عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 19-08-2020, 03:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,334
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أين أنتم يا حماة التوحيد؟!

رابعًا: ومن أنواع الشرك المنتشرة السحر والكهانة والعرافة:

أما السحر فإنه كفر ومن السبع الكبائر الموبقات وهو يضر ولا ينفع قال الله تعالى عن تعلمه ﴿ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ﴾ [البقرة: 102]، وقال (ولا يفلح الساحر حيث أتى)طه/69، والذي يتعاطى السحر كافر قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾ [البقرة: 102].



وحكم الساحر القتل وكسبه حرام خبيث، والجهال والظلمة وضعفاء الإيمان يذهبون إلى السحرة لعمل سحر يعتدون به على أشخاص أو ينتقمون منهم ومن الناس من يرتكب محرما بلجوئه إلى الساحر لفك السحر والواجب اللجوء إلى الله والاستشفاء بكلامه كالمعوذات وغيرها.



أما الكاهن والعراف فكلاهما كافر بالله العظيم لادعائهما معرفة الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله وكثير من هؤلاء يستغفل السذج لأخذ أموالهم ويستعملون وسائل كثيرة من التخطيط في الرمل أو ضرب الودع أو قراءة الكف والفنجان أو كرة الكريستال والمرايا وغير ذلك وإذا صدقوا مرة كذبوا تسعا وتسعين مرة ولكن المغفلين لا يتذكرون إلا المرة التي صدق فيها هؤلاء الأفاكون فيذهبون إليهم لمعرفة المستقبل والسعادة والشقاوة في زواج أو تجارة والبحث عن المفقودات ونحو ذلك وحكم الذي يذهب إليهم إن كان مصدقا بما يقولون فهو كافر خارج عن الملة والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد"[29] أما إن كان الذي يذهب إليهم غير مصدق بأنهم يعلمون الغيب ولكنه يذهب للتجربة ونحوها فإنه لا يكفر ولكن لا تقبل له صلاة أربعين يوما والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافا فسأله عن شئ لم تقبل له صلاة أربعين ليلة"[30]، هذا مع وجوب الصلاة والتوبة عليه.



خامسًا: ومن صور الشرك المنتشرة الاعتقاد في تأثير النجوم والكواكب في الحوادث وحياة الناس:

عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية - على أثر سماء كانت من الليلة - فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ "قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب. وأما من قال بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب"[31] ومن ذلك اللجوء إلى أبراج الحظ في الجرائد والمجلات فإن اعتقد ما فيها من أثر النجوم والأفلاك فهو مشرك وإن قرأها للتسلية فهو عاص آثم لأنه لا يجوز التسلي بقراءة الشرك بالإضافة لما قد يلقي الشيطان في نفسه من الاعتقاد بها فتكون وسيلة للشرك.



سادسًا: ومن صور الشرك المنتشرة اعتقاد النفع في أشياء لم يجعلها الخالق - عز وجل - كذلك كما يعتقد بعضهم في التمائم والعزائم الشركية وأنواع من الخرز أو الودع أو الحلق المعدنية وغيرها بناء على إشارة الكاهن أو الساحر أو اعتقاد متوارث فيعلقونها في رقابهم أو على أولادهم لدفع العين بزعمهم أو يربطونها على أجسادهم أو يعلقونها في سياراتهم وبيوتهم أو يلبسون خواتم بأنواع من الفصوص يعتقدون فيها أمورًا معينة من رفع البلاء أو دفعه وهذا لاشك ينافي التوكل على الله ولا يزيد الإنسان إلا وهنًا وهو من التداوي بالحرام وهذه التمائم التي تعلق في كثير منها شرك جلي واستغاثة ببعض الجن والشياطين أو رسوم غامضة أو كتابات غير مفهومة وبعض المشعوذين يكتبون آيات من القرآن ويخلطونها بغيرها من الشرك وبعضهم يكتب آيات القرآن بالنجاسات أو بدم الحيض وتعليق كل ما تقدم أو ربطه حرام لقوله صلى الله عليه وسلم: (من علق تميمة فقد أشرك)[32] وفاعل ذلك إن اعتقد أن هذه الأشياء تنفع أو تضر من دون الله فهو مشرك شركا أكبر، وإن اعتقد أنها سبب للنفع أو الضرر، والله لم يجعلها سببا، فهو مشرك شركا أصغر وهذا يدخل في شرك الأسباب[33]



أيها الإخوة!

