عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-07-2020, 12:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,968
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم)

الحسد: وربما مُدِح شخص في المجلس وفيه أحد الحاسدين، فلا يجد سبيلاً إلا الاستهزاء بذلك الممدوح، وذكر بعض سلبياته وسيئاته وفضائحه.

كثرة الفراغ والشعور بالملل والسآمة: فلا يجد ما يشغل به نفسه سوى الانشغال بالناس وعيوبهم وذكر ما يكرهون، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ))[18].

التقرب لدى أصحاب الأعمال والمسؤولين عن طريق ذم العاملين معه، بشكل يوافق هوى المسؤول؛ وذلك ليرتقي إلى منصب أفضل، أو درجة أرفع.

العُجْب ورؤية النفس وعدم تذكُّر عيوبها ومثالبها وازدراؤه للخلق: فلا يرى الناس إلا مقصرين متهاونين بعيدين عن الحق، يرى القذاة في أعين الناس، ويرى نفسه أنه الكامل والشخصية المتميزة.

عدم التثبت في نقل الأخبار: وبما نُقل إليه خبر عن فلان من الناس، فظن فيه السوء، وأخذ بانتقاصه والهجوم عليه دون تثبت، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكل ما يسمع))[19].

من ذبَّ عن عرض أخيه:
أخي الحبيب، ألا تحب أن يقيض الله تعالى لك مَن يدافع عنك في الدنيا والآخرة، وأن يرد عن عرضك متى تطاول الناس عليه، إذًا أحبِبْ للناس ما تحب لنفسك، وخالق الناس بما تحب أن يخالقوك به، وعاملهم بما تود أن يعاملوك به؛ عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن رد عن عرض أخيه، كان له حجابًا من النار))[20]، وقال: ((مَن ردَّ عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة))[21] ، وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من امرئ يخذل امرأً مسلمًا في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلمًا في موطن يُنتقَصُ فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته))[22].

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى:
(اعلم: أنه ينبغي لمن سمع غيبة مسلم أن يردها ويزجر قائلها، فإن لم ينزجر بالكلام زجره باليد، فإن لم يستطع باليد ولا باللسان، فارق ذلك المجلس، فإن سمع غيبة لشيخه أو غيره ممن له حق عليه، أو من أهل الفضل والصلاح كان الاعتناء بما ذكرنا أكثر)[23].

ما يباح من الغيبة:
اعلم رحمك الله أن الغيبة تباح لغرض شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهي ستة مواضع، قال الناظم ابن أبي شريف:
القدح ليس بغيبة في ستة
متظلم ومعرف ومحذِّرِ

ومجاهر فسقًا ومستفتٍ ومَن
طلب الإعانة في إزالة منكرِ


1- التظلُّم: فيجوز للمتظلم أن يتظلم للقاضي أو السلطان، أو من له ولاية يقدر على إنصافه من ظالمه، والدليل: حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قالت هند امرأة أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح (بخيل)، وليس يعطيني ما يكفيني أنا وولدي، إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم؟ قال: ((خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف))[24] ، فإن كانت هذه غيبة لا تباح، لأنكرها النبي صلى الله عليه وسلم على هند؛ لأنه لا يقر على باطل صلوات الله وسلامه عليه.

2- الاستفتاء: وذلك كأن تقول للمفتي أو العالم: ظلمني أخي أو فلان، وفعل كذا وكذا، فما هو الحق في ذلك؟ والأحوط: ألا يُعيِّن بالاسم، كأن يقول: ما حكم الشرع فيمن وقع عليه كذا وكذا؟ والتصريح جائز؛ لحديث عائشة رضي الله عنها السابق؛ فإنه يصلح للتظلم والاستفتاء معًا.

3- الاستعانة على تغيير المنكر أو رفع البلاء عن مسلم؛ لحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أبا الجهم ومعاوية خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه))[25]، وفي رواية لمسلم: ((وأما أبو الجهم، فضرَّاب للنساء)).

4- تحذير المسلمين ونصحهم من أصحاب الشر، وممن له ضرر بالمسلمين، ومنها جرح المجروحين من الرواة والشهود؛ وذلك للذب عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة))، فلما دخل ألان له الكلام، قلت: يا رسول الله، قلت الذي قلت، ثم ألنت له الكلام؟! قال: ((أي عائشة، إن شرَّ الناس منزلةً عند الله يوم القيامة مَن تركه الناس اتِّقاءَ فُحشه))[26].

