
30-07-2020, 04:39 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (19)
الحلقة (26)

تفسير سورة البقرة (116)
بعد أن تبين لبني إسرائيل اصطفاء الله عز وجل لطالوت وتمليكه عليهم، وما أنزل عليه من التابوت الذي فيه ميراث موسى وهارون عليهما السلام، والسكينة التي وعدهم الله إياها، بعد ذلك خرج طالوت بجنوده حتى وصلوا إلى نهر، فابتلاهم الله عز وجل بالشرب منه، فشربوا منه جميعاً سوى نفر قليل أطاعوا أمر ملكهم ولم يشربوا، وهم الذين واجهوا العمالقة بقيادة جالوت، فهيأ الله داود عليه السلام لملاقاة جالوت فقتله ونصر الله عز وجل عباده المؤمنين على قلتهم، وهزم أعداءهم على كثرتهم وقوتهم.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في دراسة كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) اللهم حقق لنا هذا الموعود.
ذكر ما كان من خبر بني إسرائيل بعد وفاة موسى عليه السلام

أعيد تلاوة الآيات السابقة التي درسناها فتفكروا وتذكروا، فلها ارتباط بالآيات الآتية: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [البقرة:246] ملأ بني إسرائيل: أشرافهم -كما عرفنا- من علماء وأخيار، مِنْ بَعْدِ مُوسَى [البقرة:246] أي: بعد وفاة موسى بقرون، إذ يعقوب عليه السلام كان بأرض فلسطين، ثم لما أخذ ولده يوسف عليه السلام وبيع كما علمتم، واشتراه العزيز بالديار المصرية، وشاء الله عز وجل أن يجمع بين يوسف وإخوته ويعقوب، ثم كانت فترة نورانية ما غشيها ظلام الفسق والفجور والخروج عن طاعة الله ورسله، ثم بعث الله موسى عليه السلام وطالب فرعون بأن يخرج ببني إسرائيل من الديار المصرية، وامتنع فرعون وأراه الله الآيات التسع، وكسر الله فرعون وهزمه وخرج موسى ببني إسرائيل، ولما خرج بهم كان الذي وقع؛ لأنهم ما تربوا تربية إسلامية في حجور الصالحين، فكانوا جبناء وخرافيين، ما إن شاهدوا قوماً على ساحل البحر الأحمر يعبدون العجل حتى قالوا: اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138]، وحصل أن الله حرمهم من دخول الديار الفلسطينية وكتب عليهم التيه أربعين سنة لعصيانهم، لعدم طاعتهم لله ولرسوله، ومات موسى وهارون عليهما السلام في زمن التيه، وتولى بني إسرائيل يوشع بن نون، هذا تلميذ موسى عليه السلام.وقادهم ودخل والحمد لله الديار المقدسة، وأدب العمالقة وانتصر وكانت الدولة، فمضت فترة والناس في رخاء وطهر وصفاء، فجاءت الشهوات والأهواء والأطماع ففسقوا عن أمر الله، وخرجوا عن طاعته، وأعرضوا عن ذكره وكتابه كما هي حال المسلمين في فترات من الزمان معروفة، فسلط الله عليهم العمالقة، فشردوهم، شتتوهم، مزقوهم، أذلوهم، أهانوهم، ولما نبتت نابتة جديدة قالوا: إلى متى ونحن مشردون؟ هيا بنا نطالب نبينا شمويل بأن يعين لنا ملكاً ونقاتل تحت رايته ونسترد ديارنا وبلادنا.
طلب بني إسرائيل من نبيهم تولية ملك عليهم للقتال
اسمع القصة كما ذكرها تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246] اختره لنا، وقدمه لنا وابعثه لنشاهده.قال تعالى: قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا [البقرة:246]، قال: أتوقع أنه متى فرض الله عليكم القتال لا تقاتلون؛ لعلمه بضعفهم وخورهم واختلافهم وهبوطهم، وكان حكيماً، وكيف لا وهو نبي الله؟فردوا عليه قائلين: وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [البقرة:246]، قال تعالى: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا [البقرة:246] مهزومين معرضين إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [البقرة:246] ثلاثون ألفاً أو خمسون ألفاً ما صبر ولا رضي بالقتال منهم سوى ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، هذا الواقع. فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا [البقرة:246] هاربين معرضين عن المواجهة إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [البقرة:246].
