عرض مشاركة واحدة
  #36  
قديم 18-07-2020, 05:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,483
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (36)

صـــــ289 إلى صــ301


[باب الغسل]

قوله رحمه الله: [ويَغْسلُ يَديْه ثَلاثاً، وما لوّثَه]: المراد به أن يغسل كفّيه ثلاث مرات.
والمصنف هنا قال: [يغسل يديه ثلاثاً] ثم أجمل، والحقيقة غسل اليدين،
أو الكفين في الغسل من الجنابة له حالتان:

الحالة الأولى:
أن يغسل الكفّين قبل أن يعمّم البدنَ بالماء.
الحالة الثانية: أن يغسل الكفّين بعد غَسْل الفرج تَهيُأً للوضُوءِ.
فأما الحالة الأولى: وهي أن يغسل كفيه عند إبتداء الغسل فقد ثبت في الصحيحين كما في حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-
في قولها:
[بدأ فغسل يديه]، وفي رواية مسلم [يَغْسِل كَفّيه] لكن ليس فيها التصريح بالتثليث،
وقد جاء في حديث ميمونة رضي الله عنها في قولها:
[فأفرغ على يديه فغسلهما مرّتين، أو ثلاثاً] والغسل للكفين في ابتداء الغسل من الجنابة مناسبته: أن اليدين ناقلتان للماء، والماء ينبغي أن يكون طهوراً، فينبغي أن تكون آلته محافظة على الطهورية، فإذا كانت اليد نظيفة، بقي الماء على أصل الطهورية، وإذا كانت اليدان ليستا بنظيفتين؛ فإن ذلك أدعى لخروج الماء عن وصفه بالطُّهورية خاصةً، وأن الكف تنقلُ ماءً يسيراً، ولذلك أُمِرَ بغسلهما قبل الوضوء لمن استيقظ من نومه.
أما الحالة الثانية لغسل الكفين: فإنها تكون بعد غسل الفرج، والمناسبة فيها ظاهرة؛
لأنها تلوثت بالأذى وقد أشارت إليها أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها بقولها: [ثمّ أَفْرغَ بِيمينِه عَلى شِمَالِه فَغَسل مَذَاكيِرَه ثم دلك يَدَه بِالأَرْضِ].
قال رحمه الله: [يغسل يديه ثلاثاً، وما لوّثه]: اللّوث يطلق بمعنى التلطيخ، فالتلويث التلطيخ، يقال لوّث الماء إذا لطخه،
وقد يطلق بمعنى:
المرض،
والعاهة في العقل ومنه قولهم:
(اللّوثة) نسأل الله السلامة والعافية،
وقد يطلق بمعنى:
الحاجة؛ وهي حاجة الإنسان،
والمقصود بالتلويث في قوله:
[ما لوثه]: يعني ما أصاب يده من القذر، وهذا يدل على أن المراد بغسل الكفين ما يكون بعد إزالة الأذى عن الفرج فكان من هدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه يبتدئ فيصب الماء على كفّيه -صلوات الله وسلامه عليه-، ويغسلهما ثم يُفْرِغ بيمينه على يساره، فيغسل فرجَه -صلوات الله وسلامه عليه-، ومواضع الأذى كما تقدّم ذكره في حديث ميمونة -رضي الله عنها وأرضاها-، فيغسل الأذى الذي على الفرج، وما جاوره كالفخذين، والرُّفْغَين، ونحوهما، ولما انتهى -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيحين من حديث ميمونة رضي الله عنها من غسل فرجه، وإزالة الأذى دَلَكَ يديه بالأرض،
ولذلك قال العلماء:
يَبْتدئُ بغسل الكفّين ثمّ يُثنّي بالفرج، ثم يدلك يديه للغسلة الثانية، وهذه الغسلة الثانية آكد من الأولى، فإن الأولى قد تكون اليدان طاهرتين، ولا يحتاج فيها إلى تجديد غَسل؛ ولكن في الثانية لمكان الأذى، وتلطّخ اليدين ناسب أن يدلكهما -عليه الصلاة والسلام-.
