
23-07-2020, 04:23 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (18)
الحلقة (25)

تفسير سورة البقرة (115)
يذكر الله عز وجل قصة بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام، وأنهم طلبوا من نبيهم أن يختار لهم ملكاً من بينهم ليقاتلوا تحت لوائه العمالقة، وبينوا له سبب استعدادهم للقتال وذلك لاسترداد أوطانهم وما سلب منهم، فلما عين لهم رجلاً منهم ليكون ملكاً عليهم بدءوا بالتلكؤ والتساؤل، إذ كيف يكون لطالوت الملك عليهم وليس صاحب مال وافر فيهم، فبين لهم نبيهم أن الله عز وجل هو الذي اختار لهم طالوت وميزه عليهم بمزيد من العلم والقوة.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على عادتنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، وها نحن مع هاتين الآيتين المباركتين، وإليكم تلاوتهما:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:246-247].
حث المسلمين على الجهاد بتذكيرهم بإماتة الله تعالى الفارين من الموت
أعيد إلى أذهان المستمعين من المؤمنين والمستمعات من المؤمنات ما جاء في الآيات الثلاث في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ [البقرة:243] وما بعده، فقد عرفنا -زادنا الله معرفة- أن هذه الآيات نزلت في بداية الجهاد الإسلامي، فسورة البقرة من أوائل ما نزل بالمدينة، وهي قطعاً مدنية، والجهاد يتطلب المال والنفس، وإذا لم يكن مال ولا رجال فكيف يكون الجهاد؟ والنفس قد يعتريها الخور والخوف والضعف، وتعجز عن القتال، والجهاد قتال، والأمة مقبلة على قتال الأبيض والأصفر، وهذا الذي تم.إذاً: فقال الله تعالى لرسوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا [البقرة:243] فماتوا، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة:243] لِم خرجوا من ديارهم؟ لأن الوباء الطاعون -عافانا الله وإياكم والمسلمين منه- وقع، فخرجوا هاربين من الموت يظنون أنهم إذا خرجوا من مدينتهم نجوا من الموت، ولا أشك أن هذا مسبوق بطلب رفضوه، وإن لم يذكر، فلعل أحد أنبيائهم طلب منهم أمراً فرفضوا فأصابهم الله تعالى بهذا المرض؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عنه: إنه رجس أصيب به طائفة من بني إسرائيل، فهذا هو مرض الوباء، فلما جبنوا ابتلاهم الله بهذا الوباء ففروا هاربين منه يظنون أنهم ينجون، وما إن خرجوا حتى قال لهم: (موتوا) بكلمة التكوين فماتوا وأنبيائهم يشاهدون، ثم قال لهم: (قوموا) فحيوا عن آخرهم.فهل نفعكم الفرار من الموت؟ ما نفع، هل امتناعكم عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والجهاد كان له عاقبة حميدة؟ لقد كانت من أسوأ العواقب، إذاً: هذا من باب (إياك أعني واسمعي يا جارة)!هذا حدث في بني إسرائيل وقصه الله للعبرة، يقول تعالى: ألم ينتهِ إلى علمك يا رسولنا كذا وكذا؟ ليفهم هذا المؤمنون وليعرفوا مركزهم وموقفهم.
عظيم فضل الله تعالى على الناس

إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة:243]، وتجلى فضل الله عز وجل في خلقه لهم، وفي إنجائهم وإحيائهم بعدم موتهم، أليس هذا أعظم فضل، ماتوا فأحياهم عن آخرهم، لو شاء لتركهم إلى الأبد. إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ [البقرة:243] أبيضهم وأصفرهم، إذ ما منا إلا وهو يتقلب في نعم الله، من استطاع منا أن يوجد لنفسه عيناً أو أذناً، أو شفة من الشفتين، أو لساناً ينطق به، أو هواء يتنفسه، فضلاً عن الطعام والشراب؟ ففضل الله علينا عظيم، والمطلوب أننا لا نبكي بل نحمد الله عز وجل، وذكرتكم وما انتفعتم ولا انتفعنا؛ لأن قلوبنا مصابة بالغفلة، قلت: منذ فترة تغدينا مع رجل مؤمن في مدينة بريدة، فمن ساعة أن وضع الطعام والرجل يقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله؛ حتى فرغ الأكلة من طعامهم، ولا يقل لنا قائل: هذا تنطع أو هذا ابتداع، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما فعل هذا! فهذا كلام ليس بصحيح، بل نحن مأمورون بذكر الله وشكره، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن أنه يتوب إلى الله ويستغفره في اليوم مائة مرة. والشاهد عندنا: أننا لو ننظر في صدق إلى ما نحن فيه من نعم ما وسعنا أن نسكت أبداً، بل لن نقول إلا: الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.فماذا أراد الله بقوله: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة:243] أليست دعوة إلى الذكر وإلى الشكر؟
أمر المسلمين بالجهاد لعبادة الله تعالى وحده
ثم قال بعد هذه التوجيهات: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:190]، هل المراد بنو إسرائيل؟ لا، بل المسلمون، إذ نزلت الآيات لهدايتهم وتربيتهم، وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:190] أيها المؤمنون.وعرفنا أن القتال في سبيل الله هو من أجل أن يعبد الله تعالى في الأرض وحده، يعبد بما شرع من عبادات، من أجل أن ينتقل أهل الأرض إلى السماوات؛ لأن أهل الأرض إذا لم يعبدوا الله تعالى بما شرع لهم فإنهم ينزلون إلى الدركات السفلى، ويخلدون في العذاب الأبدي في الطبقات السفلى من الكون، فإذا هم عبدوا الله تعالى عبادة شرعية حقيقية زكت أنفسهم وطابت أرواحهم، وحينئذٍ يرفعهم الله إليه إلى الملكوت الأعلى، فهذا سر العبادة، مع ما تفيضه على العابدين من مودة وإخاء وطهر وصفاء، وعدل ورحمة، وتنتهي مظاهر الخبث والظلم والشر والفساد، ولا يبقى لها أثر.
