عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-08-2020, 03:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لا إله إلا الله .. طوق النجاة


لكن هل معنى ذلك أن الموحد يعمل من المعاصي والذنوب ما يحلو له، ما دام أن التوحيد يدخله الجنة؟
والجواب: كلا فإن هنا شيئين يجب التنبه لهما:
الأول: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "على ما كان من العمل" أي أن التوحيد يدخله الجنة ويبقى عمله فهو الذي يحله المكان اللائق به في الجنة فإن كان عمله قليلا كان في أدناها وإن كان عمله كثيرًا كان في أعلاها، نسأل الله أن نكون من أهل الفردوس الأعلى من الجنة.

الثاني: أن من أهل العلم من قال: إن قوله -صلى الله عليه وسلم- "على ما كان من العمل" أي أن التوحيد يضمن للعبد أن يدخل الجنة وينجو من النار يوما ما، أي يمنعه من الخلود في النار، وأنه سيصير يوماً ما إلى الجنة لكن قد يكون ذلك بعد فترة يقضيها العبد الذي عليه ذنوب وسيئات ومعاصٍ في النار، فالتوحيد يعصمه من الخلود في النار ولكنه لا يمنعه من دخولها، لأن هذه المعاصي تنافي كمال التوحيد وعلى قدر المعاصي والذنوب التي تلبس بها العبد في الدنيا يبقى في النار ليطهر ويهذب وينقى فيوم أو سنة أو ألف سنة والله أعلم، نسأل الله أن نكون ممن أطاعه وكمل توحيده.

وعلى كلا التفسيرين ففي الحديث فضل التوحيد وأنه يكفر الذنوب بإذن الله أو يمنع من الخلود في النار.

ومن فضل التوحيد أيضًا ما روي البخارى ومسلم من حديث عتبان بن مالك الأنصاري أن الحبيب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله -تعالى-"[7].

ففي هذا الحديث فضل التوحيد، وأنه يحرم على النار أن يبقى فيها الموحدون بقاءً أبديّاً خالداً سرمديّاً، وإنما من كان منهم من أهل الطاعة دخل الجنة وحرم على النار أن تمسه ومن كان ممن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً فهو إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، ثم يكون مآله إلى الجنة، ونعم دار المتقين.

وقد نبه النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث - إلى شرط ينبغي التفطن له، ألا وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- "من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله" فاشترط النبي -صلى الله عليه وسلم- الإخلاص في كلمة التوحيد وهذا معناه أنه لا يكفي مجرد النطق بلا إله إلا الله من غير معرفة لمعناها وعمل بمقتضاها واعتقاد لمدلولها فمن لم يأت بذلك لم يكن من أهلها ومن فعل ذلك نال فضل التوحيد وناله فضل التوحيد.

ومن فضل التوحيد كذلك -أيها الإخوة- ما روى ابن حبان والحاكم وصححه من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال موسى عليه السلام: يا رب علمني شيئًا أذكرك وأدعوك به، قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله، قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله"[8] سبحان الله فانظر إلى لا إله إلا الله كيف رجحت بالسموات السبع ومن فيهن غير الله والأرضين السبع ومن فيهن وذلك لما اشتملت عليه هذه الكلمة من نفي عبادة غير الله وإثبات العبادة لله وتقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد ومعنى ذلك أنها ترجح بميزان صاحبها فتنجيه من النار وتدخله الجنة برحمة العزيز الغفار.

ومن فضائل التوحيد ما روى الترمذي وحسنه من حديث أنس قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله -تعالى-: « قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دعوتني ورجوتني غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ استغفرتني غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أتيتني بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لقيتني لاَ تُشْرِكُ بي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً » [9].

هذا وعد من الله -تعالى-: ﴿ لَوْ أتيتني بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لقيتني لاَ تُشْرِكُ بي شَيْئًا ﴾ وهذا شرط: أن تلقاه لا تشرك به شيئا أي تلقاه موحداً كامل التوحيد، وفضل ذلك "لأتيتك بقرابها مغفرة" وهذا من فضل التوحيد -أيها الإخوة-.

وبالجملة: فالتوحيد له فضائل عظيمة، وآثار حميدة، ونتائج جميلة، ومن ذلك:
أن خير الدنيا والآخرة من فضائل التوحيد وثمراته.