قال بعض العلماء رحمهم الله: السُّنة لمن اغتسل في أَرضٍ تُرابيِّة أن يدْلكَ يديه بالأرض التُّرابِيِّة والتّراب ينظف، ويُنْقِي كالصابون، والمطهّرات، فناسب أن يدلك -عليه الصلاة والسلام- يده بالأرض وورد في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام ضرب بها الحائط،
ولذلك قال بعض العلماء:
إذا كانت الأرض صلبة، وكان الحائط طيناً فإنه يضرب بيديه الحائط وللعلماء في ضربه -عليه الصلاة والسلام-
بيده على الأرض وعلى الحائط في غسله من الجنابة وجهان:
الوجه الأول: منهم من قال: عبادةٌ معلّلة تكون إذا وجدت عِلّتها،
والعلّة عندهم:
التنظيف، بمعنى أن الإنسان يضرب الحائط، ويدلك الأرض بقصْد التنظيف، فإذا كانت الأرض صلبة، أو كان الحائط من غير الطين، كالإسمنت، ونحوه فإنه تكون السُّنة بالغسل بالصابون، وما يحلُّ محل الطِّين لأن العِلة عندهم التنظيف، فكما أنه يحصل بالطين فعند فَقْدِه يحصل بما يناسبه، كالأُشنانَ، والصَّابون.
والوجه الثاني: قال: عبادة غير معلّلهٍ، ويُقتصر فيها على الصورة الواردة، فلا تشمل غيرها، ويكون وجود التّطهير في الطين تبعاً، لا أصلاً.
وعلى هذا القول: فإنه يُسنّ للإنسان، ولو كان الجدار، والأرض صلبةً أن يضرب بهما يده إتباعاً للسنة.والصحيح أنه عبادة معلّلة يضرب بيديه الجدار إذا كان من طين، ويدلك بهما الأرض إذا كانت ترابيّة وإذا زال الأذى بالصابون، والمُطهّرات المعروفة في زماننا أجزأه، وحلّ ذلك محل التراب، لأن التراب هنا ليس مقصوداً على وجه التعبّد فيجزئ عنه الصابون، والمطهرات لأنها تقوم مقامه، فيحصل بها المقصود شرعاً، وهو النظافة، والنقاء، بخلاف ما إذا كان التراب فيه معنى التعبّد، كما في غسل الإناء من ولوغ الكلب، فإنّ غيره لا يقُوم مقامه.
قوله رحمه الله:
[يتوضّأ]: إتفقت الروايات في صفة غسله عليه الصلاة والسلام على أنه توضّأ فيه ولذلك لا خلاف بين العلماء رحمهم الله في أن الغسل الكامل مشتمل على الوضوء تأسياً به عليه الصلاة والسلام.
وظاهر حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في قولها:
[ثم يتوضأ وضوءَه للصّلاةِ] أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضّأ وضُوءاً كاملاً أوّلاً، ثم أفاض الماء بعد ذلك على رأسه،
وجسده كما دلّ عليه قولها:
[ثم يأخُذ الماءَ، ويدخل أصابِعَه في أصُولِ الشّعر حتى إذا رأى أنْ قَدْ إِسْتبرأ حَفَنَ على رأسِه ثلاثَ حَثَياتٍ ثُمّ أفاضَ على سائِر جَسَدهِ، ثم غسَلَ رِجْلَيْه] وعلى هذا تكون السنة البداءة بالوضوء قبل تعميم الجسد، وأما حديث ميمونة رضي الله عنها؛ فقد دلّ على أنّ الوضوء لم يكن كاملاً حيث نصّت على أنه توضّأ، وأخّر غسل رجليه، ثمّ عمّم بدنه،
ثمَّ أتمَّ الوضوء بعد ذلك بغسل رجليه كما يدلّ عليه قولها رضي الله عنها:
[ثمّ مَضْمَضَ، واسْتَنْشَقَ، ثم غسَلَ وجْهَه، ويَديهِ، ثم غسَلَ رَأسَه ثَلاثاً، ثم أفرغَ عَلى جَسَدِه، ثمّ تَنَحّى مِنْ مَقَامِه فغَسَل قَدَميْه] فدلّ على أنه لم يُتمّ وضوءَه أوّلاً وأنه أخّر غسل رجليه، وفي حديث عائشة رضي الله عنها غَسَلَ الرجلين آخرَ الغُسْل لكنه زائد على الغسل الأصلي كما يفهم من ظاهره،
ومن هنا إنقسم العلماء رحمهم الله في بيان سبب ذلك على وجهين:
الوجه الأول: أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راعى إختلاف المكان، ففي حال وجود الطين أخّر غسل رجليه إلى آخر الغسل، حتى لا يتكرر غسله لها مرة ثانية، كما حدث في حديث عائشة رضي الله عنها.
