
14-08-2020, 04:00 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة :
|
|
رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
الحلقة (549)
تفسير السعدى
سورة ق
من الأية(12)الى الأية(22)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة ق
{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ } 12 { وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ } 13 { وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ } 14 { أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ }15
أي: كذب الذين من قبلهم من الأمم رسلهم الكرام وأنبياءهم العظام، كـ " نوح " كذبه قومه، [وثمود كذبوا صالحاً]، وعاد، كذبوا " هوداً " ، وإخوان لوط كذبوا " لوطاً " ، وأصحاب الأيكة كذبوا " شعيباً " ، وقوم تبع، وتبع كل ملك ملك اليمن في الزمان السابق قبل الإسلام فقوم تبع كذبوا الرسول الذي أرسله الله إليهم، ولم يخبرنا الله من هو ذلك الرسول، وأي تُبَّع من التبابعة، لأنه - والله أعلم - كان مشهوراً عند العرب لكونهم من العرب العرباء، الذين لا تخفى ماجرياتهم على العرب خصوصاً مثل هذه الحادثة العظيمة. فهؤلاء كلهم كذبوا الرسل، الذين أرسلهم الله إليهم، فحق عليهم وعيد الله وعقوبته، ولستم أيها المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم، خيراً منهم، ولا رسلهم أكرم على الله من رسولكم، فاحذروا جرمهم، لئلا يصيبكم ما أصابهم. ثم استدل تعالى بالخلق الأول - وهو المنشأ الأول - على الخلق الآخر، وهو النشأة الآخرة.
فكما أنه الذي أوجدهم بعد العدم، كذلك يعيدهم بعد موتهم وصيرورتهم إلى [الرفات] والرمم، فقال: { أَفَعَيِينَا } أي: أفعجزنا وضعفت قدرتنا { بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ }؟ ليس الأمر كذلك، فلم نعجز ونَعْيَ عن ذلك، وليسوا في شك من ذلك، وإنما هم في لبس من خلق جديد هذا الذي شكوا فيه، والتبس عليهم أمره، مع أنه لا محل للبس فيه، لأن الإعادة أهون من الابتداء، كما قال تعالى:{ وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [الروم: 27].
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } 16 { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَا نِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ } 17 { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }18
يخبر تعالى أنه المتفرد بخلق جنس الإنسان، ذكورهم وإناثهم، وأنه يعلم أحواله وما يسرَّه، ويوسوس في صدره، وأنه أقرب إليه من حبل الوريد، الذي هو أقرب شيء إلى الإنسان، وهو العرق المكتنف لثغرة النحر، وهذا مما يدعو الإنسان إلى مراقبة خالقه، المطلع على ضميره وباطنه، القريب منه في جميع أحواله، فيستحي منه أن يراه حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره، وكذلك ينبغي له أن يجعل الملائكة الكرام الكاتبين منه على بال، فيجلهم ويوقرهم، ويحذر أن يفعل أو يقول ما يكتب عنه، مما لا يرضي رب العالمين، ولهذا قال: { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَا نِ } أي: يتلقيان عن العبد أعماله كلها، واحد { عَنِ ٱلْيَمِينِ } يكتب الحسنات، { وَ } الآخر { عَنِ ٱلشِّمَالِ } يكتب السيئات، وكل منهما { قَعِيدٌ } بذلك متهيئ لعمله الذي أعد له، ملازم له { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ } خير أو شر { إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } أي: مراقب له، حاضر لحاله، كما قال تعالى:{ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [الانفطار: 10-12].
{ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } 19 { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ } 20 { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } 21 { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ }22
أي: { وَجَاءَتْ } هذا الغافل المكذب بآيات الله { سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } الذي لا مرد له ولا مناص، { ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } أي: تتأخر وتنكص عنه، { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ } أي: اليوم الذي يلحق الظالمين ما أوعدهم الله به من العقاب، والمؤمنين ما وعدهم به من الثواب. { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ } يسوقها إلى موقف القيامة، فلا يمكنها أن تتأخر عنه، { وَشَهِيدٌ } يشهد عليها بأعمالها، خيرها وشرها، وهذا يدل على اعتناء الله بالعباد، وحفظه لأعمالهم، ومجازاته لهم بالعدل، فهذا الأمر، مما يجب أن يجعله العبد منه على بال، ولكن أكثر الناس غافلون، ولهذا قال: { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا } أي: يقال للمعرض المكذب يوم القيامة هذا الكلام توبيخاً، ولوماً وتعنيفاً أي: لقد كنت مكذباً بهذا، تاركاً للعمل له فالآن { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ } الذي غطى قلبك، فكثر نومك، واستمر إعراضك، { فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } ينظر ما يزعجه ويروعه من أنواع العذاب والنكال.
أو هذا خطاب من الله للعبد فإنه في الدنيا في غفلة عما خلق له، ولكنه يوم القيامة، ينتبه ويزول عنه وسنه، ولكنّه في وقت لا يمكنه أن يتدارك الفارط، ولا يستدرك الفائت، وهذا كله تخويف من الله للعباد، وترهيب، بذكر ما يكون على المكذبين في ذلك اليوم العظيم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|