والتوحيد هو السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة، يدفع الله به العقوبات في الدارين، ويبسط به النعم والخيرات.

والتوحيد الخالص يثمر الأمن التام في الدنيا والآخرة.

والتوحيد يحصل لصاحبه الهدى الكامل، والتوفيق لكل أجر وغنيمة.

والتوحيد يغفر الله به الذنوب ويكفر به السيئات.


والتوحيد يدخل الله به الجنة.

والتوحيد يمنع دخول النار بالكلية إذا كمل في القلب.

والتوحيد يمنع الخلود في النار إذا كان في القلب منه أدنى حبة من خردل من إيمان.

والتوحيد هو السبب الأعظم في نيل رضا الله وثوابه، وصاحبه أسعد الناس بشفاعة محمد صلّى الله عليه وسلّم.

جميع الأعمال، والأقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها وفي كمالها، وفي ترتيب الثواب عليها على التوحيد، فكلما قوي التوحيد والإخلاص لله كملت هذه الأمور وتمت.

والتوحيد يُسَهِّل على العبد فعل الخيرات، وترك المنكرات، ويسلِّيه عن المصائب، فالموحد المخلص لله في توحيده تخف عليه الطاعات؛ لِمَا يرجو من ثواب ربه ورضوانه، ويهوِّن عليه ترك ما تهواه النفس من المعاصي؛ لِمَا يخشى من سخط الله وعقابه.

والتوحيد إذا كمل في القلب حبب الله لصاحبه الإيمان وزينه في قلبه، وكرَّه إليه الكفر والفسوق والعصيان، وجعله من الراشدين.


والتوحيد يخفف عن العبد المكاره، ويهوِّن عليه الآلام، فبحسب كمال التوحيد في قلب العبد يتلقى المكاره والآلام بقلب منشرح ونفس مطمئنة، وتسليمٍ ورضًا بأقدار الله المؤلمة، وهو من أعظم أسباب انشراح الصدر.


والتوحيد يحرِّر العبد من رِقّ المخلوقين والتعلُّقِ بهم، وخوفهم ورجائهم، والعمل لأجلهم، وهذا هو العزُّ الحقيقي، والشرف العالي، ويكون الموحّد مع ذلك متعبدًا لله لا يرجو سواه، ولا يخشى إلا إيَّاه، وبذلك يتمُّ فلاحه، ويتحقق نجاحه.

والتوحيد إذا كمل في القلب، وتحقَّق تحققًا كاملاً بالإخلاص التام فإنه يُصيّر القليل من عمل العبد كثيرًا، وتضاعف أعماله وأقواله الطيبة بغير حصر، ولا حساب.


والتوحيد تكفَّل الله لأهله بالفتح، والنصر في الدنيا، والعز والشرف، وحصول الهداية، والتيسير لليسرى، وإصلاح الأحوال، والتسديد في الأقوال والأفعال.


والتوحيد يدافع الله -عز وجل- عن أهله ويدفع عنهم شرور الدنيا والآخرة، ويمنُّ عليهم بالحياة الطيبة، والطمأنينة إليه، والأُنس بذكره.


وشواهد هذه الجمل من الكتاب والسنة كثيرة معروفة، والله أعلم"[10].


ولله در شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إذ يقول: "وليس للقلوب سرور ولذة تامة إلا في محبة الله -تعالى-، والتقرب إليه بما يحبه، ولا تتم محبة الله إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذا حقيقة لا إله إلا الله"[11][12].


-أيها الإخوة- هذا بعض فضل التوحيد وأهله، ووالله إنه لغيض من فيض ونقطة من بحر، وإلا فإن فضائل التوحيد - كما قلنا - كثيرة، ولكننا اقتصرنا على بعضها والآن هيا -أيها الإخوة- إلى ظلال التوحيد، هيا إلى لا إله إلا الله نتعلمها ونعمل بها كما قال سبحانه آمرا خير الخلق "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ".

مع عنصر اللقاء الرابع والأخير: فهيا إلى ظلال التوحيد
ونقف عليه بعد جلسة الاستراحة نسأل الله أن يجعلنا ممن يعلمون فيعملون فيخلصون فيؤجرون.

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأغنى وأقنى، وجعلنا من خير أمة تأمر وتنهى، والصلاة والسلام على خير الورى، وما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى.