الوجه الثاني: أنه فعل ذلك تعبداً، فمنْ توضأ في غسله أخّر غسلَ رجليه حتى ولو كان المكان نظيفاً ولا يَخْشَى من تَلوّثِهما بالطِّين عند تعميم البدن بالماء.
والوجه الأول: هو الأقوى، والعلم عند الله، لأنه معلوم من حاله في زمانه عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يمكن أن يُعَمّم بدنه بالماء إلا، وتطاير عليه رذاذ الطين، واحتاج إلى الغسل ثانية، وعليه فيؤخر إذا كان الموضع كذلك، وأما إذا كان نظيفاً كما في زماننا فإنه يتمُّ الوضوء، ولا يؤخر غسل رجليه، لأن الأصل يقتضي تقديم أعضاء الوضوء،
كما دلّ عليه قوله عليه الصلاة والسلام:
[إبدأن بميامِنها وبأعضاء الوضوء منها] فهذا يقتضي عدم تأخير أعضاء الوضوء، إلا إذا وجد الموجب، ويدل على أن الأصل تقديمها في الغسل.
والمسألة الثانية: هل هذا الوضوء مقصود للغسل، أو مقصود لذاته،
للعلماء وجهان:

الوجه الأول:
وضوؤه في الغسل إنما هو لشرف أعضاء الوضوء،
أي: أنّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدأ بالوضوء لفضل أعضاء الوضوء.
الوجه الثاني:
هو عبادة مقصودة أي: أنه طهارة مقصودة.
وأقوى الوجهين الوجه الأول: أنه قصد تقديم أعضاء الوضوء على سائر البدن لشرفها، ويدل على ذلك أمره عليه الصلاة والسلام بالبداءة بغسل أعضاء الوضوء في غسل الميت؛
كما ثبت في الصحيح حيث إنه قال لأم عطية رضي الله عنها حينما غسّلت إِبنته زينبَ رضي الله عنها:
[إِبْدَأنَ بِمَيامنها وبأَعْضَاءِ الوُضُوءِ منهَا] فلمّا أمرَ بتوضئتها في الغسل دلّ على أنه راعى البداءة بالأفضل، فراعى ذلك في غسل الحي، والميت فدل على أنه لشرف أعضاء الوضوء.
قوله رحمه الله: [ويحثي عَلى رَأسِه ثَلاثاً تُرَوِّيه] هذه هي السنة بعد أن يغسل وجهه، ويديه يحثي على رأسه الماء، كما ثبت في حديثي أم المؤمنين عائشة،
وميمونة رضي الله عنهما قالت ميمونة رضي الله عنها:
[ثم غَسَلَ وَجْهَه، ويَديْه، ثمّ غَسَلَ رَأسَه ثَلاثاً]،
وقول المصنف رحمه الله:
[ترَوِّيهِ] مأخوذ من رِيِّ الماء،
والمراد: أن تكون كل واحدة من الثلاث قد روّت أصول شعر الإنسان،
وهذه هي السنة كما في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:
[ثمَّ يأخذُ الماءَ، ويُدْخِل أصابعَهُ في أصُولِ الشَّعر حتّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدْ إِسْتَبْرأ حَفَنَ على رأسِه ثَلاثَ حَثَياتٍ]، وهذا يدل على عنايته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوصول الماء إلى أصول الشعر؛ لأنها محل الفرض المأمور بغسله،
وأما التثليث:
فهو السنة من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها حيث قال لها عليه الصلاة والسلام: [إِنما يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثي عَلى رَأسكِ ثَلاثَ حَثَياتٍ] وقالت عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين: [ثم يُخلّل بِيديْه شَعَره حَتّى إِذا ظنّ أنه قد أَرْوى بَشَرَته أَفاضَ عَليْه الماءَ ثلاثَ مرّاتٍ] فالسّنة أن يحثي على رأسه الماء ثلاثاً، ثم جاءت هذه السنة مفصِّلة في حديث عائشة رضي الله عنها حيث بيّنت أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ الماء بكفّه؛ فَبدأَ بِشقِّ رأسِه الأيمنِ، ثم شِقِّهِ الأيسرِ،
ثمّ عَمّمَ الرَّأسَ كله بعد ذلك كما في قولها رضي الله عنها في الصحيحين: [كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا إِغْتسَلَ مِنَ الجنابةِ دَعا بشيء نحوَ الحِلابِ فَأَخذ بِكَفّه، فبَدَأ بِشِقِّ رأسه الأيمنِ، ثمّ الأيسرِ، ثم أخذَ بِكفّيه، فَقَالَ بِهما على رَأسِه] ففصّلت رضي الله عنها ما جاء في الروايات الأخر فذكرت أنه كان يأخذ كفاً واحدة لشق رأسه الأيمن، ثمّ مثْلها للأيسر،
ولذلك عطفته بقولها: ثم الأيسر أي: أخذ كفاً أخرى للأيسر، ثم يأخذ بكفّيه في الثالثة لكل الرأس.
