الموضوع: الرفق خلق كريم
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-08-2020, 03:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الرفق خلق كريم

الإسلام يدعو إلى الرفق في مجال الدعوة والتربية والتعليم:

فما أحوج الدعاةَ والمربّين إلى أن يلتزموا بالرفق في مجال الدعوة والتربية والتعليم.

ولقد رسم القرآن الكريم منهج الإسلام في الدعوة إلى الله بقوله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].



فبالرفق والتيسير واللين والسماحة تُفتَح مغاليق القلوب، وتكون التربية ويكون التعليم، لا بالعنف والتعسير والشدة والمؤاخذة، ولكن بالتيسير والتبشير؛ وهذا هو هدي نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذه هي وصيته. ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ: «بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا».



ولما أرسل الله عز وجل موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون وهو من هو في ظلمه وطغيانه وتجبره ومعاداته الحق وأهله، قال عز وجل: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 43، 44].



ذلك أن الناس ينفرون بطبائعهم من الفظاظة والخشونة والعنف، ويألفون الرقة واللين والرفق، ولذا قال ربنا سبحانه وتعالى لنبيه الكريم: ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].



فمُحال أن يأتي الإصلاح بعنف، ومحال أن يكون التغيير إلى الخير بالشدة والعنف؟ فالدعوة تحتاج إلى رفق، والنصيحة تحتاج إلى رفق، والتعليم يحتاج إلى رفق، والتربية تحتاج إلى رفق، وهذا هو منهج حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم في معالجة الأمور، ومواجهة الأحداث، وتهذيب النفوس، وتربية الأجيال، وتعليم الجاهل، وتنبيه المسيء..



روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي المَسْجِدِ، فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ».



وفي صحيح مسلم عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي - أيْ: مَا نَهَرَنِي - وَلاَ ضَرَبَنِي وَلاَ شَتَمَنِي، قَالَ: « إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ».



وروى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا؛ فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَذْهَبُ. وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي - قَالَ - فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: «يَا أُنَيْسُ؛ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟». قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.



وفي صحيح مسلم عن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ أَصُومُ الدَّهْرَ، وَأَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ، - قَالَ - فَإِمَّا ذُكِرْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ، فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ لِي: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ؟». قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَلَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلاَّ الْخَيْرَ. قَالَ: «فَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ». قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: «فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا. - قَالَ - فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ؛ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ». قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَمَا صَوْمُ دَاوُدَ؟ قَالَ: «كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا». قَالَ: «وَاقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ». قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: «فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عِشْرِينَ». قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: «فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْرٍ». قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: «فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ وَلاَ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْرِكَ ـ أي زائرك ـ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا». قَالَ: فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ. قَالَ: وَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكَ لاَ تَدْرِي لَعَلَّكَ يَطُولُ بِكَ عُمْرٌ». قَالَ: فَصِرْتُ إِلَى الَّذِي قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.



الإسلام يدعو إلى الرفق بالأهل والأبناء:

أحق الناس برفقك: أبوك وأمك؛ فوصية الله إليك ﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].



وأحق الناس برفقك: زوجتك؛ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لك «استوصوا بالنساء خيرا».



وأحق الناس برفقك: أبناؤك وبناتك؛ ففي الصحيحين عن عُمَرَ بْن أَبِي سَلَمَةَ، يَقُولُ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي في تربيته وتحت رعايته - وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. أي صفة أكلي وطريقتي فيه بعد أن علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكم منا من يحفظ هذا الحديث ويتعمد أن يأكل أو يشرب بشماله. فأين السنة؟ وأين الاقتداء؟..



فمن الواجب على الآباء والمربين أن يغرسوا خلق الرفق في نفوس الأبناء والتلاميذ، فهم في حاجة إلى الرفق في مؤسساتهم، وبيوتهم، وشوارعهم... مع الوالدين والأساتذة، والجيران، والأصحاب، والكبار والصغار... فظاهرة العنف قد انتشرت في صفوف الشباب، فلم يسلم من عنفهم قريب ولا بعيد، ولا صغير ولا كبير..



الإسلام يدعو إلى الرفق بالخدم والعمال:

المسيء يحتاج إلى رفق، والمخطئ يحتاج إلى رفق، والمتعلم يحتاج إلى رفق.

ففي صحيح البخاري عن المَعْرُور بْن سُويْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الغِفَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا، فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ».



