عرض مشاركة واحدة
  #32  
قديم 30-07-2020, 03:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (20)
الحلقة (27)





تفسير سورة البقرة (117)

من سنة الله عز وجل في خلقه أنه فضل بعض مخلوقاته على بعض، ومن ذلك أنه فضل بعض النبيين على بعض، ففضل الرسل عامة على النبيين، وفضل أولي العزم على سائر الرسل، فمنهم من كلمه تعالى كفاحاً كموسى عليه السلام ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم من آتاه الآيات الباهرات ورفعه إليه فوق السماوات كعيسى عليه السلام، ثم ختم سبحانه وتعالى الرسل بأفضلهم وواسطة عقدهم محمد صلى الله عليه وسلم.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الليالي الأربع ندرس كتاب الله عز وجل، وكلنا رجاء في أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).أعيد إلى أذهان المستمعين والمستمعات تلك القصة العجيبة التي قصها الله تعالى علينا في كتابه القرآن العظيم، تلك القصة التي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ إذ رجل أمي لم يقرأ ولم يكتب يقص قصصاً عجباً تم في بني إسرائيل مختلف الأحداث متنوعها، ولا يستطيع يهودي ولا مسيحي أن يرد كلمة واحدة أو ينقضها، فكيف لا يكون رسولَ الله يتلقى الوحي والعلم من الله عز وجل؟والقصة أتلوها: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ * وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:243-245].ثم تبدأ القصة مفصلة؛ إذ قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [البقرة:246-252].

هداية الآيات

فإلى هداية هذه الآيات في ستة أرقام تذكرنا بهذه الحادثة العظيمة:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات:من هداية الآيات:[ أولاً: الجهاد الشرعي يشترط له الإمام المبايع بيعة شرعية ].الجهاد الشرعي الذي أذن الله فيه وأمر به وشرعه لعباده المؤمنين يشترط لصحته وجوازه والقيام به الإمام المبايع بيعة شرعية، وقتال بدون بيعة وإمام باطل، وأهله ظالمون، ولن يثمر إلا البلاء والشر والفساد.من أين أخذنا هذا؟ إذ قال بنو إسرائيل لنبيهم شمويل: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246]، لم ما قاتلوا جماعات وأحزاباً؟ لعلمهم أن الجهاد الذي يثمر العز والكمال والطهر والصفاء يكون مما رضيه الله فأذن به وعلم عباده، فقالوا: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246]، فمأخذها هذه الهداية من قولهم: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا [البقرة:246].[ ثانياً: يشترط للولاية الكفاءة ]، الذي نوليه ونبايعه لا بد أن تكون فيه كفاية لمهمته، [ وأهم خصائصها العلم، وسلامة العقل والبدن ].من أين أخذنا هذا؟ ذلك أنهم قالوا: كيف تولي علينا هذا الرجل الفقير؟ فرد الله تعالى فقال لهم: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ [البقرة:247] أولاً، وما دام أنه اصطفاه فلا كلام، وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247] وبهذا يتأهل لقيادة الجيوش وهزيمة العدو.[ ثالثاً: جواز التبرك بآثار الأنبياء كعمامة النبي صلى الله عليه وسلم أو ثوبه أو نعله ]، بل حتى بصاقه؛ ذلك أنهم قالوا: اجعل لنا آية تدل على أن الله اختار هذا، فقال: الآية موجودة، أن يأتيكم تابوت بني إسرائيل، وفيه آثار موسى وهارون. وبالفعل جاء التابوت وكان بأيدي العمالقة في أرض بابل، فإنهم لما احتلوا ديارهم مزقوهم وشردوهم، وأخذوا هذا التابوت وهو صندوق مطلي بالذهب طوله حوالي ثلاثة أذرع، والعرض كذلك، وفيه آثار أنبياء بني إسرائيل، عصا موسى، وكذلك ثياب ونعال مما كان لموسى وهارون، وهذا بمثابة الراية يقاتلون تحتها، كانوا إذا خرجوا للقتال يحملون هذا التابوت، ويرضون بأن يمزقوا كلهم ولا يسقط هذا.إذاً: فجاءهم الله بالتابوت من أرض العراق إلى فلسطين، ففيه جواز التبرك بآثار الأنبياء، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا بصق لا يقع بصاقه على الأرض، يتلقفه أصحابه ويتمسحون به، أما بردته فإلى عهد قريب وهي في المتحف في بلاد العثمانيين، البردة لبسها الرسول صلى الله عليه وسلم، وخرج بها فاندهش الناس لجمالها، فجاءه أحدهم فقال: يا رسول الله! أعطني إياها، فعاد إلى حجرته ونزعها وقدمها له، فصاح الأصحاب: كيف تفعل هذا؟ الرسول ما يرد سائلاً لأنه حيي. فقال: أردت أن تمس جلدي كما مست جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوارثها الأصحاب وأبناؤهم، وبيعت بالآلاف، فآثار الأنبياء لها قيمتها، أما آثار الصعاليك من أمثالنا فخطأ، لا بصاق ولا ثوب ولا نعل. من أين أخذنا هذا؟ من قوله: وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ [البقرة:248].[ رابعاً: جواز اختبار أفراد الجيش لمعرفة مدى استعدادهم للقتال والصبر عليه ]، من أين أخذنا هذا؟ من كونه امتحنهم، قال: اسمعوا: سنصل إلى النهر غداً في الساعة كذا، وممنوع أن تشربوا منه. امتحاناً لهم، ما إن وصلوا إلى النهر وهم عطاش حتى انكبوا عليه يكرعون كالإبل، ما هم بأهل للقتال، فما خلص منهم إلا ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً، هؤلاء قادهم طالوت وقاتل بهم جالوت وانتصر عليه، وتلك الألوف كلها انهزمت، هذا اختبار أو لا؟ يريد أن يقاتل جيشاً عرمرمياً قوياً وأفراده قليلون، فاختار الصادقين، أما الانهزاميون أو الشهوانيون أصحاب الأطماع فما يصلحون للقتال، يهربون عند أدنى شيء، فمن أين أخذنا هذا؟ من قوله: إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي [البقرة:249] لا يمش معنا، وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي [البقرة:249] اللهم إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ [البقرة:249] ليطفئ لهب العطش، فخلص من ثلاثين أو أربعين ألفا ثلاثمائة، وقاتلوا وانتصروا.[ خامساً: فضيلة الإيمان بلقاء الله، وفضيلة الصبر على طاعة الله خاصة في معارك الجهاد في سبيل الله ].من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249] الذين لا يتزعزعون أبداً، يعطون صدورهم للعدو ولا يعطونهم أدبارهم.[ سادساً: بيان الحكمة في مشروعية الجهاد، وهي دفع أهل الكفر والظلم بأهل الإيمان والعدل، لتنتظم الحياة ويعمر الكون ]. من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:251].وختاماً قال تعالى: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ وعزتنا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [البقرة:252] فصلى الله عليه وسلم.فالذي يشك في رسالة محمد أحمق، مجنون، لا قيمة له أبداً، فمن أين يأتي هذا البيان؟ بلغ أربعين سنة وهو ما يعرف الألف ولا الباء، ما جلس بين يدي معلم أو مرب، فهل استطاع اليهود -وهم ثلاث طوائف كما علمتم- بعلمائهم أن يردوا كلمة؟