قوله رحمه الله: [ويعمُّ بَدَنه غُسْلاً ثَلاثاً، ويَدْلِكُه، ويَتَيامنُ]: قوله: [يعمُّ بدنه]: بمعنى أن يصبّ على جسده الماء صبَّةً يعمِّمُه بها،
والأصل في تعميم البدن قوله تعالى:
{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}،
وكذلك حديث أم سلمة رضي الله عنها وفيه قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها:
[ثُمّ تُفِيضينَ الماءَ على جَسَدِكِ] فقوله: [تُفِيضِينَ] من الإفاضة، والمراد بها تعميم سائر البدن، وكذلك قول عائشة رضي الله عنها: [ثم أَفاضَ على سَائِر جَسَده].
لكن قال المصنف: [ثلاثاً]: أي ثلاث مرات أي: أنه يغسل جميع البدن بتعميمه ثلاث مرات، وهذا فيه خلاف بين العلماء؛
فمن أهل العلم من قال:
السُّنة أن يعمَّ البدنَ بغسلةٍ واحده، ولا يزيد إلى الثلاث وهو الذي يترجح في نظري والعلم عند الله، وهو قول طائفة من السلف -رحمة الله عليهم- وممن رُوي عنه هذا القول الإمامُ مالك، وكذلك عن الإمام أحمدَ رواية فأصحاب هذا القول شددوا في الغسلة الثانية، والثالثة لأنه يفعلها معتقداً الفضل، ولم يفعلها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أنه ثلّث في الأعضاء، ومن ثمّ قالوا التثليث في الغسل بدعة، وشددوا فيه بقصد العبادة؛ لكن لو أنه غسل الغسلة الأولى قاصداً رفع الجنابة، ثم غسل المرة الثانية، والثالثة لمبالغة التنظيف كما هو الحال الآن يغسل بالصابون، ثم يحتاج إلى صبّةٍ ثانية، وصبّةٍ ثالثة، فلا حرج لأنها خرجت إلى قصد النظافة، لا إلى قصد العبادة، وفَرْقٌ بين قَصْدِ العبادةِ، وقصد النظافة.أما لو ثلّث غسل بدنه قاصداً العبادة فهو بدعة في قول من ذكرنا، وهذا القول هو الصحيح فإنّ النّاظر في أحاديث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غُسْله كلّها نصّت على أنه أفاضَ إفاضَةً واحدةً -عليه الصلاة والسلام-، ولم يُثنِّ، ولم يُثلّثْ -وبأبي، وأمي عليه الصلاة والسلام- لو كان الفضل في التثنية، والتثليث لما تركه -عليه الصلاة والسلام-، ولفعله في غسله، ولو مرة واحدة، أو لتكرر منه كما تكرر منه التثليث في الوضوء.والمصنف رحمه الله مشى على الرواية الثانية عن الإمام أحمد، ويقول بها بعض الشافعية -رحمة الله عليهم- أنه يستحب التثليث في الغسل.
قوله رحمه الله: [ويَدْلِكُه، ويتيامن]: ويدلِكه أي: يدلك البدن مبالغة في الإنقاء، والتطهير، وإيصال الماء إلى البدن.
والدلك للعلماء فيه قولان:القول الأول: أن الدّلك مستحب، وليس بواجب، وهو مذهب الجمهور رحمهم الله.القول الثاني: أنّ الدَّلكَ واجب، ومن اغتسل، ولم يدلك بدنه لم يصحّ غسلُه، وهو مذهب المالكية رحمهم الله.
