عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 26-08-2020, 02:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,551
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الاحتكار والاستغلال والغش أدواء قاتلة حرمها الإسلام


جاء في بعض الآثار أن الله أوحى إلى موسى - عليه السلام -: يا موسى لا تخافنَّ غيري ما دام ليَ السُّلطان، وسلطاني دائمٌ لا ينقطعُ، يا موسى، لا تهتمَّنَّ برزقي أبداً ما دامت خزائني مملوءةً، وخزائني مملوءةٌ لا تفنَى أبداً، يا موسى لا تأنس بغيري ما وجدتَني أنيساً لك، ومتى طلبتني وجدتني، يا موسى، لا تأمن مكري ما لم تَجُزِ الصِّراطَ إلى الجنة. ( ابن رجب: شرح جامع العلوم والحكم 28).








يقول الشاعر:





دع المقادير تجري في أعنتها

ولا تبيتن إلا خالي البال



ما بين طرفة عين وإنتباهتها

يغير الله من حال إلى حال



فكن بين الناس كالميزان معتدلا

ولا تقولن ذا عمي وذا خالي



لا يقطع الراس إلا من يركّبها

ولا يرد المنايا كثرة المال










وقال آخر:





دعِ الحرصَ على الدنيا

وفي العيش فلا تطمَع



فلا تجمع من المال

فما تدري لمَن تجمع







5- ترشيد الاستهلاك الاقتصاد في المعيشة والتوسط في النفقة وعدم شراء الا ماتحتاجة: وليس المسلم الحكيم بالذي يرهق نفسه بكثرة الشراء، ويهدر الأوقات والأموال والأعمار. وفي كثير من الأحيان يكون مصير شراء ما لا حاجة له من الأطعمة براميل القمامة. وقد قال تعالى: ويقول سبحانه وتعالي: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ قال شيخ الإسلام رحمه الله: فالذين يقتصدون في المآكل نعميهم بها أكثر من المسرفين فيها. فإن أولئك إذا أدمنوها وألفوها لا يبقى لها عندهم كبير لذة، مع أنهم قد لا يصبرون عنها وتكثر أمراضهم بسببها.، يقول الله عز وجل: ﴿ وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾.







علينا أن نعمل على تطبيق المنهج الشرعي في الاقتصاد وعدم الإسراف والتبذير في حياتنا اليومية، فالتبذير نوع من أنواع كفر النعمة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 27].







ولا يوجد أدل على ذلك أفضل من بيت النبوة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة بن الزبير: " ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار يعني لا يطبخون شيئاً قال عروة: فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء " (رواه البخاري 6459، ومسلم 2973 ).




دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ابنته حفصة رضي الله عنها فقدمت إليه مرقا باردا وصبت عليه زيتا فقال: إدمان في إناء واحد؟ لا آكله حتى ألقى الله عز وجل.








رَوَى جَابِرٌ قَالَ رَأَى عُمَرُ لَحْمًا مُعَلَّقًا فِي يَدِي فَقَالَ: مَا هَذَا يَا جَابِرُ؟ فَقُلْتُ: اشْتَهَيْتُ لَحْمًا فَاشْتَرَيْتُهُ، فَقَالَ أَوَ كُلَّمَا اشْتَهَيْتَ اشْتَرَيْتَ يَا جَابِرُ؟ أَمَا تَخَافُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا ﴾. ابن مفلح: الآداب الشرعية 3/341.







سادسا: دور الدولة والمجتمع في التعامل مع المحتكرين على الدولة مسؤولية عظيمة تجاه هذه الأزمة الطاحنة، تتمثل في كبح جماح التجار وضبط تغولهم وافتراسهم للمواطنين بزيادة الأسعار دون رقيب أو حسيب، والنهى عن الاحتكار في نشرات الأخبار والجرائد الرسمية.







كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكذلك عثمان في خلافتيهما -رضي الله عنهما- "كانا ينهيان في الأسواق عن احتكار الطعام".



