عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 23-08-2020, 03:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وافعلوا الخير لعلكم تفلحون



فالمسارعة والمسابقة والمنافسة لهم بعض السمات الأساسية منها:-
1- المسارعة والمنافسة والمسابقة مطلب شرعي وأمر إلهي،ووصية نبوية:-
قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ[آل عمران: 133].

وقال تعالى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].

وقَالَ تعالى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الحديد: 21].

وقال تعالى:﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 148].

وقال تعالى:﴿ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ[المائدة: 48]. وقال تعالى:﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ[الواقعة: 10 - 11]، ومن معاني تفسيرها: السابقون في الدنيا إلى فعل الخيرات والمتطوعون في خدمة الإنسان هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات.

قال السَّعْدِي: "فَمَنْ سَبَقَ في الدُّنْيا إلى الخيرات فَهُوُ السابقُ في الآخرةِ إلى الجنات، فالسابقون أعلى الْخَلْقِ دَرَجَة".

وقال تعالى: ﴿ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ[آل عمران: 113 - 115].

وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قالاغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك). رواه الحاكم في المستدرك.

إن المسارعة والمسابقة في السير إلى الله تعالى، لا مجال فيها للروية والتؤدة والأناة؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم "التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلا فِي عَمَلِ الآخِرَةِ". رواه أبو داود.

وقال وهيب بن الورد: "إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحدٌ فافعل".

وقال عمر بن عبد العزيز في حجةٍ حجها عند دفع الناس من عرفةَ: "ليس السابقُ اليومَ من سبقَ به بعيرُه، إنما السابقُ من غُفر له".

2- المسارعةُ والمسابقةُ في الخيرِ صفةٌ من صفاتِ المؤمنين الموحدين:-
قال تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون: 57 - 61].

وذكر الله سبب استجابته لدعاء عبده زكريا أنه كان يسارع في الخيرات فقال تعالى: ﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)[الأنبياء: 89، 90].

وجعل الله لهم ميراث الكتاب فقال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر: 32]...

3- التفاضل في الجنة بحسب السبق والمسارعة:-
في الجنةِ تَتَفَاضَلُ الدرجات بَحَسَبِ السَّبْقِ والمسارعةِ: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [الواقعة: 10 - 12]

وفي الصحيحين عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ؛ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ" قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ؟ قَالَ: "بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِالله وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ".

ومقامات الناس في الآخرة مبنية على مقاماتهم في السير إلى الله تعالى في الدنيا، وإذا كان الناس يتفاوتون في طبقاتهم في الدنيا فإن تفاوتهم سيكون في الآخرة أكبر وأوضح.

قال تعالى: ﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ[الإسراء: 21]، يعني في الدنيا، ثم قال عن الآخرة: ﴿ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 21].

4- التنافسُ في أعمالِ الخيرِ وصيةٌ نَبَوِيَّة، وسُنَّةٌ مُحمدية:-
ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَقَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟" قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ" قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: " تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً".

وتَأَمَّلْ قَولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم - حَاثَّاً على المُبادَرَةِ، والمُسَارَعة كما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ(أي التبكير) لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا".

العنصر الخامس: صور مشرقة للتنافس في فعل الخيرات:-
كان الصالحون ممن قبلنا يفقهون عن الله تعالى مراده في كتابه عندما حثَّ على المسارعة في الخيرات، ففهموا أنها مسابقة حقيقية تحتاج إلى تحفز وتشمير، كما يفعل المتسابق في الطريق.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ: "أَلا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ لا خَطَرَ لَهَا، هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلأْلأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهَرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ، فِي مَقَامٍ أَبَدًا، فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ، فِي دُورٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ"، قَالُوا: نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ" رواه ابن ماجه.

إنه التشميرُ للمسابقةِ الحقيقيةِ والفرارِ إلى اللهِ تعالى، كما قال سبحانه: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ[الذاريات: 50، 51].

إنها المسارعة في السير إلى الله تعالى، والتي تكون عاقبتها الرضا من الله تعالى، كما قال سيدنا موسى عليه السلام ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى[طه: 84].

