
11-08-2020, 03:50 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة :
|
|
رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
الحلقة (531)
تفسير السعدى
سورة الأحقاف
من الأية(1)الى الأية(10)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأحقاف
{ حـمۤ } 1 { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } 2 { مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ }3
هذا ثناء منه تعالى على كتابه العزيز وتعظيم له، وفي ضمن ذلك إرشاد العباد إلى الاهتداء بنوره، والإقبال على تدبر آياته، واستخراج كنوزه.
ولما بين إنزال كتابه المتضمن للأمر والنهي، ذكر خلقه السماوات والأرض، فجمع بين الخلق والأمر،{ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } [الأعراف: 54] كما قال تعالى:{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ } [الطلاق: 12] وكما قال تعالى:{ يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ * خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } [النحل: 2-3] فالله تعالى هو الذي خلق المكلفين، وخلق مساكنهم، وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض، ثم أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وأمرهم ونهاهم، وأخبرهم أن هذه الدار دار أعمال وممر للعمال، لا دار إقامة لا يرحل عنها أهلها، وأنهم سينتقلون منها إلى دار الإقامة والقرار، وموطن الخلود والدوام، وإنما أعمالهم التي عملوها في هذه الدار، سيجدون ثوابها في تلك الدار كاملاً موفراً.
وأقام تعالى الأدلة على تلك الدار، وأذاق العباد نموذجاً من الثواب والعقاب العاجل، ليكون أدعى لهم إلى طلب المحبوب، والهرب من المرهوب، ولهذا قال هنا: { مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } أي: لا عبثاً ولا سدىً، بل ليعرف العباد عظمة خالقهما، ويستدلوا على كماله، ويعلموا أن الذي خلقهما على عظمهما، قادر على أن يعيد العباد بعد موتهم للجزاء، وأن خلقهما وبقاءهما مقدر إلى { أَجَلٍ مُّسَمًّى }.
فلما أخبر بذلك - وهو أصدق القائلين وأقام الدليل، وأنار السبيل أخبر - مع ذلك - أن طائفة من الخلق قد أبوا إلا إعراضاً عن الحق، وصدوفاً عن دعوة الرسل، فقال: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ } وأما الذين آمنوا، فلما علموا حقيقة الحال قبلوا وصايا ربهم، وتلقوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالانقياد والتعظيم، ففازوا بكل خير، واندفع عنهم كل شر.
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } 4 { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ } 5 { وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }6
أي: { قُلْ } لهؤلاء الذين أشركوا بالله أوثاناً وأنداداً، لا تملك نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، قل لهم - مبيناً عجز أوثانهم، وأنها لا تستحق شيئاً من العبادة-: { أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } هل خلقوا من أجرام السماوات والأرض شيئاً؟ هل خلقوا جبالاً؟ هل أجروا أنهاراً؟ هل نشروا حيواناً؟ هل أنبتوا أشجاراً؟ هل كان منهم معاونة على خلق شيء من ذلك؟ لا شيء من ذلك، بإقرارهم على أنفسهم، فضلاً عن غيرهم، فهذا دليل عقلي قاطع على أن كل من سوى الله، فعبادته باطلة. ثم ذكر انتفاء الدليل النقلي، فقال: { ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ } الكتاب يدعو إلى الشرك، { أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ } موروث عن الرسل يأمر بذلك. من المعلوم أنهم عاجزون أن يأتوا عن أحد من الرسل بدليل يدل على ذلك، بل نجزم ونتيقن أن جميع الرسل دعوا إلى توحيد ربهم، ونهوا عن الشرك به، وهي أعظم ما يؤثر عنهم من العلم، قال تعالى:{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } [النحل: 36] وكل رسول قال لقومه:{ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } [الأعراف: 59] فعلم أن جدال المشركين في شركهم، غير مستندين فيه على برهان ولا دليل، وإنما اعتمدوا على ظنون كاذبة، وآراء كاسدة، وعقول فاسدة.