والذي يترجح في نظري والعلم عند الله هو القول بأن: الدّلك مستحب، وليس بواجب.
أما الدليل على عدم الوجوب فما ثبت في الصحيحين من حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها أنّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال لها:
[إِنما يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثي عَلى رَأسِكِ ثَلاثَ حَثَياتٍ] فقوله: [إنما يَكْفِيكِ] أي: يجزيك،
وهذا الإجزاء لا يكون إلا في الواجبات قال عليه الصلاة والسلام: [إِنما يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثي عَلى رَأسكِ ثَلاثَ حَثَياتٍ، ثُمَّ تُفِيضينَ الماءَ على جَسَدِكِ فإِذا أَنتِ قَدْ طَهُرتِ -وفي رواية- فإذا أَنتِ تَطْهُرينَ] وجه الدلالة: أنّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرها بالتَّعميم، ولم يُبيّن لها وجوبَ الدّلك،
وقال:
[تُفِيضِينَ] والإفاضة: الصبّ فدلّ على أن الواجب: هو وصول الماء إلى ظاهر الجسد لقوله: [تُفِيضِينَ الماءَ عَلى جَسَدِكِ]، فإذا حصلت هذه الإفاضة حكمنا بالإجزاء، دون إشتراط أمرٍ زائدٍ عليها، وهو الدَّلْكُ.لكنّ الإمام مالك -رحمة الله عليه- انتزعَ وجوبَ الدلكِ من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: [أَنّ النّبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِغتسلَ بِالصَّاعِ] ومعلوم أنّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان رَبْعَة من الرّجال ليس بالطويل البَائِن، ولا بالقصير فكان -عليه الصلاة والسلام- وسطاً من الرجال فلا يُعْقَلُ أنّ الصّاع يغسلُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويجزيه إلا إذا كان يدلك عليه الصلاة والسلام، وبناءً على ذلك فإنه من ناحية الاستنباط صحيح.
والذي يترجح في نظري والعلم عند الله:
أن الدّلك ليس بواجب في الأصل لصحة دلالة الكتاب والسنة على ذلك، ويحمل دليل وجوبه على حالة: ما إذا كان الماء قليلاً، وتوقّف وصول الماء لجميع البدن على الدّلك، فإنّه واجب من جهة ما لا يتمُّ الواجبُ إِلا بِه فهُو واجب، والاستثناء بالصُّور المخصوصة لا يقتضي التّعميم في جميع الأفراد، وبناءً على ذلك يُنْظر في الماء الذي يُغتسل به إن كان يستطيع إيصاله لجميع البدن، دون أن يكون دلك فإن هذا هو القدر الذي أوجبه الله على المكلف وإن كان الماء قليلاً بحيث لا يستطيع إيصاله إلى جميع البدن إلا إذا دلك فحينئذٍ يلزمه الدلك من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لا أنه واجب أصالة.وعلى مذهب المالكية أنه لا بد من الدّلك؛ فإنه إذا كان الموضع لا يستطيع أن يوصل إليه يده كأن يكون مثلاً وراء الظهر؛ فإنه يستخدم الواسطة كما هو معروف في زماننا باسم (اللِّيفة) يحكُّ بها ظهره، وأشار إلى هذه المسألة بعضهم بقوله:وصِلْ لما عَسُر بالمنْدِيلِ ... ونحوِهِ كَالحَبْلْ والتّوكِيلِ
ومحلُّ الخلاف بين القولين:
إنما هو في حالة ما إذا أمكن إيصال الماء إلى ظاهر الجسد بدون دلْكٍ، أما إذا توقف الإيصال على الدلك كما في حال قلة الماء فالجميع متفقون على وجوبه لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
كذلك كلهم متفقون على إِستحباب الدلك لما فيه من بالغ النقاء المقصود شرعاً في تطييب البدن وتنظيفه، ويختلفون في الإلزام به.
قوله رحمه الله: [ويَتَيامنُ]: ويتيامن: أي يبدأ باليمين قبل اليسار لقوله عليه الصلاة والسلام: [إبدأنَ بِميامِينهَا] في غسل إبنته زينبَ رضي الله عنها.
