل ما يأمرون وينهون، فأحلوا الحرام، وحرموا الحلال ونبذوا شريعة الله، واستبدلوها بأحكام هؤلاء الكفرة وعادوا أولياء الله –عز وجل– وقربوا أعداءه، وهذا كله بناءً على خوفهم لهم م
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.95 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.63%)]