إن مظاهر الشرك المنتشرة في العالم الاسلامي هي السبب الرئيس في مصائب المسلمين وما يلاقونه من الفتن والزلازل والحروب وغيرها من أنواع العذاب الذي صبه الله على المسلمين بسبب إعراضهم عن التوحيد و ظهور الشرك في عقيدتهم وسلوكهم، والدليل على ذلك ما نراه في أكثر بلاد المسلمين من مظاهر الشرك المتنوعة التي حسبها الكثير من المسلمين أنها من الاسلام، ولذلك لم ينكروها علمًا بأن الإسلام جاء ليحطم مظاهر الشرك أو المظاهر التي تؤدي إليه.



أيها الإخوة!

هذه إلماحة سريعة لبعض مظاهر الشرك المنتشرة في بلاد المسلمين وإن تعجب فعجب أن تعتبر هذه الشركيات من دلائل تأصل الدين في قلوب العامة على حد تعبير بعض المنتسبين الى العلم وإن تسأل فاسأل عن العلماء والدعاة أين هم من هذا كله؟



واستمع لما روى البخاري ومسلم عن جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - قال: "كان بيت في الجاهلية يقال له ذو الخلصة، والكعبة اليمانية، والكعبة الشامية، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تريحني من ذي الخلصة؟ فنفرت في خمسين ومائة فارس من أحمس، فكسرناه وقتلنا من وجدنا عنده فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فدعا لنا ولأحمس. [34]



فانظر إلى هذا التعبير النبوي، "ألا تريحني من ذي الخلصة؟!" فكان وجود الأوثان يقض مضجعه ويقلقه عليه الصلاة والسلام فلا يقر له قرار ولا يجد راحة واعجب من واقع كثير من الدعاة اليوم يرون أمام أعينهم مظاهر الشرك فلا تحرك فيهم ساكنًا ولا يحسبون لهذا الواقع المر حسابًا بل الأدهى والأمر أنهم يتذمرون ممن ينكر ويتألم لهذا الواقع الجاهلي السيئ. [35]



وهكذا - أيها الإخوة - آل الحال بأمة التوحيد إلى هذه المخازي والمهاوي العميقة التي يستحي أصحابها أن يلقوا الله تعالى بها، وأن يقابلوا يوماً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفعلها والحرص على قولها وامتثالها.



واعجب لقوم مسلمين يعتقدون بأن للكون أربع أقطاب يتصرفون فيه وهؤلاء الأقطاب عند الصوفية هداهم الله، هم: أحمد البدوي، وإبراهيم الدسوقي، وعبد القادر الجيلاني، وأحمد الرفاعي، ويعتقدون بأن أرواح الأولياء الصالحين تتصرف في العباد وأحوالهم بعد الموت، ويعتقدون أنهم يملكون للخلق نفعًا وضرًا.



وكأن رسول الله ما جاءهم بحرب هذه الجاهلية إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيها الإخوة لم يدخر"وسعًا في الأمر بهدم القبور ونهى أن يبنى عليها أو يزاد عليها ونهى عن تجصيصها ونهى عن الصلاة عليها وإليها وحذر التحذير الشديد من شرها ولعن من يتخذون المساجد عليها، عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبِى طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم،"ألا تدع تمثالًا إلا طمسته ولا قبراًَ مشرفًا إلا سويته"[36].



ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عليًّا لتسوية القبور كما يبعثه لطمس التماثيل ولا تستبعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجند رجالًا هنا وهناك للقيام بهدم الأصنام والقبور.



واستمع معى الى هذه الأحاديث: عن ثمامة بن شفي قال: كنا مع فضالة بن عبيد، بأرض الروم برودس، فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بن عبيد بقبره، فسوى ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها [37]، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبني عليه [38]، وعن أبى مرثد الغنوى - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها"[39].



وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"[40]



وتستمر هذه العناية النبوية الواعية، لأخطار الأوثان والقبور إلى آخر لحظة من لحظات حياة الرسول الناصح الأمين صلوات الله وسلامه عليه. فعن جندب بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاًَ، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"[41].



وعند احتضاره وبعد اختياره للرفيق الأعلى كان شغله الشاغل خطر فتنة القبور على هذه الأمة التي جهل أكثرها قدر هذه الاهتمامات النبوية وجهلت خطر هذه الفتنة الماحقة.



فعن عائشة أم المؤمنين وابن عباس رضي الله عنهم قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال: وهو كذلك: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"يحذر مثل ما صنعوا [42].



وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه: "ادخلوا عليّ أصحابي، فدخلوا عليه وهو مقنع ببردة معافري [43] فكشف القناع، فقال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.[44]



وعن أبي عبيدة - رضي الله عنه - قال: كان آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اخرجوا يهود الحجاز من جزيرة العرب، واعلموا أن شرار الناس الذين يتخذون القبور مساجد"[45]



أخي الحبيب! "سرّح طرفك في مشارق بلاد المسلمين ومغاربها تر العجب العجاب تر واقعا يتحدى هذه النصوص النبوية، وإذا قرأت عليهم هذه النصوص وبينت لهم مصادرها وتمسك الصحابة وأعيان الأمة بها واجهوك بتأويلات أسخف من تأويل من قالوا: ﴿ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا ﴾. واتهموك بعداء الأولياء."[46]



وبعد أيها الإخوة!

إن العقل والقلب ليحتاران أهذه أمة المصطفى التي زكاها الله بقوله: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]، والتي من لوازم خيريتها أن تلزم الصراط المستقيم لا تحيد عنه قيد أنملة وإلا سلبت هذه الخيرية؟



أهذه هي الأمة الوسط التي قال فيها الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].



والتي من لوازم وسطيتها أن لا تقصر في الدين ولا تغلو فيه وإلا سلبت هذه الوسطية؟



أإلى هذا الحد نسيت الأمة جهود الأئمة فيها ممن قام بدحض الشرك وهدم الأوثان؟



وقبلهم أنسيت الأمة قيام أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - على التوحيد والدعوة إليه وسد الثغور عنه دون الشرك؟ وقبلهم أنسيت حماية النبي - صلى الله عليه وسلم - جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك؟ أفإن نسيت ذلك كله أنسيت كتاب ربها الذي يهتف ليل نهار: ﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22]؟، فإن كانت الأمة نسيت ذلك كله فأين جهودنا لحماية التوحيد وإرجاع الأمة إلى التزام سواء السبيل، وهذا هو عنصرنا الأخير أيها الإخوة: أين جهودنا لحماية التوحيد؟



لقد جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - داعياً إلى التوحيد محذراً ومنذراً من الشرك وعاقبته فلم يدع باباً يقرب ويحض على التوحيد إلا ودل عليه وطرقه ورغب فيه، ولم يدع باباً يوصل إلى الشرك إلا وحذر من ولوجه وسده وعظم طرقه فكان كما قال فيه ربنا - سبحانه وتعالى -: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 128، 129].



فهذه الآية - أيها الإخوة - تدل على حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته، ومن حرصه أنه يسد كل طرق الشرك عنها إذ لا أضر من الشرك والكفر والنفاق الذي يخلد صاحبه في النار أبد الآبدين، وفيها أيضاً حرصه- صلى الله عليه وسلم - على صلاح شأن أمته وأي صلاح أعظم من صلاح التوحيد الذي لو أتى العبد ربه بكل حسنة لم يقبلها الله - عز وجل - منه إلا به، لابد أن يأتي بالتوحيد ليقبل منه كل حسنة بعدها [47].



وقد قام النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذين الأمرين خير قيام، فعلمنا التوحيد ودلنا عليه، وحذرنا من الشرك وأنذرنا إياه وسد علينا طرقه ومنافذه، ومن ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم"[48] والحديث أخرجه أبو داود بسند صحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ومعنى لا تجعلوا بيوتكم قبورا، أي: لا تدفنوا موتاكم في البيوت فيكون ذلك وسيلة إلى الشرك.



