والمثال على ذلك:
• نرى ونسمع من قديم أن أكثر البلاد انتحارًا هي البلاد التي ارتفع فيها مستوى المعيشة، وتيسَّرت فيها لأبنائها مطالب الحياة المادية؛ من مأكل ومشربٍ، وملبس ومسكن ومركب، مع كماليات كثيرة.
في إحدى الدول الكبرى كان المواطن فيها يعيش في مستوى من الرفاهية يُشبه الأحلام، ومع هذا المستوى من المعيشة العالي من ناطحات السحاب، ومراكب الفضاء، وتدفُّق الذهب من فوقهم ومن تحت أرجلهم - كان الناس يحيون حياة قلقة مضطربة، كلها ضيق وتوتُّر، وشكوى وسخط، وتبرُّم ويأس، ونتيجة هذا يهرب الناس من هذه الحياة الشقية النكدة، عن طريق الانتحار الذي يلجأ إليه الألوف من الناس تخلُّصًا مما يعانونه من عذاب نفسي أليم.
وانتهى الباحثون والمحللون إلى أن السر وراء هذا الشقاء، يرجع إلى أمر واحد هو فِقدان الإيمان، وأمريكا أغنى بلد في العالم لم يُحقِّق لأبنائه الغنى والسعادة، ورأينا مِن مُفكريهم من يقول: "إن الحياة في نيويورك غطاء جميل لحالة من التعاسة والشقاء!".
2- إعلاء منظومة القيم الإسلامية:
قيام المؤسسات التربوية بدورها من أجل إعلاء منظومة القيم الإسلامية العالية؛ لأنها تشمل جميع مظاهر النشاط الحيوي للفرد والمجتمع، فهي تضبط الفرد وتُوجِّه فكره وسلوكه إلى ما يعود عليه بالخير، وتُحفزه إلى الارتقاء بنفسه وتحقيق إنسانيته، وهي التي تعطي المجتمع ملامحه الحقيقية، وتضبط حركته، وترسم له وجهته وغايته، فإذا تجرَّدت الحياة البشرية منها لم تَعُد حياة إنسانية أبدًا، فأي كرامة لحياة لا تصان بالتقوى والأمانة؟! وأي قيمة لاجتماع بشري لا تَسوده الرحمة والتكافل، أو نظام سياسي لا يقوم على أساس العدل والشورى، والقيم؛ مثل: العلم والعمل، والحرية والصدق، والأمانة والصبر، والوفاء والعطاء، والقدوة والحب...إلخ؟!
والعمل على تطبيقها في واقعنا المعاصر لما تُقدِّمه من حلول ناجحةٍ لجميع المشكلات والظواهر السلبية في المجتمع.
3- حملات التوعية المجتمعية:
• زيادة الجرعات التوعوية اللازمة لأفراد وفئات المجتمع، عن طريق مختلف الوسائل الإعلامية والتعليمية، لبيان خطر جريمة الانتحار وبشاعتها، وما يترتب عليها من نتائج مؤسفة وعواقب وخيمة؛ سواءً على الفرد، أو المجتمع.
وعمل برامج تأهيلية علاجية تتشارك فيها الأسرة والمدرسة مع المعالِج النفسي، للنهوض بشخصية المصاب والتركيز على الجوانب الإيجابية لديه، ومساعدته على القيام بدوره في المجتمع، ومتابعته وتحسين ما يمكن تحسينه في محيطه الاجتماعي كتقليل الصراعات الأُسرية.
4- إحياء الروح المعنوية عن طريق بث الأمل في النفوس:
• لقد حرَّم الله تعالى اليأس المؤدي إلى الانتحار، وندَّد باليائسين واعتبره قرين الكفر، فقال تعالى: ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].
وندَّد بالقنوط واعتبره قرين الضلال، فقال تعالى: ﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 56].
وأجمع العلماء أنهما من الكبائر بل أشد تحريمًا، وجعلهما القرطبي في الكبائر بعد الشرك من حيث الترتيب؛ قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "الكبائر أربع: الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، واليأْس من رَوح الله، والأمن من مكْر الله"، وقال العدوي: "الإياس من الكبائر".
