
30-07-2020, 03:43 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (21)
الحلقة (28)

تفسير سورة البقرة (118)
إن من حكمة الله عز وجل أن هدى من شاء من عباده للإيمان بالرسل، وكتب الضلالة على من لم يقبل ما جاءت به رسل الله، فنتج عن ذلك أن اقتتل الناس مؤمنهم مع كافرهم، ولو شاء الله ما فعلوه ولكن ليقضى أمر الله عز وجل وتتحقق حكمته في خلقه، فينزل أهل الإيمان المنازل التي يستحقونها، من القبول والرضوان، وسكنى الجنان، وينزل أهل الجحود والكفران دركات الجحيم والنيران.
فضل الجلوس في حلق الذكر في المساجد
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل القرآن الكريم، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).ومن أراد أن ينظر إلى السكينة فها هي أمامه، لا فوضى ولا ضوضاء ولا صخب ولا صياح، ولا أكل ولا شرب، ومن أراد أن ينظر إلى الرحمة وقد غشيتنا فها هي ظاهرة ظهوراً كاملاً، لا أذى ولا ضرر ولا بلاء ولا تعب ولا شقاء، هذه هي الرحمة.ومن أراد أن ينظر إلى الملائكة فهو قاصر لا قدرة له على رؤيتهم، لكنهم يحفون بهذه الحلقة، وأما ذكر الله تعالى لنا في الملكوت الأعلى فهو الجائزة التي لا تعادلها أخرى، من نحن وما نحن حتى يذكرنا رب السماوات والأرض وما بينهما في ملائكته المقربين؟ هذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.وحرم إخوان لنا بالملايين لا يجلسون هذه الجلسة، ولا يجتمعون على كتاب الله وهدي رسوله، فجهلوا ثم زاغوا وانحرفوا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فما المانع أن نفرغ من أعمالنا الدنيوية وما عندنا أعمال دنيوية، فالتاجر، والصانع، والفلاح، وكناس الشارع.. الكل يعملون لأجل الله، المسلمون بحق موقوفون على الله، حياتهم كلها وقف على الله، لو سألته وهو يبيع ويشتري ولا يغش ولا يكذب ولا يخدع ولا يضر: لم تفعل؟ فسيقول: من أجل أن نعبد الله عز وجل، أوفر طعامي وشرابي مع أسرتي حتى تستمر حياتنا بعبادة الله عز وجل وطاعته، تمر بالبناء يبني: لم تبني؟ يقول: أبني هذا البيت من أجل أن أستر فيه نفسي وأسرتي عن أعين الناس، أو من أجل أن نقيهم الحر والبرد؛ لأننا عبيد الله، خلقنا لعبادته فأمرنا بالمحافظة على أبداننا لنعبد ربنا.لو وجدته يأكل: لم تأكل يا عبد الله؟ فسيقول: من أجل الله، تأكل من أجل الله؟ أي نعم، إذا لم آكل فلن أستطيع أن أسبح ولا أن أذكر فضلاً عن أن أصلي أو أجاهد وأرابط.ولا ننس كلمة أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: إنني أحتسب نومتي وقومتي على الله. إن نمت نمت لله، وإن قمت قمت لله، والحساب جار بيني وبين ربي.
تابع تفسير قوله تعالى: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض...)
المفاضلة بين الأنبياء وأدب المؤمنين فيها
معاشر المستمعين! ما أتممنا دراسة الآيتين السابقتين، وهما قوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:253-254].الآية الكريمة الأولى درسناها، فلنذكر منها أن الله عز وجل فاضل بين رسله، وله ذلك ولا اعتراض عليه، ونحن أدبنا رسولنا صلى الله عليه وسلم فنهانا عن أن نفاضل بين الأنبياء والمرسلين، ما ينبغي أن نقول: عيسى أفضل من موسى، ولا موسى أفضل من هارون، ولا داود أفضل من سليمان، ليس الشأن شأننا، وحتى هو صلى الله عليه وسلم قال: (لا تفضلوني على يونس بن متى) لعلمهم من طريق كتاب الله أن يونس ما صبر، وما أطاق.
