وقال الألوسي رحمه الله في تفسيره عند قوله تعالى: ï´؟ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ï´¾ [سبأ:36]: وقد يوسع على شخص مطيع أو عاص تارة ويضيق عليه أخرى يفعل كل ذلك حسبما تقتضيه مشيئته عز وجل المبنية على الحكم البالغة، فلوكان البسط دليل الإكرام والرضا لاختص به المطيع، وكذا لو كان التضييق دليل الإهانة والسخط لاختص به العاصي قال الشاعر:
ومن الدليل على القضاء وحكمه ♦♦♦ بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
[الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ج 16، ص 318].
الواحد والعشرون: أهمية استخدام البرهان والدليل العقلي لغير المسلمين لتوضيح حقائق وأحكام الدين الإسلامي، قال تعالى: ï´؟ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ï´¾ [غافر:57].
وقال الإمام الرازي رحمه الله: أن يقال لما قدر الله تعالى على الأقوى الأكمل فبأن يقدر على الأقل كان أولى، وهذا الاستدلال في غاية الصحة والقوة، ولا يرتاب فيه عاقل ألبتة، ولكن المشكلة تكمن في قصُورِهم في النظرِ والتأملِ لفرطِ غفلتِهم وإتباعهم لأهوائِهم [الرازي، مفاتيح الغيب، ج 13، ص 348].
الثاني والعشرون: العمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الكثير من الناس والتي شاعت من خلال الفهم الخاطئ لنصوص الشريعة، أو من خلال الاعتماد على أحاديث ضعيفة، أو موضوعة، أو من خلال أقوال لبعض أناس ليس لهم حظ وافر من العلم الغزير والفهم السليم.
الثالث والعشرون: اليقين أن ما أصاب الإنسان من خير وشر من الله تعالى، وما أصابهم من المصائب والبلايا ليس إلا بما كسبتْ أيديهم، قال تعالى: ï´؟ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ï´¾ [الأعراف:131]، لكن أكثرهم يجهلون هذه الحقيقة، فيقولون ما يقولون مما تمليه عليهم أهواؤهم وجهالاتهم عِناداً واستكباراً.
الرابع والعشرون: التفكر في ملكوت الله تعالى وما أودعه الله عز وجل فيه من المخلوقات والأجرام السماوية، وأن ذلك مدعاة للإيمان وحسن التوجه إلى الله سبحانه بأنه الخالق المدبر المعبود الذي لا يُعْبد سواه، قال تعالى: ï´؟ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ï´¾ [الدخان: 38 - 39].
وقال السعدي رحمه الله: وفي هذه الآية يخبر الله تعالى عن كمال قدرته، وتمام حكمته، وأنه ما خلق السماوات والأرض لعباً ولا لهواً أو سدى من غير فائدة، وأنه ما خلقهما إلا بالحق، وخلقهما مشتمل على الحق، وأنه أوجدهما ليعبدوه وحده لا شريك له، وليأمر العباد وينهاهم ويثيبهم ويعاقبهم، ï´؟ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ï´¾، فلذلك لم يتفكروا في خلق السماوات والأرض [السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ج 1، ص 774].
الخامس والعشرون: بيان أهمية وفضيلة توحيد الله تعالى، وشرف العبودية لله سبحانه على عكس عبودية البشر وعبودية الدنيا وملذاتها؛ فهي مذلة فشتان بين عبودية المخلوق وعبودية الخالق سبحانه، قال تعالى: ï´؟ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ï´¾ [النحل:75]، وقال تعالى: ï´؟ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ï´¾ [لقمان:25]، قال تعالى: ï´؟ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ï´¾ [الزمر:29]، قال تعالى: ï´؟ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ï´¾ [الأنبياء:24].
وقال أبو الحسن الخازن رحمه الله عند تفسير قول الله تعالى: ï´؟ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ï´¾ [الزمر:29]: هذا مثل ضربه الله تعالى للكافر الذي يعبد آلهة شتى، والمؤمن الذي يعبد الله جل وعز وحده، فكان حال المؤمن الذي يعبد إلهاً واحداً أحسن وأصلح من حال الكافر الذي يعبد آلهة شتى [الخازن، شتى لباب التأويل في معاني التنزيل، ج 5، ص 312].
ولو نظرنا إلى عبد يؤله البشر، أو يكون عبداً للدينار والدرهم وشهواته المتعددة لاتضح مدى الإهانة والمذلة التي عليها هذا العبد نسأل الله تعالى السلامة.
لذلك يجب على الإنسان المسلم أن يحرص كل الحرص على عبودية الله تعالى، والالتجاء إليه بالكلية في كل حوائجه صغيرها وكبيرها قليلها وكثيرها فليس لأحد مطلق القدرة والإرادة إلا الله سبحانه فهو الخالق المدبر؛ وأمره بين الكاف والنون، فكيف بعد ذلك نعبد غيره، أو نرجو سواه نعوذ بالله من الغفلة وقلة التوفيق.