واليأس فيه سوء أدبٍ مع الله سبحانه وتعالى؛ يقول تعالى: ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا ﴾ [الإسراء: 83].
واليأس سبب لفساد القلب:
• قال ابن القيم وهو يعدِّد الكبائر: "الكبائر: القنوط من رحمة الله، واليأس من رَوح الله، وتوابع هذه الأمور التي هي أشد تحريمًا من الزنا، وشرب الخمر، وغيرهما من الكبائر الظاهرة، ولا صلاح للقلب ولا للجسد إلا باجتنابها، والتوبة منها، وإلا فهو قلب فاسد، وإذا فسد القلب فسد البدن".
والأمل تَوْءَمُ الإيمان؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].
وقد فتح جميع الأبواب أمامك، واسمع إليه سبحانه وتعالى في الحديث القدسي الجليل، فقد روى الترمذي وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفَرت لك على ما كان فيك ولا أُبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أُبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقِيتني لا تُشرك بي شيئًا، لأتيتك بقُرابها مغفرة)).
هذا خطاب الله لعباده، فإذا كنت عبدًا من عباد الله، فهذا النداء يخصك، فلا يتسرب اليأس إلى قلبك، فيدخل معه الكفر والعياذ بالله، ولقد عاب النبي صلى الله عليه وسلم على الذين يُنفِّرون الناس، ويضعون الناس في موقع الدونية والهزيمة النفسية، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((إذا قال الرجل: هلَك الناس، فهو أهلكهم)).
عباد الله، ما أحوجَنا ونحن في هذا زمن الفتن والغموض إلى عبادة الأمل؟ فمن يدري؟! ربما كانت هذه المصائب بابًا إلى خير مجهول، ورُبَّ مِحنة في طيِّها مِنحة، أوَليس قد قال الله: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216]؟!
وقال تعالى: ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].
فلقد ضاقت صدور كثير من العباد اليوم بسبب كثرة الماديات، ومشاهدة الفضائيات، والإسراف في المحرمات والسيئات، والاقتصاد في الطاعات والحسنات، فحصلت تلك الآهات، وكثُرت تلك الصرخات، بل وحصل أدهى من ذلك وأمَرُّ، فصارت الوسوسة، حتى إن البعض يفكِّر كيف يتخلص من نفسه جراء الضيق والحسرة والوحشة التي يعيشها، فلا طعم للحياة عنده، ولا هدف ولا غاية يرى أنه من أجْلها خُلِق، فلا بد من الأمل؛ فالأمل إذًا هو إكسير الحياة، ودافع نشاطها، ومخفِّف وَيْلاتها، وباعث البهجة والسرور فيها.
ما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل! والأمل قبل ذلك كله شيء حُلو المذاق، جميل الْمُحَيَّا في ذاته، تحقَّق أو لم يتحقَّق.
الأمل دافع للتقدم والنجاح:
• لا بد منه لتقدم العلوم، فلو وقف عباقرة العلم والاختراع عند مقررات زمنهم، ولم ينظروا إلا إلى مواضع أقدامهم، ولم يمدَّهم الأمل بروحه في كشف المجهول، واكتساب الجديد من الحقائق والمعارف، ما خطا العلم خطواته الرائعة إلى الأمام، ووصل بالإنسان إلى القمر.
والأمل لا بد منه لنجاح الرسالات والنهضة، وإذا فقد المصلح أمَلَه، فقد دخل المعركة بلا سلاح يقاتل به، بل بلا يد تُمسك بالسلاح، فأنَّى يُرتَقَب له انتصار وفلاح؟!
وإذا استُصْحِب الأمل، فإن الصعب سيهون، والبعيد سيدنو، والأيام تُقرِّب البعيد، والزمن جزءٌ من العلاج.
صور مضيئة على طريق الأمل:
• هذا سيدنا إبراهيم - عليه السلام - قد صار شَيْخًا كبيرًا ولم يُرزَق بعدُ بولدٍ، فيدفعه حُسْنُ ظَنِّهِ بربِّهِ أن يدعوه: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات: 100]، فاستجابَ له ربُّه ووَهَبَ له إسماعيلَ وإسحاقَ عليهما السلام، وتَبرز قدرة الله عز وجل وتَظهر، عندما تنقطع أسباب البشر مع هذه الزوجة الصالحة المؤمنة (هاجر) وولدها إسماعيل عليه السلام، فقد تركها زوجها إبراهيم عليه السلام مع ولدها في وادٍ غير ذي زرع، وذلك بأمرٍ من الله سبحانه وتعالى، فقالت له بعد أن تأكَّدت أنه أمر الله: "اذهَبْ فإنه لن يُضيِّعَنا"!