ولقد سَادَتْ رُوحُ المنافسةِ في الخيراتِ بين المسلمين الأوائل،وهذه بعض الصور المشرقة:-
1- لقد كان صلى الله عليه وسلم مثالاً أعلى في المسارعة إلى الخير، فعن أبي سروعة عقبة بن الحارث رضى الله عنه قال: "صليت وراء النبي - صلى الله عليه وسلم بالمدينة صلاة العصر، فسلّم ثم قام مسرعًا، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حُجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج إليهم، فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته، قال: ذكرت شيئًا من تبرٍ (الذهب المكسور) عندنا فكرهت أن يحبسني، فأمرت بقسمته" [البخاري].

خشي النبي صلى الله عليه وسلم أن تحبسه هذه الأمانة يوم القيامة، فبادر إلى توزيعها، والتصدق بها.

2- وهذا أبو الدحداح الأنصاري، لما نزل قول الله تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة: 245].

قال للرسول صلى الله عليه وسلم وإنّ الله ليريد منَّا القرض؟ قال عليه الصلاة والسلام: نعم يا أبا الدحداح، قال: أرني يدك يا رسول الله، فناوله النبي - صلى الله عليه وسلم - يده، فقال أبو الدحداح: إني قد أقرضت ربي عز وجل حائطي (أي بستاني، وكان فيه 600 نخلة) وأم الدحداح فيه وعيالها، فناداها: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: أخرجي من الحائط: يعني: أخرجي من البستان فقد أقرضته ربي عز وجل.

وفي رواية: أن امرأته لما سمعته يناديها عمدت إلى صبيانها تخرج التمر من أفواههم، وتنفض ما في أكمامهم. تريد بفعلها هذا الأجر كاملاً غير منقوص من الله.

لذلك كانت النتيجة لهذه المسارعة أن قال النبي صلى الله عليه وسلم "كم من عذقٍ رداح (أي: مثمر وممتلئ) في الجنة لأبي الدحداح" [مسند الإمام أحمد].

3- وأبو طلحة الأنصاري؛ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: يقول الله تبارك وتعالى في كتابه ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92] وإنّ أحب أموالي إليّ بَيْرُحاء، وكانت حديقة يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم ويستظل بها، ويشرب من مائها، فهي إلى الله عز وجل، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال صلى الله عليه وسلم: بخ يا أبا طلحة، ذاك مال رابح، ذاك ما رابح، قبلناه منك، ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين، فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه [البخاري ومسلم].

4- وهذه صورة مشرقة، ولوحة رائعة يزيّنها مسارعة الصحابة، ومبادرتهم إلى فعل الخيرات. يوم أن عظم الخطب واشتد الأمر علي رسول الله صلي الله عليه وسلم في يوم تبوك الذي سماه الله تعالى يوم العسرة كما قال الله تعالى: ﴿ لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ﴾ [التوبة: 117]..

لقد فتح الرسول (صلى الله عليه وسلم) باب التبرع علانية؛ حتى يحفز المسلمون بعضُهم بعضًا..

وكان أول القائمين عثمان بن عفان رضي الله عنه..!! لقد قام فقال: "علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله"!!، فَسُرَّ رسول الله صلي الله عليه وسلم بذلك سروراً عظيماً؛ فهذا عطاء كثير! ثم فتح باب التبرع من جديد، فقام عثمان بن عفان ثانيةً (يزايد علي نفسه!)، قال: "علي مائة بعير أخرى بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله"!!، فسعد به رسول الله صلي الله عليه وسلم سعادة عظيمة.. حتى إنه قال: "ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم!"..

ولكن.. هل سكن عثمان أو اطمأن؟! انظر إليه.. لقد أخذ يدفع من جديد حتى وصل ما تبرع به إلي ثلاثمائة بعير!! (وفي رواية: تسعمائة بعير، ومائة فرس!!)، ثم ذهب إلي بيته، وأتى بألف دينار نثرها في حجر رسول الله صلي الله عليه وسلم.. ورسول الله صلي الله عليه وسلم يقلِّبها متعجبًا!..

وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه.. أتى بأربعة آلاف درهم، وقد يقول قائل: إنها أقل بكثير مما جاء به عثمان.. لكنها تُعتبر أكثر نسبيًّا من عطاء عثمان - سبحان الله - لأنها كل مال أبي بكر الصديق.. حتى إن رسول الله صلي الله عليه وسلم سأله: "وماذا أبقيت لأهلك؟!" قال له في يقين: "أبقيت لهم الله ورسوله".