السادس والعشرون: اليقين الجازم بأهمية القرآن الكريم وأنه كتاب هداية وإرشاد وبيان لكافة مناحي الحياة أنزله الخالق المدبر العليم بمصالح العباد وما يصلح لهم وما لا يصلح، ومع هذا الاعتقاد الجازم يجب على المسلم أن يوليه عناية واهتمام كاملين من حفظ وتدبر وتطبيق.
قال تعالى: ï´؟ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ï´¾ [النحل:101]، وقال الرازي رحمه الله عن معنى قول الله تعالى: ï´؟ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ï´¾ التي اختتمت بها الآية المشار إليها أي: لا يعلمون حقيقة القرآن الكريم، وفائدة النسخ والتبديل، وأن ذلك لمصالح العباد كما أن الطبيب يأمر المريض بشربة ثم بعد مدة ينهاه عنها ويأمره بضد تلك الشربة [الرازي، مفاتيح الغيب، ج 9، ص 416].
السابع والعشرون: اليقين الجازم بأن علم الله تعالى وقدرته محيطة بكل الأمور الكونية والاجتماعية قال تعالى: ï´؟ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ï´¾ [القصص:13].
وقال محمد سيد طنطاوي - يحفظه الله - عن معنى قول الله تعالى: ï´؟ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ï´¾ [القصص:13] أي: ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة حق العلم، ولذا يستعجلون الأمور دون أن يفطنوا إلى حكمته سبحانه في تدبير أمر خلقه [الطنطاوي، التفسير الوسيط، ج 1، ص3251].
وقد تأكد هذا المعنى المهم والجميل في كثير من الآيات بصورة إجمالية فمن ذلك، قال تعالى: ï´؟ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾ [آل عمران: 29]، وقال تعالى: ï´؟ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ï´¾ [الطلاق: 12].
الثامن والعشرون: الصبر على المصائب والرزايا والنكبات، وعدم اليأس فإن النصر والتمكين على الأعداء وعلى الظالمين واقع بإذن الله تعالى للمؤمنين الموحدين، قال تعالى: ï´؟ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ï´¾ [إبراهيم: 42]، وليحذر كل الحذر كل إنسان من ظلم أخيه الإنسان بأي نوع من أنواع الظلم.
التاسع والعشرون: قال ابن عاشور رحمه الله في تفسيره عند قول الله تعالى: ï´؟ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ï´¾ [القصص:13]: إن ذلك تعليم بأن الله بالغٌ أمره بتهيئة الأسباب المفضية إليه، ولو شاء الله لأهلك فرعون ومن معه بحادث سماوي، ولمَا قدّر لإهلاكهم هذه الصورة المرتبة ولأنجى موسى وبني إسرائيل إنجاء أسرع، ولكنه أراد أن يحصل ذلك بمشاهدة تنقلات الأحوال ابتداء من إلقاء موسى في اليمّ إلى أن رَدّه إلى أمه فتكون في ذلك عبرة للمشركين الذين قال عنهم الله تعالى: ï´؟ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ï´¾ [الأنفال: 32] [ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج 10، ص 363].
الثلاثون: عناية الإنسان بإصلاح نفسه والحرص كل الحرص على إتباع أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه؛ لأن ذلك بعون الله تعالى دليل خير في المجتمع المسلم، فلعل الله تعالى بصلاحه وإخلاصه ودعائه يكون سبباً في صلاح مجتمعه، أو التخفيف من عقوبة الله تعالى للعاصين، وحول ذلك قال ابن عاشور رحمه الله في تفسيره عند قول الله تعالى: ï´؟ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ï´¾ [القصص:13]: إن العبرة بأن وجود الصالحين من بين المفسدين يخفف من لأواء فساد المفسدين؛ فإن وجود امرأة فرعون كان سبباً في صد فرعون عن قتل الطفل مع أنه تحقق أنه إسرائيلي، فقالت امرأته: ï´؟ وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ï´¾ [القصص: 9]، كما يؤكد ذلك على أهمية الدعاء من قبل الصالحين، وأنه من الأسلحة القوية والسهام الفتاكة للنيل من الأعداء بإذن الله تعالى [ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج 10، ص 364].
الواحد والثلاثون: لا يحقق الأمن الحقيقي في البلاد والعيش الرغيد ويبعد عن عذاب الله ومقته وغضبه إلا توحيد الله سبحانه وطاعته في القيام بأوامره واجتناب نواهيه، قال تعالى: ï´؟ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ï´¾ [الأنعام: 82]، وقال تعالى: ï´؟ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ï´¾ [الأعراف: 96]، وقال تعالى: ï´؟ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ï´¾ [المائدة: 65: 66]، ï´؟ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ï´¾ [القصص: 58]، وقال ابن الجوزي رحمه الله في تفسيره عند هذه الآية: والبطر: الطُّغيان في النِّعمة، قال عطاء: عاشوا في البطر؛ فأكلوا رزق الله تعالى وعبدوا الأصنام [ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، ج 5، ص 54].
الثاني والثلاثون: أهمية التذكير والاتعاظ بما في القرآن الكريم من أمثال كثيرة متعددة ومتنوعة، قال تعالى: ï´؟ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ï´¾ [الزمر:29].