تفسير قوله تعالى: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ...)


والآن مع هاتين الآيتين الكريمتين:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ [البقرة:253] ومن ثم اقتتلوا، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:253-254].قوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ [البقرة:253]: تلك الجماعات التي تقدم ذكرها -جماعات الرسل- فضلنا بعضهم على بعض، ومن الذي يفضل؟ الله تعالى.

فضل نبينا على جميع الأنبياء

وهنا لنعلم أن الرسل ليسوا في مستوى واحد في المكانة عند الله عز وجل، بل متفاضلون، لكن ليس من حقنا نحن أن نفضل فلاناً على فلان، نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: لا تفضلوا بين الأنبياء، لا تفضلوني على موسى، لا تفضلوني على يونس ابن متى، ما هو شأنكم أنتم؟ فقط علمنا الله بهذه الآية أنه فضل بين الرسل وهو كذلك، فمن أفضل الرسل؟ محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهو نبي البشرية والجن، وإذا توهم متوهم فقال: فضلتموه على أنبياء بني إسرائيل لأنه نبيكم؛ قلنا: محمد صلى الله عليه وسلم نبي العرب ونبي العجم، ونبي الإنس والجن.إذاً: فضله الله عز وجل بما آتاه من الكمالات، لو تجتمع البشرية كلها وتصوغ آدابها وأخلاقها في صورة واحد فوالله! ما كانت كأخلاق أو آداب رسول الله. وفضّله الله تعالى بما يأتي:أولاً: بكون رسالته عامة للإنس والجن.ثانياً: بكونه ختم الله برسالته عامة الرسالات، أعلن عن هذا القرآن فقال: وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]، ومضى ألف وأربعمائة عام، فهل جاء نبي؟ هذه وحدها كافية، وقد كان الأنبياء يتواردون كل عامين، أو ثلاثة، ولكن هذه ألف وأربعمائة سنة، فهل جاء نبي؟ لأن الله قال: وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40].وقد فتح الله علينا وعرفنا السر، حيث علم الله أن الأرض ستكون كأرض واحدة والعالم كمدينة واحدة، أصوات البشر تنتقل من الشرق إلى الغرب، الناس يطيرون في السماء، إذاً: ما هناك حاجة إلى تعدد الأنبياء، فقد كانت البلاد متباعدة، فكانت رحمة الله تقتضي أن كل إقليم فيه نبي، ولكن علم تعالى أن البشرية ستصبح في يوم من الأيام وكأنها أمة واحدة وبلد واحد، فالآن القرآن يقرأ في موسكو والعالم يسمعه في إذاعتها، فهل عرفتم السر أو لا؟ إنه لعلم الله تعالى بما سيوجده في المستقبل من أن العالم سيصبح كمدينة واحدة.وفضله صلى الله عليه وسلم بأن أمته أفضل الأمم، وفضله بالشفاعة في المقام المحمود؛ حيث يتخلى عنها عامة الرسل ولا يطلبها أحد، وهو يقول: أنا لها، إذ بشره الله بها في سورة بني إسرائيل: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79] و(عسى) تفيد التحقيق من الله، وفضّله بأنه أول من يدخل الجنة، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.95%)]