وأيضاً لا تخلوها من الصلاة بحيث تعطلوها من السنن والنوافل[49]



كما في الحديث الآخر: "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً [50] والحديث ظاهر جدًّا في المعنيين المذكورين.



وقال - صلى الله عليه وسلم - ولاتجعلوا قبرى عيدًا فما معنى ذلك؟وما مقتضاه ؟وما حكم من فعله،والجواب عن هذه الأسئلة نلتقى به بعد جلسة الاستراحة أسأل الله لى ولكم الخير وأستغفر الله لى ولكم.





الخطبة الثانية


الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأغنى وأقنى، وجعلنا من خير أمة تأمر وتنهى، والصلاة والسلام على خير الورى، وما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى.



أما بعد، فيا أيها الإخوة!

روى أبوداود وأحمد وصححه الألبانى من حديث أبى هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم".

فما معنى ذلك ؟ وما مقتضاه؟




أيها الإخوة:

إن المجيء إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الناحية الشرعية له أحكام لابد أن تتبع ونلخص ذلك في نقاط:

أولا: زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحج أو بعده سنة لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام".[51] والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.



ثانيًا: كيفية الزيارة: إذا وصل الزائر إلى المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى عند دخوله ويقول: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم اللهم افتح لي أبواب رحمتك. كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد، وليس لدخول مسجده صلى الله عليه وسلم ذكر مخصوص ثم يصلي ركعتين فيدعو الله فيهما بما أحب من خيري الدنيا والآخرة وإن صلاهما في الروضة الشريفة فهو أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ".[52] ثم بعد الصلاة يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فيقف تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم بأدب وخفض صوت ثم يسلم عليه، عليه الصلاة والسلام قائلا: "السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته" لما في سنن أبي داود بإسناد حسن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ".[53] وإن قال الزائر في سلامه: "السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين وإمام المتقين، أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده ". فلا بأس بذلك لأن هذا كله من أوصافه صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه، عليه الصلاة والسلام ويدعو له لما قد تقرر في الشريعة من شرعية الجمع بين الصلاة والسلام عليه عملا بقوله تعالى ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56] ثم يسلم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويدعو لهما ويرضى عنهما.



وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لا يزيد غالبا على قوله: "السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه" ثم ينصرف.



ثالثًا: مستحبات يسن للزائر أن يحافظ عليها: يسن للزائر أن يصلي الصلوات الخمس في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يكثر فيه من الذكر والدعاء وصلاة النافلة اغتناما لما في ذلك من الأجر الجزيل.



ويستحب أن يكثر من صلاة النافلة في الروضة الشريفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ".



رابعًا: لا يجوز لأحد أن يتمسح بالحجرة أو يقبلها أو يطوف بها ؛ لأن ذلك لم ينقل عن السلف الصالح بل هو بدعة منكرة.



ولا يجوز لأحد أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم قضاء حاجة أو تفريج كربة أو شفاء مريض أو نحو ذلك، لأن ذلك كله لا يطلب إلا من الله سبحانه. وطلبه من الأموات شرك بالله وعبادة لغيره.



ودين الإسلام مبني على أصلين:

أحدهما: ألا يعبد إلا الله وحده.

والثاني: ألا يعبد إلا بما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم.

وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.



وهكذا لا يجوز لأحد أن يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم الشفاعة لأنها ملك الله سبحانه، فلا تطلب إلا منه كما قال تعالى ﴿ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: 44].



فتقول: "اللهم شفع في نبيك. اللهم شفع في ملائكتك وعبادك المؤمنين. اللهم شفع في أفراطي" ونحو ذلك.



وأما الأموات فلا يطلب منهم شيء لا الشفاعة ولا غيرها سواء كانوا أنبياء أو غير أنبياء لأن ذلك لم يشرع ولأن الميت قد انقطع عمله إلا مما استثناه الشارع.



وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ".[54]
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.42 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.57%)]