ومن ذلك النصيحة لمن استشارك وطلب رأيك في زواج، أو مشاركة، أو جوار، أو غيرها، فالمستشار مؤتمن، ومنها كما ذكر النووي رحمه الله: إذا رأى متفقهًا يتردد على مبتدع وخاف من التضرر بأفكاره، أو رجلاً متولِّيًا لأمر من أمور المسلمين وهو غاشٌّ للمسلمين مضيِّع لمصالحهم، يتعامل بالرشوة وينبذ أهل الخير والصلاح ويتولى أهل الفساد والانحراف؛ فإنه يجوز لمن يستطيع أن يرفع أمره لمسؤوله أو من هو أعلى منه ليعزله أو يؤدبه؛ وذلك لرفع الحرج عن المسلمين، ويراعى في هذا الباب النية الخالصة للنصيحة وحدها؛ فإن كانت في ظاهرها النصح وفي الباطن التشهير والفضيحة، حَرُم ذلك.

5- المجاهرة بالفسق والبدعة: إذا كان الفاسق أو المبتدع مظهرًا لفسقه وبدعته وجب أولاً الإنكار عليه والنصح له بالتي هي أحسن، وأن يهجر ويذم على ذلك، أما إذا كان مستترًا بذنبه مستخفيًا، فإن هذا يستر عليه، لكن ينصح سرًّا، ويهجره مَن عرف حاله؛ حتى يتوب ويذكر أمره على وجه النصيحة، أما إن كان الفاسق يدعو إلى فسقه وكذلك المبتدع يدعو إلى بدعته وإلى عقائد تخالف الكتاب والسنة، ويخاف أن يضل الناس بذلك - بيَّن أمره للناس؛ ليتقوا ضلاله، ويعلموا حاله، وذلك بعد الإعراض عن النصيحة، ويكون غرض الناصح أن يكفي الله المسلمين ضرره في دينهم ودنياهم.

6- التعريف به: التعريف بإنسان معروفٍ عند الناس باسم أو لقب أو وصف معين، بحيث لا يعرف إلا به، كأن تقول: جاء الأعمش، أو الأعمى، أو الأعرج... بشرط ألا يقصد بذلك التنقيص والاحتقار، وإلا حرم[27].

أمور يُظنُّ أنها ليست بغيبة، وهي غيبة:
1- قد يذكر المرء أخاه بما يكره ويغتابه، فإذا أنكر عليه الغيبة، قال: (أنا على استعداد أن أقول ذلك أمامه وأردَّ عليه)، فما الداعي للتكلم من خلفه إذا كان يستطيع فعلاً التكلم أمامه؟

2- قول القائل: (الحمد لله الذي عافنا) أو (ونعوذ بالله من قلة الحياء) أو (نسأل الله العافية)، ويكون ذلك إذا فهم السامع تنقيص المتكلم عنه، وهذا من أعظم ما يخفى على المسلم؛ لأنه يأتي بصيغة دعاء، وهو في الحقيقة انتقاص وسخرية بمن تكلم عنه.

3- قول بعض الكلمات التي تشعر بالنقيصة، مثل: (حضرة الأفندي) أو (جناب السيد) أو (الأخ المحترم).

4- قول القائل: "هذا صغير تجوز غيبيته"، وهذا باطل؛ فالغيبة محرَّمة.

5- التساهل في غيبة العاصي والجاهل وأهل الذنوب، وأكثر ما يوجد ذلك عند بعض الدعاة وأئمة المساجد والمصلحين، فهم بقصد الإنكار والتحذير يقعون في هذه المزالق، وليس ذلك على الإطلاق، فإذا كانت الغيبة في أمر من الفساد قد ذاع عن ذلك العاصي، فلا بأس مع عدم التصريح باسمه.

6- التعريض مثل التصريح، والفعل مثل القول والإشارة والإيماء والغمز بالعين ومد الشفاه والتلويح بالكف على شكل الازدراء والتحقير.

أخي العزيز، اعلم أن الغيبة لا تكون إلا للشخص الغائب، أما الحاضر فتسمَّى سبًّا وشتمًا، وقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن كل ذلك.

غيبة غير المسلم:
قال ابن المنذر في قوله صلى الله عليه وسلم في تفسير الغيبة: ((ذكرك أخاك بما يكره)): فيه دليل على أن من ليس أخاك في الإسلام لا غيبة له؛ كاليهودي أو المجوسي، ومَن أخرجته بدعته عن الإسلام؛ كالبهائية والقاديانية والقرامطة.

أما الذمي (وهو الذي يعيش في حماية المسلمين وعهدهم)، فتحرم غيبته؛ لأنه معصوم المال والدم والعرض كما هو معلوم... وأما المبتدع فإن كفر فهو كالحربي: غيبته ليس بحرام، وإلا فهو كالمسلم، وأما ذكره ببدعته فليست مكروهة.