ويحب على المسؤولين إجبار المحتكر على بيع ما يحتكِره، والفقهاء يقولون: إن من احتكر سلعة على الوجه الممنوع يجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، ويخرج السلعة إلى السوق ويبيعها لأهل الحاجة إليها بالسعر الذي اشتراها به ولا يزيد عليه شيئا، لأنه منع الناس منها بشرائها من غير وجه حق، فيجب أن يمكنهم منها بالسعر الذي كانوا يشترونها به لو لم يتعدَّ عليها، ويذهب جمهور الفقهاء إلى أن لولي الأمر إذا رفض المحتكِر تنفيذ ذلك مصادرة السلع المخزونة وبيعها في السوق بثمن المثل، ويجوز تعويض المحتكر بعد ذلك أو عدم تعويضه، كذلك يجوز لولي الأمر تعزير المحتكِر بأحد أمور يراها الحاكم، فقد يكون التعزير بأخذ ما يترتب على الاحتكار من ربح ويوزعه على المحتاجين، وقد يكون التعزير بحبْس المحتكِر، وقد يكون التعزير عن طريق إتلاف أمواله المحتكَرة تأديباً له، كما فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مع بعض المحتكِرين أو يكون بالحجر عليه وغيره مما هو داخل في قاعدة: "تحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام".







وعلى الناس الاتحاد والوقوف بجانب الدولة في مواجهة المحتكرين والمتسببين في غلاء الأسعار جاء في الأثر أن الناس في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاؤوا إليه وقالوا: نشتكي إليك غلاء اللحم فسعِّرْه لنا، فقال: أرْخِصُوهُ أنتم؟ فقالوا: نحن نشتكي غلاء السعر، واللحم عند الجزارين، ونحن أصحاب الحاجة، فتقول: أرخصوه أنتم! وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ فقال قولته الرائعة: اتركوه لهم. فدلهم رضي الله عنه إلى طريقة سديدة لمعالجة سعر هذه السلعة وذلك بتركها، فهل يعي المسلمون ذلك ويتركوا ما غلا سعره إلى ما هو دونه كي يعلم هؤلاء المحتكرون أن الناس يمكنهم ترك سلعتهم فيرخصونها؟.







بل إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يطرح بين أيدينا طريقة أخرى في مكافحة الغلاء وهي إرخاص السلعة عبر إبدالها بسلعة أخرى؛ فعن رزين بن الأعرج مولى لآل العباس قال: غلا علينا الزبيب بمكة فكتبنا إلى على بن أبى طالب بالكوفة أن الزبيب قد غلا علينا، فكتب أن أرخصوه بالتمر. أي: استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوفرا في الحجاز وأسعاره رخيصة فيقل الطلب على الزبيب فيرخص، وإن لم يرخص فالتمر خير بديل فانتبهوا -عباد الله- لتلك التوجيهات، فأنتم بيدكم بعض علاج مشكلة الغلاء واحتكار السلع، فإذا وجد التجار أن الناس زهدوا فيما عندهم من السلع الغالية أرخصوها وحرصوا على بيعها.







قال محمود الوراق:





إني رأيت الصبر خير معول

في النائبات لمن أراد معولا



ورأيت أسباب القناعة أكدت

بعرى الغنى فجعلتها لي معقلا



فإذا نبا بي منزل جاوزته

وجعلت منه غيره لي منزلا



وإذا غلا شيء علي تركته

فيكون أرخص ما يكون إذا غلا










ولما قامت الأزمة في عهد عمر رضي الله عنه في عام الرمادة، وحصل قحطٌ شديد وقل الطعام، ودام تسعة أشهر. وسمي عام الرمادة لأن الريح كانت تسفي تراباً كالرماد. وقيل: لأن الأرض كانت سوداء مثل الرماد. فما هي التدابير التي اتخذها عمر رضي الله عنه في هذه الأزمة؟



أولاً: حث الناس على كثرة الصلاة والدعاء واللجوء إلى الله. وكان يصلي بالناس العشاء ثم يخرج حتى يدخل بيته فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتي الأنقاب –أطراف المدينة – فيطوف عليها ويقول في السحر: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي. ويقول: اللهم لا تهلكنا بالسنين –يعني القحط- وارفع عنا البلاء يردد هذه الكلمة.