قوله رحمه الله: [ويَغسِلُ قَدَميْه مَكَاناً آخرَ]: هذا الذي سبقت الإشارة إليه، وأنه إنْ كان الموضع نظيفاً، فلا حاجة إلى تأخير غسل الرجلين، وإن كان غير نظيف، فإنّهُ يؤّخر غسلَ رجليه إلى آخر الغسل تأسياً بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وينتقل إلى مكان آخر حتى لا تتلوث الرجلان، ويمكنه تنظيفها.
قوله رحمه الله:
[والمجزئُ أنْ يَنويَ، ويُسَمّيَ، ويَعُمّ بدَنه بالغُسْلِ]:هذه فائدة تقديم صفة الكمال على صفة الإجزاء أنه يأمن من التكرار لكن لو قدّم صفة الإجزاء، وأتبعها بصفة الكمال لكرّر.
وقوله رحمه الله: [والمجزئ أن ينوي، ويسمِّيَ]: شرع بهذه الجملة في بيان صفة الإجزاء، وصفة الإجزاء تقوم على الأركان، والواجبات، والشروط، فلا تشتمل على المستحبات، والمندوبات، وهي الصفة الثانية من صفات الغسل التي لا يصح إلا بها كما قدمنا.[أنْ ينْويَ]: يعني النّية، وقد تقدم بيانها.
[ويسمّيَ]: ويسمّي هذا على القول بوجوب التسمية، والصحيح أنها ليست بواجبة فليس هناك حديث صحيح أنّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوجب التسمية في الغُسْلِ، وإنما أوجبها مَنْ أوجبها فيه قياساً على الوضوء،
وهذا القياس ضعيف لما يلي:
أولاً: أنه يعترض عليه بفساد الاعتبار، وهو أحد القوادح الأربعة عشر في القياس،
وفساد الاعتبار: أن يكون القياس في مقابل نصِّ من الكتاب، أو السُّنة، أو في مقابل إجماع، وقد ثبت عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النص،
وهو قوله عليه الصلاة والسلام:
[إِنما يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلى رَأسِكِ ثَلاثَ حَثَياتٍ]، ولم يذكر التسمية،
وقال الله في كتابه:
{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} ولم يأمر بالتسمية،
وقد أمر بالتسمية في المطعوم فقال سبحانه وتعالى:
{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}.
ثانياً: أن هذا القياس من باب ردِّ المُختلف فيه إلى المُخْتلف فيه، فلك أن تقول لمن يستدل بهذا القياس أنازعك في الأصل الذي تحتج به، وهو وجوب التسمية في الوضوء،
فكيف تقيسُ فرعاً على أصل إختلفنا فيه يعني:
أنا لا أسلّم لك أن الوضوء تجب فيه التسمية، فكيف تلزمني بالغسل قياساً على الوضوء ومن شرط صحة القياس بالنسبة للإلزام أن يكون الخصم، أو المحتج عليه بالقياس مُسَلِّماً بحكم الأصل فإذا كان غير مسلم بحكم الأصل، فإنه لا يُلْزم به، لكن يكون القياس من باب الالتزام، لا الإلزام يعني لمن يحتج به أن يحتجّ به لنفسه؛ لأنه يرى وجوب التسمية في الوضوء
فيقول: أنا أوجب التسمية في الغسل كما أوجبها في الوضوء من باب إلحاق النَّظير بنظيره.
قوله رحمه الله:
[ويَعمَّ بدَنه بالغُسْلِ مَرةً]: لأن الله تعالى أمر بتطهير البدن في قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} وهذا يحصل بتعميم البدن بالماء مرة واحدة، لأن الأمر لا يقتضي التكرار، وفي حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها صرّح عليه الصلاة والسلام بأن العبرة بتعميم البدن،
دون أن يُوجب التّكرار فقال عليه الصلاة والسلام:
[إِنما يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلى رَأسِكِ ثَلاثَ حَثَياتٍ، ثُم تُفِيضِينَ الماءَ عَلى جَسَدِكِ فَإذَا أَنتِ قَدْ طَهُرتِ] ولم يأمرها بتكرار ذلك للبدن كلِّه فدلّ على أن التعميم لمرةٍ واحدةٍ يعتبر كافياً، فمن دخل في بركة مثلاً، وانغمس فيها غمسةً واحدةً قاصداً الطهارة من الجنابة، أو فَعلتْ ذلك المرأةُ ناويةً طهارتها من حيض، أو نفاس أجزأهما.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.26 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]