عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 05-07-2020, 12:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,180
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة خواطر قلم

سلسلة خواطر قلم (2)
محمد فقهاء


التعالم والسرقات العلمية



أ– التعالم:
يناقشني بين الفينة والأخرى مساكين تائهون، بقضايا شَابَ فيها أهلُ العلم والفِكر، أو بعلوم قام عليها ثلَّة من العلماء، الذين أفنَوا أعمارَهم في بناء هذا العِلم أو ذاك؛ كعلم الحديث مثلًا، وتجده قد سَمِع مقطَعًا مقطوعًا على قناةٍ أو عَبر الشَّبكة، أو قرأ مقالةً أو مقالتين، وإن كان قد قَضى وقتًا كثيرًا في بَحثه، فيكون قد قرأ كتابًا في تلك القضيَّة وفي ذلك العلم أو أقل، ثمَّ يناقِشك ويردُّ ويقعِّد ويؤصِّل، وكأنَّه حبرُ زمانه وفريد عصرِه، يطير بهذه المعلومة أو تِلك وهو جاهِل جهولٌ، ظالِم لنفسِه ظَلوم، ويَجهل فوق هذا بأنَّه جاهل، يتلقَّف كلَّ شبهة وقد فقد رشدَه، يتخبَّط ويزمجِر في فراغ، وقد علَا ضجيجُ جهله لدرجة الصَّخب، ولا يدري أنَّه سفيه الرَّأي فارِغ الفِكر، رضِيَ لنفسِه أن يكون أبَا شِبرٍ في العلم، قد أضاعَ وقتَه في انتصاراته الحواريَّة الوهميَّة، وأضاع وقتَ محاوره، ولو قرأَ مثلُ هذا وأمثاله في تاريخ بعض العلوم وبعض القضايا الفكريَّة والعقَديَّة فقط، قبل أن يلِج في بحث هذه العلوم والمعارِف، التي تعِبَ فيها العلماءُ أخذًا وردًّا، وتأصيلًا وتقعيدًا وتدوينًا - لخَجلَ من خوائه وفراغِه، ولوقف عند حدودِ نَفسه، قبل أن يظهر زيفه، ولولج طريقَ العلم، ولصاحَب الكتب، قبل أن يُخرج قيءَ فِكره وصديد جَهلِه، أو لكفانا مؤونةَ ضياع الوقت فيما لا فائدة من ورائه.

هذه المشكِلة تتجسَّد في قضيَّة تسمَّى (التعالُم)، ولو أنَّه قطعَ على نفسه عهدًا للتعلُّم لَما وقع في مثل هذا، ولَما قرَّر واعتقد قبل أن يتعلَّم، ولذَهَب ليستدلَّ ثمَّ يدلِّل على ما وصل إليه.

قضيَّة التعالم والبَقاء في وضعيَّة التجاهُل والجهالَة هي آفَة التعلُّم والإنصاف، والدَّافع للتسرُّع في تبنِّي المواقف والأفكار قبل تَمييزها وفحصها.

قضيَّة التعالُم والتسرُّع في تبنِّي المواقف تكون بدورها سببًا رئيسًا للوقوع في قبضة فرقة أو تحت وطأة فِكرة يَجهل كنهَها وحقيقتَها، وحتى عقائدها وأهدافها، فيفسِد بدل أن يصلِح، ويزداد جهلًا بدل أن يزداد علمًا.

للشيخ "بكر أبو زيد" كتاب في قضيَّة التعالم وأثره، تَحدَّث فيه عن التشبُّع عند أمثال هؤلاء بما لم يُعطوا، وتظاهرهم بأنَّهم يَعلمون وهم خواء، أنصح بقراءته ونَشره لِمثل هذا الصنف، توفيرًا للوقت ومن باب النُّصح لهم كذلك.

ب: السرقات العلمية أعيَت من يداويها
موضوع السَّرقة العلميَّة لا يمكن ضَبطه والحدُّ منه مع وجود الكمِّ الهائل من وسائل الاتِّصال الحديثة وكثرة المواقِع والمنتديات التي تسهِّل هذا الأمرَ المزعِج، ومع استعمال أساليب متعدِّدة في السرقة؛ كتغيير عناوين الموضوعات أو التَّغيير بالمحتوى قليلًا للتمويه، ويزداد الأمر تعقيدًا مع استخدام أسماء ومعرفات وهميَّة، وإلى الله المشتكَى، وهو وحده المُستعان وعليه التكلان.

لكن العجيب في الأمر أنَّ كثيرًا من هؤلاء يظنُّ نفسَه بسبب كثرة المَديح المتكلَّف، والإطراء المبالَغ فيه، والثَّناء العَطِر، وكثرة إمطاره بالشُّكر، والتَّهويل بالثناء عليه بما أَبدع وبما خطَّته أناملُه - أنَّه حقيقة صار عالمًا نحريرًا وباحثًا مبدعًا، وأنَّه فريد عصره وأوحد زمانِه، وأنَّه لا مثيلَ له ولا شَبيه، وصدَّق هذا الوهمَ الكاذب والزَّعم البارد، ولبس رداءَ العِلم والمعرفة زورًا وبهتانًا وهو لم يرَ يومًا بصيصَ علمٍ، وإنَّما هو ظلام جهلٍ أحاط نفسَه به سرعان ما يَنكشف ويزول لمعانُه الكاذِب عندما يُحاط بسورٍ له باب، ظاهِره الستر وباطِنه الفضيحة، أو عند أول اختبارٍ أليمٍ يليق به وبأمثالِه ممَّن لبسوا ثوبَ علم زورًا وبهتانًا يومًا ما، ويسألونك: متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبًا.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.56 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.65%)]