وهذا سيدنا موسى عليه السلام يخرج ومعه بنو إسرائيل من مصر، ويتبعه فرعون وجنوده، ثم يَعترضه البحر أمامه، وفرعون بجيوشه وسيوفه وحرابه من ورائه، فإذا ببعض بني إسرائيل ممن لم يعمر الإيمان قلبه، ولم تَعظُم ثقتهم بالله عز وجل يقول: ﴿ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ [الشعراء: 61].
لا أملَ لنا في النجاة مطلقًا، وجاء ردُّ موسى عليه السلام بقدر ما كان على عظيم الأمل وكماله: ﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62].
لا يمكن أن تكون هذه هي النتيجة؛ لأن هناك وعدًا من الله سبحانه وتعالى، ولم يكن موسى عليه السلام إذ ذاك يعلم كيف سيكون الخلاص، هو يعلم أن ثمة خلاصًا لكنه لا يعلم كيف يكون، ثم جاء السبب اليسير: ﴿ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾ [الشعراء: 63]، فلما مر موسى ومَن معه، وجاء فرعون ومن معه، أطبق البحر عليهم، فماتوا غرقى.
وهذا سيدنا زكريا عليه السلام قال تعالى: ﴿ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم: 2 - 6].
فاستجابَ له الله، فقال تعالى: ﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 7].
وأيوب - عليه السلام - ابتلاهُ ربُّه بذَهاب المالِ والوَلَدِ والعافِيَةِ، ثُمَّ ماذا؟ قال الله تعالى: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 83، 84].
ويونس قد ابتلعه الحوت: ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87].
وهذا هو رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب؛ حيث يتألَّب الشرك الوثني بكل عناصره، والغدر اليهودي بكل تاريخه، ويشتد الأمر على النبي وأصحابه؛ قريش وغطفان، ومَن يحطب في حبلهما من خارج المدينة، واليهود والمنافقون من الداخل، موقف عصيب صوَّره القرآن بقوله: ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 10، 11].
في هذه الساعات الرهيبة التي يَذوي فيها عود الأمل، ويخبو شعاع الرجاء، ولا يفكر المرء إلا في الخلاص والنجاة.
في هذه اللحظات والنبي يسهم مع أصحابه في حفر الخندق حول المدينة، يصدون بحفره الغُزاة، ويعوقون الطامعين العتاة - يحدث النبي أصحابه عن الغد المأمول، والمستقبل المرجو حين يفتح الله عليهم بلاد كسرى بفارس، وبلاد قيصر بالشام، وبلاد اليمن بالجزيرة، حديث الواثق المطمئن الذي أثار أرباب النفاق، فقالوا في ضيق وحنق: إن محمدًا يَعِدنا كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الخلاء وحده! أو كما قال القرآن: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الأحزاب: 12].
ماذا تُسمي هذا الشعاع الذي يَبزُغ في دياجير الأحداث من القلوب الكبيرة، فيُنير الطريق، ويُبدد الظلام؟ إنه الأمل، وإن شئت فهو الإيمان بنصر الله: ﴿ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 5- 6].
وانظر أخي الكريم إلى سورة الشرح التي تتضمن اليسر والأمل والتفاؤل للنبي صلى الله عليه وسلم، وتذكير النبي صلى الله عليه وسلم بنِعَم الله عليه، ثم اليُسر بعد العُسر، والطريق لهذا اليسر هو النَّصَب والطاعة لله عز وجل، والرغبة والأمل في موعود الله عز وجل؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 1 - 8].
فلقَدْ كانَ رسولُنا صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُه الفأْلُ؛ لأنَّه حُسْنُ ظَنٍّ باللهِ سبحانه وتعالى، فقَدْ أخرجَ البخاري ومسلم عن أنس - رضي الله عنه - أنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قالَ: ((لا عَدْوَى ولا طِيَرَة، ويُعجبني الفأْلُ: الكلمة الحسَنة، الكلمة الطيبة).