وأتى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بنصف ماله، وهو كثير.. بل كثير جداً..
عبد الرحمن بن عوف أتى بمائتي أوقية من الفضة، وهذا أيضًا كثير!!

بل إن النساء أتت بالحلي.. كان الكل يشارك.. كانت قضية إسلامية تشغل كل فئات الأمة حتى الفقراء الذين لا يملكون إلا قوت يومهم!!جاءوا بالوسق والوسقين من التمر!!، تمر قليل يُجهزون به الجيش الكبير؟!، نعم قليل، لكن هذا كل ما يملكونه، سيطعمون جندياً أياماً.. قد لا يعني هذا في نظر بعض الناس شيئًا.. لكنها تعني بالنسبة لهم الكثير، وتعني أيضا عند الله الكثير والكثير.. حتى إن المنافقين كانوا يسخرون من هذه العطايا البسيطة؛ فأنزل الله دفاعًا عظيمًا في كتابه عن هؤلاء الفقراء المتصدقين.. يقول تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [سورة التوبة: 79].

5- وهذه صورة مشرقة لأب وابنه: لما ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى الخروج إلى عير قريش، قال خيثمة بن الحارث لابنه سعد: "إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم فآثرني بالخروج، وأقِمْ مع نسائك، فأبى سعد، وقال: لو كان غير الجنة لآثرتك به، إني أرجو الشهادة في وجههي هذا!!، فاستهما (أي اقترعا) فخرج سهمُ سعد، فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فقتل يومئذ".

6- وهذا أبو مسلم الخولاني عندما كان يقوم الليل فإذا تعبت قدماه ضربها بيديه قائلاً: " ﻗﻮﻣﻲ ﻓﻮﺍﻟﻠﻪ ﻷ‌ﺯﺣﻔﻦ ﺑﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺯﺣﻔﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻜﻠﻞ ﻣﻨﻚ ﻻ‌ ﻣﻨﻲ.. ﺃﻳﻈﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻣﺤﻤﺪ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺄﺛﺮﻭﺍ ﺑﻪ ﺩﻭﻧﻨﺎ.. ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻟﻨﺰﺍﺣﻤﻨﻬﻢ ﺇﻟﻴﻪ ﺯﺣﺎﻣﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻤﻮﺍ ﺃﻧﻬﻢ ﺧﻠّﻔﻮﺍ ﻭﺭﺍﺀﻫﻢ ﺭﺟﺎﻻ‌"، فهو يريد المنافسة ويريد أن يزاحم صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الدار الآخرة، وهنيئًا له بهذه المنافسة الشريفة.

أثر التنافس في حياتهم:-
كان التنافسُ سَبَبٌ لرفعِ الهمةِ، وإثارةِ الْحَمَاسِ، يَكْشِفُ عنْ معادِنِ الناسِ، وعُلُوِّ نُفُوسِهِم، وقُوَّةِ عزائِمِهم كما يُبَيِّنُ مَوَاطِنَ ضَعْفِهِم وقُصُورِهِم، ولا يَسْتَوِي في الناسِ مُبَادِرٌ إلى الخير، ومُتَبَاطِئ، ومُسَابِقٌ في الفَضْلِ، ومُتَثَاقِل؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾) [الحديد: 10].

والتنافُسُ المحمود يُثرِي الحياة، ويجعلُ المُسلمَ يطمَحُ إلى السمُوِّ بنفسِه والارتِقاء بعلمِه وعملِه للسعيِ إلى الكمال.

واللَّبِيبُ العاقلُ يُسارِعُ ويُبادرُ قَبْلَ العوائِقِ والعَوَارِض، فَنَافِسْ مَا دُمْتَ في فُسْحَةٍ ونَفَسْ، فالصِّحْةُ يَفْجَؤُهَا السَّقَم، والقوةُ يَعْتَرِيهَا الوَهَن، والشبابُ يَعْقِبُهُ الهَرَم.
بَادِرْ بِخَيْرٍ إذا ما كُنْتَ مُقْتَدِرَا ♦♦♦ فَلَيْسَ في كُلِّ وَقْتٍ أَنْتَ مُقْتَدِرُ

العنصر السادس: عوائق المسارعة والمنافسة:-
فلابد من التنافس في مبادرة الأعمال الصالحة قبل ظهور العوائق؛ والعوائق كما وردت في الحديث الذي رواه أبوهريرة رضي الله عنه قال رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟) [أخرجه الترمذي في سننه].