ثانياً: كتب إلى عماله على الأمصار طالباً الإغاثة، وفي رسالته إلى عمرو بن العاص والي مصر، بعث إليه: يا غوثاه! يا غوثاه! أنت ومن معك ومن قبلك فيما أنت فيه، ونحن فيما نحن فيه. فأرسل إليه عمرو بألف بعير تحمل الدقيق. وبعث في البحر بعشرين سفينة تحمل الدقيق والدهن. وبعث إليه بخمسة آلاف كساء. وهكذا أرسل إلى سعد بن أبي وقاص فأرسل له بثلاثة آلاف بعير تحمل الدقيق، وبعث إليه بثلاثة آلاف عباءة، وإلى والي الشام فأرسل إليه بألفي بعير تحمل الدقيق، ونحو ذلك مما حصل من مواساة المسلمين لبعضهم. لأن هذه الأمة واحدة. فإذا مسّ بعضها شدّة، تداعى الباقي لها. جسدٌ واحد.







ثالثاً: أحس عمر بمعاناة الناس. قال أنس رضي الله عنه: كان بطن عمر يقرقر عام الرمادة وكان يأكل الزيت، ولا يأكل السمن. فقرقر بطنه فنقرها بأصبعيه، وقال: تقرقر، إنه ليس لك عندنا غيره حتى يُحيا الناس. أي: يأتي الله بالحيا والمطر الذي يغيث به الأرض. وقال أسلم: كنا نقول لو لم يرفع الله المحن عام الرمادة لظننّا أن عمر يموت هماً بأمر المسلمين. ثم يقوم رضي الله عنه بوعظ الناس وينادي: أيها الناس استغفروا ربكم ثم توبوا إليه وسلوه من فضله واستسقوا سقيا رحمة. وطلب الناس من العباس عم النبي عليه الصلاة والسلام الرجل الصالح، وأقرب الحاضرين إلى النبي عليه الصلاة والسلام أن يخرج ليستسقي لهم استشفاعاً بدعاء الرجل الصالح من آل البيت. وكان العباس حياً فلم يطلبوا من ميت ولم يطلبوا شيئاً لا يقدر عليه الحي. وخرج العباس يدعو الله، فدعا ودعا، وبكى، فاستجاب الله ونزل الغيث.







سابعا وأخيرا: رسالة إلى تجار المسلمين وما ينبغي أن يكونوا عليه في مثل هذه الأحوال



أيها التجار: لقد جاءت شريعتنا العظيمة برحمة العباد، والراحمون يرحمهم الرحمن، والمحسنون جزاؤهم الإحسان. والتاجر المسلم يجب أن يكون ذو شفَقَة وعَطف بإخوانه المسلمين، يتحلّى بحسن النية، والرفق بالمسلمين، وتوفير الجيد لهم بالثمن المناسب لهم لا يغالي في الرِّبح، ولا يبالغ في التكسُّب، ولا يرهق كواهل إخوانه، فعَن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "رحِم الله رجلاً سمحًا إذا باع وإذا اشتَرى وإذا اقتَضَى" أخرجه البخاريّ.







وهؤلاء التجار أصحاب القلوبِ الرحيمة، هم المحظوظون بالرحمة، الموعودون بالبركةِ في أرزاقهم، والسعةِ في أموالهم، والصِّحةِ في أبدانهِم، والسعادة في نفوسهم. والتاجر الأمين في جنَّة ربِّ العالمين مع النبيِّين والصِّدِّيقين: أخرج الترمذي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "التاجر الصَّدوق الأمين مع النبيِّين والصِّديقين والشُّهَداء" (إسناده جيد، وأشار الألباني إلى ضعفه في "جامع الترمذي"، ولكن له شواهد كثيرة يتقوَّى بها، قال الذهبي: هو حديثٌ جيِّد الإسناد صَحيح المعنى)




والتاجر المسلم يجب لا يكذب ولا يحتال وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال: يا معشر التجار. فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعوا أعناقهم، وأبصارهم إليه. فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً، إلا من اتقى الله وبر وصدق. رواه الترمذي وهو حديث صحيح.








والتاجر المسلم يجب أن يكون أمينا وبأمانة التُّجَّار المسلمين وصِدقهم دخَل الناس في دِين الله أفواجًا: إنَّ أثَر التُّجَّار الأمناء الصادقين في انتشار الإسلام لا يقلُّ عن أثَر الجيوش في الفتوحات الإسلاميَّة، بل إنَّه فاقَ أثَر هذه الجيوش، ووصَل إلى مناطق لم تدخُلها جيوش المسلمين، وإنما دخَلها التُّجَّار المسلمون بأمانتهم؛ كمناطق جنوب شرق آسيا، وغرب إفريقيا ووسطها.