يدلُّك على فسادها استقراء أحوالهم، وتتبع علومهم وأعمالهم، والنظر في حال من أفنوا أعمارهم بعبادته، هل أفادهم شيئاً في الدنيا أو في الآخرة؟ ولهذا قال تعالى: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } أي: مدة مقامه في الدنيا، لا ينتفع به بمثقال ذرة، { وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ } لا يسمعون منهم دعاء، ولا يجيبون لهم نداء، هذا حالهم في الدنيا، ويوم القيامة يكفرون بشركهم. { وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً } يلعن بعضهم بعضاً، ويتبرأ بعضهم من بعض { وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }.
{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } 7 { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } 8 { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } 9 { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُ مْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }10
أي: وإذا تتلى على المكذبين { آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } بحيث تكون على وجه لا يمترى بها، ولا يشك في وقوعها وحقها، لم تفدهم خيراً، بل قامت عليهم بذلك الحجة، ويقولون من إفكهم وافترائهم { لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي: ظاهر لا شك فيه، وهذا من باب قلب الحقائق، الذي لا يروج إلا على ضعفاء العقول، وإلا فبين الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين السحر من المنافاة والمخالفة، أعظم مما بين السماء والأرض، وكيف يقاس الحق - الذي علا وارتفع ارتفاعاً على الأفلاك، وفاق بضوئه ونوره نور الشمس، وقامت الأدلة الأفقية والنفسية عليه، وأقرت به وأذعنت أولو البصائر والعقول الرزينة - بالباطل الذي هو السحر الذي لا يصدر إلا من ضال ظالم خبيث النفس، خبيث العمل؟! فهو مناسب له وموافق لحاله، وهل هذا إلا من البهرجة؟ { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } أي: افترى محمد هذا القرآن من عند نفسه، فليس هو من عند الله. { قُلْ } لهم: { إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ } فالله عليَّ قادر وبما تفيضون فيه عالم، فكيف لم يعاقبني على افترائي الذي زعمتم؟ فهل { تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } إن أرادني الله بضرٍ، أو أرادني برحمةٍ { كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } فلو كنت متقولاً عليه، لأخذ مني باليمين، ولعاقبني عقاباً يراه كل أحد، لأن هذا أعظم أنواع الافتراء لو كنت متقولاً، ثم دعاهم إلى التوبة مع ما صدر منهم من معاندة الحق ومخاصمته، فقال: { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } أي: فتوبوا إليه، وأقلعوا عما أنتم فيه، يغفر لكم ذنوبكم، ويرحمكم، فيوفقكم للخير، ويثيبكم جزيل الأجر. { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } أي: لست بأول رسول جاءكم، حتى تستغربوا رسالتي وتستنكروا دعوتي، فقد تقدم من الرسل والأنبياء من وافقت دعوتي دعوتهم، فلأي شيء تنكر رسالتي؟ { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } أي: لست إلا بشراً، ليس بيدي من الأمر شيء، والله تعالى هو المتصرف بي وبكم، الحاكم عليَّ وعليكم، ولست الآتي بالشيء من عندي، { وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } فإن قبلتم رسالتي، وأجبتم دعوتي، فهو حظكم ونصيبكم في الدنيا والآخرة، وإن رددتم ذلك عليَّ فحسابكم على الله، وقد أنذرتكم، ومن أنذر فقد أعذر. { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُ مْ } أي: أخبروني، لو كان هذا القرآن من عند الله، وشهد على صحته الموفقون من أهل الكتاب، الذين عندهم من الحق ما يعرفون أنه الحق، فآمنوا به واهتدوا، فتطابقت أنباء الأنبياء وأتباعهم النبلاء، واستكبرتم أيها الجهلاء الأغبياء، فهل هذا إلا أعظم الظلم وأشد الكفر؟ { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } ومن الظلم الاستكبار عن الحق بعد التمكن منه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|