العنصر السابع: التنافس المذموم:-
كما أن الصالحين تنافسوا في الخير والفوز به وتسابقوا في الوصول إليه، فإن الطالحين وأهل الهوى والشهوات تنافسوا في المنكرات وتسابقوا في ارتكاب المحرمات والسقوط في حمأتها، وإليكم بعض صور التنافس المذموم:-
1- التنافس على الدنيا:-
وهذا ما حَذَّرَ منه الصادقُ المعصومُ صلى الله عليه وسلم وهو التنافسُ على الدُّنيا وزَهْرَتِها على حسابِ الآخرةِ وبَهْجَتِها -كما في الصحيحين أنه قال: "فو الله مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ".

وفي مسلم عن عبد الله بْنِ عَمْرِو رضي الله عنهما عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ".... تَتَنَافَسُونَ ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ".

إن التنافس في الدنيا قد أوقع الناس في الشح الذي حملهم على قطع الرحم وعقوق الآباء، والإساءة إلى الجيران، ولم يعد مسلم يعرف لأخيه المسلم حقا بسبب التنافس في الدنيا، ولذلك حذر الإسلام من التنافس في الدنيا لما فيه من المفاسد. ولذلك يقول أحد السلف: "إذا رأيت من ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة".

2- المسارعة بالكفر والإثم والعدوان:-
والتنافس في أعمال الإثم سمة أساسية من سمات اليهود،كما قال تعالى عن اليهود: ﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 62].

3- التنافس في تضليل المؤمنين والإفساد بينهم:-
وهذا تَنَافُسٌ ذَمِيمٌ، وتَسَابُقٌ أَثيمٌ على قَتْلِ العِفَّةِ في بِلادِ المسلمين، ونَشْرِ الرذيلةِ في أوسَاطِ المؤمنين، وتطبيعِ السفورِ والانْحِلال، وفَرْضِ اختلاطِ النساءِ بالرجال، في ميادِين العَمَلِ والتعليم. فنجد كثير من الشباب يتنافس في نشر المخدرات والأفلام الإباحية وسط أقرانه، والبعض يتنافس في إظهار أحدث أنواع الموضة العالمية ويتفاخر بذلك، وإن لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

الخاتمة:
عباد الله..
في طريقك إلى اللهِ تعالى لن تجدَ لوحاتٍ تطالبُك بتهدئة السرعة، وتحددُ لك السرعةَ القصوى! وتحذِّرك بمراقبة الرادار، بل ستجد مجموعةً من اللوحات في الطريق، مكتوبًا على إحداها: ﴿ سَابِقُوا ﴾ [الحديد: 21]، وعلى الأخرى ﴿ وَسَارِعُوا ﴾ [آل عمران: 133]، وعلى الثالثة ﴿ فَاسْتَبَقُوا ﴾ [يس: 66].

ولذلك يا عبد الله إن استطعت أن تسارعَ وتسابقَ وتبادرَ وتغتنمَ حياتك قبل موتك فافعل، واعلم بأنك ستجدُ أولَ الطريق مزدحمًا، وأما في آخره فلن تجد إلا قِلَّةً مختارةً مصطفاة، فاحرص على أن تكون منهم: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].

وقال صلي الله عليه وسلم "مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَقِيَ وَجْهَهُ حَرَّ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ".

والسبيل الأوحد إلي المنافسة:- تعظيم أمر النية،وتعظيم أمر الآخرة وتلك سمة الأنبياء، قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ﴾ [ص:46]. وثمرة ذلك انشغالك بربك وما يرضيه؛ يقول أحد السلف: "من كان اليوم مشغولاً بنفسه فهو غدًا مشغول بنفسه، ومن كان اليوم مشغولاً بربه فهو غدًا مشغول بربه".


عباد الله:- بادروا في اغتنام حياتكم قبل فنائها، وأعماركم قبل انقضائها بفعل الخيرات والاكثار من الطاعات، فإن الفرص لا تدوم، والعوارض التي تحول بين الانسان وبين العمل كثيرة وغير مأمونة.

يقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بَادرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعرْض من الدُّنْيَا" [مسلم].

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المسارعين المسابقين إلى مغفرة ربنا وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. انتهت بفضل الله ورحمته.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.85 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]