فضل نبينا بالشفاعة الكبرى يوم القيامة

وفي عرصات القيامة تأتي من البشرية جماعات إلى آدم أبي البشر عليه السلام، فيقولون له: يا آدم! أنت خلقك الله بيديه، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته -وهذه فضائل- فاشفع لنا عند ربك أن يقضي بيننا، طال وقوفنا. فيعتذر بهذه الكلمات التي رددها الأربعة، قال: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله، فعليكم بنوح، ائتوا نوحاً واطلبوا منه أن يشفع لكم. وهل يشفع لهم في دخول الجنة أو النار؟ لا، يشفع أن يحكم الله بينهم، فالسعداء يسعدون، والأشقياء يشقون، أما أن يبقوا وقوفاً هكذا حفاة عراة والشمس تدنو من رءوسهم والعرق يلجم بعضهم ويصل إلى سرة البعض وأقدام البعض فإلى متى؟ يريدون فصل القضاء بما لهم وما عليهم، فيعتذر نوح ويقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله، ويذكر خطيئة من خطاياه كما ذكر آدم، فآدم سبق له أن أخطأ مرة في الملكوت الأعلى، أكل من الشجرة، فذكر هذه الخطيئة وقال: ما أستطيع، اذهبوا إلى نوح، ونوح مكث تسعمائة وخمسين عاماً وهو يدعو إلى الله، وعاش بعد الطوفان كذا سنة، وقبل البعثة عاش أربعين سنة، فاعتذر بخطيئة واحدة في نظره وما هي بخطيئة، وهي أنه قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [نوح:26]، وعلل أيضاً: إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا [نوح:27] بما جرب، فأجيال يوصي بعضهم بعضاً: إياكم وهذا الرجل، فإنه يفسد عليكم عقائدكم ودينكم! ومع هذا اعتبرها زلة، قال: كيف أواجه ربي وأنا قد أخطأت؟ عليكم بإبراهيم، فيأتون إبراهيم الخليل فيعتذر ويقول ما قاله من قبله: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، ويذكر ثلاث كذبات، وكثيراً ما نقول: إنها أفضل من صدقنا نحن، يقول: ما أستطيع أن أكلم ربي وأنا قد كذبت ثلاث كذبات، وكذبها من أجل الله: الأولى: قال لسارة في الديار المصرية: إنه ليس على الأرض من يعبد الله إلا أنا وأنتِ، فأنتِ أختي وأنا أخوكِ، فإذا سألكِ الطاغية عني فقولي: أخي ولا تقولي: زوجي، عد هذه كذبة. الثانية: لما كان احتفال قومه بعيد في الربيع مروا به خارجين يحملون البقلاوة والحلويات، فقالوا: هيا إبراهيم! فنظر نظرة في النجوم يوهمهم؛ لأنهم يعبدون الكواكب، وقال: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89] ما أستطيع أن أخرج، أنا مريض، فذهبوا وتركوه وحده، ومن ثَمَّ أتيحت له الفرصة للانتقام من الأصنام فكسرها، فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ [الأنبياء:58]، قال تعالى: قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:59-63] فأوهمهم بيده واعتبر هذه كذبة، وهي الثالثة. هذه الكذبات الثلاثة ما استطاع أن يواجه بها الله ويطلب منه هذا الطلب، فقال: عليكم بموسى كليم الله، كلمه كفاحاً في جبل الطور، فأتوا موسى فاعتذر وذكر خطيئة، ما هذه الخطيئة؟ وكزة وكز بها قبطياً فقتله، وما أراد قتله، كان القبطي يتقاتل مع الإسرائيلي، فاشتكى وصرخ الإسرائيلي، فوجد القبطي ضاغطاً على ذاك الإسرائيلي فوكزه في صدره فمات، واستغفر موسى وتاب كما هو مبين في سورة القصص: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [القصص:16] فهذه ما استطاع معها أن يواجه الله ويطلب منه. معاشر المستمعين! كم خطايانا؟ دعنا من الخطايا، كم كذبة كذبنا يا أصحاب الستين عاماً والسبعين عاماً؟ قد تكون بالآلاف، لم؟ ما عرفنا الله، لو عرفناه لخفناه ورهبناه وأحببناه فلم نخرج عن طاعته أبداً، هذا هو التعليل السليم والحقيقي، أهل معرفة الله لا يخرجون عن طاعته ولا يفسقون عن أمره، لأنهم يعيشون معه، كيف تزني وأنت مع الله؟ أما تستحي؟ كيف تكذب والله معك يسمع كلامك؟ لن تقدر، تحاول أن تفتح عينيك في امرأة فتستحي منه وهو ينظر إليك، ولكن الذين ما عرفوا وقعوا في هذه الذنوب والمصائب.إذاً: قال: عليكم بعيسى ابن مريم، فيأتون عيسى، ولم يذكر عيسى خطيئة قط، لم يذنب ذنباً قط؛ لأن روح القدس معه لا يفارقه، ولكن يقول: عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، هو أهل لها، فيأتون أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها، أنا لها؛ لعلمه السابق بهذا، إذ جاء من سورة الإسراء قول الله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79] يحمده عليه أهل الموقف أجمعون، لأنه فرج كربهم، فقد طال قيامهم ووقوفهم فجاء من سأل الله واستجاب له، ومع هذا لا يتعنتر فيقول: رب وعدتني فأعطني. بل قال: ( فآتي فأخر ساجداً تحت العرش ويلهمني ربي محامد -أي: ألفاظ حمد- فأحمده بها، ولا أزال أحمده حتى يقول: يا محمد! ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع ). فاز بها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فقد بذل ما لم نبذله نحن بملايين، ثلاث وعشرون سنة وهو في حرب دائرة، لا تسأل عن طعامه وشرابه، فاز بأخلاق لم تحلم بها الدنيا وآداب ما سمى إليها آدمي قط، وفضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|