ولِمَكارم الأخلاق وعلى رأسها الأمانةُ أسرَعَ كرامُ الناس إلى اعتناق الإسلام لدَعوته إليها.







وما أسلم صفوةُ الصحابة على يد أبي بكرٍ الصِّدِّيق إلاَّ لِمَا عَهِدوه فيه من خُلُقٍ وأمانة؛ فأسلَمَ على يديه عثمان بن عفَّان، والزبير بن العوَّام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقَّاص، وطلحة بن عبيدالله رضِي الله عنهم وذلك لِمُخالطتهم الصِّدِّيقَ التاجرَ الأمين، وما لمسوه من أخلاقه الكريمة.







والتجار في الماضي كانت عندهم أمانة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الْأَرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْأَرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلَامٌ. وَقَالَ الْآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ. قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا"( البخاري ).







"وذات يوم خرج أحد التجار الأمناء في سفر له، وترك أحد العاملين عنده ليبيع في متجره، فجاء رجل يهودي واشتري ثوبًا كان به عيب. فلما حضر صاحب المتجر لم يجد ذلك الثوب، فسأل عنه، فقال له العامل: بعته لرجل يهودي بثلاثة آلاف درهم، ولم يطلع على عيبه. فغضب التاجر وقال له: وأين ذلك الرجل؟ فقال: لقد سافر. فأخذ التاجر المسلم المال، وخرج ليلحق بالقافلة التي سافر معها اليهودي، فلحقها بعد ثلاثة أيام، فسأل عن اليهودي، فلما وجده قال له: أيها الرجل! لقد اشتريت من متجري ثوبًا به عيب، فخذ دراهمك، وأعطني الثوب. فتعجب اليهودي وسأله: لماذا فعلت هذا؟ قال التاجر: إن ديني يأمرني بالأمانة، وينهاني عن الخيانة، فقد قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا" (مسلم)، فاندهش اليهودي وأخبر التاجر بأن الدراهم التي دفعها للعامل كانت مزيفة، وأعطاه بدلاً منها، ثم قال: لقد أسلمت لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله. "







جاء عن محمد بن المنكدر رحمه الله أنه كان له سلعٌ تباع بخمس وأخرى بعشرة. فباع غلامه في غيبته شيئاً من الخمسيات بعشرة. فلما عرف لم يزل يطلب ذلك المشتري طول النهار حتى وجده، فقال له: إن الغلام قد أخطأ فباعك ما يساوي خمسة بعشرة. فقال: يا هذا قد رضيت. قال: وإن رضيت فإنا لا نرضى لك إلا ما نرضى لأنفسنا. فقد ربحت ثلاث؛ إما أن تستعيد مالك وتعيد السلعة. وإما أن نرد إليك خمسة. وإما أن تأخذ بدلاً من سلعة الخمس سلعة العشر. فقال: أعطني خمسة. فرد عليه خمسة وانصرف الأعرابي المشتري يسأل ويقول: من هذا الشيخ؟ فقيل له: هذا محمد بن المنكدر. فقال: لا إله إلا الله، هذا الذي نستسقي به في البوادي إذا قحطنا.





يا ليتني أبيع الشيء يكسب في

ه المشتري الربح ديناراً بعشرينا



أحب شيء إلى نفسي معاملةٌ

كسب العميل فنأتيه ويأتينا










وكان أبو حنيفة رحمه الله يبيع القماش وكان عنده ثوبٌ فيه عيب فجعله جانباً. فجاء خادمه في غيبته فباع الثوب المعيب بقيمته لو كان سليماً. فلما جاء الإمام إلى محله وسأل عن ذلك الثوب قال الغلام بعته قال بكم؟ قال: بكذا، أي بسعر السليم. قال: هل أطلعت المشتري على العيب الذي فيه؟ قال: لا. فتصدق بقيمة الثوب كله.