وعن عَبْداللَّهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمْ نَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ؟ فَصَمَتَ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ، فَصَمَتَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ، قَالَ: «اعْفُوا عَنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً». أخرجه أبو داود والبيهقي.



وروى أبو يعلى والبيهقي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ خَادِمِي يُسِيءُ وَيَظْلِمُ، أَفَأَضْرِبُهُ؟ قَالَ: «تَعْفُو عَنْهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً» صحيح الترغيب.



الإسلام يدعو إلى الرفق بالمَدِين المعسر:

قال سبحانه: ﴿ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون ﴾ [البقرة:280].

ففي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ، فَتَوَارَى عَنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ فَقَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ. فَقَالَ: آللَّهِ ؟ قَالَ: آللَّهِ. قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ ».



الإسلام يدعو إلى الرفق بالحيوان:

حتى الحيوان لم يحرم حظه من دعوة الإسلام إلى الرفق به والإحسان إليه.

أخرج الحاكم بسند صحيح على شرط البخاري عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: أن رجلا أضجع شاة يريد أن يذبحها، وهو يحدّ شفرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتريد أن تميتها موتاتٍ؟ هلا حدَدْتَ شفرتك قبل أن تُضجِعها».



وأخرج أبو داود والبيهقي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِيَّاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ مَنَابِرَ، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ، وَجَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فَعَلَيْهَا فَاقْضُوا حَاجَتَكُمْ».



وأخرج أبو داود في سننه عَنْ سَهْلِ ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ، فَقَالَ: « اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ، فَارْكَبُوهَا وَكُلُوهَا صَالِحَةً ».



وفي صحيح مسلم عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ».



فوائد الرفق وثماره:

عليكم بالرفق فإنه خلق عظيم، نتائجه عظيمة، وفوائده كثيرة: ففي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ ».



الرفق زينة كل شيء؛ ما حل في شيء إلا زانه وجمله وحبّبه إلى النفوس والأبصار، وما نزع من شيء إلا شانه ونفر منه القلوب والأرواح: ففي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ».



بالرفق بالعباد يُنال الرفقُ والتجاوز من الله؛ ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت مِن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في بيتي هذا: «اللهمّ مَن وليَ مِن أمر أمّتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه، ومَن وليَ مِن أمر أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به».



وفي صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَلَقَّتِ الْمَلاَئِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لاَ. قَالُوا: تَذَكَّرْ. قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ، وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ، - قَالَ - قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَجَوَّزُوا عَنْهُ».



الرفق هو الخير كله؛ من أوتيه فقد حاز الخير كله، ومن حرمه حرم الخير كله: فقد أخرج الترمذي والبيهقي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ».



وفي صحيح مسلم عَنْ جَرِير بن عبد الله البجلي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ».



وأخرج الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: «يَا عَائِشَةُ؛ ارْفُقِي، فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْراً دَلَّهُمْ عَلَى بَابِ الرِّفْقِ». وفي رواية: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ».



الرفق طريق إلى الفوز بالجنة والنجاة من النار؛ فقد أخرج الترمذي في سننه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ، أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ».



وأخرج أحمد ومسلم عن عياض بن حمار المجاشعيّ رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «أَلاَ إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ... ثم قال: «وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسطٌ متصدّقٌ موفّقٌ، ورجلٌ رحيمٌ رقيقُ القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال».



خُذِ الأمورَ برفق واتئد أبدا

إياك مِن عَجلٍ يدعو إلى وصَبِ



الرفقُ أحسن ما تؤتى الأمور به

يُصيبه ذو الرفق أو ينجو من العطب






عباد الله:

ارفُقوا بآبائكم وأمهاتكم وزوجاتكم، وارفقوا بأبنائكم وبناتِكم وجيرانكم؛ أحسِنوا الصحبة، ولينوا في المعاملة. ترفَّقوا بالخدمِ والعمّال، ولا تكلِّفوهم ما لا يطيقون، وأحسِنوا مخاطبتَهم ومعاملتهم، ارفُقوا وترفَّقوا؛ فالرفقُ والإحسان أسرعُ قبولا، وأعظمُ أثرًا، وأكثر أجرا.



فاللهم اجعلنا من عبادك الصالحين؛ أهل الرفق والخير والمعروف والإحسان.




وفقنا يا رب لكل قول وعمل وخلق يُرضيك وترضى به عنا يا رب العالمين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.62 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.78%)]