فبالأمل يذوق الإنسان طعْم السعادة، وبالتفاؤُل يُحس ببهجة الحياة.
والإنسان بطبعه يحب البُشرى، وتطمئن إليها نفسه، وتَمنحه دافعًا قويًّا للعمل، بينما التنفير يُعزز مشاعر الإحباط واليأس لديه، ويُصيبه بالعزوف عن القيام بدوره في الحياة؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يسِّروا ولا تُعسِّروا، وبشِّروا ولا تُنفِّروا)).
وقَدْ بشَّرَنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم بانتصارِ الإسلام وظُهوره مهما تكالبَتْ عليه الأعداءُ، وتألَّبَت عليه الخصوم؛ فعن تميم الدَّاري - رضي الله عنه- قالَ: سمعتُ رسـولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((ليَبلغُنَّ هذا الأمر ما بلَغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبرٍ، إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيزٍ أو بذُل ذليلٍ، عزًّا يعز الله به الإسلام، وذلاًّ يذل الله به الكفر))؛ أخرجَه أحمد.
العنصر السادس
الخاتمة
أيها الأحبة الكرام، هذه وصيتي للمربين تتلخص في ثلاثة نقاط:
أ- الإنصات للأشخاص المقربين والأصدقاء والأبناء، ومَن يمرون بظروف صعبة، والتواصل العاطفي معهم، وعدم الضغط على الأبناء بخصوص التحصيل الدراسي، وعدم مقارنتهم بآخرين أو انتقادهم المستمر، أو إحراجهم والاستهزاء بهم.
ب- محاولة تفهُّم الظروف والأسباب التي قد تدفع بعض أفراد المجتمع إلى محاولة الانتحار، ومِن ثَم العمل على مَدِّ يد العون لهم، ومساعدتهم في حلِّها، وبذلك يتم القضاء على أسباب هذه الظاهرة ودواعيها بإذن الله.
ج- معالجة الأمراض النفسية والاضطرابات لدى الفرد؛ كالاكتئاب، والفصام، والإدمان، فلا يجب إخفاء أو إهمال ما يَظهر على الفرد من اضطرابات سلوكية غير مألوفة، فيجدر بعائلة المريض التوجه إلى الطبيب النفسي أو المختص لعلاجه، وإدخاله المصحة النفسية إن لزم الأمر، وعدم الخجل أو انتظار تفاقم الحالة، ووصيتي للشباب ومَن تُسوِّل له نفسه بالإقدام على هذا الفعل الشنيع.
عظِّموا رجاءكم بالله، وأيقنوا برحمته سبحانه التي وسعت كل شيء، وجدِّدوا صلتكم بالله، وأكثروا من الطاعات، والجؤوا إليه سبحانه بالدعاء والتضرع أن يصرف عنكم السوء، وأن يحبِّب إليكم الإيمان، وأن يُزينه في قلوبكم، وأن يُكرِّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان، وأن يجعلكم من الراشدين، وتفاءَلوا بالخير تَجدوه، واعلموا أن الحياة نعمة عظيمة أنعم الله بها عليكم، وفرصة لا يمكن تعويضها، فاغتنموها في العمل الصالح؛ حيث به تَحْيَوْن حياة كريمة؛ كما قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].
واعلموا أن كل شيء ممكن وليس هناك مستحيل، وأنكم مَن تصنعون الظروف، لا الظروف التي تصنعكم، فكونوا متفائلين وإيجابيين، وهو ما يُشير إليه قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].
ويقول الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله: "لو أن رجلًا وقف أمام جبل وعزَم على إزالته، لأزَاله"، ويكفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الناس مَن طال عمره وحسُن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله))؛ رواه أحمد والحاكم، والترمذي وصحَّحه.
نسأل الله تعالى أن يحفظنا جميعًا من كل شرٍّ، وأن يُوفِّقنا إلى طاعته، وأن يرزقنا حياةً طيبةً، وأن يختم لنا بخاتمةٍ حسنة، وصلى الله وسلم على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.