أما بعد.. فالعنصر الرابع من عناصر اللقاء: فهيا إلى ظلال التوحيد.

قال الله سبحانه آمراً خير الخلق فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات".

ولاحظ أيها الحبيب اللبيب فقد أمر الله في هذه الآية بالعلم، ثم أمر بالاستغفار وهو قول وعمل فقدم العلم، على القول والعمل لأن العلم هو المصحح للنية التي يصح بها كل قول وكل عمل.

فلابد من تعلم لا إله إلا الله، ولابد بعد التعلم من السعي والعمل بها في واقع الحياة، فما هو معنى لا إله إلا الله - أيها الإخوة - لا إله إلا الله معناها لا معبود بحق إلا الله، فكل المعبودات التي يعبدها الناس باطلة إلا عبادة الله فهي حق، وكل عبادة يتعبدها المرء هي شرك إلا عبادة الله فهي توحيد.

هذا هو معنى لا إله إلا الله ومدلولها الذي تدل عليه، والذي ينبغي أن يكون في قلب كل موحد؛ لأن المصطفى - صلى الله عليه وسلم- قال: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة[13]، والحديث أخرجه مسلم من حديث عثمان رضي الله عنه، فيجب علينا أن نعلم أن لا إله إلا الله معناها إثبات التوحيد لله ونفي الألوهية عن غيره، فلا إله إلا الله، لابد وأن تستيقن القلوب بهذا ويستقر في القلب اليقين بذلك ولا يتزعزع فإن الله عاب أقواماً في دينهم حين ترددوا فيه ولم يستيقنوا به بل نفى عنهم الإيمان بالكلية قال -تعالى-: ﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴾ [التوبة: 45].

في حين نسمع قول الله -تعالى-: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحجرات: 15]، فاشترط الله في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا أي لم يشكوا، وفي الصحيح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فِى مَسِيرٍ - قَالَ - فَنَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ قَالَ حَتَّى هَمَّ بِنَحْرِ بَعْضِ حَمَائِلِهِمْ - قَالَ - فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ جَمَعْتَ مَا بَقِىَ مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ فَدَعَوْتَ اللَّهَ عَلَيْهَا. قَالَ فَفَعَلَ - قَالَ - فَجَاءَ ذُو الْبُرِّ بِبُرِّهِ وَذُو التَّمْرِ بِتَمْرِهِ - قَالَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَذُو النَّوَاةِ بِنَوَاهُ - قُلْتُ وَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ بِالنَّوَى قَالَ كَانُوا يَمُصُّونَهُ وَيَشْرَبُونَ عَلَيْهِ الْمَاءَ. قَالَ فَدَعَا عَلَيْهَا - قَالَ - حَتَّى مَلأَ الْقَوْمُ أَزْوِدَتَهُمْ - قَالَ - فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ « أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ لاَ يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ». [14] وهذا - أيها الإخوة - هو اليقين.

فإذا تعلم المرء معنى لا إله إلا الله واستيقن قلبه به وصدقه تصديقاً لا يتزعزع ولا يضطرب ولا تؤثر فيه الهواجس وجب عليه أن يقبل كلمة التوحيد بكل ما تتضمنه من الأوامر والنواهي والحدود، وهو في غاية الحب لله والرضا عنه جل في علاه، وجب عليه أن يدخل تحت ظلها وأن يستجيب لأمرها ونهيها، ولا يكون كمن قال الله فيهم: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الصافات: 35] ومعنى ذلك أن يخضع للأوامر والنواهي وأن يقف عند حدود الشريعة، قال سبحانه: "ومن يسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى"، ومن يسلم وجهه "إلى الله" أي ينقاد ويخضع ويسلم لله جل وعلا، وهو محسن أي وهو موحد لله، ﴿ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾ وهي لا إله إلا الله، فعلى الموحد بعد أن ردد كلمة التوحيد بلسانه واعتقد معناها بقلبه، أن تبدأ جوارحه في طاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو المحك الفعلي الحقيقي الذي يظهر معه المؤمن من المنافق والصادق من الكاذب والمدعي بحق من المبطل.