وينبغي إذا عرضت للمسلم غيبة أن يتفكر في عيوب نفسه، ويشتغل بإصلاحها، ويستحي أن يعيب وهو معاب، كما قال بعضهم:

فإن عبت قومًا بالذي فيك مثله
فكيف يعيب الناسَ من هو أعورُ

وإن عبت قومًا بالذي ليس فيهم
فذلك عند الله والناس أعظمُ


ويجب التوبة من الغيبة واستحلالها ممن اغتابه، ويطلب منه الاستغفار، فإذا خشي حصول مفسدة فإنه يتجنبه ويكتفي بالدعاء.

أقوال طيبة ومأثورة عن السلف رحمهم الله تعالى:
قال الحسن البصري: والله لَلغيبة أسرع في دين الرجل من الأكَلة في الجسد.
قال عمر بن الخطاب: عليكم بذكر الله فإنه شفاء، وإياكم وذكر الناس فإنه داء.
قال ابن عباس: إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك، فاذكر عيوبك.
وسمع علي بن الحسين رجلاً يغتاب آخر فقال له: إياك والغيبة؛ فإنها إدام الكلاب.
ويروى عن الحسن البصري أن رجلاً قال له: تغتابني؟! فقال: ما بلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي.
وروي عن ابن المبارك أنه قال: لو كنت مغتابًا أحدًا لاغتبت والدي؛ لأنهما أحق بحسناتي.
وقال آخر: إن ضعفت عن ثلاث فعليك بثلاث: إن ضعفت عن الخير فأمسك عن الشر، وإن كنت لا تستطيع أن تنفع الناس فأمسك عنهم ضرك، وإن كنت لا تستطيع أن تصوم فلا تأكل لحوم الناس.

المرء إن كان عاقلاً ورعًا
أشغله عن عيوب غيره ورعُه

كما العليل السقيم أشغله
عن وجع الناس كلِّهم وجعُه[28]




[1] فظن هنا بمعنى اليقين؛ أي: تيقن أن الله لن يضيق عليه، وهو حسن ظن الأنبياء بالله تعالى.

[2] المفردات في غريب القرآن - الراغب الأصفهاني ص: 320.

[3] أخرجه ابن ماجه رحمه الله تعالى في سننه.

[4] رواه مالك وأحمد والبخاري ومسلم وغيرهم رحمهم الله تعالى - ص. ج رقم 2679.

[5] مختصر تفسير ابن كثير - الصابوني ج2 ص: 364.

[6] مختصر تفسير ابن كثير - الصابوني ج2 ص: 364.

[7] صحيح الجامع للألباني رقم 1651.

[8] رواه أحمد والبخاري ومسلم رحمهم الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه - ص. ج رقم 2916.

[9] صحيح الأدب المفرد للبخاري رحمه الله تعالى ص: 323.

[10]رواه الطبراني رحمه الله تعالى، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم: 534.

[11]رواه الترمذي وابن ماجه رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه - ص. ج رقم 5911.

[12] رواه الترمذي رحمه الله تعالى عن أبي الدرداء رضي الله عنه - ص. ج رقم: 5633

[13] رواه أحمد وابن ماجه والحاكم رحمهم الله تعالى عن ابن عباس رضي الله عنهما - ص. ج رقم :5381.

[14] رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى.

[15] رواه مسلم رحمه الله تعالى.

[16] رواه الترمذي رحمه الله تعالى عن عائشة رضي الله عنها - ص. ج رقم 6097.

[17] رواه أحمد وأبو داود وغيرهما رحمهم الله تعالى - ص. ج رقم 7136.

[18] رواه البخاري والترمذي وابن ماجه رحمهم الله تعالى عن ابن عباس رضي الله عنهما.

[19] رواه أبو داود والحاكم رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه - ص. ج رقم 4480.

[20] رواه البيهقي رحمه الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه - ص. ج رقم 6263.

[21] رواه أحمد والترمذي رحمهما الله تعالى - ص.ج رقم 6262.

[22] رواه أحمد وأبو داود رحمهما الله تعالى عن جابر وأبي طلحة رضي الله عنهما - ص. ج رقم 5690.

[23] الأذكار النووية ص: 294.

[24] رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى.

[25] رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى.

[26] رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى وغيرهما.

[27] أمسك عليك لسانك - الشيخ / ناصر الشمري ص 48 - 51.

[28] نفس المصدر السابق ص 58، 59.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.30 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.91%)]