إخبار بني إسرائيل بتولية الله تعالى طالوت الملك عليهم
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا [البقرة:247]، طالوت هذا بعض الروايات تقول: إنه ابن عجوز، ويلقب بابن العجوز؛ لأن والدته كانت كبيرة السن وشاخت وما ولدت، وتوسلت إلى الله بأسمائه وصفاته فرزقها الله هذا الولد، فكان يعرف بابن العجوز، وكان طويل القامة؛ بحيث إذا وقفت تريد أن تمس رأسه فإنك ترفع يدك حتى تضعها على رأسه، فسمي (طالوت) من الطول، وقوله: (ملكاً) أي: إماماً يقودكم إلى الجهاد.ولا ننس أنه لا بد من قيادة رشيدة، لا بد من إمامة، لا يصح للمسلمين أن يقاتلوا متفرقين مختلفين، فينهزمون وينكسرون، لا بد من إمامة تظللهم رايتها فيأتمرون بأمرها وينتهون بنهيها، هذا الذي شاءه الله، وقد قلنا لكم: لما قاتل المسلمون من إندونيسيا إلى موريتانيا المستعمرين الغربيين ما قاتلوهم تحت قيادة ربانية شرعية، فلما انتصروا على العدو الكافر ما أقاموا لله دولة ولا سلطاناً، ما أقاموا حتى الصلاة ولا جبوا الزكاة، ولا حرموا أدنى شيء مما حرم الله، لِم؟ ما السر؟ ما هناك إمام قائد رباني يأمر وينهى، بل جماعات وأحزاب ونعرات، فما استطاعوا أن يقيموا دولة إسلامية، والحبيب صلى الله عليه وسلم يعلمنا: ( إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا أحدكم )، أيما جماعة لا بد لهم من أمير حتى لا يختلفوا ويلعن بعضهم بعضاً، فكلمة المسلمين يجب أن تكون واحدة؛ لأنهم يحملون راية الإنس والجن كلهم أعداء لها، ما يريدون أن يعبد الله وحده، أو تقوم شريعته أبداً، فلا بد أن تكون تلك الأمة متحدة الكلمة، متحدة الرأي، متحدة الشريعة، فالخلاف شر كله، فانظر: ما قاتل بنو إسرائيل جماعات جماعات ومنظمات كما هو الحال الآن، قالوا: ابعث لنا ملكاً نقاتل تحت رايته.فنظر نبي الله شمويل إلى ضعفهم وعدم تربيتهم وخورهم فقال: ما أنتم بقادرين. فقالوا: كيف؟! وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [البقرة:246]، وصدق الله وصدق عبده ونبيه. قال تعالى: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [البقرة:246]، فلهذا يجب أن يتربى المؤمنون في حجور الصالحين على الكتاب والسنة، على النور الإلهي، وإلا فهم غثاء كغثاء السيل، فأنى يقودون العالم ويسودون البشرية؟
ترفع الملأ من بني إسرائيل واعتراضهم على تمليك طالوت
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا [البقرة:247]، كان المفروض أن يقولوا: آمنا بالله، مرحباً، الحمد لله، فنبيهم ما قال: أنا بعثته، بل قال: إن الله بعثه بوحيه، قال: عين لهم فلاناً يقودهم.فلما كانوا في ذلك الهبوط الخلقي والروحي والعلمي قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا [البقرة:247]، ما هو من أبناء يهوذا الذين فيهم الملك ولا من أبناء لاوي الذين فيهم النبوة، بل هو من أولاد بنيامين أخي يوسف، فلن نقبل هذا! فهل هذا الكلام يقوله مؤمن؟ يردون على رسول الله ونبيه، لأنهم جهلة بعداء عن الأنوار الإلهية، فواجهوا نبي الله بهذه الكلمات. قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ [البقرة:247]، نحن أحق بالملك منه؛ لأننا أبناء الملوك أو أبناء الأنبياء، وليس هو من هؤلاء ولا من هؤلاء، ولم يعطَ المال الكافي.
اصطفاء الله تعالى لطالوت وبيان ما حباه به من الشمائل
فقال نبي الله شمويل: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247]، وهنا: من أراد أن يأمر أميراً فلا بد أن ينظر إلى بدنه وقوته وإلى علمه وإدراكه، العلم الذي نعني غير الثقافة الغربية الأوروبية، فتلك أوساخ، المراد العلم الرباني: العلم بالله تعالى وبمحابه ومكارهه، وكيف تؤدى تلك المحاب، وكيف تجتنب تلك المكاره، العلم بما عند الله لأوليائه، وما لدى الله لأعدائه، هذا العلم مع قوة البدن، يكون قادراً على البيان والكلام والمشي والقيام، أما المريض والضعيف فما ينفع في هذا الباب. قال: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ [البقرة:247] لا تعترضوا على الله، الله يعطي ملكه من يشاء، العبيد عبيده وهو الذي يملِّك من شاء من عبيده، وقد اصطفى طالوت واختاره من بينكم لأهليته للقيام بهذه المهمة: قيادة الجيش لإنقاذ البلاد من المستعمرين. وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:247]، واسع العلم والمعرفة والقدرة، عليم بكل ما يحدث في الكون قبل أن يكون، فليسلم له، فإذا اختار الله زيداً أو إبراهيم لم يبق للجهلة الحق في أن يقولوا: لا، وهو سبحانه الواسع القدرة والعلم والإحاطة بكل شيء، العليم بخفايا الأمور، والظاهر والباطن عنده سواء، فما ينبغي أن يردوا هذا عليه.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|