والموحد يمثل أوامر الله ونواهيه ويقف عند حدود الله ولا يتعداها ليوافق الظاهر الباطن فيثمر بذور الصدق فيكتب صاحبه من المفلحين كما في الحديث الذي أخرجه البخاري من حديث طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِىُّ صَوْتِهِ، وَلاَ يُفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلاَمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-" خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ». فَقَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهَا قَالَ « لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-" وَصِيَامُ رَمَضَانَ ». قَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهُ قَالَ « لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ ». قَالَ وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الزَّكَاةَ. قَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهَا قَالَ « لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ ». قَالَ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-" أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ » [15].

ويبقى -أيها الإخوة- أن ذلك كله لا يقبل إلا عن ركنين رئيسين لابد من الإتيان بهما ألا وهما الإخلاص لله والاتباع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يُقبل التوحيدُ بل حتى يُقبل العملُ كله، فلابد من الإخلاص في التوحيد، قال الله -تعالى-: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾، والإخلاص في التوحيد معناه تصفيته من جميع شوائب الشرك، لأن المشرك يُرَدُّ عليه عمله قال الله -تعالى- في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله -تبارك وتعالى-: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه[16]فلا يقبل التوحيد إلا من المخلصين وكما سمعنا في الحديث الذي ذكرناه قبل قليل: "فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله"، وفي الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة أنه قال: قيل: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أولَ منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه"[17]، هذا هو الإخلاص وهو الشرط الأول لقبول العمل والشرط الثاني أيها الكرام هو الاتباع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن رسول الله هو الميزان الأكبر الذي توزن عليه الأشياء على خلقه وهديه وسيرته وسنته - صلى الله عليه وسلم - فما وافقها فهو الحق وما خالفها فهو الباطل.

وقد قال الله -تعالى-: "﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ فلا بد من إخلاص العمل لله فلا يكون للنفس ولا للناس ولا للشيطان فيه حظ ولا نصيب ولابد من اتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يكون أسوة ولا قدوة إلا هو ومن كان على طريقة وهديه، بذا يضمن المرء النجاة على الله، النجاة يوم يلقاه كما قال ربنا سبحانه: "فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا".

إن التوحيد -أيها الإخوة- هو "أكبر دعامة للرغبة في الطاعة؛ لأن الموحد يعمل لله -سبحانه وتعالى-؛ وعليه، فهو يعمل سّراً وعلانية، أما غير الموحد؛ كالمرائي مثلاً، فإنه يتصدق ويصلى، ويذكر الله إذا كان عنده من يراه فقط، ولهذا قال بعض السلف: "إني لأود أن أتقرب إلى الله بطاعة لا يعلمها إلا هو"[18].

نسأل الله أن يعلمنا من ديننا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علماً، اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، نعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول، فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين. وأغننا من الفقر.

يا سلوة الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين.
الدعاء.

[1] أخرجه مسلم 7385.

[2] أخرجه البخاري 4938، ومسلم 6215.

[3] أخرجه مسلم (2842).

[4] أخرجه الترمذي 2574، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2451، الصحيحة (512)، والرواية الأخرى ذكرها ابن الأثير في جامع الأصول من
أحاديث الرسول (10 / 8065).

[5] أخرجه البخاري 3360.

[6] أخرجه البخاري (3435) ومسلم (28).

[7] أخرجه البخاري 425.

[8] أخرجه النَّسَائِي، في الكبرى 10670، 10980، وفي"عمل اليوم والليلة"834 و1141، والحاكم 1891، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه »، وأخرجه أبو يعلى 1363، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4 / 366): ورجاله وثقوا وفيهم ضعف، وضعفه الألباني في تحقيق كلمة الإخلاص - (58).

[9] أخرجه الترمذي 3540، وصححه الألباني الصحيحة (127 - 128)، الروض النضير (432)، المشكاة (4336 / التحقيق الثاني)، التعليق الرغيب.

[10] القول السديد في مقاصد التوحيد ص25.

[11] مجموع الفتاوى، 28/32).

[12] نور التوحيد (9- 12)، للقحطاني.

[13] أخرجه مسلم 145.

[14] أخرجه مسلم 147.

[15] أخرجه البخاري 46، ومسلم 109.

[16] أخرجه مسلم (2985).

[17] أخرجه البخاري 99.

[18] القول المفيد (1 / 34).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.60 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.64%)]