الموضوع: اليتيم
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-08-2020, 02:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,863
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اليتيم

أماه قولي أين سار فإنني
ماضٍ إليه فقد جفتني الدار

فتلجلجت أم الصبي وأجهشت
تبكي وتنشج هاجها التذكار

ضمّته للصدر الضعيف وقلبها
في لوعة ودمعها أنهار

اصبر تعلل بالرحيل فما لنا
في الأرض توطين ولا استقرار

لله نشكو ما نعاني إنه
بر رحيم فضله مدرار

أيها المؤمنون!
إن شئتم أن تذرفوا الدمع ساخناً فاذكروا ساعة الاحتضار ودنو الأجل، وتذكروا حال الصبية الصغار والذرية الضعاف الذين يتركهم هذا المحتضر وراءه؛ يخشى عليهم ظروف الحياة، وبلاء الدهر، يتمنى لهم ولياً مرشداً يرعاهم كرعايته، ويربيهم كتربيته، يعوضهم بره وعطفه كما قال الله - تعالى -: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9]. بهذا الشعور المرهف ينطلق المؤمن في تعامله مع اليتيم، كما قال قتادة: " كن لليتيم كالأب الرحيم"، وقال عمرو بن قيس: " كانوا يكرهون أن يعطي الرجل صبيه شيئاً، فيخرجه، فيراه المسكين، فيبكي على أهله، ويراه اليتيم، فيبكي على أهله". خرج ابن صغير لعمر بن عبدالعزيز يلعب مع الغلمان فشجّه صبي منهم، فاحتملوا الصبي الذي شج ابنه وجاءوا به إلى عمر، فسمع الجلبة فخرج إليهم، فإذا امرأة تقول: إنه ابني وإنه يتيم! فقال لها عمر: هوّني عليك، ثم قال لها عمر: أله عطاء في الديوان؟ قالت: لا! قال: فاكتبوه في الذرية. فقالت زوجته فاطمة: أتفعل هذا به وقد شج ابنك؟! فعل الله به وفعل! المرة الأخرى يشج ابنك ثانية! فقال: ويحك! إنه يتيم وقد أفزعتموه. يعامله مستشعراً امتثال أمر الله بالإحسان إلى اليتامى، كما قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى ﴾ [النساء: 36]. ويستصحب في ذلك الإحسان رجاء حسن العاقبة، كما بشَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - كافل اليتيم بقوله: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما شيئاً (رواه البخاري)؛ فلنعم الجار! ولنعم الدار! ويحضه على بذل مزيد الإحسان علمه أنه سبب لنيل الكتاب باليمين، كما قال الله – تعالى -: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ﴾ [البلد: 12 - 18]. هذا ثواب الآخرة، فما ثواب الدنيا؟


الإحسان لليتيم ذو ثواب معجل في الدنيا مع ما يدخر في الآخرة وإن كان مسحة على رأس؛ فذلك الإحسان سبب للين القلب ونداوة العين، شكا رجل لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – قسوة قلبه، فقال له: "امسح رأس اليتيم، وأطعم المسكين" (رواه أحمد وحسنه الألباني). وضمان النصر والرزق قرين الإحسان لليتيم، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ؟!" (رواه البخاري). وذلك الإحسان مطهرة للمال، ويغدو به نعمة على صاحبه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذا المال خضرة حلوة، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل" (رواه البخاري).

أيها المؤمنون!
وكما ورد ثواب الإحسان فقد جاء شؤم الحرمان إن دُعَّ اليتيم؛ إذ قد نهى الله عنه بقوله: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾[الضحى: 9]. وجعل ذلك علامة جلية على تواري الإيمان، فقال: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ [الماعون: 1، 2]. وألحق النبي - صلى الله عليه وسلم - الحرج والإثم بمن قصّر في رعاية حق اليتيم، فقال: «إِنِّي أُحَرِّجُ عَلَيْكُمْ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» (رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي). ويزداد ذلك الحرج غلظة وشدة إن كان جناية على مال اليتيم؛ فربما أغرى ضعفُ اليتيم ذا القلب القاسي على الاعتداء على ماله، وما علم هذا الظالم أنه ارتكب مهلكة أوجبت لبطنه النار والسعير، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: "اجتنبوا السبع الموبقات" (أي: المهلكات)، وذكر منها: "وأكل مال اليتيم" (رواه البخاري ومسلم)، ويقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10].

الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد، فاعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله...
أيها المؤمنون..
بسماع الفضائل تظهر الفضائل؛ فتسمو همة المرء لمرافقة النبي - صلى الله عليه وسلم – في الجنة بكفالة يتيم، فما حقيقة هذه الكفالة؟ وما طريق الوصول إليها؟ تتحقق كفالة اليتيم بالقيام على شأنه الديني أو الدنيوي، سواء كان الكافل مباشراً أو متبرعاً بالمال لمن يباشر رعاية اليتيم، يستوي في ذلك إن كان اليتيم في بلد الكافل أو خارجه، علم الكافل ذلك اليتيم أو لم يعلمه ؛ فالله لا يضيع أجر من أحسن عملاً. وكلما عظمت حاجة اليتيم ازداد ثواب كفالته، سيما أولئك الأيتام الذين قتل العداة آباءهم في بلاد الإسلام الجريحة ولم يبق لهم ولي يرعاهم!

أيها المسلمون!
وثمة أيتام لكنّ آباءهم أحياء، قد تخلو عن واجبهم، وأهملوا تربية فلذات الأكباد
ليس اليتيم من انتهى أبواه
من همّ الحياة وخلّفاه ذليلا

إن اليتيم هو الذي تلقى له
أمّاً تخلت أو أباً مشغولا


أيها اليتيم!
اعلم أن الله - سبحانه - قد ارتضى لك ما ارتضى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -. ولتعلم أن اليتم مظنة نبوغ ومسؤولية وعصامية. فكم من يتيم خلّد التاريخ مآثره؟! من لدن محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى حاضر العصر: عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وأحمد بن حنبل، وسفيان الثوري، وعبدالعزيز بن باز - أيتام غدوا أنجماً في سماء المجد؛ فكن واحداً من أولئك الركب الميمون؛ فما أحراك بذلك! وما أجدرك به!



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.09 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]