وقال الألوسي رحمه الله في تفسيره: بأن إيراد المثل من الأمثال القرآنية بعد بيان أن الحكمة في ضربها هو التذكر والاتعاظ بها وتحصيل التقوى [الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ج 17، ص 463].
الثالث والثلاثون: على الإنسان المسلم أن يحمد الله تعالى على ما منَّ الله تعالى به عليه من نعمة التوحيد وعدم الشرك، وقد تكرر هذا المعنى مرتين هنا عند قوله تعالى: ï´؟ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ï´¾ [النحل:75]، وعند قوله تعالى: ï´؟ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ï´¾ [الزمر:29].
الرابع والثلاثون: أهمية تذكر شكر الله تعالى على ما يُنعم به سبحانه من نعم كثيرة لا تعد ولا تحصى مثل: نعمة المال ونعمة الزوجة ونعمة الأولاد والصحة، قال تعالى: ï´؟ فَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ï´¾ [الزمر:49].
وعلق هنا سيد قطب رحمه الله بقوله: والآية تصور نموذجاً مكرراً للإنسان ما لم تهتد فطرته إلى الحق وترجع إلى ربها وتعرف الطريق إليه فلا تضل عنه في السراء والضراء.
وأضاف رحمه الله إن الضر يسقط عن الفطرة ركام الأهواء والشهوات ويعريها من العوامل المصطنعة التي تحجب عنها الحق الكامن فيها وفي ضمير هذا الوجود؛ فعندئذ ترى الله تعالى وتعرفه وتتجه إليه وحده حتى إذا مرت الشدة وجاء الرخاء نسي هذا الإنسان ما قاله في الضراء وانحرفت فطرته بتأثير الأهواء، وقال عن النعمة والرزق والفضل: ï´؟ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ ï´¾، قالها قارون وقالها كل مخدوع بعلم، أو صنعة، أو حيلة يعلل بها ما اتفق له من مال، أو سلطان؛ غافلاً عن مصدر النعمة وواهب العلم والقدرة ومسبب الأسباب ومقدر الأرزاق [قطب، في ظلال القرآن، ج 6، ص 239].
الخامس والثلاثون: المؤمن الموفق بتوفيق الله تعالى له لا يحتاج إلى طلب شواهد حتى يدخل في دين الله تعالى، أو تتحقق له الهداية إلى دين الله تعالى، فالدخول في الإيمان بداية مشيئة إلهية، ولذلك قال السعدي رحمه الله عند تفسير قول الله تعالى: ï´؟ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ï´¾ [الأنعام:111]: وإنما العقل والعلم أن يكون العبد مقصوده إتباع الحق ويطلبه بالطرق التي بينها الله تعالى، ويعمل بذلك ويستعين ربه في إتباعه ولا يتكل على نفسه وحوله وقوته ولا يطلب من الآيات الاقتراحية ما لا فائدة فيه [السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ج 1، ص 269].
الخلاصة
من خلال ما سبق عرضه والذي تضمن وصف القرآن الكريم لحال أكثر الناس بأنهم لا يعلمون يمكن استخلاص أهم النقاط التالية:
أولاً: التأكيد على أهمية فَضْل العلم وشرف العلماء بما ورد من الآيات في القرآن الكريم، وما جاء في السنة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وأزكى تسليم.
ثانياً: التأكيد على اليقين التام بقدرة الله تعالى وعظمته في نصر عباده المؤمنين إذا ما أحسنوا التوجه إليه سبحانه وعملوا بما علموا، وأخذوا بالسنن والأسباب المادية التي عن طريقها تتحقق الأشياء.
ثالثاً: بيان أن توزيع الأرزاق بين الناس حسب علم الله تعالى وحكمته، وليس بسط الرزق دليل على رضا الله تعالى، ولا قبضه يدل على عدم الرضا.
رابعاً: أهمية التفكر في ملكوت الله تعالى، وما أودعه الله سبحانه فيه من المخلوقات والأجرام السماوية، وأن ذلك مدعاة للإيمان وحسن التوجه إلى الله تعالى بأنه الخالق المدبر المعبود الذي لا يُعْبد سواه.
خامساً: اليقين الجازم بأهمية القرآن الكريم وأنه كتاب هداية وإرشاد وبيان لكافة مناحي، ويجب على المسلم أن يوليه عناية واهتمام كاملين من حفظ وتدبر وتطبيق.
سادساً: إن علم الله وقدرته محيطة بكل الأمور الكونية والاجتماعية قال تعالى: ï´؟ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ï´¾ [الطلاق: 12].
سابعاً: عناية الإنسان بإصلاح نفسه والحرص كل الحرص على إتباع أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه؛ لأن ذلك بعون الله تعالى دليل خير في المجتمع المسلم، فلعل بصلاحه وإخلاصه ودعائه يكون سبباً في صلاح مجتمعه، أو التخفيف من عقوبة الله تعالى للعاصين.