إحاطة علم الله تعالى وسمعه أقوال المرجفين
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا [البقرة:244] أيها المؤمنون أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:244]، إذ هذه الآيات الأولى في الجهاد، ولا تسأل عن الطابور الخامس وعن الإعلام في المدينة، اليهود يقولون كذا، والمشركون يقولون كذا، يقولون: هذا جاء لإيقاع الفتنة بينكم، هذا كذا، يريدكم كذا، فقال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ [البقرة:244] لأقوالكم الهابطة أقوال السوء، عَلِيمٌ [البقرة:244] بما تكنونه من مكر برسولنا وكيد لعبادنا المؤمنين، فهذه تلصقهم بالأرض، فما دام تعالى سميعاً لأقوالهم، عليماً بأعمالهم؛ فسوف ينزل بهم نقمه، أو يكشف الستار عنهم ويفضحهم؛ لأن الآيات في بداية المعركة بعد معركة بدر مباشرة.
الحث على الإنفاق في سبيل الله تعالى
ثم حثهم وحضهم وهيجهم على الإنفاق في سبيل الله، فبِم يقاتل رسول الله وهو ما يملك ديناراً ولا درهماً، فإذا قال المهاجرون: هيا يا رسولنا قال: أين طعامكم وشرابكم وسلاحكم؟ فلهذا قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245]، الدينار بسبعمائة دينار، بل بألف، وبالفعل أخرجوا أموالهم وأنفقوها في سبيل الله، وكم من مؤمن كان يأتي ويقول: يا رسول الله! أجاهد معك، فيقول: لا أستطيع حملك: لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ [التوبة:92]، فيرجعون وهم يبكون من الحزن لأنهم ما استطاعوا أن ينفقوا.إذاً: مَنْ ذَا الَّذِي [البقرة:245]، هذا الاستفهام للتهييج والإثارة، مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245]، والمال ماله وهبه لنا، وقال: أقرضوني أضاعف لكم القرض، وإلا فالمال -والله- ماله، ومن رحمته وإحسانه أنه يعطينا ويستقرض منا، فالناس الآن قد يفعلون هذا، يعطي لأخيه مالاً ويحتاج إليه، فيقول له: أقرضني، لكن الله عز وجل واسع الفضل عظيم، فالدينار بسبعمائة وبألف: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [التوبة:111] مع أن أنفسهم وأموالهم منه وله، وهبهم واشترى منهم لغناه ولفقرهم، بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111]، لا أحد، فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111]، هل عرف المسلمون هذه الآية؟ ما سمعوا بها؛ لأن هذه السورة ما تقرأ على الموتى أبداً، ما هي مثل يس، والواقعة، والملك، ولذا ما عرفوها، ولو عرفوا هذه ما صح لأحدهم أن يحتسي شراباً يضعف عقله أو بدنه، ولما استطاع مؤمن أن يدخل أي ضرر على نفسه؛ لأن النفس هذه ليست له، حيث باعها، وهي أمانة في عهدته لله عز وجل؛ فلهذا لا يحل لمؤمن أن يدخل على نفسه أذى، لا على عقله ولا على جسمه بعظامه ولحمه؛ لأنها أمانة مودعة عنده، ويوم يطلبها المؤتمن تقدم له.والذين يحتسون السموم ويشربون المخدرات ويهدمون بنيانهم في المعاصي والجرائم والسهرات وما إلى ذلك، هؤلاء أضاعوا أمانة الله أو لا؟ لو نادى إمام المسلمين: (حي على الجهاد)؛ قال أحدهم: مع الأسف؛ أنا مريض! لماذا تمرض، لم تدخل المرض على نفسك، أليست أمانة لله، أما بعت نفسك واشتراها الله، فكيف إذاً تعمل هذا بجسمك؟ أما المال فلا تسأل، فالذي ينفق درهماً ريالاً قرشاً في معصية الله أعوذ بالله منه، هو شر الخلق، أيعطيه مولاه ويشتري منه ثم ينفق ضده؟ فتأمل: وهبك مالك ونفسك، ثم اشتراهما منك وتركهما أمانة عندك، فحين يطلبهما تعطيه، وإذا بك تنفق ماله ضده فيما يكره، وتتحداه، والله! لو يشعر العبد المؤمن بهذا الشعور لأغمي عليه.فلهذا كل من ينفق ديناراً ودرهماً في معصية الله وقف هذا الموقف الشائن الذي هو أسوأ موقف، ونبدأ بالذين يشربون الدخان والشيشة والكوكائين والهروين، والذين ينفقون أموالهم على الزنا والعهر والباطل، والذين ينفقون أموالهم في القمار واللهو والباطل، حتى الإسراف في الأكل والشرب لا ينبغي، فالقصد.. القصد، هذا مال الله، ما هو بمالك، فلا تسرف.إذاً: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة:245]، وبينتها سورة البقرة، إذ قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261]، قال ابن عباس : إلى ألف ألف، وألف الألف مليون.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|