وينبغي أن يكون التاجر سخياً بالصدقات. قحط الناس في زمن أبي بكر فقدمت لعثمان رضي الله عنه قافلة من ألف راحلة من البر والطعام. فغدا التجار عليه، فخرج إليهم فقال: ماذا تريدون؟ قالوا: بلغنا أنه قدم لك ألف راحلة براً وطعاماً. براً وطعاماً. بعنا حتى نوسع على فقراء المدينة. فقال لهم: ادخلوا فدخلوا. فقال: كم تربحوني على شرائي؟ قالوا: العشرة اثنا عشر. قال: قد زادوني. قالوا: العشرة أربعة عشر. قال: قد زادوني. قالوا: العشر خمسة عشر. قال: قد زادوني. قالوا: من زادك ونحن تجار المدينة. قال: زادني بكل درهم عشرة عندكم زيادة؟ قالوا: لا. قال: فأشهدكم معشر التجار أنها صدقة على فقراء المدينة. [رواه المحب الطبري في (الرياض النظرة في مناقب العشرة): (43)].







هكذا كان عثمان رضي الله عنه وابن عوف وغيرهم من فقراء، ومن أغنياء التجار، يجودون على فقراء المسلمين، ولا يستغلّون مثل هذه الفرص لكي يرفعوا الأسعار ويحتكروا الأطعمة ليبيعوا على الناس بالغلاء. إن الرفق بالمسلمين أمرٌ جدّ طيب. وإن الحرص على مصلحتهم أمرٌ جد حسن.







فاتقوا الله -أيّها التجار- وارحموا إخوانكم وأهليكم، يرحمكم ربكم وطهِّروا بيوعَكم من الغشِّ والخداع، والمبالغة في الأسعارِ يبارَك الله لَكم فيها ولقد تبيَّنَ أن تلك الأمراض المعضلة التي بدأت تدب في الناس من غلاء واحتكار للسلع غالبها من ضعف الإيمان، وحب الدنيا، وإيثارها على العاجلة، وأنا أقول لمن يقع في ذلك ويرفع الأسعار على الناس: كم ستعيش في الدنيا؟ وكم ستملك؟ وإلى متى التمتع بملذاتها؟ أليست لك نهاية؟ أليس لك لقاء بملَك الموت؟ ألا تعلم أنك ستقف بين يدي رب العالمين فيجازيك بما فعلت؟ فلْيتَّقِ الله كُلُّ مَن تُسوِّل له نفسه احتكار السلع ورفع أسعارها.







ونقول لهم أيها التجار: هذه الدولة المباركة، كم قدمت لكم من إعانات وتسهيلات في مصانعكم وشركاتكم، فماذا قدمتم للوطن وأهل الوطن، بعيدًا عن تعميم الأحكام نقول: إن كثيرًا من التجار وللأسف مارسوا أبشع العقوق للوطن وأهله، لا تسألهم عن توظيف الكوادر الوطنية وتشجيع الشباب بالمرتبات المناسبة، بل اسألهم عن دفع ما أوجب الله عليهم من زكاة المال، التي لو دفعت لأهلها لم يبق بيننا فقير فهذه رسالة للتجار والبائعين والمقاولين وأصحاب العقارات الذين لا يراعون في مؤمن إلا ولا ذمة ولا حول ولا قوة إلا بالله.







نسأل الله عز وجل أن يلطف بنا، وأن يرفع ما نزل بنا من غلاء في الأسعار، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.







المراجع:



القرآن الكريم.



موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم.



خطبة قيمة العمل في الإسلام للشيخ سعد الشهاوي.



خطبة الأمانة فضائلها ومجالاتها للشيخ سعد الشهاوي.



مشكلة غلاء الأسعار وأثرها على أمن المجتمع للدكتور حسين حسين شحاتة الأستاذ بجامعة الأزهر خبير استشاري في المعاملات المالية الشرعية.



اختلال الموازنات. . في فقه الأزمات د. مسفر بن علي القحطاني الأستاذ بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن.



مشكلة غلاء الأسعار وكيف عالجها الإسلام د. بدر عبد الحميد هميسه.



غلاء الأسعار الشيخ محمد صالح المنجد.



خطبة بعنوان ذكرى الإسراء والمعراج - غلاء الأسعار – التسعير المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام التأريخ: 27/7/1428ه.




احتكار السلع وغلاء الأسعار أ. د. عبدالله بن محمد الطيار.



أسباب غلاء الأسعار الشيخ أحمد صبري.



سياسة فقه الأزمات [عام الرمادة أنموذجا] سلمان بن يحي المالكي.



صفحات من حياة عثمان رضي الله عنه للدكتور خالد بن عبد العزيز الباتلي.



ملتقى الخطباء.




شبكة الإنترنت.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]